فأخبرني مم كان التاج ؟ فقال: يا أخا اليهود كان تاجه من الذهب السبيك له تسعة أركان على كل ركن لؤلؤة تضيء كما يضيء المصباح في الليلة الظلماء . واتخذ خمسين غلاما من غلمان البطارقة فمنطقهم بمناطق الديباج الأحمر وسرولهم بسراويل القز الأخضر وتوجهم ودملجهم وخلخلهم وأعطاهم عمد الذهب وأقامهم على رأسه , واصطنع ستة غلمان من أولاد العلماء وجعلهم أولاده , فلما يقطع أمرا دونهم وجعل ثلاثة منهم عن يمينه وثلاثة عن شماله .
فوثب اليهودي وقال : ياعلي إن كنت صادقا فأخبرني ماكانت أسمائهم ؟ فقال علي عليه السلام : أخبرني حبيبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ان الذين كانوا عن يمينه أسمائهم ( تمليخا , ومكسلمينا , ومحسلمينا) وان الذين كانوا عن شماله (فمرطليوس , وكشطوس , ووسادنيوس) وكان يستشيرهم في جميع أموره وكان اذا جلس كل يوم في صحن داره واجتمع الناس عنده دخل من باب الدار ثلاثة غلمة في يد
احدهم جام من ذهب مملوء بالمسك , وفي يد الثاني جام من فضة مملوء من ماء الورد وفي يد الثالث طائر , فيصيح به فيطير حتى يقع في جام ماء الورد فيتمرغ فيه حتى ينشف مافيه بريشه وجناحيه . ثم يصيح فيه الثاني فيطير حتى يقع في جام المسك فيتمرغ فيه حتى ينشف مافيه بريشه وجناحيه . فيصيح به الثالث فيطير فيقع على تاج الملك فينفض ريشه وجناحيه على رأس الملك بما فيه من المسك وماء الورد , فمكث الملك في ملكه ثلاثين سنة لا يصيبه صداع ولا وجع ولا حمى ولا بصاق ولا لعاب ولا مخاط , فلما رأى ذلك من نفسه عتى وتجبر وطغى واستعصى وادعى لنفسه الربوبية من دون الله تعالى ودعا اليه وجوه قومه فكل من أجابه أعطاه وحباه وكساه وخلع عليه ومن لم يجبه قتله . فأجابوه بأجمعهم فأقاموا في ملكه زمانا يعبدونه من دون الله تعالى
فبينما هو ذات يوم جالس في عيد له على سريره والتاج على رأسه إذ أتى بعض بطارقته فأخبره أ ن عساكر الفرس قد غشيته يريدون قتله فاغتم لذلك غما شديدا حتى سقط التاج عن رأسه وسقط هو عن سريره , فنظر تمليخا له وكان عاقلا حكيما فتفكر وتذكر في نفسه وقال : لو كان دقيانوس هذا الها كما يزعم لما حزن ولما كان ينام ولما كان يبول ويتغوط , وليست هذه الافعال من صفات الاله , وكانت الفتية الستة يكونون كل يوم عند واحد وكان ذلك اليوم نوبة تمليخا , فاجتمعوا عنده وأكلوا وشربوا ولم يأكل تمليخا ولم يشرب فقالوا ياتمليخا ! مالك لا تأكل ولا تشرب ؟ فقال : ياأخواني قد وقع في قلبي شيء منعني من الطعام والشراب والمنام , فقالوا : وما هو ياتمليخا ؟ فقال : أطلت فكري في هذه السماء فقلت: من رفعها سقفا محفوظا بلا علاقة من فوقها ولا دعامة من تحتها ؟ وما أجرى فيها شمسها وقمرها ؟ ومن زينها بالنجوم ؟ ثم أطلت فكري في هذه الأرض من سطحها على ظهر اليم الزاخر ومن حبسها وربطها بالجبال الرواسي لئلا تميد , ثم أطلت فكري في نفسي وقلت من أخرجني جنينا من بطن أمي , ومن رباني وغذاني ؟ ان لهذا صانعا ومدبرا سوى دقيانوس , فانكبت الفتية على قدميه وقالوا : لقد وقع في قلوبنا مثل ذلك فأشر علينا , فقال : يا أخواني ما أجد لي ولكم من حيلة إلا الهرب من هذا الجبار إلى ملك السماوات والأرض , فقالوا : الرأي رأيك , فوثب تمليخا وابتاع تمرا بثلاثة دراهم وسرها في رداءه وركبوا خيولهم وخرجوا فلما ساروا ثلاثة اميال من المدينة قال لهم تمليخا : ياأخوتاه قد ذهب عنا ملك الدنيا وزال عنا أمره فأنزلوا عن خيولكم وامشوا لعل الله يجعل من أمركم فرجا ومخرجا فنزلوا عن خيولهم وساروا على أرجلهم سبع فراسخ حتى صارت أرجلهم تقطر دما لأنهم لم يعتادوا المشي . فاستقبلهم راعي , فقالوا أيها الراعي أعندك شربة ماء أو لبن ؟ فقال : عندي ماتريدون ولكني أرى وجوهكم وجوه ملوك وما أظنكم إلا هرابا فأخبروني قصتكم ؟ فقالوا ياهذا إنا دخلنا في دين لا يحل لنا الكذب أفينجينا الصدق ؟ فأخبروه بقصتهم فانكب الراعي على أرجلهم يقبلها وقال: قد وقع فيقلبي ما وقع في قلوبكم فقفوا هاهنا حتى أرد الأغنام إلى أربابها وأعود اليكم
فوقفوا له حتى ردها ثم أقبل يسعى فتبعه كلب له .
فوثب اليهودي قائما ثم قال: ياعلي ان كنت عالما فأخبرني ماكان لون الكلب واسمه ؟ فقال: يا أخا اليهود حدثني حبيبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ان الكلب كان أبلق بسواد وكان اسمه (قطمير) وقال : فلما نظر الفتية الى الكلب قال بعضهم لبعض : انا نخاف أن يفضحنا هذا الكلب بنبيحه فألحوا عليه طردا بالحجارة , فلما نظر اليهم الكلب ألحوا عليه طردا بالحجارة أقعى على رجليه وتمطى وقال بلسان ذلق ملق : ياقوم لم تطردوني وأنا أشهد الا اله الا الله وحده لا شريك له دعوني أحرسكم من عدوكم وأتقرب بذلك إلى الله تعالى فتركوه ومضوا فصعد بهم الراعي جبل ونزل بهم على كهف
فوثب اليهودي وقال: ياعلي ما أسم ذلك الجبل ؟ وما اسم ذلك الكهف ؟ فقال سلام الله عليه : يا أخا اليهود اسم الجبل (ناجلوس)واسم الكهف (الوصيد) وقيل ( خيرم )
قال: واذا بفناء الكهف أشجار مثمرة وعين غزيرة , فأكلوا وشربوا , وجنهم الليل فآووا الى الكهف وربض الكلب على باب الكهف ومد يديه عليه , وأمر الله تعالى ملك الموت بقبض أرواحهم ووكل بكل رجل منهم ملكين يقلبانه من ذات اليمين الى ذات الشمال ومن ذات الشمال الى ذات اليمين , قال: وأوحى الله الى الشمس فكانت تزاور عن كهفهم ذات اليمين اذا طلعت واذا غربت تقرضهم ذات الشمال .
المفضلات