قصيدة الفرزدق الرائعة في مدح الإمام زين العابدين علي بن الحسين"ع" كاملة + مناسبة القصيدة



قصيدة الفرزدق في مدح الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب"ع"، والتي
كلفته أن يُـحْـبَس بين مكة والمدينة كما سنذكر في نهاية القصيدة في مناسبتها وذكر بعض روائع
مقاصدها:



هـــذا الـذي تــَعرفُ البـطحاءُ وَطأتـه * والبــيـتُ يَعــْرفــــــــه والحـــــلُّ والـــحــَـــرَمُ
هـــذا ابـنُ خـيـرِ عــبـادِ اللـهِ كـُلُّـهمُ * هـــذا التــقـــيُ النــقــيُ الطــاهــرُ الــعلـمُ
هــذا ابـن ُفـاطمةٍ اِنْ كنـتَ جـاهـلـه * بــــجـده اَنــــــبـــيــــاء اللـهِ قـــد خــُتـِــمــوا
وليـــس قـولــك مَـنْ هـذا بــضائــره * العــُـرب تـــعــرف من انـــكرْتَ والعــــــجـــمُ
كــلـتـا يــديـه غيــاثٌ عَـمَّ نـفـعهمـا * يــستـــوكــفـــان ولا يــــــعروهـــمـا عـَـــدمُ
سهــلُ الخـَليـقـةِ لا تخشى بــوادره * يزينـه اثـــنـــان حُسـنُ الخلــقِ والشـِّــيــَــمُ
حَـمّـالُ اَثـقـالِ اَقـوام ٍ اِذا امـتُـدِحــوا * حـُـــلْـوُ الشـــــــمـائــــلِ تــحـلـو عنـده نِعـَمُ
مـا قـال لا قـَـطُ اِلا فـي تـَــشـهــدِه * لــــولا التـــشــــهـّد كانـــــت لاءه نـــــــعــمُ
عـمَّ البـريــة بـالاِحسان فانـقَشعـَت * عنـــهـا الغَيـــاهــبُ والاِمــــلاقُ والعــــــدمُ
اِذا رأتـْــهُ قــريــــشٌ قـــالَ قـائـلــهـا * إلى مـــكارم هـذا يـَــنــتـــهــــي الكـــــــرمُ
يُـغْضي حيـاءً ويـُغْـضَى مـن مـهابـته * فلا يـُــــكـــلـَّـم اِلا حيـــــن يَـــبــتـــســــــمُ
بــكفـّـه ِ خَـيــزرانُ رِيـــحـهـا عـبـــقٌ * مـــن كـفِ اَروع فــي عــرنــيــنـه شـــمــــمُ
يـَـكـادُ يــمسكــه عـرفـــان راحـتـــه * ركـــنُ الحـــطــيمِ اِذا مـــا جــاءَ يـَـســتـلِـــمُ
اللـهُ شـرّفـــه قِـــدَمـــــاً وعَـظّــمَـه * جرى بذالك له في لَوحـِــه القـَـــلـــــــــــــمُ
ايُّ الخـلائــقِ ليسـتْ في رقــابِـهُمُ * لأَوّلـِـــيـّـِـــــــــــــه هذا أو لـَـــــهُ نِــــــعَــــمُ
مَـن يــَـشـكرِ اللهَ يــَشـكر أَوّلِـيّــةَ ذا * فالدِّين من بـيـت هذا نــــالـَــه الاُمـــــــــــمُ
ينـمى إلـى ذروة الدِّين التي قَصُرت * عنها الأكف وعـــــن إدراكـــــــــــــها الــقَدَمُ
مِــن جــدِّه دان فـضـْل الأنــبــيـاءِ له * وفــــــضل أمّــتـِـــه دانــــت لــــــــه الأُمـــمُ
مُــشـتــَقـّة مـن رسول الله نَـبْعـتـه * طابــــتْ مَغــــــارِســـه والخِيـم وَالشّــيَــــمُ
يَنشق ثـوبُ الدُّجـَى عـن نــورِ غرّته * كالشـّمـس تـَنـجــابُ عن إشراقـِها الــظُّـلَـمُ
مـن مـعشـرٍ حبـّهـم دِينٌ، وبـغضهُمُ * كفــــْرٌ، وقــربــــهــم مَـنـــجَى ومـُـعتـــصَمُ
مـقـدَّمٌ بــعد ذِكـــرِ الله ذِكـرُهـُـــــمُ * في كِــلّ بــدءٍ، ومــخــتـــــومٌ بـــه الكلــــــمُ
إنْ عُدَّ أهــل التّـقَى كانوا أئمـّتـهـم * أو قيل: «مَن خيرُ أهل الأرض؟» قيل: هـُــــمُ
لا يــستـطيـع جـــوادٌ بـعد جـودِهـُمُ * ولا يــــدانـــــيـــهــم قــــومٌ إنْ كَــرِمـــــــــوا
هــُـم الغيــوثُ، إذا مـا أزمــةٌ أَزِمَـتْ * والاُسْـدُ اُسْـدُ الشـَّـرَى، والبأس مُــــحـْـتـدمُ
لا يَنـقصُ العسرُ بـَسطاً من أكفِّهـُمُ * سيّــــــــان ذلــك: إنْ أثـــروا وإنْ عـَــدِمــــوا
يـُـستــدفــعُ الشرُّ وَالبلوى بـحبّـهُمُ * ويــستـــــــربُّ بِــهِ والإحـــســانُ والنِّــــعَـمُ

* مناسبة القصيدة وبيان بعض روائع مقاصد الشاعر:

وهنا نقتبس ذلك من كلمات رائعة من مقال لسماحة السيد أمين السعيدي حفظه الله، حيث جاء فيه:

(... وكفانا عن قول الخاصّة بعد أن تهافتت أقوال العامّة للقول فيه -يعني الإمام السجاد "ع"-
بكل ما هو جليلٌ من تعابير اللغة، وعالٍ من الحقائق النظِرة، في إمامٍ كان يقف شامخاً كبيراً
عظيماً على سُرُجِ البيت العتيق فيتلاقف لمساته النّورانيّة ذاك الحَجَر الأسود في ركنه، ليَفخر
بحناياه العطرة على كلِّ الوجود، وقد انشقَّت له جماعات الحجيج المحتشدة سماطَين كما ينفرج
الجيش العنيد ببواسله أمام وطأة الفارس الأَنْزَع، بينما يَعسر ذلك على الملوك رغم ما لهم من
سلطان وقوّة واقتدار وسطوة بحيث تنتظر انتظار الرّعايا لجلوات مليكها، كما حصل للحاكم
الأموي هشام بن عبد الملك، ليجيء فخر المؤمنين وسليل عُرَى الفلاح بخشوعِه ووصالِه فتَفْتِق
له الصّفوف المتراصّة سبيلاً تلتهي منه بنظراتها الشّاخصة وأنفاسها المتلهّفة لطلعة ابن رسول الله،
ووالد باقر علوم الأوّلين والآخرين، حتّى يقف الشّاعر الأنصع شعراً، والألذُ مذاقاً وحِسّاً، لا غاوياً
ولا هائماً ولا وجلاً، فيرتجل فيه –ردّاً على الحاكم السّائل المستفيض بالعَجب المتزلزل بسلطنته
وسلطانه- بأبياتٍ ملأ الدّنيا رنينها، وخطَّت كتب التّأريخ سطورها، بعذب كلماتها الفوّاحة
الممتزجة بوحي الكلمات ومعانيها العالية الّتي لا ينسجها ولا يدركها غير قدير، لتقول للدَّعي
مقولة الطّاهر ابن الطّاهر:

أنت حاكم الأجساد وهذا حاكم القلوب!

ولـتُـرَدّ مقولة القائل: "أَعْذَبُ الشِّعرِ أَكْذَبُه" بأنَّ: "أَروعَ الشِّعرِ أَصْدَقُه".

وهنا لنا وقفة عابرة مع صدرِ بيتٍ واحدٍ من تلك القصيدة الفرزدقيّة وعجزه القائل فيها شاعرها:

ما قال لا قَطُّ إلا في تشهّدِهِ لو لا التَّشهّدُ كانت لاؤُهُ نَعَمُ

وهذه المنقبة الرّفيعة للإمام عليه السّلام هي من أبرز سجاياه وصفاته العالية، وشهادة أخرى من
الشّهداء، إلا أنّنا يمكن أن نُلفِت القارئ إلى معنيين قد يتراودان في قلب الشّاعر ولا يُلتَفَت
إليهما معاً من قِبَل القارئ، وهما:


الأوَّل:-
أنَّ قوله "لو لا التّشهّدُ كانت لاؤه نَعمُ" يُفهم منها أنَّ نفْس التّشهّد لو لم يتضمَّن كلمة "لا"، لما
صدرت عنه عليه السّلام هذه الكلمة أبداً تبعاً لسجيّة الكرم فيه من آبائه الطّاهرِين، وبهذا تكون
"لا" التّشهّد في عَجْزِ البيت استثناءً من قوله: "ما قال لا قَط" في صدر البيت ومصداق أداة
الاستثناء "إلا" الواردة فيه؛ أي لم يقُل "لا" أبداً في جميع حالاته غير حالةٍ واحدة، هي حالة
التّشهّد، وإلا لو لا التّشهّد لما سُمِعَ منه هذه الكلمة ولما صدرت عنه، فهو الكريم ابن جدّه
وأمّه وآبائه الكرماء.


الثّاني:-
أنَّ قوله "لو لا التّشهّدُ كانت لاؤهُ نَعَمُ" يراد به من الشّاعر كون نفس كلمة "لا" تعني "نَعم"،
وبتعبير آخر: أنَّ قول أشهد أن لا إله إلا الله، هي بمثابة نعم الإله هو الله وحده، فهي مستبطِنة
لمعنى الإثبات لا لمعنى النّفي، وبهذا تكون العبارة في عجز البيت مصداق العبارة في صدره
القائلة "ما قال لا قَط" لا بالاستثناء منها؛ أي ما قال "لا" أبداً ولا في حالة من حالاته، وحتّى
الّتي يقولها في التّشهّد إنّما هي نَعَم وتذلّل وإذعان، فكلّه عطاءٌ وكرم.

والمعنى –كما يقال- في قلب الشّاعر، ذلك الشّاعر الّذي راح ضحيّة الحقِّ والحقيقة، فهذه
الكلمات والحقائق الواردة في القصيدة هي الّتي جعلت من الأبرش الكلبي ينجو من سطوة هشام
بن عبد الملك حين أنكر عرفانه بالإمام، في الوقت الّذي كلَّفت فيه الفرزدق أن يُحْبَس بين مكّة
والمدينة غضباً منه على جوابه له بهذا الجواب المذِل...).


المصدر:راجع (الجزء الأول) من المقال فيما نشرناه لسماحته تحت عنوان [سلوكيّات شيخ
المدينة (الإمام علي بن الحسين"ع") بين التّناقض والاستقامة]الموجود في الرابط التالي:





تقبلوا تحيات قِسم الإعلام لـ لزاوية القصائد الخالدة ( في أهل البيت "ع" + القصائد العامة)
المثَـبَّـتة على حائط جماعة أنبياء أولي العزم (ع) في الفيس بوك



الرّابط المباشر لحائط جماعة أنبياء ألي العزم (ع):



وإليكم أيضاً الرابط المباشر لـ(ألبومات) الجماعة على الفيس بوك: