الموضوع بعد تعديل الآيات القرآنية ..تدبر قرآني رائع ..
بسم الله الرحمن الرحيم ..اللهم صلّ على محمدٍ وآل محمد
حضرت أمسية قرآنية في أول جمعة من شهر رمضان المبارك في مجلس الإمام الحجة "عج" في منطقة سنابس
وكان من ضمن الفقرات كلمة تدبرية في سورة الشرح للأستاذة الحوزوية مديحة آل خاتم جميلة جداً ،في الأسلوب والطرح والوقفات التدبرية ، كفيلة بالقراءة والتأمل .. أقرأ وأحكم ..
لقد بلغ محمد بن عبد الله "ص" أسمى درجة من الكمال لم يبلغها أحد قبله ، ولا يمكن لأحد أن يبلغها غيره ، وكل ذلك بفضل الله ومنه وتوفيقه .
نزلت هذه السورة في ظروف الشدة والعسر في مكة في الفترة الصعبة التي كان رسول الله "ص" والصحابة يلقون فيها ألوان الاضطهاد والأذى على أيدي عتاة قريش .
في هذه الظروف نزلت هذه السورة بأربعة دروس (وأية أربعة)؟!
دروس ضرورية لابد للعاملين في أي زمان وفي أي مكان الأخذ بها ، ومن دون هذه الدروس لا يمكن أن يواصل المؤمنون عملهم في الدعوة إلى الله عزّ وجل .
وهذه الدروس هي :-
1- شرح الصدر ، 2- الأمل ، 3- المقاومة لسنتين متقابلتين وهما سنة الاستدراج ، وسنة الابتلاء ، 4- الذكر والارتباط بالله .
الصدور أوعية المعرفة ، كما هي أوعية الابتلاء ، فمن الصدور صدور شرحها الله تعالى للمعرفة ، فتعي وتبصر ، وتنفتح على المعارف ، وتتلقى من النور والوعي مالا يتلقاه الآخرون.
ومن الصدور صدور قاسية ، لا يدخلها النور ، ولا المعرفة ، ولا تتفتح على الهداية ، وبينهما درجات ومراتب بعضها فوق بعض .
الصدور التي شرحها الله يدخلها النور ، وأما القاسية فلا ينفذ إليها النور ، إلا إذا نفذ النور إلى عمق الحجارة الصلدة ، وليس العجز في النور ، ولكن في الصدور ،فإن النور ينزل على كل مكان من غير حساب ، ولكن الصدور تحتجب عن النور عندما تكون قاسية .
السؤال (هل يمكن إمتلاك الصدر المنشرح)؟
نعم ، يمكن، روي أن البعض قال للنبي "ص" يا رسول الله أينشرح الصدر ؟قال : نعم ، قالوا: وما علامةُ ذلك ؟ قال : (التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود، والإعداد للموت قبل نزوله ) إذاً الزهد في الدنيا والرغبة إلى الآخرة و الأستعداد للموت توجب انبساط القلب وسعته.
في هذه السورة إظهارٌ لبعض النعم التي أعطاها الله تعالى لرسوله الكريم وكان يجد فيها السعادة الكبرى .
نلا حظ هنا الباري عزّوجل قال : }أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ{1}[ولم يقل : ألم نشرح لك قلبك؟لماذا؟
لأن الصدر هو محل وسوسة الشيطان (الّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النّاسِ) فالقضاء على الوساوس وإبدالها بدواعي الخير هو الشرح ، والشرح يختص بالصدر دون القلب ، لأن القلب هو حرم الله المنشرح بنور الله تعالى ولا يحتاج إلى شرح آخر ، فإذا رأى الشيطان بأن القلب محصن بالصدر المنشرح فسوف يرجع على أعقابه خائباً ، ولكن إذا وجد فيه مسلكاً ينزل جنوده فيبث الهموم والغموم في الصدر حتى يضيق على صاحبه .
(السؤال الذي يطرح نفسه ) كيف شرح الله سبحانه صدر نبيه؟ وهل كان يحتاج إلى ذلك؟
بسطه بحيث يتسع لما يُلقى إليه من الوحي ومن ثم يبلغه للناس كافة ، بسطه بحيث يستطيع مواجهة المكاره والصعوبات والأذى من كفار قريش .
وجاء شرح صدر النبي (ص) بفعل ملازمة أعظم ملك من ملائكة الله (جبريل "ع") ثم بوحي القرآن ، ثم بمكافحة المعارضين ، ولا شك أنه "ص" كان يحتاج إلى ذلك ، وكان للإمام علي "ع" دورٌ بارزٌ في حمل الوزر وإذهابه عن شخص النبي محمد "ص" ولهذا قال "ص"(قام الإسلام بسيف علي ومال خديجة) وكان لسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام وبنيها الحسن والحسين عليهما السلام دورٌ في شرح صدره عليه أفضل الصلاة والسلام.
وهنا نلاحظ أن الله سبحانه قال :}أَلَمْ نَشْرَحْ [ولم يقل ألم أشرح ؟
إذا قلنا : النون في (نشرح) للتعظيم فأنها تدل على عظمة المنعم ومن ثم تدل على عظمة النعمة، وأن العقول البشرية لا تستطيع معرفة شأنها وجلالها .
وإن حملناها على نون الجمع فالمعنى كأنه تعالى يقول : لم أشرحه وحدي بل استخدمت فيه ملائكتي أيضاً ، فكنت ترى الملائكة حولك وبين يديك ينصرونك ويمنعونك من الأعداء ويقووُّن قلبك ... فأديت الرس وأنت قوي القلب .
ثم بعد ذلك يمن الله سبحانه على رسوله أنه وضع عنه وزره (حمله الذي أثقل ظهره )
}وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ{2} الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ{3} [والوزر هنا ثقل العمل والرسالة الذي كاد أن ينقض ظهر رسوله لولا تأييد الله سبحانه وتعالى .
· كيف وضع الله الثقل الذي كان يشعر به النبي محمد (ص) من المواقف الخطرة التي كان يواجهها ومن الحرص في التبليغ ، وما كان يلاقيه من قومه ؟
أذهب الله عنه هذه الأثقال والهموم بعد إن أنجاه من أعداءه ، وأنفذ دعوته وأمضى جهاده وكتب له النصر والسموّ ، فمفهوم الرسالة هو الثقل الرئيسي الذي كان على عاتق النبي (ص).
تخفيف الحمل بالإسناد والتأييد ،مثلاً قد قاتل الملائكة دون رسول الله "ص" في معركة بدر ودافعوا عنه ، وأنزل الله عليهم المطر ، وكانت الأرض التي عليها المسلمون يومئذ رملية فتلبدت
بمعنى تصلبت ، والأرض التي عليها المشركون طينية فتطينت وتزلقت بهم .
· عندما حمِّل نبي الله موسى (ع) مهمة الذهاب إلى فرعون ، طلب من الله سبحانه شرح الصدر وتسهيل الأمر وأن يجعل له وزيراً من أهله يساعده في حمل المسؤولية التبليغية ، فهل طلب النبي (ص) هذه الأمور ؟ وإن لم يسأل هل وفرت له هذه المتطلبات ؟
في رواية عن النبي (ص) أنه قال : (.. اللهم أني أسألك بما سألك أخي موسى أن تشرح لي صدري ، وأن تيسر لي أمري وأن تحلّ عقدة من لساني يفقهوا قولي ، واجعل لي وزيراً من أهلي علياّ أخي أشدد به أزري ، وأشركه في أمري كي نسبحك كثيراً ونذكرك كثيراً إنك أنت بنا بصيراً ).
== نعم عندما يخلص العبد لربه حياته ، ويصفو من أردان الدنيا ومصالحها وشهواتها ، ويتخلص من قيود المادة وأغلالها يصبح قرين الرسالة يسمع بها ، ويعلو ذكره بسبب تصديه لنشرها وذوبانه في بوتقتها ، كذلك سيد المرسلين استخلصه الله لنفسه ، فأصبح ذكره قرين ذكر الله ، وطاعته امتداد لطاعة الله سبحانه ..}وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ{4} [نعم رفع الله ذكر نبيه (ص) فاسمك يا محمد مع اسم الإسلام والقرآن قد ملأ الآفاق ، وأكثر من ذلك اقترن أسمك باسم الله سبحانه في الأذان يرفع صباح ومساء على المآذن ، والشهادة برسالتك لا تنفك عن الشهادة بتوحيد الله في الإقرار بالإسلام وقبول الدين الحنيف .
وأي فخراّ أكبر من هذا ؟ وأي منزلة أسمى من هذه المنزلة .
وضمّ الإله اسم النبي إلى أسمه إذ قال في الخمسِ المؤذنُ أشهدُ
وشقّ له من اسمه ليُجِلّه فذو العرش (محمودٌ) وهذا (محمدُ )
وهذا الوعد الإلهي يغمر القلب نوراً وصفاء ، ويبعث فيه الأمل بالنصر ويزيل غبار اليأس عن روح الإنسان .
}فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً{5} إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً{6} [.
إن سنة اليسر بعد العسر من السنن الإلهية الأكيدة التي ورد التأكيد عليها في القرآن في مواضع عديدة ، والإيمان بهذه السنة ووعيها من ضرورات العمل .
ومن لطائف التعبير القرآني في هذا المقطع تنكير اليسر في الآيتين وتعريف العسر ، فلابد أن يكون المقصود من العسر فيهما عسراً واحداً بخلاف اليسر .
والسر في ذلك ، أن ألف اللام في العسر الثاني للعهد وهو إشارة إلى العسر الأول ، فيكون واحداً بخلاف اليسر.
نستنتج أن وراء العسر الواحد يسران : يسر في الدنيا وآخر في الآخرة ، يسر نابع من رحمة الله التي وسعت كل شيء ، ويسر منبعث من الصبر والاستقامة ، وبالتالي من رحمة الله الخاصة بالمؤمنين تكررت هذه لآية للتأكيد والتثبيت .
يقول الإمام علي "ع" :
إذا ضاقت بك الدنيا تفكر في ( ألم نشرح)
تجد يسرين مع عسرٍ إذا فكَرتها تفرح .
*فما هو العسر الذي واجهه الرسول (ص) وما هما اليسران اللذان وجدهما بعد العسر ؟
العسر الذي واجهه الرسول "ص" هو عسر الرسالة ، قال تعالى : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا)
والمراد من اليُيسران هما 1- انشراح الصدر ووضع الوزر ،2- هو يسر الحشر ، أي ارتياح النبي "ص"من أداء الرسالة بشكل كامل ومن ثم اليسُر الآخر الذي عند الله (وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى) . وهذا ما يراه المؤمنين في الدنيا إذ يرى يُسرين مقابل العسر الواحد .
}فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ{7} وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ{8}[.
أي إذا انتهيت من أداء أمر مهم فابدأ بمهمة أخرى جديدة ، فلا مجال للبطالة والعطل ، كن دائماً في سعي مستمر ومجاهدة دائمة واجعل نهاية أية مهمة بداية لمهمة أخرى .
يعلمنا القرآن أن نصل الحركة بالحركة ، والعمل بالعمل ، والنشاط بالنشاط ، ولا ندع الشيطان يتسلل إلى نفوسنا في الفترات التي تفصل بين مراحل العمل.
لأن الإنسان إذا واجه الفشل في مرحله من مراحل العمل نزعت نفسه إلى الركون إلى الراحة والاسترخاء ، حتى يتخلص من مرارة الفشل ، وهو لا يعلم أن هذا الاسترخاء أضر عليه من الفشل نفسه أضعافاً مضاعفة .
} وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ{8}[.
أن تكون حركتنا ، وعملنا الدائم المتصل إلى الله ، وأن نطلب مرضاة الله ، وان نطلب وجه الله ، ونوجه عزمن وحركتنا وهمتنا إلى الله .
ملاحظة ..
فانصب في اللغة : أمرٌ بالنصب ، نصباً للشيء أي رفعه وإقامته لا النصب (التعب) في دعاء كميل ( فإليك يا ربِّ نصبتُ وجهي ... )
من أي شيء يفرغ الرسول لكي ينصب إلى الأمر الآخر ؟ فإذا قلنا إنه يفرغ من تأدية الرسالة أو الصلاة فهل أن الله سبحانه يدعوه إلى أن يتعب نفسه بعبادته ودعائه كما قيل ؟
من الواضح أن النبي "ص" ما فارق الدعاء والصلاة طيلة حياته وأنه ما كان يجد فيهما التعب والنصب بل يرى فيهما الراحة الكاملة ، فكما ورد أنه كان يقول لبلال الحبشي : (أرحنا يا بلال ) وذلك بأذانه ومن ثم التوجه للصلاة والدعاة ، والفاء المفرغة في قوله: }فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ{7} [ توحي إلى ارتباط بأصل موضوع السورة ، أي بشرح الصدر ووضع الوزر ، فالفراغ هو عن إبلاغ الرسالة ، ولا يكون الفراغ إلا عند حضور الموت ، وليس النصبُ إلا لاستمرارية الرسالة ، ولكي يرغب إلى ربه كاملاً ومؤدياً ما عليه (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ)
يعني يا حبيب الله نصب علياً خليفة على الناس .
سأل الإمام الصادق "ع" عن تفسير هذه الآية فقال : ( إذا فرغت من إكمال الشريعة فانصب علياً بالولاية ).
الله يعطيها العافية ..
وفي ميزان حسناتها ..
المفضلات