الفصل الرابع .................................................. .................................................. .....
مطر... ورعود...وبرد يفتت العظم ويجمد الدم في العروق .. وام حنونه محنية الظهر اهلكها المرض والفقر.. تغطي طفلها اليتيم بحصيرة خوص.... وتناغيه لينام في حضنها...
تحاول تحميه من ظلم الزمان ... وتوعده ببكره اللي بيغير حاله الى احسن حال... الله بيرد له حقه من كل ظالم في يوم من الأيام...
كان هذا عيسى .. طفل صغير بحضن امه اللي مايذكر ملامح وجهها كيف كانت ؟
يذكر بس صوتها و الأغنيه اللي اعتادت تغني له كل ليله لحتى ينام.... من لما فهم عالدنيا و كان عمره سنتين لحد هاللحظه اللي ماتنمحي من ذكراه...
ذيك الليله.. وعمره وقتها 5 سنوات. .. كانت آخر لحظات له مع امه وهي تمسح على شعره و تحاول تدفي جسمه تحت الحصيره الرطبه من المطر من سقف الصندقه القديمه اللي عايشين فيها .. لينام على صوتها الشجي التعبان والمتقطع مع كل سعله ذابحه ...:
ولدي احسك في الحشا
وانت على صدري
اليوم ترويني ضوى
وتغسل شقى عمري
ليصحى يوم ثاني يلقاها نايمه... يطلع من الصندقه القديمه ويمشي بالمزرعه اللي هي فيها..
مزرعه واسعه فيها من خيرات الله ما شاء وتبارك...
يوقف قدام بيت في بداية المزرعه .. بيت جميل ونظيف .. ذاكرته ماتحمل عن تفاصيل محتواه أي شيء...
ويسمع صوت امه يرن في مسامعه:
ــ هالأرض ياولدي ارضك.. وهالدار دارك.. و مردهم لك ..اكبر ياولدي وصير رجال و اخذ حقك بيدك....
قعد عيسى من النوم .... كانت الساعه 10 الصباح... ظل منسدح يتأمل سقف غرفته المتصدع واللي يذكره بطفولته و بسقف الصندقه .. الأثنين يسربو ماي المطر والفرق بينهم فقط اسمنت وخشب !
حط ذراعه على جبهته.. وصار يفكر بهالحلم اللي مو راضي يفارقه و بهالحقيقه المره اللي عاجز انه يوصل ليها..!
تنهد وصار يتمتم مافي ذاكرته من امه :
ان كنت تدري بالحياة
ولا انت ماتدري ؟
وبتنهيده ثانيه :
ــ ايييه .. اماااه.. ماودي ادري بهالحياه.. والله ماودي !
يحس نفسه يسمع صوت خفيف يغني .. صار يتصوخه... لقاها خالته ام علوي في الحوش .. :
ـ ياطير يابو البشايرقلبي على احسين طاير
لو قدر الله وسبب بنزور لابو المنايريــــــــــــالله
ياطير بلغ سلامي لحسين حلو المعاني
زايد له شوقي وغرامي يمتى انشوف المنايريـــــــــــــــــالله
ابستم..وتنهد:
ــ لو بيدي وديتش كل محل يالغاليه..
وقام طلع ليها..
وفي بيت حسن وحسين..
ام عبدالله , بعد ماخبرتها فاطمه باللي جرى على حسين الفجر.. وكيف جى البيت وحالته حاله لدرجه مستكره نفسه على طول اغتسل وامرها ترمي ثيابه اللي كانت عليه مايبغاهم..
صارت تدعي ماخلت ولا بقت دعوه على هيثم:
ــ وهالمجنووون ماتشوفو له صرفه.. ما تبلغو عليه الشرطه.. مآذينا و مخرب عيشتنا...
فاطمه:
ــ حسين يقول على شان امه فقيرة مسكينه مالها حد غيره ...
ــ ويش دعوه هو مسوي ليها شي ... الله ليها... حنا حواليها.. مسكينه صدق ماشفنا من هالمرأه شي .. كافيه الناس خيرها شرها.. اني ماني داريه ولدها دا طالع على مين..حريقة تبات في عافيته... يمشي ويخرب في شباب هالبلد ..
فاطمه بحزن وفي بالها :
ــ اكرهه هالأنسان.. دمار كل بيت مايجي الا من اشكاله.. الله يفرج عنج ياحليمه ..
ــ الله يفرج عنها.. اباقوم اني اشوف الغدا لا شكلنا ما بنتغدى من مرت حميش اليوم الا هوا..
وطلعت الحوش بتروح المطبخ الا تسمع في الطابق العلوي ... حسن يهدر على ولده جعفر ... امه مريم وياهم تتفرج.. وعلي كذلك...
ــ ولمتى يعني بتظل في البيت.. مر اسبوع على حالتك دي .... طردك روح تأسف منه..
جعفر :
ــ اسمح لي يا يبه... والله ما اتأسف لو على قص رقبتي.. اجل يطردني على شان وحده ام حمار لا راحت ولا جت..
ــ انت بس لو تقول لينا منهي دي ام حمار الفانيه اللي سوت هالشبقه.؟؟؟. والا بدون ما تتدخل حضرتها.. شان حضرتك.. جاريت قلالة حيا ام حمار الأوليه.. و افتكينا...
جعفر :
ــ ما اعرفها لو اعرفها قلت.. وبعدين يا يبه عاد اسمح لي حتى لو خويك ..اكتشفت انه يحب الحريم
حسن عصب :
ــ ولعنه.. ويش قصدك حتى لو خويي يعني ضربه لي خويك زيك ها يا قليل الأدب..
ــ لاااااااا محشوووم يبه ماقصدي .. بس لويه يعني حتى لو كانت زبونه مو لهالدرجه يعاملها على حسابي
ــ اممممم.. هو صدق ابو جابر يحب النسوان.. معرس على 4 ... بس ماينلام .. الله منعم عليه خله يستانس..
مريم تطالع في حسن :
ــ شيه.. كل من صار عنده قرشين صك على راس مرته مره؟
حسن قام يتنحنح..:
ــ ايهيييي .. هذا اللي ينقال فيها... سكت دهرا... نطق كفرا .... والله الشرع حلل اربع.. ودام مقتدر ليش لا؟؟؟
مريم انفعلت وحست كأن الكلام فيه شي ضدها:
ــ والله الحمدلله حتى حنا الله منعم علينا ..انت مانشوفك كل تشتغل .. بها ( ارانكو )
علي :
ــ ارامكو اماه .. ارامكو..
مريم بأنفعال :
ــ اهوووو انت بعد.... اللي هي هي .... حق ويه ما نطلع في بيت لحالنا ها.. حق وييييه؟؟
حسن بغضب:
ـ حق ويه الخساير وبيت ابوي الله يرحمه .. ويش كبره ومافيه الا انا واخوي..
ــ بيعوه وتقاسمو الفلوس و كل واحد في بيت..
حسن يصرخ :
ــ ويش اللي ضارنش ... وويش اللي حارنش؟؟؟ هااااااا؟؟!!! . انا مانا شايف الا العكس.. بت عمتي كانت شايلتنش على كفوف الراحه انتين وولادش .. الحين خفتي على عمرش يوم الله عطاها.... تحركي وتلحلحي على روحش .. لمتى وهالبرود ذابحنش .. ولدش صار طول الباب >>>> ويأشر على علي
علي فتح عيونه :
ــ بل !
وصار يطالع في الباب .. ويهمس لجعفر :
ــ الحين انا طوله؟ انقلبت السالفه من صوبك لصوب امي..
حسن :
ــ قومي بس قومي ... شوفي غداش ولا تتدخلي في سوالف الرجال.. تحركي..
نزلت مريم للمطبخ الا ام عبدالله في الحوش... تداري ضحكه فيها... سمعت كل شي كان صوت حسن عالي...
مريم حست على ام عبدالله انها سمعت...
وهي تنزل وعيونها على ام عبدالله وتهدر في قلبها:
ــ افففف متى بس الله يفكني .. ماني ماخذه راحتي في بيتي..
وتتعرقل في طرف ثوبها و تنعوج رجولها ..وبقهر:
ــ وحريقة ضو..ّ!
ام عبدالله مشت عن الحوش تركض للمطبخ خلاص بتضحك في بالها:
ــ غربال واقفه تطالعيني اجل.. تستاهلي ماجاش..
في السجن ...
حليمه باين عليها التعب بزياده...
ام احمد:
ــ يابنتي ايش فيكي اليوم منتي على بعضك؟
ــ مادري ياخاله احس بتعب زياده...
ــ انادي لك المشرفه تاخذك للدكتوره؟
ــ لالا... برتاح شويه..
ــ طيب تسطحي على ظهرك.. ماتشوفين شر..
شوي الا بصياح وجلبه و السجانات يفتحو الزنزانه وتدخل سجينه جديده... وهي تولول وتصارخ لتتسكر وراها الأبواب مره وتتقفل...
تمسك القضبان وتهزهم وهي تصارخ:
ــ والله مايصير ... ليش اني ينحكم علي بس .. وليش هووو لااااا....وين هوو .. اني ماسووويت شي ... ليش ينحاش واني اللي انسجن بس ..
صارت تضرب راسها بالقضبان وهي تصرخ وتصيح..
جمود بالسجينات . انقسم نوعين... جمود لا مبالي ... متعود على هالحالات ... وجمود مندهش اول مره يشوف كذا....
اما اللا مبالي كان عام بالسجينات كلهم بشكل نسبي الا كم وحده حاولت تبعد البنت وتسحبها عن القضبان لا تآذي نفسها...
و المندهش كان لحليمه بس... خصوصا ان هذي اول سجينه تدخل من دخلت حليمه ... فأول مره تشاهد هالمنظر المخيف ...واللي زياده لفت نظرها لهجة البنت... عرفت انها من الجماعه...
ومع هذا الأندهاش و التعب منعها من الحركه فأكتفت تشاهد الموقف و تتأمل البنت اللي كانت جميله بشكل ما ينوصف ..
ظلت البنت تنوح اكثرمن ساعه لحد ما خلاص تبعو السجينات.. البعض صار يشتم فيها و يهزأها... والبعض يأمرها تسكت تراهم مو احسن حال منها...
انتبهت حليمه لأم احمد .. كانت تتأمل هالبنت من اول ما دخلت وهي ساكته.. توقعت منها رد فعل ثاني..
شوي قامت ام احمد.. خذت البنت وبهدوء:
ــ تعالي يمه .. ياقلبي انتين.. خلود تعالي يمه..
وقامت تحضن في البنت .. والبنت مستغربه رفعت راسها لأم احمد:
ــ بس اني مو خلود..
ام احمد تحضنها بقوه لدرجة حست البنت نفسها خلاص ماهي قادره تتنفس ...:
ــ وحشتيني يا بنتي... من زمان عنك... ليه ماتزوريني ..؟؟
وحده من السجينات قامت تفكهم:
ــ ام احمد الله يهديك هذي مو بنتك ..
ــ الا بنتي...و انتي وش دراك..؟
البنت صارت تصارخ... و تحاول تفك نفسها من حضن ام احمد:
ــ ماني خلود.. تباعدي عني .. اني مااااني خلووووود.. اني سناء ..
وتدف ام احمد عنها بصعوبه... ام احمد ساعتها انهارت وصارت تصيح وتضرب في نفسها:
ــ خلود .. وينك يابنتي ياخلوووود... خلووووود
صريخ ام احمد زلزل الزنزانه.. وخلى السجينات حتى اللا مبالايات منهم يخافو من هالوضع ومن هيجانها ...
كلهم مستغربين منها ليش تخيلت سناء بنتها خلود..؟؟؟!!
شوي اغمى عليها ... وقامت السجينات خايفات ووقفو على باب الزنزانه ينادو السجانات.. يلحقو على ام احمد ..
حليمه صارت تحاول تصحي فيها... وتسمع دقات قلبها .. بعده ينبض .. يعني فعلا مغمى عليها...
شوي صارت ام احمد ترفس برجولها وتصافق بأيديها و تِوّن .. دخلت في نوبة هستريا عنيفه جابت الرعب لكل السجينات خصوصا انهم اول مره يشوفوها بهالحاله..
واللي كانت اكثر وحده مرعوبه سناء.. وهذا حالها والأستقبال المريع اللي ماكانت تتوقعه في هالمكان...!
حاولو السجينات يمسكوها ويمنعوها عن الترفيس .. لكن بالغلط جت رفسه لحليمه على اثرها خلاص حليمه تباعدت مرتعبه ومتألمه...
جت السجانات ومعاهم ممرضات يشوفوا لحاله هل هي فعلا حقيقه والا تمثيل ...
خذو ام احمد لعيادة السجن... واقفلو وراهم الأبواب...
وعم الصمت الأرجاء...
وسناء.. ظلت بنص الزنزانه منكمشه تتأمل بعيون شابحه حواليها.. اشكال السجينات وكم وحده حامل فيهم.. بما فيهم حليمه اللي كانت منهاره .. ماسكه بطنها وبصعوبه تحس نفسها تتنفس ... وتهمس من قلب وبلا شعور:
ــ ياعلي ... آآآه... ياعلي...
ياعلي .. لفتت مسامع سناء .. وخلتها تزحف بسرعه وتردد ناحيه حليمه.. جلست جنبها...
حليمه التفت ليها وابتسمت وحاجبها معقود من الألم...
سناء : ــ من الجماعه انتين صح..؟؟
حليمه استغربت من السؤال المباشر و اللي اكد ليها شكوكها ناحية سناء..
هزت راسها .. ايه..
سناء صارت تصيح :
ــ يخوف المكان,, والله ظلم.. ليش ياخذوني اني ويخلوه... انحاش الحين برى البلد... اكيد انحاش..
حليمه التفتت ليها وبتعب :
ــ مين... ؟
سناء بأنفعال:
ــ الـ......... ’’ الـ.............. ,, ماتوقعته والله .. ماتوقعته يسوي فيني اللي سواه...
حليمه من انفعال سناء ومن كلامها.. حست نفسها فهمت سبب سجنها... فما حبت تتكلم وياها اكثر .. خصوصا ان سناء مبين عليها لازالت مصدومه و تقول كلام مو مفهوم ( تهلوس ) ..
و من بين الهلاوس :
ــ كل من ابوي..... كل منه... ياليتني سمعت كلام امي.. ياليتني كنت قريبه منها.. الحين اني باصير مثلش .. كذا .. تتوقعي... ويش باسوي .؟؟؟ ابوي مايبغاني .. وخوالي يبغو يذبحوني .. ماحد بيجي يطلعني بيخلوني هنا على طول...؟؟ تتوقعي ؟؟؟
اسأله متلاحقه غير مفهومة المغزى و تنتهي بكلمة تتوقعي..
واي طاقة في حليمه تخليها تقدر تستوعب كلام هالبنت و يقدرها تتوقع ليها أي توقع؟
حليمه اكتفت بهمسه تعبانه لسناء:
ــ منتين....... مثلي ...
واغمى عليها...
يتبع
المفضلات