الفصل الثامن عشر..
طلع عيسى.. وصل المغسل لقى الناس متجمعين برى يستعدوا لتشييع جنازه.. تقرب مامداه بيسألهم مين المتوفي ؟ الا يسمعهم يقولو:
ــ رحمك الله يابو سلمان... انا لله و انا اليه لراجعون...
عيسى وقف و مو مستوعب اللي سمعه.. الا بطلعة الرجال من المغسل شايلين النعش ومن بينهم سلمان ولد عمه
حزتها عيسى حس رجوله يبست
تنحى على جنب.. وعبروا متوجهيين للمقبره...
صار يمشي وراهم ، و شريط ذكرياته مع عمه يتسارع.. الى ان وصلوا للمقبره وهم يدفنوه.. و في مسامعه يتردد اعتذار عمه.. و اسم الرجال اللي طلب منه عمه يروح له..
خلصوا من الدفن توجه عيسى الى سلمان.. وبأختناق ودموعه انهارت :
ــ عظم الله لك الأجر..
التفت سلمان الى عيسى... و توجه ناحيته ... و عيونه مليانه حزن...
وبلا شعور.... احتضنه .. وشد عليه ..
كان سلمان يرتجف مثل الطير المذبوح.. بدون انين.. بدون صياح.. بدون دموع ... هالموقف خلى قلب عيسى ينقبض.. صار يطبطب على ظهر سلمان ويمسح عليه... ودموعه تصب مو مستوعب هالموقف اللي هو فيه ..
يذكر وجه عمه ويتذكر آخر كلامه له .. و مابين يوم وليله يفارقهم بلا وداع..
وفي بيت عباس ...
عباس : ــ ها ويش قلتوا..؟؟ فكرتوا باللي قلته زين ما زين .؟
حسن : ــ والله نشوف ويش ممكن يطلع بيدنا والله كريم..
حسين: ــ المشكله انها تهمت روحها وتسترت على اخوها.. ودا بالقانون يتسمى التستر على مجرم.. فما يندرى ويش حكمها ..؟؟
عباس: ــ بس اخوها مو بكامل قواه العقليه.. ولا هو مجرم متعمد.. فعلا كان دفاع عن شرف..
حسن : ــ لازم نشوف محامي اول وناخذ استشارته قبل لا نروح ونفتح القضيه ونتورط و نزيد الطين بله...
حسين: ــ و لازم نودي بشير المصح النفسي زي ماقال اخوه .. هو المفروض يكون هناك ويتعالج ,, بس هل انتون متأكدين لماقتل بشير نذير... كان مريض وقتها والا مرض بعد ما قتله..؟؟
عباس : ــ هاا..؟ وويش اللي يفرق في كلا الحالتين دفاع عن شرف اخته...
حسين : ــ تفرق عالأقل حتى لو كان دفاع عن شرف ما يتعاقب او تتخفف العقوبه لأنه مريض نفسيا.. !!
حسن : ــ وين باسم.؟ نادي عليه و اسأله...
جى باسم .. وسألوه...
باسم:
ــ اخوي.. حسيت انا من لما كنا صغار ان فيه شي.خصوصا لما يتهاشو امي وابوي لو يطقه ابوي لو يطق حليمه... ينقلب واحد فاني... كان دايما يقول انه يشوف اشياء و فجأه نشوفه فرحان بدون سبب وفجأه زعلان.. كنا كل نفكره يشلخ علينا بس علشان يلفت النظر له.. خصوصا ابوي كان دايما يفشله و يعتبره ماله فايده بالحياه .. فترك المدرسه وصار يشتغل وياه في المنجره بس على شان يرضيه ...
حسين: ــ مامره سوى فعل عجيب مايتصدق؟
ــ ايه.. كان دايما يتهاوش مع ابوي و ما يخاف منه وعادي يضربه حتى..
حسن:ــ ياساتر ... ومن متى هالكلام؟ وليش ؟
ــ من سنين ,,, اذا هاوش ابوي امي لو حليمه او ضربهم.. بشير ماكان عنده مانع يهجم عليه ويضربه..
عباس: ــ امممم.. لازم نشوف محامي خلال هاليومين ونستشيره .. ونرتب الأوضاع...
حسن: ــ عساه خير..
عباس: ــ هيثموه الخايس اصلا مسجون من ديك الليله عشان قضية الحشيش طاح حظه..
حسين: ــ مو معوره قلبي الا امه من وادي لوادي تدور ماهي عارفه ويش تسوي بعمرها....
بعد يومين..
وعلى باب مرت ام جابر,, مرت ابو جابر الأولى .. بعد ما راحت للرابعه و قالت ليها انه عندها
وقفت ام هيثم... طقت الباب فتحته ليها... استقبلتها ودخلتها... ماكانت تدري بها من هي...
سألتها عن ابو جابر... استغربت... و خافت خصوصا انه اول مره تجي مرأه وتسأل عنه...
دخلتها عليه المجلس ,, وقعدت جنب زوجها بتشوف قضية هالمرأه ومن هي؟
ام هيثم اللي كانت ترتجف و ميته خوف و الحزن ذابحها... ظلت واقفه كم دقيقه وهم يطلبو منها تقعد .. الا ان انهارت على ركبها وصارت تصيح:
ــ دخيلك يا ابو جابر.. اني والله مالي بهالدنيا غيره.. طلبتك تساعدني...
وصارت تصيح .. و تشاهق ..
ابو جابر و مرته انصرعوا..
ام جابر :
ــ ويش فيش؟؟ وويش صاير ؟؟ وويش تبغي ابو جابر يسوي لش..اساسا مين انتين؟
ام هيثم والكلام يتقطع تقطيع مابين شهقاتها والدموع:
ــ اني .. ام هيثم...
من قالت اسم هيثم.. اعتفس وجه ابو جابر ....
ام جابر ماكانت تعرف مين هيثم ولا سمعت به.. كانت مرأه طيبه كافه عافه ماتطلع من بيتها الا للضروره القصوى .. مو مثل زوجاته الثانيات..
ابو جابر و لهجته مو مرتاحه :
ــ خير ان شالله..
ــ خذووه.. خذووه من دي شهر لو زود وسجنوه.. مادري لويه .. اكيد مآذي احد .. هالولد تاعبني وشاقيني بس مالي غيره والله.. طلبتك تروح و تكفله.. و اني حاضره باللي تبغوه..و طلبتكم تخلوني اشتغل عندكم اسوي أي شي .. مالي احد بهالدنيا وكلما رحت لأحد صكو الباب في وجهي ..
كلام ام هيثم اثر في مرت ابو جابر... كانت مرأه كبيره بالسن.... بنت عم ابو جابر فلذلك ظلت على ذمته و اخذ عليها بدل الوحده .. ثلاث... و هي ام جابر..
جابر اللي ضاع من عندها من لما كان في اول شهوره ,ودورا عليه بكل مكان في الفريق .. وبلغوا عن اختفاءه ولكن مالقوه ،، اختفى الطفل .. فص ملح وذاب...
وهجرها ابو جابر وقتها من قهره وعرس عليها يبغى يحرق قلبها .. و هي مو داقه خبر له لنها بغت تموت من حزنها على ولدها... مرضت و كبرها الهم سنين و سنين ..
لكن مع ذلك كان ابو جابر رجع ليها لأنه يحبها ويرتاح ليها.. ولسوالفها.. لا تحن ولا تتطلب ..
فكانت ملجأه اذا بغى الراحه من الهدره..
كانت امرأه طيبه وعلى نياتها... صارت تصيح مع ام هيثم لا شعوريا.. وصارت تطلب من ابو جابر يساعد ..
ابو جابر اخذ ام جابر و دخل وياها غرفه ثانيه .. وخلو ام هيثم تنتظرهم بالمجلس..
ابو جابر:
ــ انتين ماتدري بهالهيثم بلاويه بلاوي مايندرى لويه ماخذينه .. وبعدين انا ما احبه ولا ارتاح له...من جو بهالفريق دي 6 سنين عفر و انا مو مرتاح له هالآدمي..
ــ لويه عاد ويش سوى لك الصبي.. مسكينه امه تقطع القلب.. حاسه فيها والله...فرقى الضنى غالي.. وانت ما شالله عليك يا ابو جابر عندك واسطات وبتقدر تساعدها ان شالله..
ــ حسب البلوه اللي مهببنها.. اففففف استغفر الله اقول لش هالصبي ما اطيقه...
ــ لويه عاااد..!!
ــ مادري من اشوفه ينقبض قلبي و اتضاااايق.. حتى لو ماسوى لي شي وعبر علي عبور..
ــ يادافع البلا.. عاد على شان خاطري اول مره اطلبك .. زين دخيل الله خليها تشتغل في البيت ولو ان ماعندي شي فيه داك الزود .. بس كبرت اني وابغى من يشيل الحمل عني.. وحاول دخيل الله تشوف بس ويش سالفته .. عالأقل طمن قلب امه عليه..
ــ افففف ... انا لله وانا اليه لراجعون.. خلاص ان شالله يصير خير...
ــ ياعساني ما انحرم من طيبك وعطفك.
خلى ابو جابر ام هيثم تبات مع مرته و طلب منها تشتغل عندها.. وطلع من عندهم و التفكير شاغل باله....
وفي بيت ابو سلمان.. عيسى جالس و سلمان منسدح جنبه غافيه عيونه...
الأفكار تاخذه و توديه..
يبغى يرجع البيت لخالته اللي طل عليها و خايف عليها لنها بروحها... وبنفس الوقت معور قلبه ولد عمه بهالحال وبهالموقف بروحه...
ويقطع افكاره شهقه من سلمان اللي صحى من النوم مفزوع...
حضنه عيسى و صار يمسح عليه.. وسلمان شابح بعيونه مثل المفزوع:
ــ لحالي صرت.. ما احد وياي.. حتى امي اللي توقعتها من تسمع بالسالفه تجي لي.. ماجت..
ــ يمكن ماسمعت.. مادرت..!!
ــ مستحيل.. اصلا امي ماعمرها عاملتني بحنيه ما كأنها امي نهائيا ,, مصدوم انها منها ومن اللي سوته فيك..
ويشد على عيسى.:
ــ وانت صابر وساكت وماعلمتني.. خليتني على عماي اعاملك معامله زفت.. سامحني يا عيسى.. سامحني..
عيسى يشد على سلمان وهو مستغرب كيف درى عن امه.. :
ــ كيف دريت عنها.؟ قال لك المرحوم.؟
ــ لا .. كلكم خبيتوا عني.. بس انا دريت بروحي.. شفتها هذيك الليله لما حفرت انت تحت درج بيتنا... ولحقتها لما لحقها ابوي وهم مايدرو وهي رايحه لبيت الساحر... عرفت كل شي وقتها... بس اللي ما تخيلته يصير منها انها تسمع بموتة ابوي وماتجي حتى تشوفني ...ولا تعزيني...ولا حتى تهتم
عيسى:
ــ هدي بالك وقوم وياي..
سلمان يمسح دموعه ويشد على روحه:
ــ وين؟
ــ بيتي.. بروح لخالتي ام علوي .. ولا ودي اخليك بروحك.. قوم وياي..
و يالله طاوع سلمان عيسى .. وراح وياه..
دخلو البيت.. لقو ام علوي تسف في خوصها..
الحوش كان بارد بداية الخريف و ريحة الخوص الرطب منتشره فيه.. وصوت ام علوي اللي كانت تدندن ويا روحها عاطي الجو حنيه و دفء..
بمجرد ماسكر عيسى الباب وقال:
ــ يماه.. يالله.. وياي ضيف..
تغطت ام علوي نص غطا..
ــ حياه امي.. تفضل..
سلمان:
ــ مساش الله بالخير ..
ــ هلا يمسيك بالنور والسرور...
ــ انا سلمان ولد عم عيسى.. شحوالش خالتي...
حزتها تركت ام علوي الخوص من ايدها ووقفت و هي حاطه ايدها على قلبها:
ــ وي.. وي هلا بيك يا امي.. عظم الله لك الأجر..
سلمان.. من ردة فعل ام علوي العفويه.. وكلمة امي اللي طلعت منها بكل حنان وخوف.. جته الغبنه... رد عليها بصوت مخنوق:
ــ سلم الله عمرش...
ــ ويش حالك ياولدي؟
كلمة ولدي .. اللي ماسمعها من امه ولا مره.. زادته غبن على غبنته
ــ الحمدلله على كل حال.....
ــ وي ياعسى الدهر مايضيمك.. ولا يهينك .. ياعساك طولة العمر و السعاده و الحلم والعلم و الهدايه.. وياعسى ابوك الرحمه و الجنه..
عيون سلمان حزتها غرقت بدموعه المكبوته.... وصار يحاول يكبتها .. في حين عيسى يطالع فيه ومبتسم ومعوره قلبه عليه..
ام علوي :
ــ تعال ياعيني استريح...
ام علوي مرتبكه من جية سلمان خطت خطوتين على ورى بتتباعد ونسيت ان وراها مغطس معدن فيه الخوص المنقوع...
فضربت رجولها فيه..
سلمان لا شعوريا وهو خلاص بيجلس في الجهه اللي تباعدت عنها ام علوي لما سمع صوت ضربة رجولها بالمغطس قال بأنفعال:
ــ بسم الله عليش...
و حبى على ركبه وباعده عنها وبين ماهو يباعده ام علوي ابتسمت و مدت ايدها الا هي على راسه.. تحسسته وصارت تمسح عليه...وهي واقفه:
ــ سمت عليك الزهرا ام الحسنين...
سلمان وقتها... ومع شعوره بيد ام علوي تمسح على راسه... حس بشعور اليتيم الفاقد للتو.. و اللي محتاج حنان من حواليه..
بلا شعور مسك اطراف شيلتها وشد عليها وصار يون ودموعه اخيرا طاحت...
عيسى ماتحملهم صار يصيح هو الآخر..
ام علوي تحاول ما تصيح لكنها ماقدرت صارت تمسح على راسه وكتفه وتخفف عنه...
ــ طلع اللي فيك ياولدي..فضفض..
وظل سلمان على هالوضعيه وطلع كل الحزن والحسره اللي فيه و ام علوي تطبطب على كتفه و تمسح على راسه و تهدي فيه:
ــ ياولدي مادايم الا الله سبحانه... كلنا بنروح ,, خل ايمانك بالله قوي و ترحم عليه...
وفي الليل .. في بيت حسن وحسين...
جعفر منسدح يحاول ينام و الأفكار في راسه تدور..
يفكر في اللي صار عليه و يفكر بالسيده نوريه .. وده لو يتقدم ليها بس ظروفه الماديه ماتسمح .. وفوق هذا عنده اخو اكبر منه مسافر ويحتاج لعرس هو الآخر... ( من سنين كان لازم اول شي يعرسو الكبار بعدين الصغار سواء ذكر او انثى)
نام و هو على امل... تمشي الأيام زي ما يتمناها...
وفي غرفة حسن مريم تنوم رحمه بعد ما رضعتها فاطمه...
وتفكر هي الثانيه بحياتهم وحياة هالبنيه وحياة اولادها.. وتدعو الله يفك قيد امها ويرجعها ليها بالسلامه...
و بالسجن... حليمه مجافنها النوم.. منسدحه و حاطه ايدها تحت خدها ,, هالات عيونها للخدود.. و ملامحها جامده و ما تتفسر... و سناء منسدحه في سريرها مقابل حليمه تتأملها و دموعها تسيل و بأمنيه انانيه نسبيا تتمنى لو ام احمد متواجده معاهم تخفف الحزن عن حليمه وتاخذها بأحضانها...
تنوعت المشاعر مابين كل مكان والثاني متأرجحه مابين حزن و دعاء و شوق و حنين..
المفضلات