الفصل الأول ...........................1395 هـ
في احد الزنزانات بسجن النساء... وفي عنبر مظلم خيم عليه الهدوء.. الكل نايم ماعدا عين ساهره... مسنده راسها عالجدار... تسترجع لحظات الألم و العذاب اللي مرت فيهم قبل لا تكون في هالمكان... تتحسس بكفها بطنها المنتفخ في شهره الخامس .. يحمل طفلا او طفله .. قضى الله ان يشاركها هذا القدر الأليم....وان يكبر في احشائها في مثل هالأجواء....
تعود بها الذكريات في كل فصل من حياتها المعذبه... حليمه... 36 سنه ماذاقت من خلالهم غير الخوف والتشرد و نظرات الناس اللي ماترحم.....
قبل السجن.... قبل 10 شهور فقط
وفي بيت سيف ... صاحب العائله المتشربكه... ومع زوجته في الغرفه يتناقش امر مهم في عايلتهم...
سيف :
-وزي ما انتين عارفه حليمه بنتش كبيره وما احد تقدم ليها فوين الأحسن بنظرش ياخذها ولدي نذير والا شايب تفني بقايا عمرها وياه..؟
امينه بتردد والحزن باين في ملامحها:
ــ بس .. نذير زي ما انت عارف..!!
ــ ادري به .. مغسوله منه الأيد.. بس جايز يتزوج ويركد..
ــ وهي اكبر منه بسنتين .. يمكن ما يقبلو ثنينهم؟
سيف وبغضب:
ـ لويه..! مأمله بناخذ موافقتهم يعني... يحمدو ربهم صفريه ولقت غطاها..على طول خلال الشهر الجاي زواجهم انا مجهز كل شي بيت صغير و شغله وياي بالمنجره يعاوني زياده على بشير.. يمكن اذا حس بالمسؤوليه الله يهديه.... فخله يتزوج ويعقل وتنستر بتش وايد عليها من كلام الناس لهالعمر وهي بعدها ماتزوجت..
ــ وويش علينا من كلام الناس ...!
سيف زاد غضبه:
ــ شكلش حابه تتطلقي للمره الفانيه و تتشردي انتين و العانس بتش ...
امينه بخوف وتردد:
ــ لا مابغى اتطلق ولا ابغى ارمي بتي للتهلكه.. ولدك نذير مو شويه .. مخاوي هالهيثم و سهر و سمر و سكر .. وتبغاني اعطيه بتي الوحيده اغلى ما عندي...والله ما ..
ويقاطعها سيف بغضب:
ــ والله ماحد قال ليها ماتزوج...
امينه رفعت صوتها منفعله:
ــ الله اكبر تبغاها يعني تطلع برى الشارع وتنادي ابغى اعرس مين يبغاني ؟؟
سيف يصرخ خلاص وصل حده:
ــ والله ولسانش طولان يامرأه .. رحمش الله يا ام نذير ماكانت ترفع صوتها على صوتي ولا ليها راي من بعد رايي...
ـ وانت كل كلمه و الفانيه قلت ام نذير و ام نذير ! اللي يسمعك يقول كانت مرتاحه وماتت بسلام... فقيرة الله ماتت من ...
وماكملت كلامها لأن سيف رفع ايده وضربها و بهيجان:
ــ لااااا... ضفيناش انتين وولادش وبنتش ولش عين تتكلمي بعد !
ويستمر في ضربها باللي قدامه وهي تصيح وتقول:
ــ ما ارمي بنتي هالرميه حتى لو تدفني في قبري ...
الا بدخلة حليمه عليهم وهي تصيح وتحامي عن امها اللي تنضرب من زوجها الهايج:
ــ خلاص .. خلاص ياعمي... بسوي اللي تبغاه ... باخذ نذير ... لا تضرب امي .. خلاص ...
ويستمر سيف ما هدأت نوبة الغضب و يضرب وحليمه تتلقى الضرب ... ويدخل بشير اخو حليمة من امها .. الأخ الحنون وعمره وقتها 18 سنه ...
بشير هذا متعلق في حليمه لدرجة الجنون.. يعتبرها اخته وامه و كل مايملك في دنياه....
ما اخذ سنه من ولدته امه الا وحملت عليه بباسم فصارت تعبانه فتره حملها وتولت حليمه رعاية بشير ...
اعتبرته ولدها اكثر من اخوها... مع انها كانت في وقتها ما تتعدى 16 سنه من العمر.. لكن في تلك السنوات 16 سنه كفيله بعمر امرأه متزوجه و تربي عالأقل طفل واحد ......
بشير يطوق حليمه بذراعينه ... ويصرخ في ابوه:
ــ خلاص .. لا تضربهم.. كل يوم هذي شغلتك.. وحليمه مابتاخذ نذير ...
سيف:
ــ ولوووويه ماتاااخذه على هواك هو؟؟
ــ نذيييييييييييررررررررر حسبة اخوهااا
سيف بغضب يشتعل اكثر واكثر بدأ يسب و يشتم :
ــ اخوها مين يا ×××× ياااا ×××× وخر ..... نذير مو اخوها....
بشير بخوف وانفعال :
ــ نذير ما احبه .. مابغاه ياخذ اختي....
سيف يمسك بشير من ثيابه ويسحبه ويرميه على جنب:
ــ هذا اذا صار بهواك... لا بوكم لا بو اللي خلفتكم..
ويطلع من الغرفه بعد مافرغ شحنة الغضب ضرب فيهم .. وتحضن امينه بنتها والدموع تتقاطر ..
حليمه وقتها ماذرفت ولا دمعه كانت تنتفض مثل الطير المذبوح... تحاول تبتسم وعيونها شابحه... لا مجال للهروب من الواقع الأليم اللي فرضه زوج امها عليهم..
تتذكر قبل 18 سنه كيف تشردت هي و امها بعد ما طلقها ابوها ... وكيف الناس اللي ماترحم المرأه المطلقه في ذاك الوقت .. والأشاعات القاسيه اللي حامت حوالين امها
لحتى الملايه حسينه جمعت بين سيف الأرمل واللي مرته توفت في ظروف غامضه اجمعوا الناس انه من كثر ما يضربها توفت ...
الا ان ذاك الوقت كانت الناس تخاف من الشكايه وتخاف من المحاكم وماليها والتدخل في شؤونهم طالما ما اشتكت على زوجها فتنجاز هي وياه ،، وعدا هذا وذاك كانت مغلوبه على امرها ماليها احد غير امها وابوها اللي توفو بعد ما تطمنو عليها تحت رعاية رجل.. توقعو يكون صالح ليها ولكنه العكس مع الأسف ...
وكذا الحال مع امينه.. امينه اللي ما ابتسم ليها الحظ مع الرجال... تطلقت من واحد مريض نفسيا وخالي من الإنسانيه .. وتزوجت بثاني مو احسن منه حالا وافقت عليه بس للستر و لترحم نفسها وبنتها من كلام الناس وتحفظ كرامتها من اقاربهم اللي تعبت وهي تتنقل بينهم وكل واحد فيهم...
يا اما يسمعها كلام جارح..!
اوماتلاقي منهم غير الأذى و المنه في الطالعه والنازله...مع انها كانت مع حليمه بنتها يشتغلو خدم في كل بيت يأويهم بس لتأمين اكلهم ومكان نومتهم...
ولكن ما كان سيف ارحم من اقاربهم .... الا في كونه لمهم من الشارع الى مقبرته ... !
يقطع سرحان حليمه صوت رضيعه لأحد السجينات..
واللي دخلت السجن بقضية حمل سفاح... ومثلها الآف ..
والكل نيام ومطنشين الرضيعه الباكيه بما فيهم امها واللي قضى حكمها الشرعي من فتره الا ا ن اهلها تبرأو منها وتركوها في السجن فلا مجال لخروجها بدون ان يستلموها بنفسهم...
تقوم حليمه.. الأنسانه المشفقه الحنونه وتحمل الرضيعه و تحاول تسكتها لتتفاجأ بأمها تمتم بغضب :
ــ خليها عنك جعلها تموت من البكي .. كفايه ما تركوني اجهضها .. بياخذونها خلاص بكره لدار الرعايه ..
سجينه اخرى ما كانت نايمه ... ام أحمد... امرأه كبيره بالسن .. حكمو عليها مؤبد و القضيه قتل ...
كانت اقرب وحده الى حليمه اللي من اول مادخلت السجن من 5 شهور فقط..لقتها ليها الأم و الصدر الحنون...
امرأه طيبه و مغلوبه ومايتصدق ابدا انها مجرمه ... وذلك لأنها فقط قتلت زوج بنتها اللي كانت تشتكي من ضربه ليها لدرجة وصلت فيه انعدام الغيره و ادخاله رجال عليها فما كانت الا تستنجد بأمها لتقتله...
اهل المقتول اصروا ان تاخذ ام احمد العقوبه. القصاص...
ولكن لكون القضيه من احد اسبابها الدفاع عن الشرف ومع انعدام دليل وجود رجال لكونهم ما تمكنو من لمس بنتها فقط محاولة ... اصدرت المحكمه حكم المؤبد على ام احمد.........
ام احمد ومع بكاء الرضيعه ومنظر حليمه وهي حاملتنها بشفقه و قهر و ألم من رد فعل امها المتلبدة الأحاسيس ..
قامت من سريرها و جلست جنب حليمه وبكل حنان طوقتها وبهدوء:
ــ هالصغيره مهي احسن حال منا يا بنتي .. ذنبها الوحيد في الدنيا انها بلا اب .. وان هذي امها.. ومالها احد بهالدنيا ... و ان رضو الأهل ياخذو بنتهم من السجن.. راح ياخذون الطفلة لدار اللقطاء... وانتي تسمعينها من بكره بتتنازل عنها ماتبيها ...
ومسحت على بطن حليمه:
ــ الله يتمم لك على خير و تحضني بنتك و تعوضيها عن كل حرمان لاقيتيه..
حليمه والدموع تنهمر بألم:
_ اعوضها ياخاله.. اعوضها و اني خلاص مؤبد هنا....!
ام احمد تبكي و تحضن حليمه بحنيه:
ــ آآآه يابنتي.. قضيتنا وحده .. مظلومين .. والله على كل ظالم....! انا التهمه ثابته علي خلاص.. انتي لسا يدورون في الأدله.. يابنتي ليه تخبين في قلبك كثير .. ليه ما تقولين لهم الحقيقه...
ــ الحقيقه واضحه ياخاله... مايحتاج اقولها...
ــ لا والله احسك مخبيه شي ... ومتستره على شي ...
ابتسمت حليمه وانسلت دمعه من عيونها.. تتابعت وراها دموع شاركتها فيهم ام احمد..
و انخرطو الثنتين في موجة بكاء ماخففت عنهم الا احساس حليمه برفسات جنينها و شعور ام احمد فيه بينما كانت تحضنها.. ابتسامه شقت طريقها بين دموعهم و ضحكات متأمله خلف امطار من الدموع...
يتبع
المفضلات