وفي بيت ام جابر ...
واللي ماكان فيه احد غير ام جابر و ام هيثم

طلعت ام جابر الحوش مو جاينها نوم.. لقت ام هيثم هي الثانيه جالسه بالحوش ضامه نفسها و رافعه راسها للسماء وتصيح و تتمتم
ام جابر كحت لا تخلعها.. انتبهت عليها ام هيثم مسحت دموعها بالسرعه ... ووقفت :
ــ بغيتي شي ام جابر..؟
ابتسمت ام جابر:
ــ لا عطاش الله العافيه.. انتين ضيفتي الليله ويش دعوه من الحين بتقابلي شغلش... استريحي ...
قعدو الثنتين...
هدوء.. لكم دقيقه... بعدها كسر هالهدوء سؤال من ام جابر..:
ــ كم عمره ولدش..؟
ــ 26 سنه...
ــ الله يحفظ عليه...
ام هيثم ببراءه وبدون ماتدري:
ــ و انتين يا ام جابر؟ وين جابر ولدش,, للحين ماشفته.. وكم عمره؟
ابتسمت ام جابر ,, ابتسامه بين عليها الحزن وبتنهيده:
ــ ولدي.. ولدي مادري وين ارضه ووين سماه... حي هو لو ميت... ان كان حي سبحان الله يكون بعمر هيثم ولدش تقريبا.. اصغر منه بسنتين.. الله يحفظه لش و يطلع بالسلامه ..و ان كان ميت فالعوض على رب العالمين...
ام هيثم حست بأحراج و تضايقت على شان ام جابر وتمنت لو انها ما سألتها..
ورجع جو الصمت.. الى ان قالت ام جابر:
ــ من تقريبا 24 سنه.. طلعت للعين الغربيه اني مع ولدي جابر.. كان بعده باللفه له شهرين بس .. ماكان عندي احد اخليه وياه , اهلي ساكنين بعيد في ديره فانيه و ابو جابر مسافر.. و الجيران بعدي ما اتعود عليهم.. و استحي منهم... وبيني وبينش.. كنت اخاف على ولدي و ابغاه دايما تحت عيني .. ذاك اليوم كانت العين زحمه مره .. نزلت اسبح فيها وتركت جابر في سلته تحت نخله كانت قريبه من العين.. و ظليت اراقب فيه.. وفجأه و اني اغسل شعري... ومع الصابون طاح خاتم ذهب من صبعي.. وبلا شعور طمست في الماي ابغى اصيده... و صرت احاول الاقيه , بغيت افطس من كثر ما طمست احاول ادوره.. كان هديه من ابو جابر وما حبيت اضيعه بهالسهوله.. . وبعد فتره واني اطامس و ادور ناسيه ان ولدي وياي خصوصا انه كان هادئ و نايم ...ومغطى بخلقه عن الهوا و الذبان..التفت صوب النخله ...
اختنق صوت ام جابر ساعتها.. تحس نفسها مو قادره تكمل...
ام هيثم تأثرت وياها وفهمت ويش اللي صار ,,و دموعها تسيل بشكل مو طبيعي .. صارت تمسح على ظهرها ...
ام جابر بأختناق ودموعها تسيل:
ــ مالقيت السله.. وطلعت من العين... وصرت اسأل في النسوان اللي حوالين النخله .. وين السله.. كلهم اكدوا لي ان مرأه متغطيه جت وخذتها .. وما وحده فيهم سألتها لأنهم مايعرفوني ولا يدروا السله لمين ولا يدرو ويش بداخلها..
ام هيثم لا شعوريا صارت تصيح و تنحب بصوت عالي...
ام جابر هدأت و صارت تطالع في ام هيثم مستغربه من تفاعلها المفاجئ اللي فجأه صارت تضرب في صدرها... وتقول:
ــ حاسه فيش و مجربه.. حاسه فيش ومجربه...بس اني ولدي هيثم مات..
ام جابر تمالكت نفسها وبتساؤل مندهش:
ــ مات..!!
ــ ايييه مات.. غرق بعين و اني كنت وياه من اهمالي... الحزن و الجرح هو نفسه ياخيه... نفسه..
ــ اجل.. مين هيثم؟ المسجون...
ام هيثم تتنهد وهي تمسح دموعها...
ــ هذا ولد وحده اعرفها... اني مو من هالديره توي جايه ليي 6 سنين بس... ولاني من الديره اللي جيت منها اهلي تبروا مني ...
وتصير تصيح و هي مقهوره و فيها من الحزن ما يعادل حزن ام جابر:

ــ تبروا .. لأني انحشت مع ابو هيثم و عرست عليه بدون رضاهم... كان مقطوع من شجره ماله احد بهالدنيا .. وكان يشتغل في مزرعة ابوي ....كبرنا وربينا مع بعض وتعلقنا ببعض كان ابو هيثم الله يرحمه يجمع القرش على القرش لجل يتقدم لي ولكن لما تقدم ابوي رفضه و هزأه و سمعه كلام جارح.. هالشي حز بخاطري و خلاني اقترح على ابو هيثم من قهري وحسرتنا ننحاش.. في البدايه كان متردد بعدها وافقني... و انحشنا لديره غير ديرتنا.. الله عطاني هيثم و توفى ابوه بعدها بسنه طاح من فوق نخله.... ظليت وحيده بعد ما ورثني بيت صغير مالي الا الله و عطف الناس حواليني... بعدها بسنتين.. غرق ولدي في العين وهو يلعب مع صبيان .. و مادريت به الا وهو جثه محموله بذراع وحده من النسوان...اكلني الهم.. و كان الود ودي ساعتها لو الله ياخذ روحي ويريحني... الدنيا اسودت بعيوني.. فقدت زوجي اول تالي فقدة ضناي.. حسيت ان الله يعاقبني على عصياني لوالديني... رجعت ديرتنا بعدها بفتره لكنهم استقبلوني بالطرد .. تمنيتهم لو يذبحوني .. بدل لا يضربوني.. تمنيت ما ارجع للبيت اللي تركته بذكريات كلها حزن و ألم.. لكني رجعت وكلي قهر و حسره..... ولقيت وحده فقيره على بابه.. بحضنها ولد صغير ابو شهور .. خرسا ما تتكلم..... وحالتها حاله و نفسيتها مريضه ..
دخلتها بيتي و اهتميت فيها.. كانت تعاني من حاله نفسيه صعبه عجزت اعرفها.. ومع ذلك ما آذتني تعلقت بولدها صرت اداريه و اهتم فيه لحد ما اوتعيت في يوم.. ولقيتها راحت لربها.. وظليت اني و الولد... اللي ماكنت اعرف حتى اسمه.. فسميته هيثم... وظلينا عايشين بذاك البيت 19 سنه وهو حسبة ولدي اللي فقدته.. لكن ما الله اراد له الهدايه..

كان تاعبني ومشقيني و مسبب لي مشاكل بالديره.. لحد ما فجعني في يوم انه رهن البيت وعجزت ساعتها افك الرهن فما كان منا الا نترك البيت و الديره و نجي لديرتكم.. ومع هذا المشاكل من طرف هالولد ظلت تلاحقنا ..
كذا مره كنت اطرده من البيت.. لكن قلبي مايطاوعني وهو حسبة ولدي و ربيته.. تعلقت فيه يا ام جابر والله يشهد... و الحين قلبي كل يوم وليله يتقطع بسكاكين على فراقه...


ام جابر شبحت بعيونها.. ومسكت ام هيثم من كتوفها وبأنفعال هزتها:
ــ متى جت على باب بيتكم المرأه.؟ وويش كان لابس ولدها... قولي لي ... قووولي لييي؟؟!!
ام هيثم استوعبت صريخ ام جابر فيها على ويش وويش ظنها فيها... صارت دموعها تتقاطر بلا شعور و بتردد مبين عليه الخوف و عيونها تترتجف :
ــ ت.. ت... تبان. ابيض. وفانيله خفيفه حمرا و ملفوف بخلقه صفرا.. ( التبان : سروال قصير مره مايغطي الفخذين)
هدأت حزتها ام جابر.. تذكر بالضبط ويش اللي كان على جابر .. كان عليه تبان ازرق و فانيله زرقاء و الخلقه الملفوف بها بيضاء..
صارت ام جابر تتعذر من ام هيثم و تطلب منها تسامحها على انفعالها وتعذرها..
رجعت كل وحده فيهم لغرفتها .. وحطت راسها..
ام جابر ضامه المخده و دموعها تسيل .. من حرقة قلبها اللي ما هدأ لحظه
و ام هيثم شارده تفكر في ولدها و تفكر هالولد اللي شافته هل هو فعلا ولد المرأه لو بايقتنه وبدلت ثيابه ؟ انكمشت على نفسها وفي قلبها تردد.. ( هيثم ولدي مهما كان ومهما صار)


وفي الصباح...

فتح سلمان عيونه على صوت ام علوي تدرس الأطفال قرآن .. لقى عيسى مو موجود.. طلع من الغرفه وهو يتنحنح...
ام علوي وقفت الدرس:
ــ صباحك خير ياولدي.. عيسى في الغرفه هناك .. الحق عليه قبل لا يطلع و اجدع وياه >> اجدع = افطر... جدوع = فطور..
دخل سلمان على عيسى لقاه بسروال وفانيله و يخيط ثوبه و الفطور على جنب مغطى بخلق...
ابتسم عيسى:
ــ صباحك خير ..
سلمان بأبتسامه متعبه:
ــ صباحك نور.. ويش تسوي..؟
عيسى يقص الخيط خلص من الخياطه:
ــ ههه .. ارقع فوبي...
ــ ههه والله فنان.. تعرف تخيط.؟
ــ ايه يعني خياطه على قد الحال..
ويلبس الثوب و يفره على جنب مكان الخياطه..ويصير يجره و يعدله صار متكفس شويه ضغط على الغرزه وهو يخيط
ــ يبين الخياط.. غربال شديت على الخيط
ــ لا زين ما يبين...
ــ مشينا ناكل ... بسم الله
ويشيل الخلقه ... ويبتسم:
ــ مادري يعجبك فطورنا لو لا؟
كان قرص بيض مقلي و خبز عربي و شاي ...
ابتسم سلمان:
ــ لويه مايعجبني ..؟ ليش الناس ويش يفطروا؟
ــ ههههه مادري؟
ــ مين سواه دا؟
عيسى يدق على صدره:
ــ انااا...
سلمان يطالع في عيسى :
ــ ما شالله عليك.. توي ادري بك تعرف كل شي.. شايل عمرك شيل...
عيسى و هو ياكل :
ــ الحمدلله الحياه علمتني ما اعتمد على احد... الله يحفظ لي خالتي ام علوي كانت شايلتني شيل و انا صغير ومن مرضت و راح بصرها.. تعلمت اخدم روحي بروحي..

صار سلمان ياكل الفطور..ويبلع كل لقمه بغصه على حاله..يقارن بين نفسه اللي عاشت بعز و رخاء واللي ماكان يسوي ولا شي لنفسه و لبسه اللي ماينتظره ينشق ليشتري فوقه الف لبسه ولبسه ومع ذلك ما كان يعيش بنفس السعاده و الراحه و الأمتنان اللي حسهم في عيسى البسيط ...
بلا شعور انسلت دمعه و طاحت في كاس الشاي اللي كان يهفه عن الحراره .. انتبه له عيسى وصار يطالع فيه..
ضحك سلمان بأصطناع ومسح عيونه:
ــ من بخار الشاي حار.. حرقني ودمع عيوني...
ابتسم عيسى:
ــ خليه يبرد له..!

خلصوا فطورهم وطلعوا...
سلمان : ــ تسلم يا ولد العم عالضيافه .. ماقصرت.. برجع بيتنا الليله و بلم اغراضي...
ــ ليش؟ وين بتروح؟
عيسى وهو يطالع في السما مع تنهيده من القلب:
ــ البحرين... لأهلي اللي هناك
ــ يعني بتسوي زي ما قال لي معتوق ووصاك عمي .؟ بتروح تشتري سهم شركاء المرحوم من هناك و بتدير الحلال؟
ــ ايه.. ويش اسوي اقعد هنا... مالي غرض .. كل الحلال هنا حلال ابوك المرحوم وبالتالي حلالك..
عيسى يحط ايده على كتف سلمان:
ــ شدعوه ياخوي.. حلالك حلالي...
سلمان ما تحمل و صار يصيح بهدوء ومن قلب..
ضمه عيسى وصار يمسح على ظهره في حين ظلت ايادي سلمان منسدله ..وبصوت مخنوق:
ــ سامحني.. سامحني على كل غلطه ارتكبتها بحقك.. ماكنت ادري باللي جرى عليك.. سامح المرحوم.. ماكان بوعيه لما ظلمك ..
عيسى يطبطب على ظهر سلمان وبخفه:
ــ مسامحنكم جميع.. دنيا و آخره.. انت.. و عمي.. و حتى امك...
سلمان وقتها ومن طاري امه بالذات... و هي السبب في كل اللي صار... زاد صوت صياحه المختنق و ضم عيسى هو الآخر وصار يشد على ملابسه :
ــ امي... ياليتني ماكنت ولد امي... امي؟ وين هي امي عني؟ انا مو مسامحنها كيف انت تسامحهاا؟؟
ــ لااا..استغفر ربك.. مهما كان هذي امك..