وعبر هذه الاستراتيجية يتم تصنيف قوى الأزمة إلى:
أ - القوى الصانعة.
ب - القوى المؤيدة.
ج - القوى المهتمة بالأزمة.
وبعد هذا التصنيف يتم عزل القوى الصانعة بطريقة أو بأخرى.
5 - احتواء الأزمة:
وتهدف هذه الاستراتيجية إلى "محاصرة الأزمة" والعمل على عدم استفحالها، عبر امتصاص الضغط المولد لها؛ ففي الأزمات العمالية - مثلاً - يمكن اتباع ما يلي:
\ إبداء الرغبة في معرفة مطالب العمال عبر مفاوضات ذكية.
\ مطالبة العمال باختيار ممثل لهم في هذه المفاوضات، ومن ثم مطالبة الممثل بتوحيد الرغبات؛ حيث إنها متعارضة، أو المطالبة باستبعاد بعضها؛ لتعذر تنفيذها دفعة واحدة.
\ التفاوض مع الممثل بذكاء والخلوص إلى نتائج جيدة.
6 - تصعيد الأزمة:
وذلك بالعمل على زيادة حدة الأزمة إلى درجة معينة، ويتم اللجوء إلى هذه الاستراتيجية في حالات خاصة ولتحقيق أهداف محددة، مثلاً:
\ في حالة الغموض الشديد في الأزمة وعدم ظهور أطراف الأزمة الحقيقية.
\ عند الرغبة في تصنيف قوى الأزمة.
7 - تفريغ الأزمة من مضمونها:
ليس ثمة أزمة بلا مضمون، ومضمون الأزمة قد يكون دينياً أو ثقافياً أو سياسياً أو اقتصادياً، أو اجتماعياً أو خليطاً، وهذه الاستراتيجية تقضي بـ "خنق الأزمة" وذلك بامتصاص مضمونها، وجعلها تتنفس بلا هواء، أو بهواء بلا رئة!!
استراتيجية "التفريغ" كثيراً ما تستخدم في الأزمات الدينية والثقافية؛ ذلك أن الدين والثقافة يستعصيان على العنف والإكراه في الأغلب، وهو ما يضطر أحد الطرفين إلى تفريغ الأزمة من مضمونها والادعاء بأنها لا تمت إلى الدين أو الثقافة بأدنى صلة، لتبقى بعد ذلك مهمة الطرف الآخر منحصرة بالتأكيد على هـذا المضمون، بل ربما امتـدت مهمتـه إلى إيجــاد مضامين جـديدة لتشتيت خصمه تقكيـراً وتنفيــذاً.
وكلام المؤلف العميق حول هذه الاستراتيجية يجعلني أبادر إلى تقرير أن قضية فلسطين وما انتهجه اليهود تجاهها تعد مثالاً جيداً على هذه الاستراتيجية؛ ذلك أن اليهود ما برحوا منذ بدء الأزمة يصورون الصراع على أنه مسألة سياسية لا عقدية وأن الحل تستحيل بلورته وإنضاجه إلا عبر مجلس الأمن وما يسمى بـ "الشرعية الدولية"، حتى مصطلح الأزمة ذاته بات يمارس دوره التضليلي؛ فالصراع القائم هو "الصراع العربي الإسرائيلي"!!
ثمة وصايا يلزم اصطحابها:
بعد أن تعرفنا فيما سبق على ماهية الأزمة، وعلى خصائص فريق ومدير الأزمة الفعال، وبعد أن استعرضنا كيفية إدارة الأزمات في ضوء استراتيجية معينة، بعد هذا كله نكون قد أنهينا أغلب مفردات الإطار النظري لإدارة الأزمات، ليكون من المنطقي في هذا الجزء أن نتعرف على ما هناك من وصايا يلزم اصطحابها عند إدارتنا لأزماتنا.
يقول المؤلف: إن الأزمة بطبيعتها تخلق جواً مفعماً بالضيق والتوتر والانفعال - وربما صاحبه شيء من الشعور بفقد السيطرة على مجريات الأحداث - جواً مشحوناً بالمعلومات المتضاربة والآراء المتناقضة، جواً ربما يبعث بعض الناس على الانكفاء على الذات والانطواء على مصالحه الخاصة.
من هذا الجو "الخانق" تتجلى أهمية استصحاب وصايا تعيد إلى العقول رشدها وإلى النفوس طمأنينتها وإلى الإدارة حكمتها. وهذه الوصايا نستنبطها من النصوص الشرعية، ونفيد مما هو مبثوث في أدبيات إدارة الأزمات، وهي كثيرة، غير أن من أهمها ما يلي: "ذكر المؤلف في الفصل السادس عشر وصايا نذكر منها ثماني وصايا على سبيل الاختصار":
1 - ما أصابك لم يكن ليخطئك:
هذه الوصية تجعلك تظفر بثمرة "الإيمان بالقضاء والقدر"؛ فالأزمة في حقيقتها مصيبة يبتلينا ربنا - عز وجل - بها تمحيصاً للذنوب ورفعة للدرجات، قال - تعالى -: [IMG]file:///C:/DOCUME~1/USER/LOCALS~1/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.gif[/IMG]إنا كل شيء خلقناه بقدر[IMG]file:///C:/DOCUME~1/USER/LOCALS~1/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image002.gif[/IMG] {القمر: 49}، وقال: [IMG]file:///C:/DOCUME~1/USER/LOCALS~1/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.gif[/IMG]وكان أمر الله قدرا مقدورا[IMG]file:///C:/DOCUME~1/USER/LOCALS~1/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image002.gif[/IMG] {الأحزاب: 38}، وفي حديث جبريل - عليه السلام - أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن الإيمان بقوله: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وتؤمن بالقدر خيره وشره"(1)، ولذا فإن من الواجب على المؤمن "المتأزم" أن يؤمن بأن أزمته لم تكن لتخطئه، ليستجمع بعد ذلك قواه ويسترد رشده ويلتقط أنفاسـه مـن أجـل الشروع في مواجهـة أزمته بعد الاستعانة بالقوي الحكيم العليم - جـل وعلا -.
2 - لا تغضب!
لِمَ تغضب وعلامَ تطيش ـ إن كنت أيقنت حقيقة بأن أزمتك لم تكن لتخطئك؟! يجب أن تؤمن بأنه ليس ثمة سبيل إلى التفكير السديد في حالة "انقلاب الأعصاب" و "تسرّب الحِلْم" و "تبخّر الهدوء" وقد تقول: لا بد أن أغضب؛ فهذه أزمة، ثم كيف لا أغضب؟ بكل بساطة أقول لك: إن أردت ألا تغضب فلا تغضب!! ليست هذه فلسفة ولا سفسطة، وإنما توجيه نبوي كريم؛ فعن أبي هريرة أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أوصني! فقال صلى الله عليه وسلم : "لا تغضب" فردد مراراً؛ قال: "لا تغضب"(1).
3 - كن واقعياً؛ فقد لا تستطيع تحقيق كل أهدافك:
بعد أن يثوبَ إليك رشدُك وتُمسِك زمامَ عقلك، عليك أن تبادر نفسك بالسؤال:
ما هدفي؟ ماذا أريد بالضبط؟
وبعد أن تحدد أهدافك بدقة احذر من المثالية التي قد توهمك أحياناً بأنك قادر على تحقيقها كلها وفي كل أزماتك التي تديرها، غير أن الواقعية تقضي بغير ذلك؛ فكثيرٌ من الناس - ولعلك كنتَ واحداً منهم - حدَّدوا أهدافاً جيدة ولكنها غير واقعية: إما في عددها أو في مضمونها، ثم راحوا يديرون أزمتهم ويتعبون أنفسهم بغية تحقيقها ثم ما لبثوا أن اكتشفوا أنهم كانوا يحلُمون!! وربما كان ذلك سبباً في عدم تحقيق شيء من أهدافهم!! إذاً فكن واقعياً من البداية وحدد ما تستطيع تحقيقه من أهدافك في ظل الظروف الراهنة وفي ضوء قدراتك المادية والبشرية.
4 - لا تحرج خصمك!
من الأصول المستقرة في إدارة الأزمات "عدم إحراج الخصم"؛ ذلك أن الخصم في أغلب الأزمات يعتبر شريكاً لا مناص من التنازل له ببعض الأمور، ويرجع هذا إلى عدة أمور من أهمها:
\ انتشار الوعي الإداري والإلمام بأصول إدارة الأزمات.
\ الثورة المعلوماتية أتاحت لطرفي الأزمة معلومات مهمة عن الأزمة وملابساتها.
ليس ذلك فقط هو الذي يدعو إلى "عدم إراقة ماء وجه الخصم"، بل إن إحراج الخصم قد يؤدي به في بعض الأحيان إلى موجة من التهور والطيش تكون سبباً في احتدام الأزمة وإشعال فتيلها.
ويتفرّع عن هذه الوصية ويلزم منها وصية أخرى مفادها:
دع خصمك يتنفس!
ذلك أن الاستعجال في مبادرة الخصم قد يلجئه إلى شيء من الاستعجال الذي قد يصاحبه شيء من التهور؛ وذلك من أجل تقديم الدليل على كامل قدرته على الرد الحاسم والمدروس!!
5 - صعّد تدريجياً:
من الطبيعي في خضم الأزمة أن يحدد كل طرف بدائل متعددة، وتقضي إدارة الأزمات بالبدء بالأخف منها ثم التدرج فيها حتى البديل الأقوى، ومثل هذا التدرج يفيد في:
\ إعطاء الخصم انطباعاً بأنك قادر على الاستمرار في الأزمة بل والتصعيد، مما قد يحمله على التنازل وإنهاء الأزمة بالصورة المطلوبة.
\ تجنب توجيه الأزمة نحو العنف.
وهذا يقودنا إلى التأكيد على ضرورة الاقتصاد في استخدام الموارد المتاحة؛ وذلك أن بعض صانعي الأزمة قد يفتعل في البداية أزمة وهمية (كمين) بقصد استنزاف الموارد وإنهاك القوى، لتظهر بعدُ الأزمة الحقيقة التي قد لا تكفي الموارد الباقية والقوى الخائرة لمواجهتها!!
6 - وسّع نطاق استشاراتك:
قال - تعالى - مبيناً أهمية الاستشارة: [IMG]file:///C:/DOCUME~1/USER/LOCALS~1/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.gif[/IMG]وشــــاورهــــم في الأمـــر[IMG]file:///C:/DOCUME~1/USER/LOCALS~1/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image002.gif[/IMG] {آل عمران: 159}، وتنبثق هذه الأهمية من كونها تتيح لمدير الأزمة أن ينظر للأزمة بعقلانية أكثر وطرائق تفكير متعددة، ومــــن زوايا متعددة، وبنفسيات تختلــــف تفــــاؤلاً وتشاؤمـــاً.
إن بعضاً ممن يعانــون مــن الأزمــات يستشير الكثير مــن الناس في أزماتهــم، غير أنهـم في الحقيقـة لا يستشيرون إلا أنفسهم ولا يصدرون إلا عن عقولهم. إنهم أولئك الذين يستشيرون من يحاكونهم في طريقة التفكير والتخصص والخلفية الثقافية والاهتمامات!!
7 - تلمّس دعماً أكبر:
مدير الأزمة الناجح هو من يتلمس دعماً أكبر:
\ باستبقاء المؤيدين بقوة من خلال إقناعهم بالقرار الذي تم اتخاذه وبأهمية تأييدهم للقضية التي آمنوا بمشروعيتها واقتنعوا بضرورتها.
\ وبجذب أكبر عدد ممكن من المترددين والعمل على زيادة تأييدهم؛ وذلك بإطلاعهم على كافة الجوانب التي تزيل اللبس وتقنعهم بسمو القضية، وبالنتائج الطيبة التي ستسفر عنها الأزمة.
\ وبتحييد أكبر عدد ممكن من المعارضين.
8 - استخر واستعن:
لم يبق لك إلا أن تستخير الله - تعالى - وتستعين بــه؛ فلقد حكى لنا جابر أن رســول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلّمهم الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن، ولاحظ أنه قال: "في الأمور كلها" هكذا، أي في عظيم الأمر وحقيره؛ فما بالك بقرار يتعلق بأزمة، وها هو صلى الله عليه وسلم يقول لنا: "إذا هَمَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهـم إني أستخيرك بعلمـك" الحـديث(1).
ثم ختم المؤلف كتابه بفصلين هامين:
الأول: "وهو الفصل السابع" تحدث فيه عن سيناريوهات الأزمة التي عرفها بأنها: "مسلسل متوقع للأحداث والنتائج تجاه قضية معينة"، متناولاً في هذا الفصل كيفية صناعة السيناريوهات وعوامل نجاح مثل هذه الصناعة.
الثاني: "وهو الفصل الثامن": وهو من أهم فصول الكتاب؛ وذلك لأنه يتعلق بالتطبيق العملي، وقد عرض فيه لبعض التطبيقات العملية الناجحة والمخفقة في إدارة الأزمات؛ فقد عرض في التطبيقات الناجحة:
- أزمة بلقيس "قصة سليمان - عليه السلام - مع ملكة سبأ وكيف استطاع أن ينجح في إدارة تلك الأزمة الرهيبة".
- أزمة دواء التلينول "وقعت أحداثها في الثمانينيات الميلادية وهي أزمة مثيرة".
- أزمة الصواريخ الكوبية والتي تعد الأزمة النموذجية في عالم السياسة والتي وقعت أحداثها في عام 1962م بين القطبين آنذاك.
أما التطبيقات غير الناجحة فقد استعرض المؤلف أزمـــة واحـدة فقط هي "أزمـــة إدارة الأزمـــات العربيـــة"!!
وما تم عرضه من الكتاب لا يغني عن قراءته واقتنائه لاكتساب المنهجية العلمية في إدارة الأزمات والتعمق في فهم مفرداتها وخطواتها.
والله ولي التوفيق