بسم الله رب الحسين
طريق الضوء نحو كربلاء
يلوح هلال الشهر المحرم بضوئه السيال علىالرمل، يبزغ من غرب الجزيرة،
موزعاً بريقه في الأودية المنشقة عبر صحراء نجد وحتىفرات كربلاء..
ينساب ضوؤه مفعماًبغضارة تكاد تجعله يحيا كما يحيا البشر والطير،
ويتنفس كما يتنفس الصبح أو يسفر.. يبوح بأسرار إعجازية،
دون أن ينطق كلمة واحدة،
ولولا أن حُبس صوته ليوم معلوم،
لكان قد نطق منذ بزوغه الأول،
وحتى انفطار السماء التي لطالما احتضنت مولده، مثلما ستحتضن انشقاقه.
قيل إن ضوء القم ريحمل صورة شهيدٍ مات غريباً،
لم تزل العجائز تحكي ما جرى عليه، في مدينتي وفي المدن الأخرى، والرجال الكهول أيضا يفصّلون في مآثره وقصته العجيبة، ويشبّهون انطباع صورته على صفحة القمر بارتسام القمر على الماء.
كان يمنح الليل جسداً مؤرّقا، وعينين دامعتين،
وقلباً فطّره طول الانتظار..
وعندما ألحّت عليه نفسه بالانعتاق،
قال: يا سيوف خذيني!!
سرى به الشوق بقطع من الليل الآهل بالنور
، يعرف بغيته ويحث الخطى نحوها،
القمر سراجه وبوصلته، والحنين
يحمله عبر الفيافي والمفازات،
ويختطّ اليقينُ له الطرق التي تؤدي .
. تؤدي .. تؤدي .. لمعقل الضوء ومنتهاه !
حيث ائتزر الصبر وطول الأناة،
وعبّــد مسالك النفس، والأنفس
التي اعتصمت بملاذاته القارة ..
خلف حُجُب منيعة ، ليوم عظيم،
يوم بات علامة من علامات الزمن الفارقة ،
فما أن ترى إصبعا تشير، أو دمعة تسفح ،
أو سواداً يجلل السماء،
فقل : إنه عاشوراء !!!

لطالما سمعت عن أعظم المقتولين، فلم أشبع من ذكراه، ك
ان وجهه الضوء في زمانه ولا شعاع ينبثق من سواه ،
والوتد الذي لا تطاول الجبال قامته.

ربيع النفوس ومؤنسُها كان، ..
وكان اليد الناضحة بالعطايا على المعوزين والمغبونين،
وهو مع كل هذا تذكار هول الفجيعة ، التي لن تُطفئ مياه العالم كلها جمرة واحدة من جمرها ،
الذي لم يزل وسيظل ملتظياً في قلوب السائرين
على طريق الضوء.
المفضلات