تَابع
شعُوري اليَوم بِالانتمَاء لأسرتِي بَعد غيابِ عَامٍ وَ نِصف كَفيلٌ بإصَابة مفَاصلي بِالخَدر ؛ لِفرط الفرَح وَ الشَّوق وَ الخَوف رُبما .. أسلمتُ عَيني سَقف غُرفتي ؛ وَ الذاكرَة عرُوس تنشرُ علَى جَسدها ثوبًا أبيَض .. تَزفهَا الطَفولة بِعينٍ تَقطر حنينًا وَ لهفَة ؛ فيهَا كُنت أغَنِّي بِنشَاز غَريب غَيضًا بِأخِي رضَا وَ هُوَ نَائم ، وَ فِيها كَانت أمِّي تحكِي عَن مَدائنٍ فَاضلَة كَثيرَة ، وَ فيهَا كُنت مُراسلَة أنقلُ الرسَائل مِنْ فَم رضَا وَ ألقِي بِهَا علَى فُؤادِ فاتِن ، وَ فيهَا ثلاثة وَ عشرون عيدًا بعدَد سِنين عمرِي ؛ وَ هذهِ الذكرَى الوَحيدَة التي تقَاسَمها الوَطَن وَ الغُربَة ، وَ فيهَا كانَ أبِي قدْ ألتحق بِركبِ الأحيَاء الـ يُرزقُون وَ تركَنا نَنهل مِنْ غَيْم كُتبه ، وَ فيهَا يَـا علي سألتُ أمِّي ليلةً عَنْ أبِي فقالَت :
- هُوَ نجْمٌ مُعلَّق علَى هَامِ السمَاء يَرعانَا وَ يُزينهَا ..
كُنت فِي الثامنَة حينَ صَرختُ بوجههَا ؛ لِحرَارةِ فقدِه :
- لِمَاذا أقترَب إذًا مِنَّا ؛ قبَّلنا عَانقنَا رَاقصنَا بَكَى مَعنَا وَ غنَّى لَنا ثُمَّ ابتعَد !
فتَحتُ دُرجًا بجَانبِي أخرجتُ منهُ صُورةً لِوالدي قبَّلت عينَيه وَ حَدثته : " أتُصدقُ يَا أبي أنَّ قلبِي اليَوم هبطَ قبل جسَدي ؛ بعدَ أنْ اضطرَبَت بعَيني صُورةً نائمَة لوَطَني ، وَ التحَمت روحِي برُوحكَ ؛ لاقترَابِ المَسافَات بَيننَا ، وَ استقَرَّ بِمسمَعي دُعَاء الصبَاح المنبَعث مِن راديُو وَالدتي ، وَ أنعشَ حُنجرتِي عِطر التُوت الْـ يَعشقَهُ فِيَّ علي ! وَ أنِّي أكَادُ انفجِرُ شَوقًا لِـ رَائحَة طين طفلتي .. أتُصدق بأنَّ حُسْن كَانت قابضَة علَى كَفي كَطفلٍ يخشَى قطْفه مِنْ جنَّة وَالديه ؛ مَعَ أنَّ روحَها قبل الهبُوط كَانت أكثرَ انتعَاشًا مِنْ روحِي ! ثُمَّ افترقنَا يَا أبِي بَعد أنْ كَانَ بانتظَاري أخِي رضَا وَ بانتظَار حُسْن وَالدها ؛ لتكمِل كِلتانَا هيكَل عَائلتها بِانضمَامهَا إلَيه " . أغرَقني النُعاس ، غَفَت عَيني وَ علَى صَدري تَرقد صُورةَ وَالدي .. خلفَ الصُورة وَ بخطٍ طفُولي ؛ استفهَام يَعُود للصَّف السَادس ابتدَائي ؛ يَوم تَخرجي بِالذات :
- لِمَ سَرقتكَ السمَاء زينةً لَها وَ بَقيتُ أنَا لا شَيْء يُزينني ؟.
كَيف تبْدُو جنتكم يَـا علي ؟





رد مع اقتباس
المفضلات