تَابع
عُدتُ فَوْر صَبَاح اليَوم التالِي ؛ بَعدَ انتِهائِي مِن البَحْث الميْدَاني الـ اضطرَرتُ الانتقَال المُؤقَت إلَى إحدَى الولاياتِ لإعدَادَه وَ هِيَ المَرَّة الوَحِيدَة التي لَم تُرافِقني حُسْن فِيهَا دَاخِل الصَّف أوْ خَارِج الوَطَن ؛ لانهِمَاكِهَا هِيَ الأخرَى بِإعدَاد بَحثهَا وَ نظرًا لاختِلافِ تخصُصاتِنَا . رائِحَة الشقة تُوحِي بِالحُزن وَ طَيف خَيبَة مُستلقٍ عَلَى سَرير حُسْن ! دنوتُ منهَا :
-حُسْن .. عزيزتِي ؟
-إلهَام ..!
-صَبَاحكِ وَطَن
بَادلتني ابتِسامةً لا تنتمِي إليها ، وَ لَمْ يَكُن عِناقَها لِي عِناق شَوق أوْ لهفَة بِقدرِ مَا كانَ عنَاق حُزن ، وَ دَمْع حُسْن لَا يَكُون سَاخِنًا إلا حِينَ تغشَاها الحُرقة . بِحضرَة المُواسَاة لَم أملكُ سِوى صَمتًا أصغِي فيهِ لِتلاوَةِ وَجَع ضَّاج بَيْنَ جنبَيها وَ صَدرًا يتلقفُ بَحَّة الهَمّ السَحيق المُعلقَّة بِسقفِ حلقِها ، وَ كَفًا تُهدهِدُ كَمّ الفَقد وَ كَيفيتَه هذهِ المَرة . هَمِّي الكبِير الآن أنْ أدثِّر بَيْنَ أضلُعِي قلبَ حُسْن الطِّفل ، وَ ابتِسَامَة حُسْن الرَّبيعية ، وَ دِفْء عَينيهَا خَوف أنْ أفقدَ أكثَر الذي أحِب فِيها كَمَا أفقَدَ غَدِير أحشَائها جنين الحُب الأوَّل الذِّي قضَت الطفُولَة كُلَّهَا تَحميه حَتَّى الأمْس بَعد أنْ هَاتفتها كَوثر ؛ الأخْت التَّوأم لِغَدير تُناولَها عَهْد الطفُولَة قدْ مَاتَ مَسمُومًا بَعْد أنْ دَبَّت بِمَفَاصله الخيانَة ، العَهْد الذِّي لَمْ يَجِد لَهُ غَدير عُذرًا فَرَاح يَخيطُ زهرًا بِسمِ الغُربَة وَ المَسَافاتِ البَعيدَة وَ الأحضَانِ الخَاوِية وَ الأحَاديث الضَّائعَة وَ الانتظَار الشَّاق تُعلقهُ كَوثر عَلَى جِيدِ حُسْن حتى لا تُلقِي بنصفِ لَوْمٍ علَيه أوْ علَى الوَعْد الذي قطَعَهُ علَى نفسهِ يومًا لَهَا أوْ علَى الحُلم الأبيَض الذي ضلَّت تُنَاغيهِ صَغِيرًا حَتى هَوى صَريعًا حِينَ اقتَرَب ، أوْ علَى اقتِرَان حُسنِها بِغدِيرِه سنينًا ، أوْ علَى العَدَد الذي انكَفأ خُذلانًا عَلَى بَابِ منزِل حُسْن لأنَّها رَبَطت مَصيرهَا بِغَدير .. رفعَت رأسَها لِتُتمَّ الجُرح الذِّي بَدأتهُ كَوثر :
-قَالَت لِي يَا إلهَام بِأنَّهُ : سَـ يَرتبِط بأخرَى !
وَعادت تُفجِّر ينبُوعًا مِنَ اللوعَةِ وَ الخُسرَان ؛ أغدقتُ فَوق رَأسها قبلَةً رمَادية وَ لستُ ادرِي هلْ ستلونهَا الأيَام أمْ سَتزدَادُ بُهتَانًا ! وَ مَا أنطَقني حينَها الحُزن القَابِع بِعَيْنِ حُسْن وَ لا الخَيْبَة المَالئة فَمِي يَـا علي ؛ وَ إنما أنطَقني حُزنًا هرمًا تَخبرَهُ بِعَيني :
-لا زلتِ صَغِيرَة عَلَى الحُزن وَ الانكِسَار .
حقًا الأشْيَاء التِّي تنكسِر لا تُصلَح يَـا علي ؟
المفضلات