يَـا الله .. كَيف لِـ الأشهُر الأربَعة أنْ تمرَّ مِنْ فوقِنَا مَرَّ السَحاب !. مَلئتْ وَالدتي صَحنَ غَدائي بجَميعِ أصنَافِ الطعَام الموجُود .. ابتسمتُ ؛ لِـ صحني لأنهُ الطَبق الأخير العَبِق بِأنفَاسِ أمِّي قبل إقلاعِي ، وَ لِـ سكُون وَالدتي وَ نظرَة الحُزن ؛ خَوف حَضُور الودَاع وَ خَوض الفرَاق ، وَ لِـ مُحيا رضَا الهَادئ وَ أحَاديثه المرحَة ؛ مُحاولة طَرد شَبح الغُربَة مِنْ أوسَاطنَا ، وَ لِـ أمُومة فاتِن وَ شَقاوَة أحمَد الذِّي كَانَ يَعبثُ بِـ سِلسَالِ وَالدته . أشرتُ علَى فاتِن أنْ تُناولني إيَّاه حتَّى أغْرسَ آخِرَ ضِحكة لَهُ فِي محجَري ؛ استقبِلُ بِهَا الغُربَة .
إنَّهُ اليَوم الأخير وَ المشْهَد الأخير لي بِـ قُربكم يَـا علي .. أتيتُك الآن وَاضعةً كَفًا علَى لحْدك وَ كَفًا علَى لحْدِ طفلتنَا ؛ نَسترد معًا بَعْضَ الذِّي اعتَرانَا وَ غَادرنَا ؛ أذكُرني جِئتُكَ وَ أنتَ علَى لَحدٍ أبْيض تُصَارع سَريان الخَبيث فِي جسَدك وَ سِلاحُكَ ابتسَامتك ؛ ابتسَامتكَ التِّي أضناهَا الخَريف فَـ فطرَّتْ قلبِي اصفِرارًا .. ابتَسمتُ أوَاري حَسرةً بِجدارِ عَيني وَ قبلَ أنْ أسألكَ عَنْ حالكَ اليَوم أجَبتني : أنَا بخَير اليَوم شُكرًا لله ؛ وَ أنتَ تعلَم وَ أنَا أعلَم بأنَّك لسْتَ كذلك .
كُنا صَامتين وَ وَحدَها الأجْهزَة الملعُونَة بِـ الفقْد حَولنَا تضْطِرب ، قطَفَتْ عَينَك الصمْت الـ تَرتديه عَيني وَ سَألتَ عَنْ الذِّي تُخبئهُ عَيني عنك فَـ اقشَعرَّ حُزني وَ تبدَد فَرحًا وَ نَطقت : علي أنَا حَـامل . ضَممتني إلَى صَدرك بقُوَّةٍ رغْم ضَعفك ! وَ صرْتَ تضْحَك كَـ الأطْفال ، وَ تبكِي كَـ المَلائكَة ، وَ تُغني وَاضعًا كفك بِمصلهِ على بَطني : " يلا تنَام نَورَس يلا يجيها النوم يلا تحب الصلاة يلا تحب الصوم يلا تجيها العافية كل يوم بيوم " . . إيـه مرَّ علَى رَحيلكَ شَهرانِ فقَط يَـا علي لَمْ تُطِق طِفلتكَ فِرَاقك خِلالهما ؛ فَـ هَوتْ منْ حَدائقي الخَاوية فَصلًا خَريفيًّا ، ذَاتَ الأربَعة أشهُر يَـا علي قطَّعتْ قلْبي حُزنًا عَلينَا نحنُ الثلاثة ؛ لَمْ يبقَى أحَدنا لِـ الآخَر !.
رزقتني وطنًا يَـا علي لِـ عامٍ فَقط ثم استقال ، وَ رزقتني طِفلتي أمُومَة أرْبعةِ أشهُر ثم ذبُلتْ ، وَ رزقتمُوني كلاكمَا حِدَاديْن وَ أنَا رَبيعًا لَمْ يتَجاوز بَعد العقد الثانِّي .
سَـ تشتَاقني يَـا علي ؟
وَ أنتِ يَـا نَورَس ؛ سَـ تشتَاقينَ أمكِ ؟!
المفضلات