اليوم الثالث عشر من جمادى الاُولى
شهادة الصدّيقة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) سنة 11هـ

كان الحب والحنان متبادلين بين الصدّيقة الزهراء وأبيها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وما كانت هذه العلاقة بين ابنة وأبيها فقط، بل كانت أرفع من ذلك، فهي علاقة بين البتول (عليها السلام) وبين أبيها الرسول (صلى الله عليه وآله)، وطالما أوضح الرسول علاقته بهذه المرأة المعصومة الفريدة، وأبان عن مكانتها عند الله وعند وليّه علي (عليه السلام)، وعند الاُمة المؤمنة. وبذلك كان الرسول يمهّد لأمر بالغ الخطورة في حياة الاُمة، ألا وهو أمر الإمامة العظيم، المتمثّل بخط ذريّته، وهم ذريّتها الطاهرة؛ لكي تراعي الاُمة حقّها وتحفظ مكانتها.

ولشدّة تعاطفها مع أبيها الرسول القائد (صلى الله عليه وآله)، وحنوّها عليه، وحرصها الشديد وعطفها عليه، واهتمامها به و برسالته الهادية الكريمة، فكان يسمّيها (صلى الله عليه وآله): (اُمّ أبيها).
وهذه هي العلاقة النموذجية والقدوة والاُسوة في بناء الشخصية الإسلامية المتكاملة, ذات السلوك الأخلاقي الرفيع، والحنان والحب البليغ، فكانت مثلاً أعلى في طريق الإسلام الحبيب، لما أولاه من رعاية للفتاة وعناية بها، وسمو مكانتها.

قبس من فضائلها:

ولقد مر الرسول والرسالة منذ بداية الدعوة الإسلامية، ثم فيما بعد في المدينة المنورة بفترة صعبة وهو يواجه المشركين والمنافقين واليهود والصليبيين، ولقد مرّت هذه الفترة النضالية بأنواع الصعوبات والمشاكل. وحيث كانت فاطمة الزهراء (عليها السلام) تعيش مع زوجها الإمام علي (عليه السلام) ومع أبيها، فقد شهدت جهاده (صلى الله عليه وآله) وصبره، ورأته وهو جريح في معركة اُحد، وكانت قد شاركت مع النساء المؤمنات في تلك المعركة المصيرية في حمل الطعام والشراب للمجاهدين، وكذا في مداواة الجرحى.

عبادتها:

لقد سمّيت (عليها السلام) بالبتول لكثرة عبادتها وتبتّلها وترفّعها عن لذّات الدنياوزخارفها، ففاطمة (عليها السلام) مثال الزهد بالدنيا وملذاتها، فكانت تمتاز في بيتها بالبساطة وجشوبة العيش، والتواضع الحق، والشواهد بذلك كثيرة لا يمكن حصرها في هذه العجالة.

صبرها:

منذ نعومة أظفارها كانت الصدّيقة ذات جبلّة نادرة بالصبر والثبات على المبدأ كاُمها خديجة (عليها السلام)، وزادت البنت على اُمّها، وكان صبرها يتبلور يوماً بعد يوم، وخصوصاً في أواخر حياة رسول الله أبيها (صلى الله عليه وآله)، حيث ألمّ به المرض وفاطمة تنظر إليه فتتحسس آلامه وما يكابده من المرض. وتمر هذه الأيام الأليمة الصعبة على المسلمين وفاطمة تعايشها بكل تفاصيلها، فيعتصرها الألم والأسى.
وينتقل الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) الى جوار ربّه، وتشتد المصائب على الصدّيقة فاطمة (عليها السلام) وتبقى تكابد تلك المصائب التي فرضت عليها، فنزل بها المرض وكانت تتمنى سرعة اللحوق بأبيها والعيش معه في جنّة الخلد التي وعد المتّقون.

شهادتها:

ليس إلاّ أيام حتى هجم أزلام السلطة الحاكمة على دارها وهدّدوا وتوعّدوا، وأضرموا النار بعتبة بابها لإرعابها وإرهابها، ثم لم يكتفوا حتى أحسوا بوجودها خلف الباب فركلوها ثم عصروها فأسقطت جنينها المحسن بن علي (عليه السلام)، وكسر أحد أضلاعها. ومن ثم حينما طالبت بحقها في فدك رفضوا ذلك وكذّبوا الصدّيقة في ذلك، ولبّدوا الغيوم على الصدّيقة وبعلها، وعزلوا الإمام في مجتمعه، وكانوا يلجؤون إليه اضطراراً ليستفتوه بما عضل عليهم.

وعندما أحست (عليها السلام) بالأجل يقترب منها طلبت من أسماء بنت عميس أن تضع لها فراشاً وسط الدار، وطلبت علياً (عليه السلام) فحضر، فقالت له: (اُوصيك بأشياء في قلبي)، فقال لها: (أوصيني بما أحببت يابنت رسول الله). ثم أخرج من في الدار، فأتمّت وصيّتها، فارتفعت روحها الطاهرة الى جنة الخلد, وكان ذلك في الثالث عشر من جمادى الأولى سنة (11هـ)، وفي رواية (13ربيع الثاني 11هـ)، وفي رواية اُخرى (في 3 جمادى الثانية 11هـ).

وعند انتشار نبأ رحيلها (عليها السلام) تجمع أهل المدينة المنورة على باب أميرالمؤمنين (عليه السلام) في انتظار تشييع الصدّيقة الطاهرة، فأخبرهم أميرالمؤمنين (عليه السلام) بأنّها أوصت أن لا يشيّعها أحد. فغسلها وصلى عليها وكفّنها سرّاً، وبقي جثمانها حتى جنّ الليل، فوضعها أميرالمؤمنين (عليه السلام) على نعش وحملها الى البقيع، كما في بعض الروايات، وقيل غير ذلك. ودفنها وغطى أثر قبرها؛ لئلا يعرف بحسب وصيّتها (عليها السلام)؛ لتؤكد مظلوميتها وحرمانها واغتصاب الحقوق التي أوصى بها أبوها لها؛ ولكي تبقى ظلامتها عبر الأجيال. فسلام على الصدّيقة الزهراء يوم ولدت ويوم استشهدت، ويوم تبعث مظلومة مهضومة.
اختكم ,,, نور علي