توفي سيدنا موسى و توفي قبله سيدنا هارون ( عليه السلام ) ، و
تركا وراءهما ميراث الرسالة الالهية .
ترك لهم موسى ( عليه السلام ) التوراة و ترك لهم صحفاً مقدسة .
وضع سيدنا موسى التوراة و الصحف في صندوق و سلّمه الى
وصيه يوشع بن نون ، الفتى الذي أخذه موسى ( عليه السلام ) معه في
رحلته الى " مجمع البحرين " .
مرت أربعون سنة و بنو اسرائيل يدورون في صحراء سيناء ، و
كانوا يخافون الحرب ، و يخافون الوثنيين العمالقة الذين يحكمون الأرض
المقدسة .
عندما أصبح يوشع بن نون نبياً كان قد مات الكثير من بني
إسرائيل ، و جاء جيل جديد لا يخاف الحرب و لا يخاف من العمالقة .
لهذا دعاهم يوشع بن نون لتحرير الأرض المقدسة فاستجابوا له .
و قاد يوشع بن نون المؤمنين و حارب بهم الكفار و انتصر عليهم
و دخل الأرض المقدسة .
و قامت دولة لبني اسرائيل ، و لم تستمر هذه الدولة طويلاً ، لأن
بني اسرائيل بعد وفاة يوشع بن نون عادوا الى المعاصي ، و استخفوا
بصندوق العهد
و عندما ضعف ايمانم اصبحوا أمة ضعيفة لهذا لم يقاوموا هجمات
الأقباط و سقطت دولتهم ، و اصبحوا مستعبدين .
حكم جالوت الأرض المقدسة ، و راح يقتل رجال بني اسرائيل و
يستعبد نساءهم ، ثم شردهم من أرضهم ، و أخذ منهم صندوق العهد .
و في تلك الفترة بعث الله اليهم نبياً هو " أرميا " ( عليه السلام )
فراح يعظهم ، و يذكرهم بتعاليم التوراة .
قال لهم : انكم ضعفتم لأن الأيمان في قلوبكم أصبح ضعيفاً . .
انتم تحبون الذهب اكثر من رب العالمين ، تخافون من الوثنيين و لا
تخافون من الله . .
و ندم بنو اسرائيل و عادوا الى تعاليم الدين فعاد الأيمان الى قلوبهم .
ذات يوم جاء بعض المؤمنين الى نبي الله أرميا ( عليه السلام ) و
قالوا له :
لقد قهرنا جالوت ، و اذلّنا بظلمه . . فاسأل الله أن يبعث لنا
قائدًا و ملكاً لنقاتل تحت لوائه في سبيل الله .
قال النبي ( عليه السلام ) :
إذا كتب الله عليكم القتال فهل تطيعوه حقاً ؟
قالوا :
بالطبع سنقاتل . . و لماذا لا نقاتل في سليل الله و قد أُخرجنا
من ديارنا ؟
قال النبي أرميا ( عليه السلام ) سوف ادعو الله من أجلكم .
و مضت مدة من الزمن و كان بنوا اسرائيل ينتظرون أمر الله
سبحانه .
و ذات يوم جاء النبي أرميا ( عليه السلام ) و أعلن البشرى :
ان الله قد بعث لكم طالوت ملكاً .
فمن هو طالوت و ما هي قصته مع بني اسرائيل ؟
كان طالوت شاباً فقيرًا . . انه من ذرية بنيامين . . بنيامين شقيق
يوسف . .
كان طالوت يعمل في الحقل مع والده ، عندما انتبه الى إنّ
حماريهما قد ذهبا بعيدًا .
راح طالوت يبحث عن الحمارين ، فأخذ شاطئ النهر ، كان
يمشي و يبتعد عن قريته ، مقترباً من قرية أخرى . . في تلك القرية كان
يعيش النبي أرميا ( عليه السلام ) .
لهذا ف ّ كر طالوت أن يذهب الى النبي ( عليه السلام ) و يسمع
موعظته .
عندما كان النبي يبشر بني اسرائيل بان الله قد اختار لهم طالوت
ملكاً رأوا من بعيد رجلاً طويل القامة قادماً نحوهم .
الجميع عرفوه انه طالوت . . طالوت الرجل القوي .
كان طالوت قوياً مفتول العضلات ، و لكنه لم يغتر بقوته . .
عيناه تتألقان بنور سماوي يعكس نورهما ما تموج في قلبه من روح
الايمان و التواضع .
نادى النبي مرحباً به :
مرحباً بك يا طالوت . . لقد بعثك الله الينا . . لتدفع عن
المؤمنين الظلم .
قال طالوت :
يا نبي الله لقد جئت أبحث عن حماري .
قال النبي :
لقد شاء الله أن تأتي الى هنا . . ان الله قد اختارك ملكاً على بني
اسرائيل لتنقذهم من ظلم العدو .
قال طالوت :
انني رجل فقير كما ترى . . الناس لا يسمعون للفقراء إنهم
يطيعون الاثرياء فقط .
قال النبي :
ان القيادة و الملك لا علاقة لها بالمال . . و لقد آتاك الله قوة في
الجسم و سعة من العلم و لقد اختارك الله لهذه المهمة .
سكت طالوت ، ان النبي لا يتحدث من نفسه ان الله قد أوحى
اليه . . و لا بد من طاعة النبي .
لهذا سكت طالوت . . رضي بالقيام بهذه المسؤولية .
البعض فرحوا بذلك ، و لكن كثيرًا من بني اسرائيل كانوا ينظرون
الى طالوت بحقد .
ان طالوت رجل فقير و ان الأثرياء هم وحدهم الذين يحكمون
قال الاثرياء :
كيف يكون ملكاً علينا ؟! اننا احق بالملك منه
قال أرميا ( عليه السلام ) :
ان الله قد اختاره للملك لأنه اقوى منكم و أعلم .
قالوا :
اذا كان الله قد اختاره ، فاننا نريد علامة على ذلك . . نريد آية :
قال النبي ( عليه السلام ) :
ان آيته ان يأتيكم صندوق العهد الذي فيه ميراث موسى و
هارون .
قالوا :
كيف ؟!
قال النبي :
اذهبوا الى الصحراء و سوف ترون ذلك بأعينكم .
سكت بنو اسرائيل ، لم يبق امامهم إلاّ أن يسلّموا لارادة الله ،
ولكن كيف سيأتي صندوق العهد ؟!
هكذا راحوا يتساءلون .
قال النبي ( عليه السلام ) :
سيأتيكم الصندوق تحمله الملائكة . . فهل تريدون آية أكبر من
ذلك ؟!
و خرج بنو اسرائيل الى الصحراء يترقبون المشهد المثير .
و جاءت اللحظة المرتقبة و رأى بنو اسرائيل صندوق العهد و قد
غمرته أنوار الملائكة .
و هبط الصندوق المقدس برفق ، وشعر بنو اسرائيل بالسكينة و
الايمان يملأ قلوبهم . . ها هو صندوق العهد رمز عزتهم يعود اليهم مرة
أُخرى .
و هكذا أصبح طالوت ملكاً على بني اسرائيل و ساد النظام حياتهم .
(الامتحان )
اعلن طالوت انه يستعد للجهاد في سبيل الله ، و أن على بني
اسرائيل ، أن يتهيأوا للحرب ضد جالوت الظالم .
مرة أخرى تناسى بنو اسرائيل العهد الذي قطعوه على انفسهم لقد
طلبوا من النبي أن يبعث الله لهم ملكاً ليقاتلون معه في سبيل الله سبحانه
و استجاب لهم واختار لهم طالوت .
عندما أعلن طالوت انه سيجاهد في سبيل الله ، تراجع بنو اسرائيل
و خانوا العهد .
القليلون فقط استجابوا لطالوت . . كانوا مؤمنين بالله مطيعين
لنبيهم و ملكهم .
أما الأكثر فقد كانت تميل الى حياة الذل و العبودية . و لكن
طالوت و المؤمنين استطاعوا ان يؤلفوا جيشاً من بني اسرائيل .
و أعلن طالوت انه سيزحف بالجيش في الصباح . عندما اشرقت
الشمس كان الجنود يستعدون للتحرك ، و الايمان يملأ قلوم باستعادة
أرضهم و بلادهم و قهر الكفار .
في الطريق أعلن طالوت بياناً هاماً .
ايها الجنود سوف يصادفنا نهر . . ان الله سبحانه يريد
امتحانكم
سأل جندي :
و ما هو الامتحان ايها القائد ؟
قال طالوت :
لا تشربوا من النهر ، ان من يشرب منه فليس مني ، و من لم
يشرب منه فانه مني . . إلاّ من اغترف غرفة واحدة بيده .
و استأنف الجيش طريقه الى أن وصل النهر
كثير من الجنود ركضو باتجاه النهر بعضهم اغترف منه غرفة
واحدة و البعض الآخر القى نفسه في النهر و راح يشرب و يشرب
قليلون جدًا الذين وقفوا مع طالوت و لم يذوقوا الماء .
و عبر الجيش النهر يقودهم طالوت .
من بعيد رأى الجنود جيش جالوت . .
كان جالوت راكباً فوق فيل كبير ، و وراءه مئات الجنود في
صفوف منظمة .
كان جيش جالوت كبيراً و مجهزًا بأحسن الاسلحة .
و كان جالوت مخيفاً ، كانه يرتدى درعاً حديدياً و على راسه
خوذة ، كان كتلة من الحديد و البأس !
الذين شربوا من النهر قالوا خائفين :
لا طاقة لنا اليوم بجالوت و جنوده !
أما الذين لم يشربوا من النهر فقالوا بثقة :
كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله . . و الله مع
الصابرين .
و عرف الجميع ان الله قد امتحن ارادتهم بالنهر .
ضعفاء الارادة شربوا منه فاصبحت معنوياتهم ضعيفة ، أما أقوياء
الارادة فقد امتنعوا عن شرب الماء ، كانت ارادتهم قوية و ايمانهم قوياً ،
فكانت معنوياتهم عالية .
و تقابل الجيشان و كان جالوت يعتقد انه سوف يسحق جيش
طالوت ، فماذا حصل ؟
( حجارة الانتصار )
في قرية بيت لحم كان شيخ يعيش مع أولاده الأربعة .
عندما أعلن طالوت الجهاد في سبيل الله ، ارسل الشيخ أولاده
الكبار الثلاثة و قال لولده الصغير :
أما أنت يا داود فستبقى معي .
قال داود :
لماذا يا أبي أنني ُأحب الجهاد في سبيل الله .
قال الأب .
انك لم تتمرن بعد على الحرب . . و لكني سأكلفك ، بمهمة
تحمل الطعام الى إخوتك و تأتيني بأخبار المعركة .
فرح داود بذلك لأنه سيشهد المعركة ، لهذا انطلق وراء جيش
طالوت و هو يشكر الله .
( درع موسى )
أوحى الله الى طالوت ان الذي يقتل جالوت من يرتدي درع
موسى ( عليه السلام ) فتستوي عليه .
أعلن طالوت ذلك فجاء جنود كثيرون و ارتدوا درع موسى (
عليه السلام ) و لكن لم يوجد أحد ينطبق عليه الشرط . في الاثناء
وصل الفتى داود .
و رأى جيش الأيمان بقيادة طالوت يواجه جيش الكفر بقيادة
جالوت .
كان جالوت مغرورًا بقوته لقد قتل الكثير من الابطال . .
ها هو يطلب المبارزة و لكن أحدًا لا يخرج اليه .
سأل داود عن جالوت ، قال أحد الجنود :
انظر انه هناك .
و راى داود رجلاً طويل القامة يرتدي درعاً من الحديد و خوذة
من الحديد ، تغطي رأسه كله و وجه باستثناء عينيه .
كان بيده رمح و سيف !
قال داود :
لو يسمح لي طالوت بالاشتراك في المعركة فانني سأقتل جالوت
الكافر .
ضحك بعض الجنود :
كيف تقتله و أنت لا تملك سلاحاً . . انت الفتى الصغير تقتل
جالوت الكبير ؟!
قال داود :
انا لا أخاف أحدًا إلاّ الله سبحانه . . انني مؤمن بالله
كان جالوت يسخر من طالوت و جنوده لأن أحدًا لا يريد
مبارزته .
في تلك اللحظة تقدم داود الى طالوت و قال :
إنني مستعد لمواجهة جالوت :
قال طالوت :
و لكنك ما تزال فتى صغيرًا لم تشترك في حرب من قبل و لم تبارز أحدًا .
قال داود :
لقد قتلت ذئباً أراد أن يفتك بغنمي و لم يكن معي سلاح . .
ثم انك لم تلبسني درع موسى ( عليه السلام ) .
اعجب طالوت بشجاعة داود و ايمانه لهذا أخرج درع موسى من
صندوق العهد و ألبسه داود .
و دهش طالوت رأى الدرع يستوي عليه فعرف ان الله قد اختار
داود الفتى المؤمن لمواجهة جالوت الكافر .
تقدم داود الى ساحة المعركة بقلب مملوء ايماناً و شجاعة و ليس
معه سوى مقلاع و حجارة .
دهش جالوت لمنظر ذلك الفتى و هو يتقدم اليه دون سيف و لا
رمح .
قال جالوت :
انك و لا شك تريد أن تموت ايها الفتى . . ام انك تظن اننا
نلعب مع الصبيان ؟!
من قال ذلك ؟ انني جئت لقتالك .
فأين سيفك اذن و رمحك و معداتك الحربية ؟
قال داود :
ان سلاحي الايمان و اقاتلك باسم الله .
قال داود ذلك ثم وضع حجرًا في المقلاع و استعد للمواجهة .
كان جالوت مغطى بالحديد و كان يتحرك فتهتز الأرض تحت
الاقدام .
و لكن داود لم يخف و ظل ثابتاً كالجبل ، و كان جالوت يتقدم ،
و كان داود يستعد لاطلاق الحجر . لم يكن هناك مكان مكشوف من
جسم جالوت سوى قسم من جبينه و عينيه .
الجنود كانوا يراقبون صراعاً مثيرًا ، و كان المؤمنون يدعون الله أن
ينصر داود . . ان ينصر الايمان على الكفر .
و انطلق الحجر ، لم يرى أحد الحجر و هو يشق الهواء و لكن
الجميع سمعوا صوتاً عجيباً ، و اصطدم الحجر برأس جالوت . . لقد
أصاب الهدف بدقة .
مرت لحظات رهيبة توقف جالوت عن التقدم ثم ترنح ليسقط فوق
الأرض .
و أحدث ارتطام الحديد صوتاً رهيباً انخلعت له قلوب الكافرين .
احدث سقوط جالوت هزيمة نفسية في جيشه و قد انتصر الفتى
المؤمن على القائد العسكري . انها قوة الايمان هي التي هزمت السلاح
المتطور .
و هكذا هزم جيش جالوت و انتصر طالوت و جنوده .
و عاد السلام يرفرف باجنحته البيضاء فوق الأرض ، و عاد الايمان
يملأ القلوب .
و عندما شعر طالوت بوفاته أوصى بالملك الى داود ( عليه السلام ) .
المفضلات