النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: مجموعة قصصية رائعة...ستعجبك

  1. #1
    عضو فعال
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    40
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    183

    مجموعة قصصية رائعة...ستعجبك

    اكمالا للقصص التي أضفتها سابقا ، هذه مجموعة قيمة من القصص الرائعة.

    اتمنى ان تنال اعجابكم وتقييمكم أي منها أعجبكم اكثر.


    _____________________________
    المهاجرة

    احمد حامد صرصور

    عمل عتالا في ميناء يافا، يافا ما قبل النكبة، يافا العرب، يافا بساتين الحمضيات، يافا الاستجمام، يافا البحر.

    كان كل يوم يسبق الشمس في الظهور على الرصيف. تراه واقفا ينتظر رزقه، ينتظر ما تجود عليه السماء في هذا الميناء.

    أطراف دمايته المخططة مقفوعة للخلف لتظهر سرواله الأبيض، وعلى رأسه يحمل رمز العروبة الكوفية البيضاء. يقف شامخ الرأس معتقدا أن هذا الرمز يحميه من أخطار المستقبل المجهول. لن يستطيع احد أن يزحزحه عن بيته ما دامت هذه العروبة على رأسه.

    تزوج ثم أنجب طفلة رائعة الجمال، ممشوقة الجسد، رفيعة الوسط، طولها فارع، رأسها عانق جنوب لبنان، ارجلها امتدت لتطال البحر الأحمر، تحتضن بحر يافا، قلبها حنون تشد إليه الرحال.

    طلبوا منه أن يدعوها يافا. أجابهم: كلا هذه اكبر من ذلك.هذه ابنه هذا الرمز وأشار إلى رأسه.إنها فلسطين. فلسطين العروبة.

    لم يدم الحال أكثر من سنة وإذا بيافا الصامدة أول من تسقط في أيدي المغتصبين لتهوي خلفها اللد والرملة ويصبح اسمها "يافو".

    هجرها أهلها بعد حرب حامية الوطيس، استعمل فيها المحتل اعتى أنواع الاسلحه الفتاكة، انه يبحث عن ارض بلا شعب لشعب بلا ارض.

    رحل عنها أهلها يحملون معهم مفاتيح بيوتهم. وهاجر أبو فلسطين، هاجر هو وزوجته ولم يتسنى لهما أن يأخذا فلسطين معهما. لقد اضطرا إلى الرحيل بدونها. تركوها لوحدها في البيت. اعتقد أبو فلسطين أن أمها حملتها وخرجت بها. واعتقدت أم فلسطين أن أباها فعل ذلك. لم يتنبها إلى عدم وجودها معهما إلا بعد أن تركوا يافا. لقد أراد العودة لإحضارها لكن أزيز الرصاص ودوي القنابل منعه من ذلك. رحلا على أمل العودة بعد عدة أيام.

    تركوا أراضي فلسطين النكبة ولجئوا مع اللاجئين إلى مخيم يقع في أراضي فلسطين النكسة مستقبلا. ينتظرون العودة، فهذه الأيام المعدودة والموعودة طالت على مدار تسعة عشر سنة

    كان أبو فلسطين يعد الايام والشهور والسنين لهذه العودة. انه يعيش أسوأ حالات العمر وكل هذا من اجل عيونك يا فلسطين. كان يذهب لأقرب نقطة على الحدود قبالة يافا وكانت سفاح الجبال الشرقية لكفرقاسم وينظر إلى الغرب، إلى هناك حيث ترك ابنته فلسطين. ويناجيها من بعيد. ما عساك فاعلة يا ابنتي، إني اشتم رائحتك أيتها الحورية، صبرا يا ابنتي سيعيدك هذا الرمز إلى أحضاني (وأشار بيده على رأسه).

    مرت السنوات في مخيلة أبي فلسطين متزاحمة يناجي ابنته من الحدود الشرقية واذناه مرهفة السمع للمذياع، مذياع الرمز مذياع صوت العرب الذي كان يصرخ ليل نهار: إنا راجعون إنا راجعون. لن نتأخر..... فلسطين. وهذا كان سلوان أبي فلسطين، كان المخدر الذي يهدئ أعصابه.

    ومضت تسعة عشر سنوات، دقت طبول الحرب وارتفعت شعارات رمز العروبة. هنيئا لك يا سمك، يا أبا خالد يا حبيب..بكرة سندخل تل أبيب... وخرجت صواريخ الظافر والقاهر من المذياع فقط لتدق المحتل، وتهيىء الطريق لعودة أبي فلسطين، الذي هرع إلى مكان المناجاة على الحدود. يهتف باسم العروبة وكله شوق وحنين لمعانقة فلسطين، يحمل في يده المذياع الذي كان يبث له بشرى عودة فلسطين إلى أحضانه ولكن.......سرعان ما انطفأت ابتسامته ......ما هذا المذياع اللعين، يصرخ بأعلى صوته إننا منتصرون، وعيناي ترى المحتل يحدث لنا النكسة. من الصادق أنا أم هذا الصندوق اللعين؟

    رفع أبو فلسطين صندوق العروبة الكاذبة بكلتا يديه إلى أعلى، ورمى به بكل ما أوتي من قوة إلى هاوية التاريخ. لم يتأثر أبو فلسطين من الصدمة. وليكن نكبة.....ونكسة..... ولا مانع أن يكون أكثر من هذا....... فانا صابر ومرابط.

    انتهت حرب النكسة. وصحى اامنكوسون من ذهولهم. واستصدر المسكين أبو فلسطين تصريح زيارة له ولزوجته من السلطات المختصة لزيارة بيته في يافا، للبحث عن ابنته فلسطين.

    تسعة عشر عام خلت والحنين والشوق يلازمه لمعانقة ابنته. وهاهو الآن يعود لأراضي النكبة. ليس منتصرا بل بعطف السلطات وتكرمهم عليه. سار في شوارع فلسطين وعيناه تتلقف كل شجرة، بيت، جبل، سهل. يحاول أن يجمع في مخيلته ذكريات مرّ بها هذه البلد الفلانيه. يا للعجب إنها أطلال!!!!! أين سكانها؟ وكان يجيب نفسه بنفسه. إنهم سكان مخيم الفارعة. وتلك القرية سكان مخيم الجلزون. وتلك وتلك وتلك....

    أقبلت السيارة على مشارف مدينة يافا، وكان متخيلا انه سيشم رائحة أشجار الحمضيات. لكن هيهات!!!!!!! كيف ذلك وقد قطعت، ونبت على أنقاضها بيوت مدينة تل أبيب.

    بدأت السيارة تغوص في أعماق يافا، واعين أبو فلسطين وزوجته تتنقلان ذات الشمال وذات اليمين. ليستوعبا ما حل ليافا في التسعة عشر سنة الماضية. يحاولا رؤية كل منظر وربطه بسلسلة الذكريات، فكانا في كل لحظة يطلبان من السائق التمهل.

    هاهي رائحة البحر ما زال يروجها من حوله، انه اقوي من جبروتهم. هاهو برج ساعة يافا ما زال صامدا أمام أمواج البحر، يرقب المسجد الكبير الذي تحول لمركز شرطة مخمرة ومتاجر. تحولت أسماء الشوارع إلى العبرية، فأصبح شارع يافا الرئيس "ييفت"

    وفجأة صرخ أبو فلسطين في اتجاه السائق " ادخل من هنا!!!! ادخل من هنا!!!!!!! هذا الزقاق يؤدي إلى حينا. هاهو مرتع الطفولة وراعي الشباب . هنا أقيمت أفراح زواجي سبعة أيام. قف أيها السائق فخلف هذه البناية يقع بيتي ولا أريد أن آتيه راكبا.


    ترجل أبو فلسطين واقفا غير واقف فقد بدلت كل أعضاء جسمه وظائفها. القلب يخفق بشدة، الارجل لا تستطيع حمله، الأيدي ترتجف والعين تذرف الدموع. في هذه اللحظة بعث البحر بهوائه ليعانق ذلك الصديق القديم، فأصابه بقشعريرة باردة اصطكت لها الأسنان وارتجفت الابدان.

    سارت الارجل تحمل ما عليها من جثث في اتجاه القلب المنشود والبيت الموعود. لطالما حلم برؤيته وهو في مكان المناجاة. هاهو الآن على بعد خطوات معدودة عن اعز ما ملك. في أي حال سيرى بيته؟ وأين سيجد ابنته؟

    ما أن أصبح البيت في مرمى النظر حتى رأيت أبي فلسطين يركض في اتجاهه. فقد شحن بقوة غير طبيعية استمدها من قوة صموده. وصل البيت ليخرج مفتاحه ويلجه في باب بيته. لكن المفتاح يأبى الدخول. تغير مصراع الباب، فليس باستطاعته الانتظار كل هذه المدة.

    فتح الباب بعد طرقه وأجابه صوت المستعمر. نعم من أنت؟ وماذا تريد؟

    تلعثم أبو فلسطين في الاجابه التي سرعان ما جاءت. أنا صاحب هذا البيت. ضحك المستعمر بقهقه جعلت أبو فلسطين يتذكر أزيز الرصاص ودوي قنابل التهجير. انه لا يستطيع عمل شيء سوى أن يكتم مشاعره، انه الآن لا يريد البيت بل ابنته.

    سمح المستعمر للضيوف بالدخول، ليس محبة بهم بل ليعطيهم فرصه اشفاء الغليل برؤية بيتهم، على أن لا يعودوا مرة أخرى وبعد أن تأكد من حملهم تصريح الأمان الذي استصدروه من السلطات المختصة، الذي يثبت أنهم ليسوا بإرهابيين .

    تجول اللاجئون في أنحاء البيت وأعادوا ذكريات كل قطعة فيه فهذا كان مكان كذا وذلك كذا وفجأة توجه أبو فلسطين بسؤال للمستعمر. لقد تركنا في هذا البيت أمانة فهل لنا استرجاعها؟

    طبعا..... طبعا... لقد وجدت بعض الحلي الذهبية وأموال نقدية في هذا البيت. خذها ولتكن تعويضا لك على ما أصابك.

    رد عليه أبو فلسطين قائلا: لم أكن اقصد هذا ولا أريده........ لا تعويض ولاغيره. إنما قصدت ابنتي التي تركتها رغما عني.

    اخبره المستعمر بعدم رؤيته لهذه الطفلة في البيت. وانه لايستطيع أن يساعده في إيجادها، فقد مر زمن طويل على قصة كهذه . لكن هذا الزمن الطويل لم يردع أبو فلسطين عن حلمه بعودة ابنته إليه.

    بينما هما يتجاذبان أطراف الحديث وإذا بفتاة في العشرينات من عمرها تدخل البيت بلباس عسكري، وتحمل بندقية في يدها. ما أن رآها أبو وأم فلسطين حتى وقفا على رجليهما فاغران فميهما من الدهشة. صرخا سويا صرخة مدوية "فلسطييييييييين"!!!!!!!!!!

    انتصب المستعمر ليخرجهما من هذه الدهشة ويعيدهما إلى الواقع قائلا: مهلا أيها العربي هذه ليست فلسطين هذه ابنتي "يسرائيلا"

    ماذا تقول أيها الرجل؟ انظر إليها كيف تشبه أمها في ملامح الوجه، وخضرة بشرتها. انظر إلى طولها الذي اكتسبته مني. انظر إلى شعرها الأسود الذي نسجه لها ظلام فلسطين. تلك الشفتان لم ترضع إلا لبن عربي. وعدا ذلك هي لا تشبهك فأنت أشقر اللون وهي قمحية اللون!!!!!!!

    رد عليه المستعمر قائلا: اجل لقد كان لون جدي قبل ألفين عام قمحي وهي تشبهه . وبهذه الجملة أعلن المستعمر على انتهاء الزيارة .

    خرج أبو فلسطين من البيت وقلبه يعتصر ألما، ثم سار في اتجاه البحر. وقف على الرصيف في نفس المكان الذي كان ينتظر فيه رزقه

    شكا للبحر همه وخاطبه قائلا: أيها البحر !!!! لقد رأيت ابنتي ولم استطع أن المسها، كان اسمها فلسطين فبدلوه ل"يسرائبلا" كما بدلو أسماء الشوارع. دخلت بيتي وطردت منه بعد ان كنت اقيم فيه الصلاة. أنا مسافر الآن وأريد أن أأتمنك على ابنتي. رجاءا أن تحتضنها حتى يومك الأخير.

    أدار أبو فلسطين ظهره للبحر مغادرا، لكنه تحول إليه مرة ثانية، فقد أراد أن يحملّه أمانة أخرى. مد يده إلى رأسه وخلع رمز العروبة من عليه ورمى به إلى البحر، مخاطبا إياه: أنا لم اعد بحاجة لهذه الرموز التي لا تسمن من جوع ولا تروي من عطش. خذها ........وابعث بها إلى غيري فانا صحوت من غفلتي.

    عاد أبو فلسطين إلى مخيمه محموم البال، مكسور الخاطر. وضع على رأسه كوفية سوداء، أطلق عليها الكوفية الفلسطينة ليبدأ مشوار جديد، مشوار يكون فيه أمل عودة ابنته بالاتّكال على الله وعلى حجارة من سجيل، وليس على عرب أموات.

    عاد يناجي ابنته ويحثها على الصبر، لا بد أن تأتي لحظة العناق وينهزم الاستعمار.

    انتظر أبو فلسطين عشرين عاما أخرى حتى نطقت الحجارة، لتعلن انتفاضه هزت عرش الطاغية. اضطرته أن يعترف بحقوق أبي فلسطين في العيش كإنسان لا غير. لكن هذا الاعتراف لن يشبع رغباته انه يريد ابنته التي ضاعت.

    وما زال أبو فلسطين ينتظر ويناجي رغم سرعة السنين في دولاب التاريخ. لكنه لم ولن يفقد الأمل بعودة ابنته لأحضانه. فلسطين لن أنساك........ فلسطين أنا أهواك........

    منقول

  2. #2
    عضو فعال
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    40
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    183

    رد: مجموعة قصصية رائعة...ستعجبك

    الوطن يسكن قلب لينا
    بقلم: آلاء "محمد منيف" شاهين


    هذه القصة حكاية كل فلسطيني لاجئ في الغربة في الماضي والحاضر والمستقبل، ليس لها زمن، لكن لها مكان، ولها أشخاص، ولها أحداث... ولن يكون لها زمن إلا بعودة الحقوق إلا أصحابها..

    ما عرفت يوماً أني سأعرفها، أو أني أغدو صديقتها، أو تغدو ساعات حياتي بدونها مستحيلة، تجذبني لها مشاعر شتى، من الحب والحنان والحزن لحالها، بل حتى التعاطف مع قضيتها....

    أنهيت دراستي في جامعة بيروت، بتفوق وامتياز، أخيراً وبعد سنوات طويلة من التعب والدراسة غدوت معلمة للغة العربية، كم كانت فرحتي غامرة، فالأيام التي حلمت بها، أوشكت أن تصبح حقيقة أمام عتبات دخولي السلك التعليمي. توجهت إلى مديرية التربية والتعليم وقدمت أوراقي الثبوتية، وانتظرت أياماً تتلوها أيام....

    ولم يطل انتظاري حتى وجدت اسمي على قائمة المقبولين في التعليم الابتدائي. راجعت الموظفة المسئولة عن ملفات المعلمين، أعطتني ملفي وقالت لي: مبارك تعيينك.

    رددت لها الابتسامة بأخرى اعتقد أنها كانت حقيقية، فتحت الملف، ما وجدت اسم المدرسة سألتها: أين سأدَرِّس؟؟؟ قالت لي: عليك مراجعة مكتب وكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين، قُبل ملفك هناك...

    - هناك!

    ولمعت في ذهني كلمة كنت أخشى أن أنطقها "المخيم".

    أكملت كلامها: ليس لدينا شاغر في مدارس الحكومة...

    خرجت من عندها ووقفت للحظة كي أراجع كل ما سمعت، كيف؟ أعيّن في مدارس المخيم، يا إلهي وأي مخيم ذاك الذي سيستضيفني....

    كانت أمي وحدها من تواسيني، قالت لي: ومن لا يتمنى العمل مع وكالة الغوث لتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، إنها توفر رواتب ممتازة وتمنح تطويراً جيداً للمعلمين. قبلت مجاملتها ودخلت غرفتي، وأمام مكتبي طفقت أرقب ملفي وأفكر...

    هذه بداية تعيين أي معلم وعلي القبول بها، وما أدراني لعلي أجد هناك ما كنت أصبو إليه.....ما كانت لدي فرصة أخرى، وأمام إصرار أهلي على قبولي الوظيفة، ذهبت في اليوم التالي إلى مكتب الوكالة في العاصمة وقدمت أوراقي وملفي، وما هي إلا أيام واستدعيت للمقابلة، وعينت بعدها في مخيم بعيد جنوب بيروت، مخيم عين الحلوة....


    كان علي أن أحزم أمتعتي خلال يومين، وأستلم مفتاح الشقة من موظف شؤون المعلمين في الوكالة، ودّعت أهلي وأصدقائي وحزمت أمتعتي وأنهيت كل معاملاتي، وأخذت كل كتبي وأوراقي، وفي اليوم الموعود استقليت الحافلة وسافرت إلى حيث أبدأ رحلتي...........

    على عتبات المخيم وقفت، قوس كبير يزين شارع المخيم يرحب بالزوار" أهلاً بكم في مخيم الصمود والتحدي مخيم عين الحلوة"

    أنا لا أعرف أحدا ًهنا، ولا أعرف حتى أين المدرسة أو الشقة التي سأسكن بها، تذكرت الورقة التي بها هاتف مكتب الوكالة هنا، فتحت هاتفي المحمول وما هي إلا ثوان قليلة وكنت أكلم المسئول في المكتب..كان علي الانتظار ربع ساعة أو أكثر ريثما يحضر ليقلني إلى حيث شقتي...

    جالت عيناي في المكان، جو لطيف وشمس دافئة غمرت أركان وجنبات الطريق، طفقت أنظر إلى هذه الحياة الجديدة، تمشيت قليلاً، ما هذا المكان؟ طرق ضيقة، أزقة ترسم خطوطها نحيفة بين البيوت، أطفال صغار يجرون ويلعبون أجسادهم نحيلة وثيابهم بسيطة، يختبئون هنا وهناك خلف باب بيت أو جسم سيارة، نظرت للبيوت، مصنوعة من طين واسمنت، ومغطاة بألواح الألمنيوم الكبيرة، لكنها في بعض أرجاء المخيم أكثر رقياً قليلاً....

    - يا آنسة......

    واستيقظت من حواري الداخلي لأرى أمامي ...........

    - أنا مسئول مكتب الوكالة، أنت المعلمة الجديدة؟

    - نعم أنا هي تشرفنا....

    وبعد كلمات عادية مصطنعة مشينا معاً في طرق المخيم الوعرة،

    - بإذن الله ستكونين سعيدة هنا لا يغرك المكان فأهل المخيم أناس لطيفون ويكرمون الضيف.

    نظرت إليه نظرة ساخرة وقلت: ما كنت أتخيل أني سآتي أصلاً هنا............

    عرفت موقع المدرسة الابتدائية وبجوارها مكتب شؤون الوكالة والعيادة الصحية، وصلت شقتي، وما إن أغلقت الباب على نفسي حتى غدوت أبكي ولا أدري لماذا؟ ولا حتى متى انتهيت؟؟؟

    صباحاً كانت مديرة المدرسة تنتظرني، خرجت مبكرة،

    - صباح الخير يا معلمة، أسعد الله صباحك يا معلمة، أهلاً بك في مخيمنا، الكل يحيي والكل يريد أن يكون لبقاً.. وأنا أرد بكلمات ما أذكرها حتى.

    شاهدت صاحب المخبز الذي عرفت لاحقاً أن اسمه أبا طحين، ولما أيقنت أن هذا لم يكن لقباً فكرت كثيراً في السبب الذي يجعل هذا الخباز يسمي ابنه هكذا....

    أما بائع الفول والحمص فحدث ولا حرج عن مطعم شعبي يرفد عليه معظم أبناء المخيم الصغار قبل الكبار قالوا لي هذا عم أبو منير وهذا البقال أبو سمير....

    وصلت المدرسة لم تكن بعيدة، أمام بوابتها رأيت الصغيرات لكن منظرهن كان أجمل وأرتب من منظر البارحة في أزقة المخيم، دخلت المدرسة وفي الساحة سألت عن مكتب المديرة وهناك قابلتها.

    كانت ترتدي نظارة وتحمل في يدها عصا خشبية وترتدي قميصاً أحمر اللون أرعبني، كانت حقاً ناظرة مخيفة، قدمت أوراقي لها، ووقفت أنظر ما ستقول، فما قالت شيئاً، تمتمت بشيء ما سمعته، ثم قالت مممممم

    ماذا تعني مممممممم؟؟؟ قلت في نفسي؟؟

    - أنت المعلمة الجديدة، أهلاً وسهلاً بك....

    قالتها بعبارة رسمية توحي بقوة وغطرسة شديدة.

    قدمتني للمعلمات الأخريات وبدأت تسرد لي لوائح القوانين في المدرسة، للحظة شعرت أنها تسرد لي الدستور وأن هذه المدرسة هي ملكها.....

    كان نهاري الأول عادياً جداً ومملاً للغاية، حتى قابلتها....

    في الصف الثاني الابتدائي، كتبت على السبورة المهترئة العبارة التالية:

    مخيم عين الحلوة يقع جنوب بيروت....

    طلبت من الطالبات أن يرددن من ورائي، ثم طلبت من كل واحدة منهن أن تقرأ لي العبارة لوحدها، وهكذا من مقعد لآخر، حتى جاء دورها، فما تكلمت

    قلت لها: أنت يا حلوة؟ فما تكلمت


    قلت لها اقرئي العبارة؟

    فما تغير شيء

    سألتها: ما اسمك يا صغيرة؟؟ فما تكلمت

    لا أعرف كيف خطر ببالي هذا الهاجس المخيف: ألا تتكلم؟؟؟ فماذا تفعل هنا، ألا يجب أن تذهب إلى مدرسة خاصة بها؟؟..

    بعد انتهاء الحصة عدت لغرفة المعلمات كنت مرتبكة لا زلت أفكر في الصغيرة،...... وبعد انتهاء الدوام رافقت إحدى المعلمات اللواتي تبين لي أنها تسكن جوار شقتي، ويا للصدفة رأيت الصغيرة مرة أخرى أمام بوابة المدرسة سألت زميلتي: هذه الصغيرة ألا تتكلم؟

    فأجابتني: بلى، إنها لينا من الصف الثاني الابتدائي تسكن مع والدتها وأختها الصغرى وجدتها، بيتها قريب من هنا، لكنها دائمة الانطواء والعزلة ولا تتكلم إلا لو اضطررتها لذلك......

    ما ذهب وجه الصغيرة من ذاكرتي، أذكر صفاء عينيها وبراءتهما، كيف تحدقان بالأشياء تزرعان حباً في قلوب الأصدقاء وخوفاً في قلوب الأعداء.

    عصر ذلك اليوم شاهدت الصغيرة لينا تلعب في الزقاق المجاور لنافذة غرفتي، راقبتها وراقبت جمال لعبها وبراءتها، حتى لمحتني فأخفضت رأسها واختفت من أمام ناظري........

    مرت الأيام عادية في الأسبوع الأول، وأنا كل يوم أحاول اكتشاف المزيد من الغموض الذي يلف حياة هذه الصغيرة، علمت من آذنة المدرسة كثيراً عن لينا، توفي والدها قبل 3 سنوات، كان يحاول زرع كلية جديدة ولكن مصاريف العملية كبيرة فما تحملت العائلة الصغيرة ذلك ولا وجدت من يعينها.... أما جدتها فهي ممن هجّر من فلسطين عام 1948، من صفد، وكان والد لينا وقتها في الخامسة من عمره، جاؤوا إلى جنوب لبنان ثم بقيت تزحف العائلة مع من زحفوا حتى وصلوا إلى عين الحلوة....

    أما والدة لينا فهي ولدت في المخيم من والدين فلسطينيين هجّروا عام 48 من حيفا، ولجئوا أيضاً مع من لجئوا إلى عين الحلوة....

    كم هي كثيرة هذه المعلومات التي عرفتها في أسبوعي الأول، وكم أصبحت قضية اللاجئين محط اهتمامي بعد أن كنت لا أطيق ذكر اسم المخيم......

    في مكتبة المدرسة مراجع كثيرة تحكي حكايات مريعة لبشر كانوا يعيشون في وطن، واليوم تجد الوطن يسكن في قلوبهم وعقولهم، يورثون حبه لأبنائهم وأبناء أبنائهم........

    أنهيت دوامي في المدرسة ومساء ذلك اليوم عزمني أهل الحي على حفلة مسائية لإحياء التراث الفلسطيني، تعجبت من كلامهم، كم هي فلسطين غالية، تسكن عقولهم وقلوبهم، أجيال جديدة ولدت في المنفى بعيدة، لكن كم هي قريبة فلسطين من قلوبهم.

    في ساحة مدرسة الأولاد الابتدائية، جلس أهل المخيم، على المقاعد المخصصة وتوالت العروض المسرحية، كانت لينا معهم، كانت تغني مع الفتيات:

    هدّي يا بحر هدّي، طوّلنا في غيبتنا.. ودّي سلامي ودّي للأرض اللي ربّتنا...

    ما أجمل كلماتهم وأجمل حركاتهم! أما لباسهم، فقد ارتدوا اللباس الفلسطيني الجميل، العباءة الطويلة المزخرفة بالنقوش والألوان، كل لون ونقش يروي حكاية الطرز الفلسطينية للأشجار والأزهار والطبيعة هناك.......



    أسابيع مرت والأطفال يؤدون امتحاناتهم، لكن الصغيرة لينا، لم تكن بينهم، بدأت تتغيب عن المدرسة كثيراً

    اليوم الأول فالثاني وأنا أحاول أن اعرف سبب غيابها، وأعلل نفسي بالصبر ستأتي غداً أو بعد غد، لكنها ما أتت..

    عرفت عنوان بيتها، وقررت زيارتها،

    وقفت أمام الباب الحديدي الصدأ، ترددت ثوان، ثم طرقت الباب عدة طرقات تتالت قبل أن أسمع صوتاً قادماً من خلف الباب: من بالباب؟

    وهمستُ ثم علا صوتي: أنا معلمة لينا، جئت أطمأن عليها...

    والتقت عيناي بعينيها

    - لينا، أين كنت؟؟ أنت بخير؟؟

    - فتحت الباب، وركضت تنادي أمها، يمّا يمّا

    جاءت أمها، أهلاً بالمعلمة تشرفنا يزيارتك، خطوتك عزيزة علينا، تفضلي تفضلي...

    مشت أمامي تريني الطريق.......ساحة صغيرة منتشرة بها بعض الأزهار والنباتات المنزلية الجميلة التي زينت حواري الدار، وغرف على جانبي الساحة مغطاة بألواح الألمنيوم الكبيرة.

    قلت لها: سأجلس هنا لا بأس لا تتعبي نفسك، أنا جئت من غير موعد.

    - ما هذا الكلام؟ زيارتك عزيزة علينا تفضلي تفضلي...

    أحضرت الكراسي وجلسنا..

    جلست لينا قرب أمها قلت لها: لقد قلقت عليك كيف أنت؟ ما أجابتني بل اختفت خلف أمها،

    - جدتها مريضة جداً إنها تحتضر ولينا أصرّت أن تبقى في البيت معها،

    قفزت الصغيرة وقالت:

    - جدتي كانت تحكي لي حكايتها، كان يجب أن تسمعيها.......

    - أنت تتقنين الكلام إذن؟

    واختفت مرة أخرى مبتسمة خلف أمها........ والوجه الأحمر والوجنتين القرمزيتين ترويان أعظم براءة عرفها عالم الطفولة.......

    ذهبت أمها لتحضر العصير........وكانت هي ترقبني من باب المطبخ........

    ذهبت ثم عادت وقالت لي بسرعة: معلمة تعالي إن جدتي تحكي حكايتها من جديد أمسكت بيدي وجذبتني سريعاً

    دخلت غرفة جدتها

    شعر أبيض ووجه خط فيه الزمن نوائبه، اقتربت أكثر لأسمع همسها، كانت تنظر حيث لا أعرف وترى أشياء أنا ما رأيتها، قالت:

    "قبل سنين كثيرة كان إلنا ارض وكان عنا ديار، وبيت أبوي أحسن بيوت البلد، والأراضي المزروعة بالزيتون والتفاح واللوز، كنا أسياد البلد، كل موسم زيتون نروح نلقط ونعمل زيتون ونعصر زيت، والله وكنا نلقط اللوز بموسمه ولما ييجي فصل الربيع وتمتلي الأرض باللون الأخضر، نقعد بهالبراري ونحكي الحداويت، ونسهر لنص الليل ونسمع حديث السمار، والأولاد الصغار يطيروا طياراتهم،"

    - انتظري يا معلمة الآن ستحكي لك حكايتها مع جدي...

    وجلست قربها لمست يدها الخشنة، الزمن الصعب المهترئ ظلمها..........

    - "ولما تزوجت ورحت لبيت زوجي، كانت العالم كلها تحلف بعرسنا، ما بقي حد من البلاد والعباد إلا وإجا عندنا، ولما جبت ابني الكبير ما بقيت بنت ولا مرا ما اجت وهنت، وعملنا مولد وعزمنا الناس والجيران وووزعنا الحلاوة وعملنا المهلبيّة وغنينا على دلعونة ويا ظريف الطول ويا حلالي ويا مالي




    يتبع.....


    منقول

  3. #3
    عضو فعال
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    92
    شكراً
    32
    تم شكره 17 مرة في 12 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    190

    رد: مجموعة قصصية رائعة...ستعجبك

    جميل جداً..

    ولكن ممنوع وضع أكثر من موضوعين في يوم واحد ..

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. مجموعة رائعة من الانمي على ذوقي ......
    بواسطة كونــــــــان في المنتدى منتدى الانيمي
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 07-14-2009, 08:19 PM
  2. بين ايديكم مجموعة اخرى من فساتين العروس وهي رائعة
    بواسطة safwat في المنتدى منتدى الجمال والأناقة
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 07-12-2009, 09:25 PM
  3. مجموعة رائعة من الأزياء ..
    بواسطة جنة الحسين (ع) في المنتدى منتدى الجمال والأناقة
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 10-17-2007, 01:36 AM
  4. مجموعة رسووم كريكاتير رائعة
    بواسطة ^_^moon^_^ في المنتدى منتدى الـطـرائف
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 09-04-2005, 07:07 AM
  5. ** مجموعة رائعة من الأحذية **
    بواسطة **ملاك الروح** في المنتدى منتدى الأسرة والطفل
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 04-26-2004, 12:23 PM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •