ثالثاً: معرفة أسباب الهم والغم..إن هناك هموما وغموما بلا دليل، مثلا: امرأة جالسة في المنزل: منزل جديد، كل الأثاث فاخر، وزوج طيب، وأولاد صالحين.. وإذا بالهم يعتصر فؤادها.. لابد أن هنالك ثغرات، يجب كشفها!..
- إن رب العالمين لا يتدخل في عالم الأبدان، حتى الشيطان لا يدخل في عالم المادة؛ ولكن القلب مفتوح للملكتين.. الشيطان له صلاحية بنص القرآن الكريم، يلعب كيفما يريد، تقول الآية: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ}، {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا}.. نعم جعل لهم سلطان، وأي سلطان!.. {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}.. أما غير العبد، فإن الشيطان له سلطان عليه، والسلطان هو على القلب لا على البدن!.. فهل رب العالمين يعطي هذا الامتياز للشيطان، ولا يعطيه لنفسه؟.. أي يقول له: أنت إلعب في نفوس الناس، ووسوس كما تشاء.. ورب العالمين، أرحم الراحمين، لا يدخل في القلوب إيجابيا لا سلبيا؟.. حاشا لله!.. فرب العالمين يده مفتوحة في القلوب، والشيطان يده مفتوحة في القلوب.. ولهذا كل أهل جهنم يرفعون دعوى على الشيطان، ويقولون: يا رب، هذا كله من شر الشيطان، هو الذي أغوانا.. رب العالمين أيضا يحاكم الشيطان، فيقول الشيطان: {فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم}، ما ألزمت أحد فـ{مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ}!.. إن رب العالمين يتدخل في القلوب كيفما يشاء، وهذا ليس من الجبر في شيء.
- إنبعض أنواع الهم والغم إلهي؛ عقوبة لعبده، وفي نفس الوقت رحمة لعبده.. مثلا: عندما اجتمع النبي (ص) مع من يحب، وجمعهم تحت الكساء، جاء جبرائيل وذكره بما يجري على الحسين (ع) يوم عاشوراء، فنغص عليه السرور.. فالهم والغم تارة عقوبتي، وتارة لطفي، كما كان لأنبيائه وأوليائه الصالحين.. لذا المطلوب أن نسد الثغرات!.. فإذا كنا على الجادة المستقيمة، فإن كل هم وغم، وكل ضيق، وكل فقر ومرض؛ يصبح تكامليا، ومعراجيا.. فإذن، لنحاول أن نسد كل ما يوجب علينا الغضب الإلهي.
- إن رب العالمين يعطي البعض بلاءات خفيفة ومستمرة، وهذه أيضا من النقاط المخيفة.. فالمصيبة هنا أن رب العالمين، يجعل العقوبة في الملف، -بتعبير القضاة: حكم مع وقف التنفيذ- فتجتمع الأحكام في ملف ضخم، وفي ختام السنة يصفع العبد صفعة، يهوي بها أسفل سافلين.. فيصاب ببلاء لا نهاية له، وهذا البلاء جاء من قوله تعالى: {وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى}.. فالغضب مثل سحابة عذاب، تتراكم وتتراكم، وإذا بهذا الغضب ينزل على العبد دفعة واحدة.. وأبسط مصاديق هذا الغضب، البلاء في الأجسام؛ كمرض خبيث يودي بحياة الإنسان.. فالإنسان الذي حياته معصية، كلما يموت أسرع، يكون خيرا له؛ ولهذا يقال: فلان المأسوف على شبابه، والبعض منهم الممدوح على وفاته.. فالموت المبكر لبعض الشباب، هو نعمة كبرى؛ ولهذا قد يكون هذا الدعاء ثقيلا على الوالدين، ولكن لا بأس في ساعة أنس بالله -عز وجل- قل: يا رب، إن كان ولدي حياته مدعاة لشقاوته، ليس عندي طلب أن يبقى حياً.. يقول الإمام زين العابدين (ع): (إلهي!.. إن كان عمري مرتعا للشيطان فاقبضني إليك).. إذا كان أنا أحب أن يقبض روحي، فكيف بولدي وأختي وعمي وخالي؟!..
- إن البلاء إذا كان على شكل بلاء مادي، فالأمر هين؛ ولكن المصيبة أن يكون البلاء في الدين، ألا نقول في الدعاء: (اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا)!.. والمراد بالدين ليس فقط الدين؛ أي المصائب المتعلقة بالآخرة.. إن من لم يخشع قلبه ليلة القدر، وأصيب بقسوة القلب؛ فهذه من أسوأ العقوبات!.. لله عقوبات في الأبدان والأموال، وفي الرواية: (ما ضرب العبد بعقوبة، أشد من قسوة القلب).. كذلك بالنسبة إلىالمرأة، فهي تحب أن تصلي ركعتين بتوجه، وهمها الطبخ والغسيل، وكل ما تريد أن تخرج ترجع إلى مطبخها.. فالمؤمن يعرج في مناجاة مع رب العالمين، وهذه المسكينة تحوم في شرنقة مقفلة، وفي عيشة محدودة، همها هذا الحائط إلى هذا الحائط؛ ولكن أين الدرجات العليا؟.. آسيا بنت مزاحم امرأة فرعون، يصل بها الكمال أن تقول: {إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ}.. تريد جوار الله، وهي زوجة أسوأ خلق الله.. نحن نقول في السجود: سبحان ربي الأعلى!.. وفرعون يقول: أنا ربكم الأعلى!.. انظروا الفرق بين أزواجنا، وبين زوج آسيا!.. إلى أين وصلت؟.. في بيئة من أسوأ البيئ، ونحن في هذه البيئ الإيمانية، بين زوج مؤمن: من مأتم إلى مسجد، ومن محاضرة إلى درس، ولم نصل إلى عشر مقامات آسيا بنت مزاحم.. والغريب أن المرأة تغار فقط من الزوجة الثانية، ولا تغار من هذه المقامات العالية التي حرمتها!.. ومريم بنت عمران، هي ليست نبية ولا وصية، فكيف وصلت؟.. {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا}.
الخلاصة: أولا القضاء على الهموم غير ممكن، إذ لابد من الهم؛ ولكن الهم نوعان: رسالي، وغير رسالي.. فالهم الرسالي، يدفع الإنسان للأمام أولاً.. وثانياً ليس له أثر سلبي على السلسلة العصبية.. والمؤمن كلما زاد إيمانا، زاد وقارا وثقلا وسكينة {أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.. فذكر الله فيه بكاء، وفيه خشية، وفيه نحيب (اللهم!.. اجعلنا ممن دأبهم الارتياح إليك والحنين، ودهرهم الزفرة والأنين، جباههم ساجدة لعظمتك، وعيونهم ساهرة في خدمتك، ودموعهم سائلة من خشيتك، وقلوبهم متعلّقة بمحبّتك، وأفئدتهم منخلعة من مهابتك).. وذكر الله فيه زفرة وأنين، ولكن ثمرته الاطمئنان.. والهموم والغموم قد تكون تارة عقوبتية، مقابل الثغرات في الحياة؛ فلنسد هذه الثغرات.. إذا سددنا الثغرات، وبقيت الهموم في حالها؛ فلنعلم أنه هم مقدس.
- إن قلب الإمام (عج) أكثر القلوب هما وغما، لما يراه من شؤون شيعيته، ولما يتذكره من مصائب آبائه وأجداده.. ولكن هذا القلب أيضا، هو من أسعد الناس على وجه الأرض، وأكثر القلوب اطمئنانا.. فإذن يمكن الجمع بين هذين المقامين.
- إنالإنسان عندما يبتلى بشيء من الهم والغم، قبل أن يفتح أسراره للغير، وقبل الشكوى إلى المخلوق، عليه أن يقدم شكواه إلى الله عز وجل {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}.. يقدم هذه الشكوى في جوف الليل، في صلاة ليل خاشعة.. بعض المؤمنين يتلذذ بالمشاكل الزوجية، كلما ترفع زوجته صوتها عليه، يقول: الحمد لله رب العالمين، هذه رفعت صوتها، وأهانتني؛ ولكنها ارتاحت!.. أي بسكوتي نفست عما في قلبها، وبذلك أكون قد أدخلت السرور على قلب.. فهو يشكر الله -عز وجل- على هذه النعمة.. فإذن، فلنقدم شكوى إليه -سبحانه وتعالى- في أن يجعل قلوبنا مستقر نظرته.. هنيئا لمن نظر الله إلى قلبه!.. فرب العالمين نظر إلى العدم، فجعله وجوداً.. ونظر إلى اللاشيء، فخلق منهن سبع سماوات وما بينهن {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}.. فكيف إذا نظر إلى قلب عبده المؤمن؟.. (لم يسعني أرضي ولا سمائي، ووسعني قلب عبدي المؤمن)!..
اجدة لعظمتك، وعيونهم ساهرة في خدمتك، ودموعهم سائلة من خشيتك، وقلوبهم متعلّقة بمحبّتك، وأفئدتهم منخلعة من مهابتك).. وذكر الله فيه زفرة وأنين، ولكن ثمرته الاطمئنان.. والهموم والغموم قد تكون تارة عقوبتية، مقابل الثغرات في الحياة؛ فلنسد هذه الثغرات.. إذا سددنا الثغرات، وبقيت الهموم في حالها؛ فلنعلم أنه هم مقدس.
- إن قلب الإمام (عج) أكثر القلوب هما وغما، لما يراه من شؤون شيعيته، ولما يتذكره من مصائب آبائه وأجداده.. ولكن هذا القلب أيضا، هو من أسعد الناس على وجه الأرض، وأكثر القلوب اطمئنانا.. فإذن يمكن الجمع بين هذين المقامين.
- إنالإنسان عندما يبتلى بشيء من الهم والغم، قبل أن يفتح أسراره للغير، وقبل الشكوى إلى المخلوق، عليه أن يقدم شكواه إلى الله عز وجل {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}.. يقدم هذه الشكوى في جوف الليل، في صلاة ليل خاشعة.. بعض المؤمنين يتلذذ بالمشاكل الزوجية، كلما ترفع زوجته صوتها عليه، يقول: الحمد لله رب العالمين، هذه رفعت صوتها، وأهانتني؛ ولكنها ارتاحت!.. أي بسكوتي نفست عما في قلبها، وبذلك أكون قد أدخلت السرور على قلب.. فهو يشكر الله -عز وجل- على هذه النعمة.. فإذن، فلنقدم شكوى إليه -سبحانه وتعالى- في أن يجعل قلوبنا مستقر نظرته.. هنيئا لمن نظر الله إلى قلبه!.. فرب العالمين نظر إلى العدم، فجعله وجوداً.. ونظر إلى اللاشيء، فخلق منهن سبع سماوات وما بينهن {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}.. فكيف إذا نظر إلى قلب عبده المؤمن؟.. (لم يسعني أرضي ولا سمائي، ووسعني قلب عبدي المؤمن)!..
منقول
المفضلات