دعاء كميل بن زياد
اللّهمّ(1) إنّي أسألك برحمتك التى وسعت كلّ شيء(2) ، وبقوتك التي قهرت بها كلّ شيء، وخضع لها كلّ شيء، وذل لها كلّ شيء، وبجبروتك(3) التي غلبت بها كلّ شيء(4) ، وبعزتك التي لا يقوم لها شيء، وبعظمتك(5) التي ملأت كلّ شيء وبسلطانك(6) الذي علا(7) كلّ شيء، وبوجهك(8) الباقي بعد فناء كلّ شيء، وبأسماك التي ملأت أركان كلّ شيء(9) ، وبعلمك الذي أحاط بكل شيء، وبنور وجهك(10) الذي أضاء له كلّ شيء.
____________
1- اللّهمّ: بمعنى يا الله.
2- برحمتك التي وسعت كلّ شيء: يفيضك وإيجادك الخلق.
رحمة الله العامة التي وسعت كلّ شيء ذي شعور وغير ذي شعور في الدنيا: الإيجاد والبقاء والرزق في سير الحياة ـ حسب استعداد المحل وقابليته ـ.
ورحمته ـ تعالى ـ الخاصة ـ ومنها العطية الهنية والثواب ـ لأهل التوحيد، وهي مضمونة يوم القيامة للذين يتقون الشرك والمعاصي، ويمتثلون أمر الله ونهيه.
3- بجبروتك: بقدرتك وسلطتك.
4- بعزتك التي لا يقوم لها شيء: بغلبتك وقدرتك، التي لا يستطيع معارضتها أي شيء.
5- بعظمتك: تأتي عظمة بمعنى: استحكام وكبر مقام، تدعونا هذه الجملة للتدبر في أجزاء العلم.. لنعرف عظمة الخالق الصانع في كلّ شيء صغير وكبير.
6- بسلطانك: بملكك وقدرتك وقوتك.
7- علا: تأتي بمعنى: قهر وغلب.
8- بوجهك: بوجودك الوجود المطلق.
9- بأسمائك التي ملأت أركان كلّ شيء: بأسمائك التي ببركتها بقاء واستقرار اُسس الأشياء في سيرها، والأسماء الحسنى: هي الله، الرحمن، الرحيم، الملك، القدّوس، الخالق، البارىء، المصوّر، إلى تمام ما ذكر. وأركان كلّ شيء ـ سواء كان محسوساً أو غير محسوس ـ اُسسه.. ما يستقيم ويتمسك به، وكلّ شيء له أركان.. حسب ما يناسبه.
10- بنور وجهك: بنور ذاتك وإرادتك.. بقدرتك وحكمتك وجودك.
يا نور(1) يا قدوس(2) ، يا أول الأولين(3) ، ويا آخر الآخرين(4).
اللّهمّ اغفر لي الذنوب التي تهتك(5) العصم(6) ، اللّهمّ اغفر لي الذنوب التي تنزل النقم(7) ، اللّهمّ اغفر لي الذنوب التي تغيّر النعم(8) ، اللّهمّ اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء(9) ، اللّهمّ اغفر لي الذنوب التي تنزل البلاء(10) ، اللّهمّ اغفر لي الذنوب
____________
1- نور: من أسماء الله تعالى ذكر: (يمكن أن يقال: سمّى نفسه ـ تعالى ـ نوراً لما اختص به من إشراق) العظمة (التي تضمحل الأنوار دونها).
2- قدّوس: من أسمائه ـ تعالى ـ، ومعناه.. الطاهر المنزّه عن كلّ نقص وعيب.
3- أول الأولين: باعتبار سبقه على الموجودات على كلّ أول، إذ منه ـ تعالى ـ بدء الخلق.
4- آخر الآخرين: باعتبار مصير الموجودات وانتهاء كلّ آخر إليه ـ تعالى ـ.
5- تهتك: تكشف.. تزيل.
6- العصم: جمع عِصمة وهي المنع الحفظ والوقاية والملجأ، وتطلق العصمة على ملكة اجتناب المعاصي مِنعة النفس من الوقوع في المعاصي. في الذنوب.
.. ويستفاد من الأحاديث: أن كلّ نوع من الذنوب يسبب نوعاً من الابتلاء وتغيير النعم، والذنوب التي تهتك العصم ـ كما عن الإمام الصادق (عليه السلام) ـ هي: شرب الخمر، واللعب بالقمار، وفعل ما يُضحك الناس من المزاح واللهو ـ كالمشتمل على السخرية والهمز واللمز ـ، وذكر عيوب الناس، ومجالسة أهل الريب ـ المتّهمين بالباطل ـ.
7- النقم: جمع نقمة وهي الإنتقام. المجازاة بالعقوبة، والذنوب التي تصير سبباً لنزول النقم ـ كما روي ـ. هي: نقض العهد، وظهور الفاحشة، وشيوع الكذب، والحكم بغير ما أنزل الله، ومنع الزكاة وتطفيف الكيل.
8- جمع نعمة، وهي: ما يتنعّم به الإنسان من المال ونحوه. والذنوب التي تغير النعم ـ كما روي ـ هي: ترك شكر المنعم، والإفتراء على الله ـ تعالى ـ والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقطع صلة الرحم، وتأخير الصلاة عن أوقاتها ـ حتى تذهب أوقاتها ـ، والدياثة، وترك إعانة الملهوفين المستغيثين، وترك إعانة المظلومين.
9- الذنوب التي تحبس الدعاء: هي ـ كما روي عن الإمام زين العابدين (عليه السلام): سوء النية، وخبث السريرة، والنفاق مع الإخوان، وترك التصديق بالإجابة، وتأخير الصلاة المفروضة حتى تذهب أوقاتها.
10- الذنوب التي تنزل البلاء: هي كما روي عن الإمام زين العابدين (عليه السلام): ترك إغاثة الملهوف، وترك إعانة المظلوم، وتضييع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والبلاء: المصيبة، المحنة، الشدّة.
التي تقطع الرجاء(1) ، اللّهمّ اغفر لي كلّ ذنب أذنبته، وكلّ خطيئة أخطأتها(2).
اللّهمّ إنّي أتقرب إليك بذكرك(3) ، وأستشفع بك إلى نفسك(4) ، وأسألك بجودك أن تدنيني من قربك(5) ، وأن توزعني شكرك(6) ، وأن تلهمني ذكرك(7).
اللّهمّ إنّي أسألك سؤال خاضع متذلّل خاشع(8) أن تسامحني وترحمني، وتجعلني بقسمك(9) راضياً(10) قانعاً(11)
____________
1- الذنوب التي تقطع الرجاء: هي ـ كما روي ـ اليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله، والثقة بغير الله، والتكذيب بوعده. والرجاء: الأمل، والمؤمن ينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه متساويين، كما في الحديث: خف الله خوفاً ترى إنّك لو أتيته بحسنات أهل الأرض لم يقبلها منك، وارج الله رجاءًترى أ نّك لو أتيته بسيئات أهل الأرض غفرها لك.
2- كلّ خطيئة أخطأتها: كلّ إثم. ذنب عملته، تكرار المعاني المتقاربة بألفاظ متعددة. تفنّن ـ وهو من البلاغة ـ.
3- بذكرك: بذكري إياك. والذكر يشمل قراءة القرآن، والصلاة، والدعاء، والتسبيح، والتهليل، وحقيقة الذكر: حضوره ـ تعالى ـ في ذهن الذاكر. ما يدفع الذاكر لفعل الواجبات وتجنّب المحرّمات.
4- أستشفع بك إلى نفسك: أجعلك شفيعاً لنفسي الخاطئة إلى ذاتك المقدسة، والمراد طلب العفو والمغفرة منه تعالى.
5- تدنيني من قربك: تقرّبني اليك منزلة ورتبة، توفقني لإقامة طاعاتك واجتناب معاصيك والسبق والجهاد في ذلك.
6- توزعني شكرك: تلقي في ذهني أن أشكرك.
7- تلهمني ذكرك: توفقني، وتلقي في بالي أن أذكرك.
8- خاشع: خاضع في بدنه وبصره وصوته. ذُكر: أن الفرق بين الخضوع والخشوع.. هو أن الخضوع.. في البدن، والخشوع..في البدن والبصر والصوت.. ومن آثاره.. غض النظر ـ النظر إلى أدنى ـ وضعف الصوت.
9- بقسمك: بالقسمة بالنصيب الذي جعلت لي من فضلك، وبحصتي ونصيبي الذي يصيبني في الاُمور غير الاختيارية. والقَسَم العطاء.
10- راضياً: غير ساخط، جاء في القرآن الكريم (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا) الآية 32 من سورة الزخرف.
11- قانعاً: راضياً، وإن بدا نصيبي قليلا ـ حسب النظرة السريعة ـ، تكرار المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة.. نوع من التأكيد.
..معاني هذه الجملة (وتجعلني بقسمك راضياً قانعاً).. توحي للإنسان السعادة الحقيقية، حيث هدوء الخاطر والوقار وعدم الغضب ازاء العواصف والمصائب الشديدة، لأنّ عدم الرضا عن الاُمور الحياتية، والغضب الشديد عند الحوادث الطارئة المكروهة.. يولّد الهمّ والغمّ والتشويش، وقد يصل بالإنسان لدرجة اليأس من الحياة ما يؤدّي إلى الانتحار أو الإصابة بضغط الدم والأمراض العصبية والنفسية.
فينبغي للإنسان في حال الرخاء والشدة وموجبات الفرح والحزن.. عدم الخروج عن حدود الإنسانية، ويحسن أن يكون في مقابل الطوارىء ثابت العزم راضياً.
والرضا والتسليم يكون صحيحاً في مقابل الحوادث غير الاختيارية، أمّا الحوادث الاختيارية المكروهة، التي تحصل من الإهمال الفردي أو الجماعي فعلى الإنسان أن يتداركها بالسعي المتواصل الجاد، مع ثبات القلب واستقرار النفس، لتغييرها وتحسينها، إذ أنّ ترك العمل في جلب المنفعة ودفع المضرّة، والإعراض عن الدنيا المشروعة.. مخالف للطبيعة واحتياجات الإنسان، وهو في درجة ما.. من الذنوب.
يتبع >>>