أهلها(1) ضجيج(2) الآملين(3) ، ولأصرخن إليك صراخ المستصرخين(4) ، ولأبكين عليك بكاء الفاقدين(5) ، ولاُنادينك أين كنت يا ولي المؤمنين(6)؟ يا غاية آمال العارفين(7) ، يا غياث المستغيثين(8) ، يا حبيب قلوب الصادقين(9) ، ويا إله العالمين(10)؟
أفتراك(11) سبحانك يا إلهي وبحمدك تسمع فيها(12) صوت عبد مسلم سجن فيها بمخالفته(13) ، وذاق طعم عذابها بمعصيته، وحبس بين أطباقها(14) بجرمه(15) وجريرته(16) ، وهو يضجُّ إليك ضجيج مؤمّل(17) لرحمتك، ويناديك بلسان أهل توحيدك(18) ، ويتوسل إليك(19) بربوبيتك(20).
____________
1- أهلها: أهل النار.
2- ضجيج: صياح من هو في حالة خوف. أي مثل ضجيج.
3- الآملين: لرحمتك.
4- لأصرخن إليك صراخ المستصرخين: لأصيحن صياحاً شديداً إليك كصياح المستغيثين.
5- لأبكين عليك بكاء الفاقدين: لأبكين لفراق مقام رضاك. كبكاء الفاقدين. المفارقين للأعزاء عليهم ـ كالأولاد ـ بالموت وغيره.
6- أين كنت يا وليّ المؤمنين: أين نصرك وإعانتك، يا معين المؤمنين.
7- يا غاية آمال العارفين: يا منتهى رجاء العارفين، والعارف كما قيل: من اطّلع على نعوته ـ تعالى ـ وصفاته الجلالية والجمالية بقدر الطاقة البشرية.
8- يا غياث المستغيثين: يا إعانة المستعينين، طالبي المعونة.
9- يا حبيب قلوب الصادقين: يا محبوب قلوب الصادقين، والصادقون الذين صدقوا في دين الله نيّة وقولا وعملا.
10- يا إله العالمين: يا معبود أصناف الخلق كلّه.
11- أفتراك: هل يكون أن تسمع.
12- فيها: في نار جهنم.
13- بمخالفته: بسبب مخالفته لأوامرك ونواهيك.
14- أطباقها: طبقاتها. طبقات النار.
15- بجرمه: بخطئه وذنبه.
16- جريرته: جنايته.
17- مؤمّل: راج.
18- يناديك لسان أهل توحيدك: يناديك ويدعوك كما يدعوك المعترفون: بأ نّك الخالق الواحد لا شريك لك.
19- يتوسل إليك: يتقرّب إليك. لخلاصه من العذاب.
20- بربوبيتك: بأ نّك ربّ له ولسائر المخلوقات.
يا مولاي.. فكيف يبقى في العذاب.. وهو يرجو ما سلف(1) من حلمك؟ أم كيف تؤلمه النار.. وهو يأمل فضلك ورحمتك؟ أم كيف يحرقه لهيبها(2).. وأنت تسمع صوته، وترى مكانه؟ أم كيف يشتمل عليه(3) زفيرها(4).. وأنت تعلم ضعفه، أم كيف يتغلغل بين أطباقها(5).. وأنت تعلم صدقه؟ أم كيف تزجره(6) زبانيتها(7).. وهو يناديك يا ربّه؟ أم كيف يرجو فضلك في عتقه(8) منها.. فتتركه فيها؟
هيهات، ما ذلك الظن بك، ولا المعروف من فضلك، ولا مشبه لما عاملت به الموحّدين(9) من برك(10) وإحسانك.
فباليقين أقطع، لولا ما حكمت به من تعذيب جاحديك(11) ، وقضيت به(12) من إخلاد معانديك(13).. لجعلت النار كلّها برداً وسلاماً(14) ، وما كان لأحد فيها مقراً(15) ولا مُقاماً(16).
____________
1- ما سلف: ما تقدّم وسبق.
2- لهيبها: لهب النار: شعلة النار لسان النار المضيء.
3- يشتمل عليه: يحيط به من جميع جوانبه.
4- زفيرها: صوت اشتعالها. فإنّ لهب النار الشديدة له صدى قويّ، يسمع من مكان بعيد.
5- يتغلغل بين أطباقها: يدخل بين طبقاتها بتعب وشدّة.
6- تزجره: تصيح به بشدّة وانتهار.
7- زبانيتها: الزبانية: ملائكة العذاب.. يدفعون أهل النار.. إليها.
8- عتقه: حريته وخلاصه.
9- الموحّدين: المعتقدين بوحدانيتك. بأ نّك إله الكون، واحد لا شريك لك.
10- برّك: لطفك وشفقتك.
11- جاحديك: منكريك ـ سبحانك ـ مع علمهم بك.
12- قضيت به: أمرت أمراً مقطوعاً به.
13- إخلاد معانديك: دوام بقاء معانديك في النار، والمعاند: العاصي. من خالف الحقّ وهو عارف.
14- سلاماً: سلامة من الأذى، كناية عن الراحة ونظارة العيش والتنعّم.
15- مقراً: مستقراً. موضع استقرار.
16- مُقاماً: موضعاً للإقامة.
لكنك تقدّست(1) أسماؤك.. أقسمت أن تملأها من الكافرين، من الجنّة(2) والناس أجمعين(3) ، وأن تخلّد فيها المعاندين(4).
وأنت جلّ ثناؤك(5).. قلت مبتدئاً، وتطوّلت بالإنعام متكرّماً(6): (أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستون)(7).
إلهي وسيّدي، فأسألك بالقدرة التي قدّرتها(8) ، وبالقضية(9) التي حتمتها(10) وحكمتها، وغلبت من عليه أجريتها.. أن تهب لي في هذه الليلة وفي هذه الساعة.. كلّ جرم أجرمته(11) ، وكلّ ذنب أذنبته، وكلّ قبيح أسررته(12) ، وكلّ جهل عملته.. كتمته أو أعلنته، أخفيته أو أظهرته، وكلّ سيئة أمرت بإثباتها الكرام الكاتبين(13) ،
____________
1- تقدّست: تنزّهت عن النقائص.
2- الجِنّة: جمع جن، قيل: إنّ الجنّ أجسام هوائية قادرة على التشكّل بأشكال مختلفة، لها عقول وأفهام وقدرة على الأعمال الشاقة. والجن حقيقة، لا يرفضها العقل ـ فما أكثر ما يجهل من عوالم هذا الكون ـ وقد نزل بها الوحي (وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون) الآية 51 من سورة الذاريات.
3- أجمعين: (فوربّك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثياً) الآية 68 سورة مريم. (ولكن حقّ القول منّي لأملأن جهنم من الجِنّة والناس أجمعين) من آية 13 من سورة السجدة. الذين أذنبوا وتمادوا في المعصية بملء اختيارهم.
4- المعاندين: (والذين كذّبوا بآياتنا واستكبروا عنها اُولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) الآية 36 سورة الأعراف.
5- جل ثناؤك: عظم مدحك.. ذكرك الحسن. من أن يصفه الواصفون.
6- تطوّلت بالإنعام متكرّماً: تفضّلت بما ينعم به حال كونك بليغ الكرم ـ سبحانك ـ.
7- الآية 18 من سورة السجدة.
8- بالقدرة التي قدّرتها: بالقضاء والحكم الذي قضيت وحكمت به.
9- بالقضية: قيل: هي الإماتة والموت.
10- حتمتها: أوجبتها. جزماً.
11- كلّ جرم أجرمته: كلّ خطأ عملته.
12- أسررته: أخفيته في نفسي.
13- الكرام الكاتبين: الملائكة الذين يحصون أعمال العباد.
يتبع >>>
المفضلات