وفي جميع الأحوال متواضعاً(1).
اللّهمّ وأسألك سؤال من اشتدّت فاقته(2) ، وأنزل بك عند الشدائد حاجته، وعظم فيما عندك رغبته.
اللّهمّ عظم سلطانك وعلا مكانك(3) ، وخفي مكرك(4) وظهر أمرك(5) ، وغلب قهرك(6) وجرت قدرتك(7) ،
____________
1- متواضعاً: غير متكبر، في الحديث: ما تواضع أحد لأحد لله إلاّ رفعه.
2- فاقته: فقره.
3- علا مكانك: شرف عرشك، وعلا قدراً ومنزلة عن المشابهة وإدراك الأوهام.
4- خفي مكرك: استترت مجازاتك لعبادك المخادعين، وذُكر: أن أصل معنى المكر.. هو معالجةُ الأسباب الخفية للوصول إلى المسببات المرغوبة.
5- ظهر أمرك: أمره ـ سبحانه ـ التكويني كلمة "كن" الوجودية، التي جميع الموجودات في هذا الكون الواسع ظاهر بها، وأمره التشريعي والتكليفي هو ما جاء به الأنبياء من الأوامر والنواهي وظهور هذا الأمر بواسطة الأنبياء.
6- غلب قهرك: إذ كلّ الموجودات تحت قدرته ـ تعالى ـ. كيف انتهى الأمر بالظالمين والمنحرفين؟... وحتى اليوم، إنّهم انتهوا، يرجعون إليه ـ تعالى ـ ليجزيهم على أعمالهم، والقهر: الغلبة لغةً.
7- جرت قدرتك: وقع قضاؤك وحكمك على ما ثبت في اللوح المحفوظ، ويلاحظ جريان قدرة الله تعالى في دورة الإنسان منذ كان نطفة حتى نموه في بطن اُمّه، إلى خروجه وتدرجه في مراحل الحياة، وأجزاء الكون والشمس والقمر والكواكب وسيرها.
ولا يمكن الفرار من حكومتك(1).
اللّهمّ لا أجد لذنوبي غافراً ولا لقبائحي ساتراً، ولا لشيء من عملي القبيح بالحسن مبدّلا غيرك.
لا إله(2) إلاّ أنت سبحانك وبحمدك(3) ظلمت نفسي، وتجرأت بجهلي(4) ، وسكنت إلى قديم ذكرك لي ومنك عليَّ(5).
اللّهمّ مولاي كم من قبيح سترته؟ وكم من فادح(6) من البلاء أقلته(7)؟ وكم من عثار وقيته(8)؟ وكم من مكروه دفعته(9)؟ وكم من ثناء جميل(10) لست أهلا له(11) نشرته(12)؟
اللّهمّ عظم بلائي وأفرط بي(13) سوء حالي، وقصرت بي أعمالي، وقعدت
____________
1- حكومتك: حكمك وقضائك، لا يمكن الفرار من حكمه لأنّه ـ تعالى ـ محيط بجميع الأشياء، وقدرته جارية على كلّ الموجودات، وحكمه نافذ فيها.
2- إله: معبود.
3- سبحانك وبحمدك: أُنزّهك عمّا لا يليق بك، 4- تجرأت بجهلي: أسرعت إلى مشتهيات نفسي من غير تدبّر بسبب جهلي وعدم معرفتي بعواقبها.
5- سكنت إلى قديم ذكرك لي ومنك عليَّ: اطمأننت ـ ولم أستعد، لم أعمل بأحكام شريعتك كما يجب ـ بعد بلوغي سنّ التكليف وبعد إلقائك الحجّة عليَّ.. اطمئناناً منّي إلى قديم ذكرك لي وإنعامك عليَّ، منذ كنت في بطن اُمي حتى مراحل حياتي، اطمئناناً إلى أنّ إحسانك سيستمر، وسكنت: اطمأننت، منّك: إنعامك، إحسانك.
6- فادح: أمر صعب.
7- أقلته: رفعته.
8- من عثار وقيته: من مهلكة حفظتني منها. والعِثار: المهلكة، الشرّ المكروه.
9- وكم من مكروه دفعته: تكرار المعاني المتقاربة بألفاظ متعددة تفنّن، وهو من البلاغة.
10- ثناء جميل: مدح، ذكر حسن لي.
11- لست أهلا له: لست مستحقاً له.
12- نشرته: أذعته بين عبادك.
13- أفرط بي: تجاوز الحدّ بي، حمّلني ما لا أطيق.
بي(1) أغلالي(2) ، وحبسني(3) عن نفعي بعد أمالي(4) ، وخدعتني الدنيا بغرورها(5) ، ونفسي بخيانتها(6) ، ومطالي(7). يا سيّدي.. فأسألك بعزتك أن لا يحجب عنك دعائي سوء عملي وفعالي، ولا تفضحني بخفي ما اطلعت عليه من سري، ولا تعاجلني بالعقوبة(8) على ما عملته في خلواتي(9).. من سوء فعلي وإساءتي، ودوام تفريطي(10) وجهالتي(11) ، وكثرة شهواتي(12) وغفلتي(13).
وكن اللّهمّ بعزتك لي في الأحوال كلها رؤوفاً(14) ، وعليَّ في جميع الاُمور
____________
1- قعدت بي: منعتني عن السلوك في سبيلك ـ سبيل الله ـ ونيل السعادة.
2- أغلالي: كناية عن الذنوب والأخطاء، و "أغلال" جمع غل، طوق من حديد أو جلد يُجعل في اليد أو في العنق.
3- حبسني: منعني.
4- بعد أمالي: طول آمالي في أسباب الدنيا وحبّها، بما يلهي عن الحق.
5- خدعتني الدنيا بغرورها: أطمعتني الدنيا بأباطيلها، بزينتها التي لا حقيقة لها، وعاقبة ذلك ما يسوء. واسناد الخداع إلى الدنيا على سبيل المجاز، وفاعل الخداع الشيطان وجنوده، ومن جنوده النفس الأمّارة بالسوء.
6- نفسي بخيانتها: وخدعتني نفسي بخيانتها ومخالفتها للعقل، بتزيين الشهوات العاجلة، المحرّمة.
7- مطالي: مماطلتي وتسويفي في أداء الحق والعمل بأحكام شريعة الله، وتأخيره من وقت إلى وقت، وإن من سوء الحظ للإنسان المطال والتسويف في التوبة واُمور الخير، حتى يختطفه الموت وهو غافل غير مستعدّ، مستغرق القلب في اُمور الدنيا، فتطول في الآخرة حسرته، وتكثر ندامته. وقد جاء في الحديث: (واعمل لآخرتك كأ نّك تموت غداً).
8- بالعقوبة: بالعقاب.
9- خلواتي: أماكن انفرادي.
10- تفريطي: تقصيري، تأخيري عن الحدّ المطلوب، في الطاعات: أداء الواجبات والكفّ عن المحرّمات.
11- جهالتي: عدم معرفتي، قيل: أجمعت الصحابة على أن كلّ ما عُصي الله به فهو جهالة، وكلّ من عصى الله فهو جاهل.
12- كثرة شهواتي: التي قد تتجاوز الحلال الى الشبهات والمحرّمات.
13- غفلتي: تركي العمل بتعاليمك ـ سبحانك ـ أو بعضها، وأنا متذكّرها.
14- رؤوفاً: رحيماً أشد رحمة.
عطوفاً(1).
إلهي وربّي(2) من لي غيرك؟ أسأله كشف ضري(3) والنظر في أمري.
إلهي ومولاي أجريت عليَّ حكماً(4) اتبعت فيه هوى نفسي(5) ، ولم أحترس فيه من تزيين عدوي(6) ،.. فغرني(7) بما أهوى(8) وأسعده على ذلك القضاء(9) فتجاوزت بما جرى
____________
1- عطوفاً: شفوقاً.
2- ربّي: ربّ، من أسماء الله ـ تعالى ـ.
3- ضري: شدتي وسوء حالي.
4- حكماً: الحكم هنا: التكليف الشرعي، أداء الواجبات والكفّ عن المحرمات، حسب ما جاء في شريعة الله، الشريعة الإسلامية.
5- هوى نفسي: ميل نفسي نحو الباطل.
6- عدوي: هو الشيطان، فإن شغله تحسين المحرمات وتزيينها للنفوس، ولذا علّمنا ـ سبحانه ـ الاستعاذة من الشيطان: (وإمّا ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنّه سميع عليم) الآية 200 من سورة الأعراف.
7- فغرني: فخدعني.
8- أهوى: أحب، من حب مذموم من المشتهيات والمشتبهات.
9- أسعده على ذلك القضاء: أعان الشيطان على خداعي وميل نفسي نحو الباطل. القضاء: الحكم حكمك بأن يكون الإنسان قادراً (ومختاراً في عمل الخير وعمل الشرّ، لحكمة).
بمعنى: أنّ الشيطان وجد له مجالا لغواية الإنسان بقضاء الله.. بحكمه تعالى، بأن لا يكون الإنسان كالملائكة معصوماً عن الخطأ، ولا يقدر عليه، بل يكون ـ الإنسان ـ مالكاً لوسائل الحياة وقادراً على التصرّف (حسب ما يختار لعمل الخير ولعمل الشر، لحكمة).
القضاء والحكمة
خلق الله الإنسان، وأنعم عليه بوسائل الحياة، وأعطاه قوّة العقل، وأرسل له الأنبياء، وبيّن له وظائف الحياة، أمره بما ينفعه ـ لا على سبيل الإجبار ـ ونهاه عمّا يضرّه ـ لا على سبيل المنع بالقوّة ـ.
فقد شاءت حكمة الله أن يرقى الإنسان عن طريق الكفاح والمجاهدة، ويكون بطاعته لله اختياراً فوق مرتبة الملائكة، وذلك الفوز العظيم.
وأعطى ـ سبحانه ـ الإنسان القدرة في أن يرجع من أثناء الطريق، ويختار لنفسه مصيراً آخر، وفتح له باب التوبة (من تاب حقّاً تاب الله عليه) ، وخفّف عن المستضعفين ـ الذين لم تبلغهم وظائفهم.. أحكام شريعة الله ـ، وتكون المسؤولية على الذين يستطيعون أن يبلّغوا أحكام الشريعة إلى الناس، ولم يبلّغوها.
إذ وظيفة المسلم والمسلمة في كلّ مكان وزمان.. فهم الشريعة الإسلامية، والعمل بأحكامها، ومن أحكامها المساهمة في تبليغ وظائف الحياة.. شريعة الإسلام ـ بالوسائل اللائقة ـ إلى الناس كافّة.
يتبع >>>
المفضلات