شباب يكسرون حاجز العيب بغسيل السيارات في الساحات العامة





... سعوديون يمارسون بعض المهن كغسيل السيارات في الساحات والميادين العامة, والتي يصنفها البعض من أبنائنا وشبابنا على أنها من المهن الوضيعة المخجلة, ويعزون ذلك لسيطرة بعض العادات البالية والأفكار الاجتماعية العقيمة التي تعودت أن تقف بالمرصاد لكل الأعمال المهنية البسيطة, بالرغم من حاجة المجتمع الملحة لمثل هذه المهن ولا تستغني عنها الكثير من القطاعات الحكومية والأهلية, ومن جهة أخرى تقابل بالرفض القاطع تارة, وبالازدراء تارة أخرى, وتشهد عزوفا منقطع النظير لدى شريحة واسعة من الشباب القاعدين عن العمل.
كسب شريف
داخل ميدان السيارات المواجه لبوابة طوارئ المركزي نشاهد مجموعة من الشباب السعوديين الذين نفضوا غبار الأفكار العقيمة حتى جعلتهم يتمردون على العادات والتقاليد, واستطاعوا بكل ثقة أن يكسروا حاجز العيب الذي عطل الكثير من القدرات والمهارات لدى الشباب, ومهما تكن الظروف فليس العيب أن تعمل ولكن العيب هو القعود عن العمل وانتظار إحسان الناس وهو ما ترسمه ملامحهم السمراء التي أنهكها لهيب الشمس في أثناء وقوفهم للعمل بالميدان طمعا في الكسب الشريف.
طريق للعمل
هؤلاء الشباب عبروا عن سعادتهم لـ»اليوم» مشيرين إلى أن سبل الرزق واسعة, و تحتاج إلى السعي وبذل الجهد متمثلين الأثر المعروف :» اليد العليا خير من اليد السفلى». فهم يرون بأن العمل شرف ومهنة غسيل السيارات لا تحتاج إلى مهارات خارقة وخبرات علمية واسعة كما تتطلبها القطاعات الحكومية والغالب الأعم من القطاعات الخاصة, ومؤكدين بأن ما يجنونه من دخل مرض لهم ويكفيهم شر السؤال.
عمل إضافي
في البداية ذكر لنا عثمان المولد بأن أكثر من يعمل بهذه المهنة هم في الأصل من موظفي الأمن والتي لا تتخطى رواتبهم حاجز الـ1500 ريال, مشيرا إلى أنهم يقومون باستغلال أوقات فراغهم بعد انتهائهم من أعمالهم, وراكضين سعيا للعمل في غسيل السيارات حتى يؤمنوا الكثير من احتياجاته الخاصة والتي يعجز الراتب عن الوفاء بها ., وألمح إلينا بأنه ليس العيب بأن تعمل في أية مهنة كانت, ولكن العيب كل العيب أن تسلم نفسك للحسرة وتتكل على الغير ليقدموا لك العون والمساعدة.
9 سنوات
وأضاف محمد العدواني بأنه يعمل في هذه المهنة منذ أكثر مما يقارب الـ9 سنوات, ولا يجد ما يخجل أو ينقص من شأني في العمل على غسيل السيارات, فسابقا كنت أعمل موظف أمن في أحد المراكز التجارية كنا نلاقي منها أشد العناء من تأخر للمكافآت وحسومات متكررة في المرتبات ولا تجد لها مبررات, بالإضافة إلى الزيادات التي كانت تسرق منا ونحن لا حول لنا ولا قوة, لذلك فضلت ترك العمل واتجهت إلى هذه الساحة كما ترى لكي أنفض غبار السيارات مقابل 10 ريالات.
يحترمني الجميع
وأشار صالح الدوسري بأنه يلقى كل الحب والتقدير من قبل المواطنين الذين من أن يعلموا بأنك من أبناء البلد حتى يتسارعوا إليك لتغسل سياراتهم, ونحن كشباب ناشطين في هذه المهنة نسعى جهدنا حتى نرضي الزبون, ولنثبت لهم ولأنفسنا أولا وأخيرا بأنه ليس للعيب مكان مع الجد والإرادة, فالإرادة تصنع المستحيل, وصحيح أن البدايات صعبة كون الناس ألفوا أن الأجانب فقط هم من يعملون بهذا المجال, ولكن ما إن تتحامل على نفسك قليلا حتى تجد القبول والمحبة من قبل المواطنين.
لا مضايقات
وأكد سمير الصبياني بأنه لا توجد هناك أية مضايقات تعيق عملهم في الساحة, فنحن نأتي بمعداتنا من أدوات غسيل وكراسِ يجلس عليها الزبائن, والمياه والصابون وغيرها وهذه لفتة كريمة تحسب للجهات ذات الاختصاص, مشيرا إلى أنه يطمح بمشروع صغير يبدأ فيه عملا منظما يستوعب جميع العاملين بالساحة, ولكن ننتظر من يدعمنا سواء من الجهات الداعمة للمشاريع الصغيرة أو مستثمر يهتم لهذا المشروع الذي أعتبره واجبا وطنيا يقدمه رجال الأعمال لأبناء وطنهم.
ارتياح وريادة
من جهة أخرى عبر عدد من المواطنين عن ارتياحهم لمشاهدة شباب سعوديين يعملون بمهنة غسيل السيارات, وعدوها ريادة وصدارة تحسب لهم كونهم تغلبوا على ثقافة العيب وخرجوا للساحات والميادين معلنين تمردهم على تلك العادات البالية, والمراقب الحصيف يرى فيها مفخرة لنا, وسبقتنا إليها أكثر الأمم تقدما وحضارة, وولدت ثقافات تمردت على العادات البالية والتي نشأت من رحمها كبرى الدول الصناعية بفضل الأيدي العاملة الوطنية الصادقة.
أيدي عاملة
حسن صالح أكد على تفضيله العامل السعودي على العامل الأجنبي بقوله: بأنهم أخواننا وهم الأحق بخيراتنا من أن تتلقفها الأيدي السائبة طمعا بالربح دون مراعاة لذمة أو ضمير, ومن ناحية أخرى أجد فيها فرصة للشباب الواعي الذي يغتنم أوقات الفراغ في عمل أشياء مفيدة عوضا عن التسكع في الشوارع, كما أن العمل في غسيل السيارات برأيي لا يحتاج إلى مؤهلات وإنما يحتاج إلى إرادة تحفز الإنسان ليعمل.
مصلحة الشباب
ويشاركه الرأي محمد الشويش الذي يرى فيها مصلحة للشباب بالإضافة إلى البعد الاقتصادي الذي يعود على الفرد نفسه وعلى البلد, فالفراغ قاتل إن لم يستثمر قد يتحول إلى قنبلة موقوتة تهلك الشاب وأسرته الأكبر (المجتمع) وتضيع على الشاب فرصا قد يخلق منها نجاحا, ونحن نسمع ونشاهد قصصا لشباب أهلكهم القعود عن العمل فانحرفوا إلى مسارات أخرى واحدتها المخدرات, وفي العمل مصلحة كبرى تكف أيدي الشباب عن السؤال, وتصرفهم عن الاتكالية المفرطة على الوالدين ليجني منهم مصروفه اليومي وقد يكونوا فقراء فيضطر إلى السرقة وإلى الجريمة, والأهم الجانب الحضاري الأسمى في الموضوع هو المحافظة على مقدرات البلد وأموال البلد من الهجرة السنوية خارج البلاد شرقا أو غربا