وتدل هذه الرواياتُ على اسْتِمْرار وُجُودِ الأئمة،مِن بعد النبي صلى الله عليه وآله،بقرينة قوله:[لن يَفتَرِقَـا حتى يرِدَا علَيَّ الحوضَ] فمادامَ القرآنُ الكريم موجودًا فهؤلاء موجودون، وتَتَّضِح النتيجة بِإضَافَةِ أحاديث الاثني عشر خليفة -وقد مَرَّ بعضُها ولله الحمد رب العالمين- فبهؤلاء يَبْقَى أمْرُ الدِّينِ عزيزًا ومَنِيعًا إلى يوم القيامة.
والأوْضَحُ مِن ذلك هو ذِكْرُ التَّعَابِير التالية: التَّمَسُّك والأَخْذ والاتِّبَاع .. وهذه الأُمُورُ لا تَكُونُ إلا بِالطاعَةِ ومُوَافَقَةِ الأَمْرِ والنَّهْيِ اللَّذَيْنِ يَتَضَمَّنُهُما القرآنُ المجيد ويَصْدُرَان مِن العترة الطاهرة صلوات الله عليهم، وإذا وَجَبَت طاعَةُ أهلِ البيت (عليهم الصلاة والسلام) فلا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الإِمَامَةِ فِيهم لا فِي غَيْرهم، إذْ لا مَعْنَى لإِمَامَةِ الإِمَامِ غيْرَ كَوْنه قُدْوَةً لِلْمَأْمُومِين ولا يَكُون ذلك إلا بالاتِّبَاع، فلا يُعْقَل أنْ تَجِب على الأُمَّةِ طاعَتُهم وتكون الإِمَامَةُ في غيرهم! فكيف يَكون المُطَاعُ -الذي يُسَاوِغُ مَعْنَى الحَاكِم– مَحْكُومًا؟!
وهذه الأحاديثُ تَدُلُّ على عِصْمَةِ أهل البيتِ (عليهم الصلاة والسلام) أيضًا، حيث أنهم لَنْ يُضِلُّوا الأمَّةَ أبَدًا، مع الالْتِفَات إلى عَدَمِ افْتِرَاقِهم عَن القرآنِ الكريم {الذي لا يَأْتِيه البَاطِلُ مِنْ بَيْن يَدَيْهِ ولا مِنْ خَلْفِه}0
وتَتَّضِح لنا مِمَّا مَضَى ويَأْتِي حُدُودُ هذا المُصْطَلَح(أهل البيت): قالت السيدة عائشة-كما في(صحيح مسلم مِن باب فضائل أهل بيت النبي)-: خَرَجَ النبيُّ صلىالله عليه (وآله) وسلم غَدَاةً وعَلَيْه مرط مرحل مِنْ شَعْرٍ أَسْوَد،فَجَاءَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فأدْخَلَه،ثم جَاءَ الحُسَيْنُ فَدَخَلَ مَعَه، ثم جاءَت فاطِمَةُ فَأَدْخلَها، ثم جَاءَ عَلِيٌّ فأدْخَلَه، ثم قال:{إنما يُرِيد اللهُ لِيُذْهِب عنـكم الرِّجْسَ أهلَ البيت ويُطَهِّرَكم تَطْهِيرًا}.
*ورَوَى الترمذي (ج5) ما جاء في فضل فاطمة رضي الله عنها (ح3963): عن شهر بن حوشب عن أمِّ سلمة أنَّ النبيَّ صلى الله عليه(وآله) وسلم جَلَّلَ على الحسن والحسين وعليٍّ وفاطمة كِسَاءً ثم قال: [اللهم هؤلاء أهل بيــْتي وحامتي،أَذْهِب عنهم الرِّجسَ وطهِّرهم تطهيرًا]،فقالت أمُّ سلمة: وأنا معهم يا رسول الله؟ قال(النبيُّ صلى الله عليه وآله): [إنك على خَيْرٍ].قال إبراهيم عطوة عوض محققُ طَبْعَةِ مطَبْعَةِ البابي الحلبي تحت هذا الحديث: هذا حديثٌ حِسَنٌ، وهو أحْسَن شَيْءٍ رُوِيَ في هذا الباب.
أقول:لو كانت نِسَاءُ النبيِّ(صلى الله عليه وآله)مِن أهلِ بَيْتِه الذين عَصَمَهم الله بآيةِ التطهير لأجَابَ النبيُّ(صلى الله عليه وآله)أمَّ سلمة بِـ(نَعَم).
وليس هؤلاء الخمسة الأطهار هم أهلُ البيت فقط، بل هُمْ وأبْنَاءُ الحُسَين التِّسْعَة الذين أَوْضَحَهم وَنَصَّ عليهم هؤلاءِ الخمسةُ -الأبْرَزُ فيمَن لا تَضِلّ الأمّةُ بالتَّمَسُّكِ بِهِم- بأنهم مِنْ أهلِ البيتِ المَشْمُولِين لِهَذِه الآيةِ الكريمةِ،كما عن الإمامِ الباقِر عن آبائه عليهم الصلاة والسلام حينما سُئِل عن ذلك قال: [هُم الأَئِمَّة عليهم السلام].
حديث الأمان
وهُمْ أَمَانٌ لهذه الأمَّة مِن الاختلاف كما في المستدرك(ج3)مناقب أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله، حيث قال: حدثنا مكرم بن أحمد القاضي...عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه(وآله)وسلم: [النُّجُومُ أَمَـانٌ لأَهْلِ الأرض مِن الغَرَق،وأهلُ بيتي أمَـانٌ لأُمَّتِي مِن الاختلاف،فإذا خالَفَتْها قَبِيلَةٌ مِن العَرَب اخْتَلَفُوا فصَارُوا حِزْبَ إبليس]، فكانُوا سَفينَة النَّجَـاةِ لِهذه الأمَّةِ، كمَا كانت سفينةُ النبي نُوح الطَّرِيقَ الذي لا نَجَاةَ لأمَّتِه بدون الرُّكُوب فيها..
حديث السفينة
*المستدرك(ج3)مناقب أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله:أخبرني أحمد بن جعفر بن حمدان الزاهد ببغداد ... عن حنش الكناني قال:سمعتُ أبَا ذر رضي الله عنه يقول-وهو آخِذٌ بِبَابِ الكعبة-: مَنْ عَرفَنِي فأنَا مَن عَرفَنِي،ومَن أَنْكَرَنِي فأَنَا أبو ذر،سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وآله يقول:
[ألا إنَّ مَثَلَ أَهْلِ بَيْتِي فِيكُم مَثَلَ سَفِينَة نُوح مِن قَوْمِه،مَنْ رَكِبَهـا نَجَـا ومَنْ تَخَلَّفَ عَنْها غَرِقَ].
وقال في(ج3)تفسير سورة هود:عن حنش الكناني قال:سمعتُ أبا ذر رضي الله عنه يقول-وهو آخِذٌ بِبَاب الكعبة-: مَن عرفني فأنا مَن عرفتم، ومَن أَنْكَرَنِي فأنا أبو ذر، سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله يقول: [مَثَلُ أهلِ بيتي مَثَلُ سفينة نوح،مَن رَكِبَها نَجَا،ومَن تَخَلَّفَ عنها غَرِقَ].
بل لا يَبْقَى أَحَدٌ بَعْدَهم أَبَدًا .. وإلا ظَلَّ ذلك البَاقِي بِلا حُجَّةٍ، وفي الرواية عن المعصوم عليه الصلاة والسلام أنه لَوْ لَمْ يَبْقَ على الأرض إلا اثنانِ لَكَان أَحَدُهما الحُجَّةُ على الآخر.
أقول:قال الحاكمُ في نهايةِ ذِكْرِه مناقبَ أهلِ بيتِ رسول الله صلى الله عليه وآله: (هذا آخرُ ما أَدَّى إليه الاجتهادُ مِن ذِكْر مناقبِ أهلِ بيتِ رسول الله صلى الله عليه وآله بِالأسانِيد الصحيحة مِمَّا لم يُخْرجْه الشيخان الإمامان).
ولم يَذكُر الحاكمُ في مُسْتَدْركِه أزواجَ النبي صلى الله عليه وآله تحت عنوان (أهل البيت) حتى خديجة أمّهم، بل أَفْرَدَهنَّ لوحدهنّ.
وكذا مسلمٌ في صحيحه فإنه لم يُورِد تحت عنوان(باب فضائل أهل بيت النبي) إلا رواية عائشة التي تُثْبِت أنَّ أهل البيت هم المعصومون عليٌّ وفاطمة والحسنان عليهم الصلاة والسلام: (باب فضائل أهل بيت النبي): خَرَجَ النبيُّ صلى الله عليه(وآله)وسلم غَدَاةً وعَلَيْه مرط مرحل مِنْ شَعْرٍ أَسْوَد، فَجَاءَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فأدْخَلَه،ثم جَاءَ الحُسَيْنُ فَدَخَلَ مَعَه،ثم جاءَت فاطِمَةُ فَأَدْخلَها،ثم جَاءَ عَلِيٌّ فأدْخَلَه، ثم قال: {إنما يُرِيد اللهُ لِيُذْهِب عنكم الرِّجْسَ أهلَ البيت ويُطَهِّرَكـم تَطْهِيرًا}بَيْنَمَا أفْرَدَ لِزوجات النبي صلى الله عليه وآله أبوابًا أخرى. وصَنَعَ الترمذي في صحيحه كمَا صنع مسلمٌ إلا أنه روى أكثر مِن حديث، فهذا يُشِير أو يَدُلّ على أن هؤلاء لا يَرَوْنَ أن زوجات النبي صلى الله عليه وآله داخلات في المَفْهوم الشَّرْعِي الرِّوَائي لِـ(أهل البيت) ولِـ(العِتْرَة) فَبَعِيدًا عن المعنى اللُّغَوِي لِـ(الأهل) ولِـ(أهل البيت) فإنَّ هذه الكلمات في آية التطهير{إنما يريـدالله ليُـذْهِب عَـــنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا}وفي أحاديث النبي وأهل بيته صلى الله عليهم أجمعين أصْبَحَت مُصْطَلَحَات خاصَّة تُطْلَق على الخمسة الأطهار، وثَبَتَ بالدليل القَطْعِي عندنا نحن الإمامية بأنَّ هذه الكلمات تَشْمَل –أيضًا- بقيَّة المعصومين مِن الأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم.ومِن روايات العامَّة في ذلك:
قال الشيخ الحافظ سليمان القندوزي في كتابه(ينابيع المودة لذوي القربى)ج3 الباب السادس والسبعون: في بيان الأئمة الاثني عشر بأسمائهم: {وفي فرائد السمطين (للحافظ الحمويني)بسنده عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قَدِمَ يهوديٌّ يُقال له نعثل، فقال: يا محمد .. أسألك عن أشياء ... قال: صَدَقْتَ، فأخبِرني عن وَصِيِّك مَن هو؟ فما مِن نبيٍّ إلا وله وصي وإنَّ نبينا موسى بن عمران أوصى يوشعَ بن نون (بعد وفاة أخيه ووصيه هارون) فقال(النبيُّ صلى الله عليه وآله): [إنَّ وَصِيِّـــي عليُّ بن أبي طالب،وبعده سبطاي الحسن والحسين،تَتْلُوه تسعة أئمةٍ مِن صُلْب الحسين].
قال(اليهودي):يا محمد..فَسَمِّهم لي؟ قال(النبيُّ صلى الله عليه وآله): [إذا مَضَى الحسينُ فابْنُه عَلِيٌّ،فإذا مضى علي فابنه محمد،فإذا مضى محمد فابنه جعفـر،فإذا مضى جعفر فابنه موسى، فإذا مضى موسى فابنه علي،فإذا مضَـى علي فابنه محمد،فإذا مضى محمد فابنه علي،فإذا مضى علي فابنُـه الحسَــن،فإذا مضى الحسن فابنُــه الحجة محمد المـهدي،فهؤلاء اثنا عشر]}.
وقد روى القندوزي روايات كثيرة في هذا المعنى عن جابر بن عبدالله الأنصاري وعن أبي الطفيل عامر بن واثلة وغيرهما.راجِع(ينابيع المودة لذوي القربى) للقندوزي(ج3). تحقيق: سيد علي جمال أشرف الحسيني.الطبعة الأولى (1416هـ) دار الأسوة للطباعة والنشر.
ونحن نعيش الآن في زمنِ خَاتمِهم صَاحِب العَصْرِ وإِمَام الزمان(عَجَّلَ اللهُ فرَجَه الشريف وجَعَلنا مِن أنصاره والمستشهدين بين يديه)،وسيأتي بعض الحديث عنه إن شاء الله تعالى.
ومِن المُهِم بَيَانُ القِيمَة السَّنَدِيَّة لِهَذا الحديث الشريف مُقَارَنةً بِرِوَايَةِ مَنْ رَوَى هذا الحديثَ بِاسْتِبْدَالِ لَفْظِ(وعترتي)بِلَفْظِ(وسُنَّتِي)، فأقول - مُستفيدًا مِن العلامة السبحاني - وعلى اللهِ التكلان:
أولاً: إنَّ حديث (... وعترتي) مُسْنَدٌ .. رَوَاه أكثرُ مِن عشرين صحَابيًّا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، منهم: جابر بن عبد الله الأنصاري وزيد بن أرقم، وَوَصَلَ إلينا حديثًا مُسْنَدًا لا تُوجَد أيّ واسطةٍ فيه مفقودة،والحديثُ المُسْنَدُ حُجَّةٌ في مَوْضُوعِه إذا كان كلُّ رُوَاتِه ثقَاتًا(على تفصيل في موارد حجيته المقررة في علم أصول الفقه).
ثانيًا:حديث (... وعترتي) حديث مُتَوَاتِر(والحديث المتواتر هو الذي تَرْوِيه جَمَاعَةٌ كثيرة مِن الناس يَمْتَنِع تَوَاطُؤُهم واتِّفَاقُهم على الكذب- عَقْلاً -.. يَرْوُونَه عن مِثْلِهم في الكَثرَةِ وامْتِنَاعِ الاتِّفاق على الكذب وهكذا إلى أنْ يَصِلَ السَّنَدُ إلى الصحابة الكثيرين أيضًا كما مَرَّ والذين يَرْوُونه عن النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم)،والحديثُ المَوْصُوف بالتَّوَاتِر مُتَّفَقٌ عند الشيعة والسنة على لُزُوم العَمَل به،لِلقَطْعِ والعِلْمِ بِصُدُورِه مِن النبي صلى الله عليه وآله وسلم،وأيُّ روايةٍ أخرى غير متواترة مثل رواية(... وسنتي)والتي تُوصَف بأنها خَبَر آحَاد)،لا تَقِف أَمَامَ قُوَّتِه ولا تُسْقِط حُجِّيَّتَه،بل يكون مُقَدَّمًا عليها لأنها ستكون مَظْنُونًا بِصُدُورها مِن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله بينما الحديث المتواتر مَعْلُوم الصُّدُور، ولا يَشُكُّ أَحَدٌ في أنَّ المَعْلوم مُقَدَّمٌ على المَظنُون بل لا يَبْقَى للمَظنون مَكَانٌ مِن التَّشْرِيع لأنه إنما شُرِّعَ العَمَلُ به عند الشَّكِّ،ومع وُجودِ العِلْم -بسبب التواتر هنا- لا يَبْقَى لِلشَّكِّ مَوْضِعٌ أَبَدًا.
ثالثًا:لو سَلَّمْنا بِصِحَّةِ روايةِ (... وسنتي)فإنها لا تُعَارِض حديثَ العترة لأنَّ أهلَ البيت- عليهم الصلاة والسلام- هم الذين يُمَثِّلُون سُنَّةَ الرسول صلى الله عليه وآله، لأنَّ أهلَ البيتِ أَدْرَى بالذي فيه،ولو أَبَى أَحَدٌ إلا القَوْلَ بالتَّعَارُض بينهما فحديثُ العترةِ مُقَدَّمٌ (لِمَا ثَبَتَ في بحوث تعارض الأدلة في علم أصول الفقه)مِن أنَّ الدليلَ القَطْعِيَّ مُقَدَّمٌ على الدليل الظَّنِّي بل لا يَبقى للمَظنون مع العلم موضعٌ كما أسلفنا.





رد مع اقتباس
المفضلات