*المستدرك(ج3ص116)عن أبي نجيح وربيعة الجرشي أنه ذُكِرَ علِيٌّ عند رَجُلٍ وعنده سعدُ بن أبي وقاص،فقال له سعدٌ: أَتَذْكُرُ عليًّا؟! إنَّ له مناقب أربعة، لأنْ يكون لي واحدة منهن أحَبُّ إلي مِن كذا وكذا،وذَكَرَ حمر النعم: قولُه صلى الله عليه(وآله)وسلم:[لأُعْطِينَّ الرَّايَة]، وقولُه صلى الله عليه(وآله) وسلم: [أنتَ مني بمنزلة هارون مِن موسى]،وقولُه صلى الله عليه (وآله) وسلم: [مَنْ كنتُ مَوْلاه فَعَلِيٌّ مَوْلاه]،ونسِيَ الراوي الرابعةَ.
أقول: أشارَت هذه الروايةُ إلى ثلاثة أحاديث شريفة:1-حديث الرَّايَة في غزوة خيبر 2-حديث المنـزلة 3-حديث الولاية والمُسَمَّى ِبحديث الغَدِير(غَدِير خُمّ).
وتدل على حديث الغدير رواياتٌ كثيرة بَلَغَت حَدَّ التواتر والصُّدُور القَطْعِي مِن النبي صلى الله عليه وآله، كما يقول علماءُ الحديث، وقد ذكرنا الكثير منها بحمد الله رب العالمين.
نعم، عليٌّ ما علي وما أدراك ما علي ثم ما أدراك ما علي،رجلٌ باعَ نفسَه لله واشترى رضوانه، فأحبَّه اللهُ تبارك وتعالى..*صحيح البخاري(ج5) كتاب المغازي.باب غزوة خيبر: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم قال: أخبرني سهلُ بن سعد رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه(وآله)وسلم قال يوم خيبر: [لأُعْطينَّ هذه الـرَّاية غَدًا رجلاً يَفتَح اللهُ على يَدَيْه، يُحِب الله ورسولَه ويحبه اللهُ ورسولُه]، قال(الراوي):فبَاتَ الناسُ يدوكون ليلتهم أيّهم يُعْطاها،فلمَّا أصبَحَ الناسُ غَدَوْا على رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم، كلّهم يَرْجُو أنْ يُعْطاها،فقال(النبيُّ صلى الله عليه وآله): [أين علي بن أبي طالب؟] فقِيل: هو يا رسول الله يَشتَكِي عيْنيْه،قال: [فأَرْسِلوا إليه]، فأُتِيَ به،فبَصَقَ رسولُ الله صلى الله عليه(وآله)وسلم فـي عيْنيْه،ودَعَا له،فبَرَأَ حتَّى كأَنْ لم يَكُن به وَجَعٌ، فأَعْطاه الرَّايةَ،فقال عليٌّ:يا رسول الله .. أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال عليه (وآله) الصلاة والسلام: [اِنْفِذْ عَلى رسْلِك حتى تَنْزل بسَاحتهم ثم ادْعُهُم إلى الإسْـلام وأَخْبِرْهم بمَا يَجب عليهم مِن حَقِّ اللهِ فيه،فوالله لأنْ يَهْدي اللهُ بِــك رجلاً واحدًا خيـرٌ مِن أنْ يكون لك حُمْر النَّعَم].
ورواه أيضًا بعده ببضعة أحاديث،وروى قبله مثلَه،ورواه في بداية باب دعاء النبي صلى الله عليه (وآله)وسلم إلى الإسلام والنبوة...(ج4)عن سهل بن سعد،ورواه في باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه(وآله) وسلم مِن باب مناقب علي. والروايةُ السابقة وشبهها رواها مسلمٌ في صحيحه في الجزء السابع في كتاب فضائل الصحابة في باب(من فضائل علي).
وقال البخاري بعد الحديث السابق وقبل باب عمرة القضاء مباشرة: حدثنا يحيى بن بكير...عن عروة عن عائشة أنَّ فاطمة عليها السلام بنت النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم أرْسَلَت إلى أبي بكر تَسْأَلُه ميرَاثَها مِن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عليه بالمدينة وفَدَك ومَا بَقِيَ مِن خُمس خيبر،فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه(وآله) وسلم قال لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آلُ محمد في هذا المال وإني والله لا أغير شيئًا مِن صدقة رسول الله صلى الله عليه (وآله)وسلم عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه(وآله)وسلم فأَبَى أبو بكر أنْ يَدْفَعَ إلى فاطمة مِنها شيئًا،فَوَجَدَت(غضبت وتأذَّت) فاطمةُ على أبي بكر في ذلك،فهَجَرَته فلم تُكَلِّمه حتى تُوُفِّيَت.وعاشت بعد النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم ستة أشهر،فلمَّا تُوُفِّيَت دَفَنَها زوجُها عَلِيٌّ ليْلاً، ولم يُؤْذِن بها أبا بكر، وصلى عليها،وكان لِعَلِيٍّ مِن الناس وَجْهٌ حَيَاةَ فاطمة فلمَّا تُوُفيَت استنكر على وجوه الناس فَالْتَمَسَ مُصَالَحَة أبي بكر ومبايعته،ولم يكن يُبَايع تلك الأشهر،فأَرْسَل إلى أبي بكر: أن ائْتِنا ولا يَأْتِنا أَحَدٌ معك كراهيةً لِمَحْضَر عُمَر، فقال عمرُ: لا واللهِ،لا تَدْخُل عليهم وَحْدَك، فقال أبو بكر:وما عَسيتَهم أنْ يَفْعَلوا بِي؟ والله لآتِيَنَّهم،فَدَخَلَ علَيْه أبو بكر،فَتَشَهَّدَ عليٌّ فقال:إنا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله ولم ننفس عليك خيرًا ساقه الله إليك، ولكنك اسْتَبْدَدْتَ علينا بالأمْر،وكنَّا نَرَى لِقَرَابَتِنا مِن رسول الله نَصِيبًا... .
آيات القُرْبَى
لاحظوا قوْلَ عائشة عن الإمام عليٍّ عليه السلام: (فالتمَسَ مُصَالَحَة أبي بكر)،وما كان ذاك إلا بعد شهادة الصديقة الزهراء عليها السلام،حِفْظًا لِبَيْضَةِ الإسلامِ مِن الانثلام،وبعد أنْ يَئِس مِن أنْ يَرُدَّ القومُ إليه حَقَّه الإلهي وهو مَنْصِب الخلافة الظاهرية،وإلا فإمَامَتُه الشرعية لا تتوَقَّف على قبولها مِن الناس لأنها نَصٌّ وتنصيبٌ مِن رَبِّ العالمين جل وعلا،ومَا رسولُ الله صلى الله عليه وآله إلا مُبَلِّغٌ لذلك{إنْ لم تَفْعَل فمَا بلَّغْتَ رسَالتَه واللهُ يَعْصِمك مِن الناس}وقد أَدَّى وبَلَّغَ صلى الله عليه وآله.ولاحظوا تعليلَ الإمامِ عليٍّ عليه السلام لأحَقِّيَّتِه بالأمر(الخلافة) بِلَفظِ القَرَابَةِ مِن رسولِ الله صلى الله عليه وآله،وهو لا يقصد أنَّ لِعنوانِ القرابة الجسدية مَدْخَلِيَّةٌ في الإمَامة،لأنَّ الإمامةَ لا تُورَث كَالمَال،وإنما يُشِير بذلك إلى قوله تعالى: {قُل لا أسْألـُـكم عليه أجْرً إلا الَمَوَدَّةَ في القربى} وقولِه سبحانه: {مَا سَأَلْتُكم مِن أجرٍ فَهُوَ لَكُم}وقولهِ عز وجل:{مَا أسأَلُـكم عليه مِن أَجْرٍ إلا مَنْ شَاءَ أنْ يَتَّخِذَ إلى رَبِّه سَبِيلاً}فجَعَلَ اللهُ تبارك وتعالى أَجْرَ النبيِّ على تَأْدِيَتِه الرسالةَ لِلأمَّة مَوَدَّةَ قُرْبَاه صلى الله عليه وآله،هؤلاء القربى الذين هم أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، وقد ذكرنا -وسنذكر- ما يكفي لإثبات ذلك إن شاء الله تعالى.
ولا يكفي حُبُّهم، لأنَّ الحُبَّ ليس طريقًا –بِمُفْرَدِه– إلى الله تعالى،بينما يقول اللهُ: إنَّ هذا الأجْرَ .. هذه المودَّة لِمَن أرَادَ السبيلَ إليه، وذلك لا يتم إلا بسُلُوكِ طريقٍ معيَّنة، ومَا هي إلا طريق محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين.
*ورَوَى مسلمٌ نفسَ الرواية السابقة(ج5)كتاب الجهاد والسير.باب قول النبي(لا نورث...).
*البخاري(ج4)في أَوَّلِه ص42:باب فَرْض الخُمْس:...أخبرني عروةُ بن الزبير أنَّ عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أَخْبَرَتْه أنَّ فاطمة عليها السلام ابنة رسولِ الله صلى الله عليه(وآله)وسلم سَأَلَت أبابكر الصديق بعْد وفاةِ رسولِ الله صلى الله عليه(وآله) وسلم أَنْ يُقسم لها مِيرَاثَها مَا تَرَكَ رسولُ الله صلى الله عليه(وآله) وسلم مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْه،فقال لها أبوبكر:إنَّ رسول الله صلى الله عليه(وآله) وسلم قال:لا نورث ما تركنا صدقة،فَغَضِبَت فاطمةُ بنتُ رسول الله صلى الله عليه(وآله)وسلم فَهَجَرَت أبابكر فَلَم تَزَل مُهَاجِرَته حتى تُوُفِّيَت.
ورَوَى البخاري مثلَه(ج8)كتاب الفرائض.باب قول النبي صلى الله عليه(وآله)وسلم لا نورث... .
أهلُ البيت عليهم الصلاة والسلام
*البخاري(ج4)كتاب بدء الخلق.باب المناقب:عبد الملك عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما:{إلا المَوَدَّةَ في القُرْبَى}قال:فقال سعيدُ بن جبير (في هذه الآية): قُرْبَى محمدٍ صلى الله عليه(وآله)وسلم... .
*صحيح مسلم(ج7)باب فضائل علي: ... عن سعيد بن مرزوق عن يزيد ابن حيان قال:انْطَلَقْتُ أنَا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم، فلمَّا جَلَسْنا إليه قال له حصين:لقد لَقِيتَ يا زيدُ خيرًا كثيرًا، رَأَيْتَ رسولَ الله صلى الله عليه (وآله) وسلم، وسمعتَ حديثَه،وغَزَوْتَ معه، وصلَّيْتَ خلْفَه،لقد لَقِيتَ يا زَيدُ خيرًا كثيرًا،حَدِّثنا يا زيدُ مَا سمعتَ مِن رسولِ الله صلى الله عليه(وآله) وسلم، قال(زيدٌ): يَا ابْنَ أَخِي..واللهِ لقد كَبِرَت سِنِّي، وقَدِمَ عَهْدِي،ونَسِيتُ بعضَ الذي كنتُ أَعِي مِن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم، فمَا حَدَّثْتُكم فاقْبَلُوا ومَا لا فلا تُكَلِّفُونِيه، ثم قال(زيدٌ):قامَ رسولُ الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يَوْمًا فِينَا خطِيبًا بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بيْن مكّة والمدينة،فَحَمِدَ اللهَ وأَثْنَى عليه، وَوَعَظَ وذَكَّرَ ثم قال: [أَمَّـا بَعْد..أَلا أَيُّها الناس ..فإِنَّمَا أنَا بَشَرٌ يُوشَك أنْ يَأْتِـي رسولُ ربِّي فأُجِيبُ وأنَا تارِكٌ فِيكُم ثَقَلَيْنِ:أَوَّلُهما كِتَاب اللهِ،فِيهِ الهُدَى والنُّورُ فَخُذُوا بكتابِ اللهِ واسْتَمْسِكُوا به]، فَحَثَّ على كتابِ اللهِ، ورَغَّبَ فيه، ثم قال(النبيُّ صلى الله عليه وآله):(الثاني)وأَهْل بَيْتِي،أُذَكِّرُكُم اللهَ في أهل بيتي أذكركم الله في أهـــــل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي] ... (و)حدثنا محمدُ بن بكار بن الريان(قال)حدثنا حسان(يعني ابن إبراهيم)عن سعيد(وهو ابن مسروق)عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم قال:دَخَلْنا عليه فقلنا له:لقد رَأَيْتَ خيرًا، لقد صاحبتَ رسولَ الله صلى الله عليه(وآله) وسلم، وصليتَ خلفه،وساقَ الحديثَ بِنَحْوِ حديثِ أبي حيان غير أنه قال(النبيُّ صلى الله عليه وآله):[ألا وإنِّي تارِكٌ فيكم ثَقَلَيْنِ: أحدُهما كتاب الله عز وجل هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى ومَن تَرَكَه كان على ضَلالَة]،فحثَّ على كتاب الله ... ثم قال:(وأهل بيتي ...)، وفيه(في هذا الحديث):فقلنا:مَن أهْلُ بَيْتِه؟نِسَاؤُه؟ قال(زيدٌ):لا، وَأَيْم اللهِ إنَّ المَرْأَةَ تَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ العَصْرَ مِن الدَّهْرِ ثم يُطَلِّقُها فَتَرْجِع إلى أَبِيها وقَوْمِها، أَهْلُ بَيْتِهِ أَصْلُه وعصبته الذين حُرِمُوا الصَّدَقَةَ بَعْدَه.
أقول:1-الثَّقَلان مُثَنَّى كلمةِ(ثَقَل)،وهو كلُّ شَيْءٍ خَطِيرٍ نَفِيس(الغدير لِلشيخ الأميني).
2-وقد ثَبَت لدينا الإمامية أنَّ أوَّلَ الذين حُرِمُوا الصدقةَ أهلُ الكِسَاء الخمسة صلوات الله عليهم أجمعين،وقد روى البخاري ذلك:(ج2)باب الزكاة.باب أخذ صدقة التمر عند صرام النخل وهل يترك الصبي فيمس تمر الصدقة:...عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه (وآله)وسلم يُؤْتَى بالتمر عند صرام النخل،فَيَجِيء هذا بِتَمره وهذا مِن تمره، حتى تصير عنده كومًا مِن تمر،فَجَعَلَ الحسن والحسين رضي الله عنهما يلعبان بذلك التمر،فَأَخَذَ أحدُهما تمرةً فَجَعَلَه في فِيه،فَنَظَرَ إليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَأَخْرَجَها مِن فِيه،فقال:[أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ آلَ محمدٍ لا يَأْكُلون الصَّدَقة].
فَبِغَضِّ النَّظَر عن مِصْدَاقِيَّة اللَّعب بالتمر في هذه الرواية إلا أنها أَثْبَتَت أنَّ الإمامَيْن الحسن والحسين مِمَّن حُرِمُوا الصدقةَ،فَيَكُونَان-كَمَا في رواية مسلمٍ السابقة على لِسَانِ زيد بن أرقم-مِن أهل البيت الذين لا تَضِلُّ الأُمَّةُ بِالتَّمَسُّك بهم مع القرآن الكريم،دُونَ نِسَاءِ النبي صلى الله عليه وآله.وبِضَمِيمَة ما ذَكَرَه الحاكمُ في مستدركه(ج3 مناقب أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله) يتَّضِح أنَّ آلَ النبيِّ هم أهل بيته المُطَهرون في آية التطهير فقط،دُون باقي قرابته،فقد قال الحاكمُ بِالنَّص:
...وإنما خَرَّجْتُه(رَوَيْتُه) لِيَعْلَمَ المُسْتَفِيدُ أنَّ أهلَ البيت والآلَ جميعًا هُم.(أي الخمسة الأطهار عليهم السلام،وسَيَأْتِي إن شاء الله تعالى).





رد مع اقتباس
المفضلات