الرسالة الأولى :
النموذج الإنساني الكامل
النبي محمد بن عبدالله ( صلى الله عليه وآله )
إن العنوان المذكور آنفاً ليس من جعبتي أو من بنات أفكاري .. بل هو قول العالمة البريطانية كارين أرمسترونج عن عظيم سلطت عليه الضوء حتى أعطته هذا الوصف الكمالي .. إنه النبي العربي محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم .. حيث وصفته بقولها : إنه الإنسان الكامل والنموذج الإنساني .
لن يصدق القارئ الكريم إنني أجلت وسوفت كتابة رسالتي التي ستكون فاتحة كتابي حتى حين طباعة الكتاب . . ولما شرعت في وضع بصماتها .. زارني التردد والخوف !!
أعـدتها ورتبتها ثم توقـفت ! ثم كتبتها وأعدت صياغتها حتى شجعت نفسي في المضي قدماً .. لما لا وهي تخص سيد الكائنات وأفضل المخلوقات .. رسالتي ذرة من نقطة في بحر لجي عن النبي العربي الذي أختتم الله به أنبيائه.. وافتتحت أنا العبد الفقير به وريقات كتابي المتواضع .. ذلك كوني احترت في وصف هكذا إنسان .. وكون قلمي وقف عاجزاً عن التعبير عنه والإفصاح عن جوهره .
صراحة لقد أحترت في إختيار وإنتقاء الكلمات التي أنصفه بها .. ففي باقي رسالاتي المتنوعة والبالغ عددها مائتين ونيف .. والتي أمضيت عدة سنوات في كتابتها .. كنت أسرد الكلمات سرداً وأمدها مداً وأصفها صفاً ومن دون شعور مني .. كان القلم يسير وأنا أتبعه .. ويقف وأنا أتنفس الصعداء من سرعته .. حتى أنتهي من ختم الرسالة وطيها وإلحاقها بباقي أخواتها .
أما عن رسالة هذا الإنسان الكامل .. فالوضع مختلف هنا.. فكلما كتبت حرفاً وأكملته ليصبح كلمة ثم أشبعتها لتصبح جملة .. فأضعها في ميزان العدالة فأجد نفسي غير عادل وبعيد عن الإنصاف في قول الحقيقة .
أعترف إني نويت وإنما الإعمال بالنيات ولوجه الله أن أبدأ كتابي رسائل من كشكول الحياة برسالة عن النبي محمد صلى الله عليه وآله .. لكن كلما فكرت فقط في وضع بصمات هذا المخلوق الإنساني .. عجزت وتراجعت خوفاً وهلعاً فأرمي بقلمي .. وقلت سأكتب عنه قبل عرض أول جزء من كتابي للطباعة والنشر.
سيقول البعض إن لديك مبالغة ومحاباة كونك مسلم وستكتب عن نبي المسلمين !
كي أكون صريحاً ومنصفاً في نقل رسالتي لكم .. أجهدت عقلي وصفـرت ذاكرتي ونظفتها كما يقولون بالانجليزي عملت ريسيت قبل أن أنيخ براحلتي أمام ميدان هذا الإنسان العظيم .. فقلت يجب أن أبدأ من الصفر كي أكون محايداً وبدون أي آثار أو ترسبات في ذاكرتي خلفتها بيئة والديّ اللذان ربياني أو ما تعلمته من مدرستي أو من خطباء مجتمعي .
كنت متيقن كل اليقين إن يوماً ما ستسقط رسالتي هذه بين يدي من لا يدين بدين المسلمين ويريد أن يعرف أو يتعرف على نبيهم الذي أرسل للناس كافة بإدعاء بني قومه عن الله جل وعلا .. والذي هوجم من قبل بعض الكتاب الشرقـوبيـين كسلمان رشدي أو كرسامين الكريكاتير الغربييـن .
الكمال الأخلاقي :
أول ما عملت عند شروعي كتابة الرسالة وتحديد أبعادها عن خاتم الأنبياء وما هي مواصفاته .. أن اجعلها أول رسالة ألقي بها أمام أعتاب القراء .. فإنني وكلما تبادر إلى ذهني أسم النبي صلى الله عليه وآله .. تتبادر معه كلمة المعلم الإنساني الكامل .. ويتركز تفكيري على الحديث النبوي الشريف والأكثر شهرة بين البشر : ( إنما بعث لأتمم مكارم الأخلاق )
عقلي يخبرني إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جميعاً لم يبعثوا من أجل عبادة الله فقط .. ولا من أجل جر الناس وسحبهم خلفهم كي يتآمروا عليهم كما قال البعض .. حاشاهم .. فالله غني عن العالمين .. وحتى إن لم يعبده أحد في هذه المعمورة أو حتى في كل ذرة من هذا الكون الواسع .. يبقى جل جلاله غني عنهم .. قال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم : {وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} (8) سورة إبراهيم
فلن ينقصه شئ إذا لم يعبد ! قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (15) سورة فاطر
ولن يزداد شيئاً إذا عبده كل البشر ! قال تعالى : {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (6) سورة العنكبوت
إذا ما هي فلسفة إرسال الرسل والأنبياء ؟
عقلي يقول إن ربي أرسل إلينا معلمين يحملون رسالة تكليف تقع على عاتقهم وهي تهذيب الأخلاق ونشرها بين الناس كافة .
لكن ماذا يقصد النبي صلى الله عليه وآله بقوله إن مهمته هي إتمام الأخلاق .. هل يعني إنها كانت ناقصة قبل مجيئه وتحتاج إلى من يكملها .
وقال النبي صلى الله عليه وآله أيضاً : إن الله لم يبعثني معنّتا ولا متعنتا .. ولكن بعثني معلما ميسرا .
لماذا النبي يكرر كلمة معلم في كلامه ؟
عقلي ولبي الذي يخاطبه القرآن فهم شيئا .. إن هناك أخلاق حميدة وجميلة لدى الإنسانية خلقت مع خلق الإنسان .. وهي نزعة الخير الموجودة فيه .. والأنبياء بعثوا كي يوقظوا تلك النزعة الطيبة المدفونة فيه. لتكون قانون معاملته وخط لسيره .. أو بمعنى أصح يصـقـلوها ويشذبوها بتعاليم السماء كي تكون مهذبة .. لكن تبقى الإنسانية ناقصة وتحتاج إلى إكمال لتكون في حالة ( الكمال ) في الأخلاق .
إذا الأنبياء عليهم السلام معلمون بعثوا لتهذيب النفوس .. والنبي محمد صلى الله عليه وآله معلم أيضا لكن بتميز .. وبعث لإتمام ذاك التهذيب ( الناقص ) .. أي المعلمون السماويون روضوا النفوس والمعلم الأخير بعث كي يكمل ذاك التعليم ويتم ذاك التهذيب .. إذا الغاية من إرسال النبي محمد صلى الله عليه وآله رحمة لنا كي يعلمنا ماينقصنا .. ولهذا تم إختياره وتكليفه كي يلقي برسالة عامة إلى كل البشر و المخلوقات إلى يوم القيامة.. قال تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } (107) سورة الأنبياء
الآية الكريمة السابقة تشير إلى حاجة الناس أو المخلوقات بمعنى أوسع إلى من تتجسد فيه كل الخصال ليكون معلم الإنسانية وحامل لواء الرحمة بينهم .. وهذا المعلم يجب أن تتوفر فيه كل خصال الكمال والنبل وجميل الأخلاق كي يكون كفئً لذاك التعليم .. وإن كان عكساً فلا يصح أن يقوم بهذا الدور .. ففاقد الشئ لا يعطيه كما يقول العرب .. أي فاقد الماء لن يسقيني ماءً !
إذا عقلي يرفض أن تكون الأية الكريمة : {عَبَسَ وَتَوَلَّى}{أَن جَاءهُ الْأَعْمَى}(1:2) سورة عبس قد نزلت في وصف رسول الله .. حاشاه وأرفع الله مقامه .. فكيف للنبي العظيم والمعلم الأكبر للعالمين وقدوة الخلق أجمعين أن يعبس في وجه أعمى وقد بعث رحمة للعالمين .. وهو معلماً للكمال الأخلاقي كما وصفه القرآن الكريم بكماله : {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(4) سورة القلم
هنا عقلي يقف أمام تفسير هذه الآية بإنها حتماً نزلت في معلم عظيم يحمل كل معاني السمو الإنساني .. وإن آية العبوس نزلت في شخص تنقصه الأخلاق .
يتبع