سوف نكتب لكم اعتباراً من....
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أيها الأحباب الأفاضل الكرام سوف نكتب لكم اعتباراً من يوم السبت 1 /1 /1425هــ حول شخصية مجاهدة إيرانية عظيمة على حلقات قصصيه من كتاب مذكرات شيخ بهلول.
وأننا لن نتطرق لمقدمة الكتاب بل نختصر على القصص التي مرت على هذا العالم الجليل.
وسوف يكون لكل قصة حلقة.
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد. كما نأمل بأن نخرج بالفائدة المرجوة من إيراد مثل هذه القصص الجميلة.
كما نأمل بأن تلاقي هذه القصص استحسانكم ورضاكم.
والحمدلله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
أخوكم في الله (33)
سبزوار .... الشرارة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
الهم صلي على محمد وآله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سوف نتكلم عن بعض جوانب من حياة أحد المجاهدين الإيرانيين إلا وهو سماحة العلامة الكبير الشيخ بهلول على حلقات من خلال كتاب مذكّرات الشيخ بهلول والذي نقلها على العربية ورتبها الشيخ عبدالعظيم المهتدي البحراني.
الحلقة الأولى
يقول الشيخ عبد العظيم / من مذكّرات الشيخ بهلول/ ص 58ـــ63.
سبزوار... الشرارة الأولى
كان رضا خان البهلوي وأمان الله خان الأفغاني ومصطفى كمال أتاتورك أصدقاء حميمين منذ كانوا يقيمون في بريطانيا, وفيها عاهدوا مع أسيادهم واتّفقوا بين أنفسهم أن ينقلوا الثقافة الغربية إلى إيران وأفغانستان وتركيا.
فلما عادوا إلى أوطانهم استولوا على السلطة عبر انقلاب عسكري ساعدهم فيه الاستعمار البريطاني دون شك, ثم وظفوا الثقافة الغربية في محاربة الثقافة الإسلامية بالاستفادة من التخلف السائد في الشرق. فمنعوا الحجاب وعاقبوا العلماء على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وروجوا الزنا والخمور وجميع المحرّمات الدينية, حتى ألزموا الرجال بلبس القبعة الأجنبية وحلق اللّحى والتخلّي عن الزيّ المحلّي.
وفي سياق هذه الخطط الاستعمارية والغزو الثقافي للمدارس دعا رضا خان صديقه الأفغاني الحميم أمان الله خان مع زوجته المتبرّجة لزيارة أهم مدن الإيرانية, وأمر وزيره تيمور تاش أن يدير استضافتهما مع الوفد المرافق بكامل مجالس الرقص والموسيقى والمحرمات والملاهي, كانوا يريدون من ذلك كسر الحواجز أمام ارتكاب الناس للمحرمات, وما قاموا به في مدينة سبزوار قد ذكّرني بأهل الشام الذين زيّنوا الشام بأمر من يزيد بن معاوية ابتهاجاً لسفك دماء الطيبين من آل محمد وسبي نساء أهل البيت عليهم السلام ومعهن أيتام شهداء كربلاء.
فلم أستطع كظم غيظي وكتمان غضبي على مظاهر التحدّي الصارخ والصريح للقيم الإسلامية. فقد كنتُ في درجة من الغضب لم أستطع أن آكل الطعام رغم شدة الجوع. فسألني والداي لماذا أنت مغموم هذا اليوم؟
ما أفصحت لهما عمّا في قلبي, لأني كنتُ أعرف أن أبي لا يتلاءم مع تفكير في هذه الأمور, وأنه لو علم لمنعني من التدخل فيها, وبالنسبة لأمي فلم تستطع غير البكاء شيئاً.
في ذلك اليوم ذهبتُ إلى بيوت خمس من العلماء الدين أئمة المساجد في سبزوار وبعضهم كان فقيهاً مجتهداً, طلبتُ منهم الإفتاء لمقاطعة تلك الاحتفالات معلناً استعدادي لأكون أول من يعلن المعارضة ويحطم الجُبن المخيم على الناس. ولكن لم يوافقني أحد منهم وقالوا: أن التدخل في السياسة انتحار, والانتحار حرام شرعاً وعقلاً!
وبعد ما يئست من أولئك العلماء, خرجتُ وحيداً إلى مرتفع قريب من الحديقة التي كان فيها الاحتفال, وكانت الساعة تشير إلى الرابعة بعد الظهر, فأخذتُ أنظر إلى تلك المظاهر من بعيد ودموعي تجري على خدّي أسفاً, وكان وجودي في ذلك المكان غريباً لبعض الناس الذي أقترب مني وسلم مدهوشاً وقال: من العجيب مجيئك إلى هنا يا شيخ؟! قلتُ في جوابه: ما جئتُ هنا لأتفرج على هذه المشاهد المحرمة, أنما جئتُ لأظهر الأسف, لماذا في الليلة الأولى من شهر محرم الحرام أصبحت مدينتنا مثل بلاد الشام تتزين بالمعاصي والأفراح المحرمة, أين ذهب أهل الولاء؟
كل من حضر هناك أبلغتُه هذا الكلام, حتى أجمعوا على القول: حقاً أنها أعمال سيئة, لكن لا حلّ بأيدينا, ونحن لا يمكننا الاعتراض. كانت الساعة الخامسة تقريباً إذ بلغ عدد المجتمعين حوالي ما يقارب مائة وخمسين شخصاً, كلهم كانوا يُظهرون الاشمئزاز من ذلك الاحتفال الحرام والمظاهر القبيحة لأولئك الفسقة.
هنا قلت لهم: العجيب أنكم متفقون في القول بأن ما يقوم به هؤلاء عمل سيء ولكنكم لا تبرزون الغيرة لرد العمل السيء!!
قال أحدهم: هذه مسؤولية العلماء ينبغي أن يتقدموا ونحن من ورائهم, فلو تقدم حتى عالم واحد فأننا تقدمنا للتعاون معه.
قلت: أنا لست مجتهداً فهل تتعاون معي إذا تقدمت لرد المنكر؟
قالوا: نحن نراك أفضل من مجتهدي مدينتنا.
قلت: إذن فليذهب إثنان من شجعانكم إلى رئيس بلدية المدينة في الاحتفال ليخبراه أن عدداً من المؤمنين مجتمعون في الحديقة ولديهم معك كلام.
ذهب إثنان من الحاضرين وأبلغاه الرسالة. ففهم رئيس البلدية محتوى القضية, لذلك اتصل برئيس شرطة المدينة يستعين به. فرد عليه الرئيس: أذهب إليهم بنفسك وانظر ما عندهم من كلام واطمئن أننا سنمدك بقوات الشرطة. فخرج رئيس البلدية إلينا متبختراً وقال: ماذا تقولون أنتم؟
تقدمتُ إليه وقلتُ: باسم الدين والضمير نطالبكم بإزالة هذه المظاهر, لأن هذه الليلة أول شهر محرم, والمسلم الشيعي يجب أن لا يحتفل في مثل هذه الليالي والأيام خاصة.
قال: أنه حفل تكريم ملك أفغانستان أمان الله خان ضيف الملك رضا خان البهلوي وهو الذي امرنا بذلك ولا يحق لأي أحد يتدخل في القضية, وإذا تصرّ على موقفك فسأتصل برئيس الشرطة ليقف بوجهك.
في الأثناء رأيت شرطيين يتقدمان نحونا, ولكن قبل وصولهما إلينا لحق بهما شرطي فأسر شيئاً في أُذُِنهما, وإذا بهم يرجعون ففهمتُ من ذلك أنهم خائفين من المواجهة مع الناس المجتمعين حولي, هنا قلتُ لناس: ما دام رئيس البلدية لا يوافق على إنهاء هذا الاحتفال القبيح فأنتم قوموا بإنهائه, فتقدم أخو زوجتي وإسمه عبدالوهاب وكان متديناً وشجاعاً في نفس الوقت, فحطم مصباحاً قد زُيّن به الطريق إلى الحديقة, فاضطرب رئيس البلدية وقال بصوت مرتعش: رجاءً لا تخلّوا بالنظام, نحن نزيل الزينة بهدوء ونجمع هذه المظاهر كلها!
قلتُ: أمهلكم خمس عشرة دقيقة, نذهب خلالها إلى المسجد للصلاة ونعود,فإن كانت الزينة والحفل على حالها فسنعمل بها ما تُملي علينا وظيفتنا الشرعية.
قلت هذه الكلام ومشيتُ مع الناس إلى المسجد, وكان قد وصل هذا الكلام إلى مائتي شخص, لما عدنا من المسجد أصبح ما يقارب خمسة آلاف شخص( وهذه من بركات الصلاة والمسجد) وحينما وصلنا إلى الحديقة لم نجد أي أثر للاحتفال ولتلك الزينة والمنكرات.
لمنا فيما بعد أنهم اعتذروا لضيفهم ملك أفغانستان بأن مدينة سبزوار مضطربة يُفضل الخروج منها. فخرج الملك مع الوزير تيمور تاش والحاشية بخوفٍ وحذر عبر مدينة شاهرود دون أن يتوقفوا حتى في مدينة نيشابور من شدة الخوف.
عند ذلك رجعتُ إلى البيت مسروراً وأخبرت أبي وأمي بتفاصيل القضية, ثم أكلت الطعام بشهية. أمّا والداي فكانا يخافان أن تطاردني الحكومة على فعلي هذا, لكن لم يحدث لي شيء.
هنا تبين لي أني لست قليلاً كما كنتُ أتصور, وأن الحكومة التي يستعظمها الناس ليست عظيمة كما يتصورونها, وعلمتُ أن الناس لو يمتلكوا همّةٌ عالية لتمكنوا بها الوقوف أمام أية حكومة ظالمة.
والحمدلله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
أخوكم في الله (33)