رد: ..*.*.. مـذكـرات مخطـوبة..*.*..
الج ـزء (18)
ألقت أمي عليَّ فيما بعد محاضرةً طويلةً عريضة ..
تتمحور حول حقوق الزوج على الزوجة ..
و كيف أنه من الطبيعي جداً في علاقة أي رجل بأي امرأة و هما في ظل الشرع ..
ظهور طقوس الحب و المودة ..
و من ضمن طقوس الحب هذه ..
هي عملية ( تقبيل اليدين !! )
إذاً ..
لا داعي لأي حرجٍ أو ارتباك ،،
في حال أن عصام مثلاً حاول التودد لي مجدداً !
و مع أن رأسي كان مطرقاً أثناء محاضرة أمي العزيزة عليَّ ! .. في محاولة مني لتمثيل دور الفتاة المهذبة ..
أو بالأحرى المجرمة المعترفة بذنبها !
إلا أنه و عندما أمي وصلت بالتحديد إلى هذه الفقرة ..
أي إلى محاولة تكرار الأمر ..
لم أستطع لحظتها تمالك نفسي ،، لذا أطلقت ضحكة قصيرة مكتومة منذ بدء المحاضرة ..
إلا أني استدركت الموقف .. بابتسامة بريئة ..
و أنا أتمتم لأمي ..
-" لكني شبه متأكدة .. أن عصام لن يفعلها.. بعد كل ما فعلته له المسكين ! "
في صباح اليوم التالي ،،
أجبرتني أمي على الاتصال إلى عصام ،، و اختلاق أي محادثة طبيعية معه ..
و بالطبع كان لأمي ما أرادت .. ليس لأنها أمي فقط ،،
و لكن لأني أنا الأخرى كنت أشعر بشيءٍ من تأنيب الضمير ..
كما أني كنتُ جداً قلقةً عليه ،، أو خائفة من كون عصام قد ( زعل ) ،،
أو أخذ موقفاً سلبياً مني مثلاً !
كان صوت عصام راكزاً كما العادة ،، حنوناً ..
و مرحباً .. و لكأنَّ شيئاً لم يكن !
أخبرني عصام أن المستشفى أخيراً قد أفرجوا عن أبيه ،،
و أنه سوف يمر بعد العصر ليصطحبه إلى المنزل ..
فكان أن طلبت منه بشيءٍ من التردد أن يمر لاصطحابي معه قبل ذهابه إلى هناك ..
و لكأن عرضي هذا قد أراح عصام كثيراً ..
و بالتالي فإني قد شعرت أنا الأخرى بشيءٍ من السعادة ..
و أنا أخطو على نهج ما علمتني إياه أمي الحبيبة من واجبات الزوجة اتجاه زوجها ..
و التي كان من ضمنها طبعاً .. الوقوف إلى جانبه ..
و معه.. في أصعب الظروف .. و أحلك الأيام ،،
عند تمام الساعة الرابعة عصراً ..
كنت مع عصام في المستشفى ..
و في حين أن عصام كان يكمل إجراءات رخصة عمي ،،
كنت أنا على مقاعد الانتظار .. أتمتم في أعماقي آيات الشكر و الامتنان للمولى الكريم عز و جل .
. و الذي قد منَّ على والد عصام بالعافية و الصحة ..
بعد سلسلة معقدة من الإجراءات الروتينية..
صعدنا إلى الطابق الثالث ..
إلى حيث كان والد عصام في غرفته ..
و ذلك لنصطحبه معنا إلى البيت .. إلا أن جميع أطرافي كانت قد توترت .. و تصلبت أعضاء جسدي جميعها ..
لأقف على الباب .. بالقرب من عصام ..
و أنا ألمح تلك العمة و ابنتها المعتوهة .. مقبلتان نحونا ..
و ابتسامة كبيرة جداً .. و ضحكات مصطنعة مبتورة .. تكاد لا تفارق تلك الأقنعة التي توارت تلك الامرأتان خلفها ..
لون عصام كان أيضاً قد تغير بمرآهما ،، و قد تجمد هو الآخر في مكانه لوهلة ..
محاولاً ترجمة أو تحليل موقف و تصرفات هاتين العديمتي الكرامة !
أو لا يملكون ذرةٍ من الإحساس ؟!
أم أنهما قد تناستا تماماً ..
تلك القضية التي رفعوها للتوِّ في المحكمة.. ضد عمي ! مطالبين فيها بإرث ليس من حقهما !
-" عصام.. عزيزي ..أووه .. لا تستطيع فقط تخيل السعادة الحقيقية التي أنا اليوم فيها.. لسماعي بخبر خروج عمي من المستشفى ..!! "
زاد العبوس في وجهي .. و أنا أستمع إلى صوتها الغنج المثير للشفقة أكثر من أي شيء !!
كما أني و لوهلة شعرت بانقباض في صدري ،، و شعور غريب كان أيضاً قد تسلل إليَّ ..
لم أعهده سابقاً !
شعور بالأنانية .. و بأني أريد عصام لي وحدي فقط ..
أو ربما هو شعور بالخوف .. من أن أفقد عصام ..
أو هو مزيج من هذا و ذاك .. !!
أممممممم ،،
هل هذه هي الغيرة التي قد سمعت عنها كثيراً في السابق ؟!!
من يدري .. ربما ..
مرت العمة عليّ .. و كذلك الابنة ..
دون أن تلقيا حتى نظرة أو تحية عابرة ..
و لكأنني جماد لا يستحق أبداً السلام ..
مما زاد بالطبع في حنقي عليهما .. و في غضبي الشديد .. إلا أني تمالكت أعصابي .. و قد كنت على يقينٍ تام ..
بأن عصام و كما العادة سيحسن التصرف ..
رفع عصام يده ممسكاً مقبض الباب .. و قد مد ذراعيه بالعرض مانعاً العمة و الابنة من اقتحام الغرفة ..
-" أبي تعب .. و لا يرغب باستقبال أيَّ زوار ! "
-" زوّار؟؟!! ..
و لكنني عمتك يا عصام .. فعن أي زوّارٍ تتحدث ؟!! "
صمت عصام و قد تشابك حاجباه لوهلة ..
و قد شعرت به و لكأنه في جهاد عميق مع أعصابه ..
فقط ليتمكن من السيطرة عليها .. ليرتفع بعد حين صوته ..
و بنفس النبرة الهادئة .. مكرراً العبارة ذاتها ..
-" لقد قلت ..أن أبي تعب ..
و لا يرغب في استقبال أي زوّار "
" يا لعصام و قوته !!
كيف يتمكن خطيبي المبجل من ضبط أعصابه .. بمثل هذه الطريقة العجيبة !!
إن هذا فعلاً مثيراً للإعجاب .. "
ثم أن عصام بهدوءٍ تام ..
أشار إلى أحد موظفي الأمن المتواجدين هناك قائلاً :
" هلاَّ قُدتَ السيدتين إلى خارج المستشفى .. فهما تتسببان بشيءٍ من الإزعاج إلى المرضى .. "
و على الرغم من أن العمة كانت قد بدأت بتلميم أطراف عباءتها المكشوفة .. أو بالأحرى بتلميم كرامتها المهانة ..
و هي في طريقها إلى الخارج ..
إلا أنها مع ابنتها قد توقفت للحظة .. فقط لترمياني بنظرات استحقار .. التهمتاني فيها التهاماً ..
و قد قرأت في تلك النظرات .. رسالة قصيرة مفادها أن الانتقام آت !
.. فيا ربي سترك ..
بعد رحيلهما مباشرة .. تقدمت إلى عصام و أنا أهمس له معاتبة ..
-" ما كان يجب أن تقسو عليهما بمثل هذه الدرجة .. فهما يستحقان الشفقة .. لا أكثر !"
قاطعني عصام قائلاً ..
" بل تستحقان القتل .. أو لا تكفي محاولاتهما المستميتة للتفريق بيننا ؟!! "
" أمممممم ،،
هل هذا يعني مثلاً أنك ستتعمد قتلهما فيما لو نجحا يوماً في مؤامراتهما اللا نهائية .. ؟!! "
" طبعاً .. إلا أني سأقتل نفسي بعدها .. !! .."
و صمت للحظة قبل أن يكمل ..
" لأني أبداً لن أستطيع الحياة دونك .. "
طبعا لقد كان هذا الحوار استغلال للموقف و العاطفة ..
" لكن كيفي ..
كان خاطري أعرف اشكثر عصام يعزني ..
هيييي .. كيفي لا اطالعوني جذي.. "
.. للحديث بقيه ..
رد: ..*.*.. مـذكـرات مخطـوبة..*.*..
الج ـزء (19)
ما أن قمنا بإيصال عمي إلى المنزل في تلك الليلة ،،
و أطمأنينا عليه..
و بأنه سيأوي
حالا ً إلى الفراش ليرتاح ..
حتى غمز لي عصام بطرف عينه ،، بما معناه أن يريدني في
حديث خاص ..
لذا تسللنا إلى خارج المجلس ..
ليسألني إن كنت أرغب في تناول
العشاء خارجاً ..
-" الآن ؟! و في مثل هذا الوقت المتأخر ؟!! "
-" و لما لا .. فأنا أتضور جوعاً عزيزتي .. "
-" اممم .. حسناً.. و لكن فليكن مطعماً قريباً .. "
و للمرة الأولى في حياتي أشعر بأني أنا و المعروفة "بالعناد" منذ صغري ..
أذعن لطلب
أحدهم حالاً دون إبداء أي نوع من المعارضة ..
فهل يا ترى يكمن السر في سحر
عصام علي! ..
أم أنها أسطورة سي السيد مجدداً ؟!
لم يكتفي عصام بإجباري للاذعان برغبته في تناول العشاء في المطعم فقط ..
إلا أنه
أيضاً لم يدع لي الفرصة لاختيار المطعم الذي أرغب في الذهاب إليه معه ..
إذ أنه قد
قرر مسبقاً أنه مطعم ( جسر الملك فهد).. لا غيره !!
-" عصام .. مطعم الجسر بعيد .. سيكون المشوار طويلاً ..
و نحن في غاية التعب و الإرهاق ..
أي مطعم آخر سيكون مناسباً .. ماذا عن (الأبراج ) مثلا ! "
و لم يكن يبدو على عصام أنه قد سمع مني شيئاً مما قلته للتو ..
إذ سرعان ما توقف
أمام بوابة منزلي .. ليحضر لي جواز سفري و يبلغ أمي خبر سفرنا القصير لتناول
العشاء ..
و لنكون بعد دقائق قليلة فقط .. على الخط السريع إلى المملكة العربية السعودية ،، في طريقنا إلى مطعم الجسر .. !!!
كادت إجراءات الجسر تمر على خير ما يرام .. ما عدا المحطة ما قبل الأخيرة ،،
أي عند جوازات المملكة العربية السعودية ..
إذ طلب منا الموظف الوقوف جانباً بالسيارة ..
و قدبدت من نظراته أن هناك ثمة خطأ كبير أو مشكلة عويصة في هويّـاتنا ..
تتطلب منا الوقوف جانبا لفترة من الزمن ..
بانتظار التعليمات الجديدة التي ستأتي ممن يعلو
هذا الموظف مرتبه ،،
أركن عصام سيارته جانباً .. ثم نزل منها يستقصي الأمر .. تاركاً إياي
فيها لوحدي ..
أتمتم بكل الآيات القرآنية التي أحفظها عن ظهر قلب ،،
آملة من كل
أعماقي أن الأمر ليس بذا أهمية ..
و أنه مجرد اشتباه أو سوء فهم ..
و أنهم سرعان
ما سيفرجون عنا ..
دار بين عصام و الموظف حديثاً غامض .. لم تكن كلماته بالطبع
لتصل إلى أذني .. لبعد المسافة ..
إلا أنه و من خلال التغير الكبير الذي طرأ على
هيئة عصام و ملامح وجهه بالتحديد ..
أدركت أن الأمر أكبر بكثير مما كنت آمل ..
و أنه
بالفعل .. " يا ربي سترك " ،،
أطل عليّ عصام بعد دقائق طويلة من الانتظار ..
ليخبرني
بنظرات غائرة أن موظف الأمن يطلب منا الذهاب معاً إلى داخل ذاك المبنى ..
الذي
يقبع في تلك الناحية ،
-" ها! .. و لماذا ؟!! .. ما الذي يجري ؟! "
و لم يكن عصام ليجيبني بأي كلمة ..
لأنه هو الآخر ما كان ليستوعب بعد أيـّاً مما
يحدث لنا ..
فقط اكتفى خطيبي بهز رأسه بالنفي ،، و بأنه لايدري !
إلا أني استنتجت أن المشكلة تتمحور حول صورة عصام في جوازه ..
فهي له عندما
كان صغيراً على ما يبدو ..
و هم كثيراً ما يمنعون أصحاب مثل هذه الصور من العبور
إلى داخل المملكة ..
في داخل المبنى ..
استقبلنا رجل ضخم الجثة .. كث الشعر .. بلحية تكاد تصل إلى نحره ، يعتلي كتفه
عدد كبير من النجوم ..
كما يعتلي وجهه قناع بلا أي ملامح.. سوى الصرامة و الشرر الذي يتطاير من عينيه
بتلقائية ..
بدأ قلبي بالارتجاف الفعلي في تلك اللحظة .. كما أن أنفاسي كانت قد
بدأت تتسارع أيضاً .. فهذه هي المرة الأولى في حياتي كلها ..
و التي أتعرض فيها
لموقف أضطر فيه لمقابلة مثل هذا الإنسان المرعب ،،
تواريت خلف عصام ..
و قد
استندت على الجدار في أحد الأركان ..
في طلب شيء من الحماية أو الآمان ..
و لم
يطل انتظارنا كثيراً ..
إذ سرعان ما تفوه ذاك الضخم الأخضر .. بصوت مأساوي و نبرة
صوت حادة ..
خيّل إليّ منها أنه يصرخ .. لا يتكلم بصوته العادي ..
طلب من
عصام جواز سفر كل منا ..
لذا ناوله ما طلب بحركة آلية ..
ليتمعن الضابط فيهما ملياً ..
و لدقيقة كاملة ..محدقاً في صورة عصام ملياً .. ناقلاً نظراته بين الجواز و بين عصام و
لكأنه يتأكد من أن الماثل بين يديه هو بالفعل صاحب هذا الجواز..
و بعد أن تأكد أن لا
مشكلة في صورته ..
أراد و على ما يبدو فقط أن يمارس هوايته في تعذيب و اختلاق
المشاكل للناس ..
لذا خاطبني قائلا ..
-" ما هي صلة القرابة بينك و بين ال هذا .! "
و أشار بطرف العصا الغليظة التي كانت في يده إلى عصام .. فهو على ما يبدو
المقصود بهذا !
-" إنه خطيبي .. "
لكزني عصام بكوعه ..
و لكأنه يريد مني استدراك ما قلت ..
فعلى مايبدو أني تفوهت للتو
بخطأ جسيم..
-" إنها تقصد أنني زوجها "
-" زوجتك أو خطيبتك .. أين العقد الشرعي الذي يثبت ذلك ؟! "
-" هيي .. ما الأمر سعادة الضابط .. ما الذي يحدث هنا؟! "
-"هل يتحتم علينا حمل وثيقة عقدنا في أي مكان نذهب إليه !! و إلا ماذا ! "
دارت الدنيا بي و أنا أرى نفسي في هكذا موقف ..
و هؤلاء "الخضران" يرفضون تصديق
أن هذا العصام هو زوجي بالفعل و على سنة الله و رسوله .. بل أني في حياتي لم
أكن لأتخيل أني سأكون موضوع شبهة يوماً ما !!
و ما زاد الأمر سوءاً هو أني ما زلت في بطاقتي و في نظر القانون .. عازبة ،،
إذ لم
يمتلك خطيبي المبجل الوقت مؤخراً .. لينقل أوراقي لإسمه .. و ليُـحملني لقبه ..
بعد تعطيل ساعة أو أكثر ،،
في مبنى قديم و متهالك .. لا يمتلك من محتوياته سوى
بضع مقاعد من الخشب العفن القديم ..
و مكتبين متواضعين لكبار الضباط .. و ردهة
استقبال متواضعة .. !
توصل عصام معهم أخيراً إلى أن يقوموا بالاتصال إلى أهلي .. ليتأكدوا منهم شخصياً
بأنه بالفعل زوجي!
و هكذا كان ..
إذ جاءهم صوت أمي مقراً بزواجنا ..
ليتم الإفراج عنا أخيراً ..
و لنتحرر من
تحقيقاتهم و أسئلتهم و نظراتهم المريبة ،،
كانت الساعة عالقة على الحادية عشر و الثلث ..
حين كنا قد تحررنا من الإجراءات
الطويلة على الجسر ..
-" آآه يا عصام .. لو بس سامع كلامي و مخلينه نتعشى في الأبراج .. مو أحسن إلينا
من كل هالبهدلة ! "
رمقني عصام بنظرات عميقة حادة ، جعلتني أبتلع ريقي سريعاً و في الحال ..
و
أصمت ..
بل و أشرد بنظراتي بعيداً عنه و عن عالمه ،،
.. البقيه تأتي ..
رد: ..*.*.. مـذكـرات مخطـوبة..*.*..
الج ـزء (20)
لم أكد أتنبه لأي مما يجري حولي ..
و أنا تحت سيطرة أفكاري و خواطري ..
إلا عندما توقفت بنا سيارة عصام .. أمام بوابة المطعم مباشرة ..
فتح عصام بابه ..
و نزل من السيارة متوجهاً إلى البوابة مباشرة .. !!
إلا أنه استرجع و لله الحمد ذاكرته سريعاً .. فعاد أدراجه ليصطحبني إلى داخل المطعم ..
و قد وضع هذه المرة يده على ظهري ..
" الحمد لله أنه تذكرني .. و إلا لطلبت الانفصال منه في التو و اللحظة ..! "
في داخل المطعم ،،
أخبرنا الموظف هناك أن المطعم سيغلق أبوابه بعد ساعة واحدة فقط !
" يا ألله .. بعد كل ما لقيناه من متاعب و تعطيل على الجسر .. أمامنا ساعة واحدة فقط لنرتاح و لنأكل ! "
لكني لم أعترض ..
فقد كنت في أعماقي أريد لليوم أن يمضي على خير فقط ..
اخترنا زاوية رومانسية في أحد الأركان و التي تطل مباشرة على البحر ،،
و هناك ..
فقط بدأت أشعر و لمنظر البحر بشيء من الهدوء و الاتزان ..
على الرغم من أحداث اليوم الساخنة ..
حدقت من النافذة .. أرقب أمواج البحر ..
و هي تضطرب بعنف حيناً .. و تتمايل بوداعة حيناً آخر ..
شأنها في ذلك شأن النفس البشرية ..
آآآه .. يا سبحان الله ..
فقد امتصت أمواج البحر شيئاً من العواصف القابعة باضطراب في أعماقي ..
و بدأت أسترد اتزاني و هدوئي ..
نتيجة التعب و عناء السفر ..
التقت نظراتي بنظرات عصام و قد كان يحدق فيّ بحرية و سعادة ..
كما أن ابتسامة ناعمة و هادئة ..
كانت قد بدأت تزحف على شفتيه..
-" كان يوما شاقاً على كلينا عزيزتي ..
أو ليس كذلك ؟! "
-" اممم .. نعم قليلا.. "
و في أعماقي .. كنت أصرخ من شدة التعب ..
" بل كثيراً ..يكفي أنك أدخلتني مع رجال خضر و ذوي نجوم مرعبين .. و جعلتني و للمرة الأولى في حياتي كلها بموضع شبهة ! "
-" حسنا .. ماذا تريدين أن تأكلي عزيزتي ؟! "
-" أي شيء سيكون مناسباً ! "
و قبل أن يتصرف عصام و يطلب ما يشاء من طعام .. قررت أن أطلب لي شيئاً خفيفاً يتوافق مع ما أريد ..
خوفاً من أن يطلب لي هو ما يريد ..
مثل عصير المانجو الذي لا أطيق !
كانت نظرات عصام كثيراً ما تحدق بي بجرأة و بشيء من العاطفة و الحنان .. و ربما الحب ..
لذا كنت و بالتالي كثيراً ما أتوقف عن عملية الأكل ..
لأني أبداً لم أكن لأستطيع تناول أي شيء و هو يحدق بي .. بكل هذا الحب !!
وضعت الملعقة جانباً ..
و اكتفيت بمراقبته و هو يلتهم طعامه بشراهة ..
على الرغم من أني كنت أنا الأخرى سأهلك جوعاً ..
فهل ستشبعني نظرات عصام المحبة !!!
و أنا التي أتضور جوعاً !!
ثم أني تحينت الفرصة المناسبة ..
لأن أفتح معه موضوع حفلة خطوبتنا المؤجلة إلى لا أمد معين !
تغيرت ألوان خطيبي المبجل ..
بل و كاد أن ( يشرق ) بما في فمه من طعام ..
في اللحظة التي وصلت فيها إلى موضوع الطقم و الدبلة ،، لكنه سرعان ما تدارك موقفه .. قائلا,,
" طبعاً .. و متى ترغبين في أن نذهب لنختار
و نشتري ! "
" في الواقع ..كنت قد رأيت طقماً أعجبني في الأسبوع المنصرم .. و حجزته ..
لذا ما عليك إلا أن تذهب و تدفع .. فقط ! "
ثم كان أن ناولته ورقة الحجز و قد كانت مطوية ..
تنحنح عصام .. و هو يتناولها ..
و قد وضع كأس العصير الذي كان يرشف منه جانباً ..
ثم بدأ بفتح الورقة ببطءٍ شديد ..
في حين أني كنت و من موقعي أرقب ملامح عصام..
و هي تتغير إلى أن وصلت و بالتدريج ..
إلى ملامح الطفل المرعوب و الذي قفز أمامه شبحاً على حين غرة !
لابد و أنه انصدم ..
فالمبلغ المرصود في الورقة .. كان و لا بد أكبر بكثير مما كان يتوقعه عصام ..
لكنه سرعان ما سيطر على أعصابه و ملامحه ..
هذه المرة أيضًا.. ليجيئني صوته هادئاً .. متزناً كما العادة ..
-" حسناً ،، في الغد سأمر لأشتريه لكِ .. ! "
قلت بعد دقيقة صمت سيطرت علينا .. و بشيء من الدلال .. و في محاولة خلق جو عاطفي للحديث ..
" أعلم أنه غالي نوعاً ما .. فإن أردت .. ذهبنا معاً لتختار واحداً آخر .. أقل ثمناً ! "
و مرت ثوان صمت قبل أن أدرك صوته ،،
" لا.. لا بأس عزيزتي .. لا يغلى عليك أي شيء ! "
"أوووه ،، الحمد لله ؟؟ أشوه ما طلع بعلي بخيل بعد .. "
و قبل أن أتمكن من التعليق على جملته تلك ..
اندلق كأس العصير فجأة ..
و على إثر ضربة عفوية جاءت بالخطأ من يد عصام..
لينسكب العصير و بأكمله على قميص عصام .. و ملابسه !! و لتكتمل أحداث اليوم الساخنة .. بعصير بارد مدلوق .. قد لطخ ثياب زوجي بأكملها و كذا الطاولة !
وقفت لأناول عصام .. ما كان عندي في الحقيبة من محارم .. ثم أني ناديت على النادل .. ليكمل عملية التنظيف ..
و إن لم نكن قد أكملنا تناول الطعام ..
إلا أن عملية سكب العصير ..
كانت سبباً لأن ننسحب مجبورين .. عائدين إلى أرض الوطن و إلى البيت بالتحديد ..
خوفاً من المزيد من الأحداث الساخنة !!
.. للحديث بقية ..
رد: ..*.*.. مـذكـرات مخطـوبة..*.*..
رائع ماقمتي بنقله هنا
تابعي والله يرعاكِ
رد: ..*.*.. مـذكـرات مخطـوبة..*.*..
الج ـزء (21)
قرر عمي بعد أن تماثل نوعاً ما للشفاء بإقامة اجتماع عائلي ، يحضره الجميع ..
و قد شملني بالجميع باعتباري قد بت فرداً من أفراد العائلة ..
و لكم انقبضت عضلات صدري..
و أنا أرى من ضمن الحاضرين تلك العمة و ابنتها المغرورة و قد انزوتا في أحد أركان المجلس ..
دون أن يحتكا بالآخرين ..
و على ما يبدو .. أن الجميع يكره التعامل معهما ..
و لست وحدي من ينقبض صدري لتواجدهما ها هنا..
" يا رب عدي اليوم دون أي مشاكل .. "
ثم أنه بالفعل يا سبحان الله ..
فلكم هو من غرائب النفس البشرية أن تنقبض أو تنبسط.. جراء أناس معينين تقابلهم في حياتك ..
و يبقى سبب الانقباض أو الانبساط مجهولاً ..
يجهل الإنسان كنهه ..
و ربما يعود إلى الأبراج و عالم الذر .. كما يقول البعض ..
تنحنح عمي ..
ثم بدأ حديثه معنا بنظرات عميقة .. و نبرة هادئة حانية .. تشبه إلى حد كبير .. نبرة عصام ..
حمد الله و أثنى عليه في البداية ..
ثم أخبرنا كيف هي الدنيا قصيرة جداً .. و أن متاعها زائل و فان ..
و أنها مجرد دار ممر لدار مستقر .. و أن خيرنا من عمل لآخرته ..
و أن لا إنسان على وجه الأرض يعلم ما هو مقدار عمره .. و لربما ساعة الرحيل قد اقتربت ..
لذا فإنه يريد أن يوصينا بوصاياه العديدة ..
و يبرأ ذمته قبل أن يوافيه الأجل ..
" أطال الله في عمرك يا أبي .. ومنَّ عليك بالصحة و العافية "
هكذا نطق عصام الجالس إلى جواري ..
أما أنا فقد أيدته من كل أعماقي ..
خوفاً من مصيبة تحل بنا و بحفلتنا المرتقبة ..
و بالطبع ..
لأني قد بدأت أحب عمي كثيراً .. و أخاف عليه ..
صوب عمي بعدها نظراته نحو أخته ، موجها إليها حديثه.. مخبراً إياها أنه سيكتب لها الأرض ، و إن لم يكن لها أي حق شرعي فيها .. فقط ليرضي ضميره ..
إلا أنه واصل و بنفس النبرة الهادئة قائلاً ..
" لكني أبداً لا أرغب في رؤيتك بعد ذلك .. و قد اخترت دربك بنفسك منذ أزمان طويلة .. منذ أن تزوجتيه و رحلتي دون إرادة والدي - رحمه الله -!"
قطعت عليه العمة حديثه بتمتمات غير مفهومة ..
إلا أن سرعان ما أوقفها بإشارة من يده ..
و لكأنه لا يرغب بسماع أي شيء منها ..
ثم و بابتسامة أبوية رائعة .. وجه أنظاره إلينا ..
أنا و عصام ..
ليعلن للجميع أن حفلة خطوبتنا ستكون في الأسبوع القادم .. في ليلة الجمعة على التحديد ..
" أيناسبك الموعد يا عروسنا الحلوة .. ؟؟!! "
و احمرت وجنتاي خجلاً ..
قبل أن أطأطأ رأسي بالإيجاب قائلة ..
" نعم عمي .. كثيراً .. ! "
و الحقيقة أنه و مع كون الموعد قريباً جداً ..
و ليس أمامي سوى أسبوع واحد فقط للتجهيز للحفلة ..
إلا أني شعرت براحة نفسية نوعاً ما ..
و قد تقرر أخيراً موعد حفلتي المرتقبة..
و مع الفكرة ..
ألم بي صداع عنيف ضرب رأسي و أنا أستحضر في خاطري مستلزمات الحفلة ..
" أوووه .. هناك الكثير و الكثير مما يتحتم علي فعله في هذا الأسبوع ..!! "
الباقة ، الفستان و بروفاته الأخيرة .. بطاقات الدعوة .. العشاء.. مواعيد الصالون و الكوافير .. حجز الصالة .. الملايّـة !! "
" اممم .. ما إلي إلا صفاء .. "
خاطر وديع راودني لحظتها ..
بأنه يجب الاتصال بصفاء الليلة ..
لترتيب هذه المشاوير معها ..
إذ لا بد من تواجدها معي في هكذا أزمة ..!!
بل أني سأقترح معها المبيت معي في البيت ..
فهذا سيسهل عملية المشاوير ..
و سيوفر الوقت على كلينا ..
اممم..
و لكن لما لا أطلب من عصام أن يعيرني سيارته ..
عوضاً عن تكفيل صفاء مهمة ( السائق ) ..
فجميع المخطوبات اللاتي أعرفهن ..
يستعرن سيارات أزواجهن !
غداً أفاتحه بالأمر ..
في هذه اللحظة بالذات ..
انتبهت من خواطري على سعال عمي الحاد..
و الذي كان متواصلاً بحيث أن أنفاسه كانت تتقطع ..
بل و أنفاسنا نحن جميعاً ..
و قد احتقن وجهه بالدماء .. و تلّون بالأحمر ..!!
و أقسم أن الدموع كانت قد بدأت تنساب من عيني ..
خوفاً عليه .. و قد وضعت يدي على قلبي ..
مخافة أن يحدث له أي شيء ..
و قد بدا لي للوهلة أنه في نزاعه الأخير مع بقايا الحياة .. أو مع بداية الموت ..
و لولا أن عاجلته سلمى بكأس ماء بارد .. استرجع به أنفاسه و ارتوت به عروقه ..
لما ارتاح قلبي ..
و لما تنهدت تلك التنهيدة العميقة النابعة من أعماق أعماقي .. و التي لفتت إلي الأنظار جميعها .. !
و لم يكن ليشفع لي موقفي المحرج أمامهم ..
سوى أني لم أكن وحدي من أطلق تلك التنهيدة العميقة .. فقد كان عصام إلي جانبي ..
يتنهد ..
بل ويلهث مسترجعاً أنفاسه المتلاحقة .. !!
لذا اعتلت وجوه الجميع ابتسامة رضا و محبة ..
قبل أن يرتفع من الخلف ..
و بالأحرى من ذاك الركن المنزوي ..
صوتاً غليظاً قائلاً..
" لم أكن أريد سوى أن أثبت و للجميع أني فرداً من العائلة و لي حقوقي فيها .. فأنت تعلم جيداً أن الأرض حقي.. كما أن عصام هو حق ابنتي"
.. إلا أن عمي قاطعها قبل أن تكمل حديثها بنبرة مرتفعة .. جعلتني أرتبك في مكاني ..
من شدة القلق و الخوف ..
" إلى الخارج .. دعي ابني و عروسه في شأنهما.. و لا حق لك بيننا .. خذي الأرض و ارحلي .. !! "
وقفت العمة حالاً.. و هي تلملم أطراف عبائتها و تجر ابنتها جراً من خلفها ..
و قبل أن يتسللا إلى الخارج..
احتوياني بنظرة ملؤها الحقد و الكراهية !!
بل أن صوتهما قد وصل إلى مسامعي ..
و هي تقول لي مهددة إياي ..
" حفلة عصام لن تقوم.. إلا على جثماني .. و سترين يا خاطفة الرجال ! "
و قبل أن أبدي أي ردة فعل اتجاه تهجمهما علي .
كانت يد عصام هي الأسرع لاحتواء كفي في يده ..
ليضغط عليها بكل حب ..
ممتصاً بهذا روعتي .. و ثورة غضبي .. !
" يا ربي استرها علي ّ .. و اهديهم .. و اكفني شرهم.. فلست ذا أريد المزيد من المشاكل ! "
ثم تناهى إلى أسماعنا جميعاً..
صوت باب المجلس و هما تصفقانه و بقوة ..
تاركة خلفهما أطيافهما المرعبة .. المشبعة حقداً و كراهية ..!
و سرعان ما التقت نظراتي بنظرات عصام..
و إن كانت نظراتي في تلك اللحظة مملوءة بالقلق و الخوف و الألم ..
جرّاء تهديدهما و تصرفهما معي ..
فقد كانت كما العادة ..
نظرات عصام .. عميقة و ثابتة .. تشعان بوميض حاني.. مكلل بالحب و الحنان ..
" آآآه .. الله يخلي اللي هالعيون .. و صاحب هالعيون .."
أو كما يقول راشد في أحد أغانيه ..
" هالعيون اشلون أملها .. سحر ذوبني غزلها .. !! "
.. البقية تأتي ..
رد: ..*.*.. مـذكـرات مخطـوبة..*.*..
الج ـزء (22)
في صباح اليوم التالي، فتحت عيني على صوت الهاتف المحمول و هو يتعالى ينبئني بورد مكالمة ما ،..
و لم أكن لأركز على رقم الهاتف الوارد ، و النعاس بسلطانه كان لا يزال عالقا على أهداب عيني ..
فقط رفعت السماعة و همهمت بصوت ناعس
" نعم ؟؟!! "
" ... "
" من هناك؟! "
" ... "
" فلتنطقي! من معي ؟! "
و لكن دون جدوى..
فلا من مجيب سوى صمت مطبق، و صوت تنفس أحدهم أو إحداهن .. و هي تزفر بعمق .. و تتنهد بألم !
هي نفسها تلك التي كانت تتصل في..
و تتهمني بأني خاطفة الرجال بلا شك..
و مع هذا ..
عاودت النوم مجدداً.. لا أنكر أن ذلك كان بصعوبة ..
و قد أطارت تلك المجنونة النوم من عيني ..
و لكن لم تمر سوى ربع ساعة إلا و قد عاود الهاتف الصياح مرة أخرى !!
" نعم ؟؟.. من ؟؟ .. فلتتكلمي أيتها المجنونة !! من معي !! "
" ... "
و ما من مجيب هذه المرة أيضاً !!
لذا أغلقت السماعة ، و قد ارتفع ضغط دمي لدرجة أني كنت أشعر بحرقة شديدة في أعماقي ..
و ثوران غاضب في شراييني !
رميت برأسي على الوسادة مجدداً ..
و رفعت كذلك البطانية أغطي بها وجهي و كلي إصرار على مواصلة النوم ..
فالساعة لا تزال عند التاسعة صباحا !!
بعدها بقليل..
رفعت السماعة للمرة الثالثة ..
و قد ارتفع صياح ( موبايلي ) مجدداً ..
و قد أخذ مني الغضب مأخذه ..
لذا و دون أن ألمح من هو المتصل هذه المرة ..
فقط رفعت السماعة لأجيب ، و كلي غضب و حقد على من سلبني النوم في هذا الصباح الباكر، و يحاول سلبني سعادتي في أحلى أيام عمري ..
" هييييي.. يا قليلين الأدب ! ردوا.. و إلا بيصير إليكم شي عمركم ما شفتونه!"
و لم أكن لأكمل سلسلة شتائمي المشبعة بالغضب ..
و قد ارتفع صوت الطرف الآخر مذهولاً ليقاطعني !
" صباح الورد يا أحلى مرام ! "
" ها؟!! هذا أنت يا عصام ! "
و لكم فقط أن تتخيلوا مقدار الحرج الشديد و اللون الأحمر الذي انطبع في وجنتاي في تلك اللحظة !
" عصام.. آسفة .. لم أكن أقصدك بالطبع ! "
" خير عزيزتي..
ما الأمر ؟! .. ماذا هناك ؟! "
" هو هاتف من مجهولة.. تكرر كذا مرة .. دون أن تتكلم ، فقط تسمعني صوت بكائها حيناً .. أو تنهداتها و زفراتها حيناً آخر .. ! "
و الصدمة الكبرى كانت هي حين أمليت الرقم على عصام ..
فقد كانت هي من أخشاها .. ابنة العمة المحترمة !!
" يا الهي ،، ماذا تريد مني؟! لماذا لا تتركني وشأني ؟! لماذا هي مصرة على تحطيم حياتنا! "
" هوني الأمر عليك حبيبتي ،
لن تستطيع هي أو حتى غيرها أن يضروك .. و أنا معك !"
طمأنني عصام بنبرته الحانية ،
" أروع ما في خطيبي هي قدرته العجيبة في امتصاص ثورة غضبي مهما كانت ! "
و لم يكن عصام ليتركني قبل أن يسمع مني ضحكة قصيرة عقبت بها على نغزته المازحة و هو يقول ..
"حبيبتي .. أو لن تعزميني على غداء من صنع يديك اليوم ، فأنا أود حقاً الاطمئنان على مستقبلي ! "
و قبل أن يغلق عصام الخط مودعاً ..
ذكرته بالعقد ..
فخطيبي مصاب كغيره من أبناء هذا الجيل ..
بداء النسيان ..
" عصام.. لا تنسى أن تمر في طريقك على العقد لتحضره .. "
" أووه.. كدت أنساه .. جيد أنك ذكرتني ! "
" أو لم أقل لكم !! ..
إلا خوفتي يوم من الأيام ينساني ! "
سرعان ما تنشطت همتي ، و قد أنعشني صوت خطيبي المبجل و حديثه الرائع بنبرته الحانية !
لذا أسرعت اتجاه والدتي أطلب منها المساعدة في المطبخ ، بل أقصد أن أخبرها أن عصام سيتناول معنا الغداء اليوم..
و أنا من يتحتم علي مساعدتها ..
لا العكس ..
حضرنا ما حضرناه من أطباق و سلطات و عصائر و حلويات ..
" يا بختك يا عصام .. ما راح تطلع من بيتنا إلا زايد وزنك كم كيلو .. ! "
و في الواقع ، كان جل همي و أنا أساعد أمي أن أرى ردة فعل عصام و هو يضع اللقمة الأولى مما صنعته يدي ..
أووه أقصد والدتي ..
و لكن تحت إرشاداتي ..
و لكن لا تخبروه بذلك ..
و ليكن هذا سر ٌ بيني و بينكم حتى حين ..
بعد أن تناولنا الغداء في ذلك اليوم ، و الذي نال بالطبع رضا خطيبي الكامل ..
و الدليل على ذلك أننا رفعنا جميع الأطباق من على المائدة .. فارغةً تماماً !
أصرَّ خطيبي المبجل على رؤية صوري القديمة و التي ترجع إلى أيام الطفولة المنصرمة ..!!
" لا مستحيل .. فشيلة !!
في صور واجد اتخرع ، و صور مخيفة جداً .. و صور مرعبة جداً ! و صور ما إليها طعمة ! و من غير أي سالفة ! "
و لكن و لأن أخي محمد لم يدع لي أي فرصة للتهرب..
و قد قفز فجأة ملبياً طلب عصام !
لم يكن أمامي حينها سوى الإذعان..
و محاولة التستر على ما وراء الصور من حكايات ..
و مشاغبات الطفولة البريئة و ذكريات و إن كانت قديمة .. فهي و بالتأكيد جميلة .. بل رائعة !
" آآه .. ألا ليت الطفولة تعود يوماً .. فقط لأخبرها بما فعل بي الشباب ! "
.. للحديث بقيه ..
رد: ..*.*.. مـذكـرات مخطـوبة..*.*..
الج ـزء (23)
أمي كانت معنا و هي تقلب أمامنا الألبومات القديمة..
بما فيها من ذكريات جميلة و رائعة ..
و كنت أرى على عينيها و اللتان أغرورقتا بالدمع..
مشاعر هي أعمق من أن أتمكن من ترجمتها مزدانة
بالحب.. الأمومة .. الحنان ..
و بل ربما الفخر و الاعتزاز ..
فمن ذا الذي يصدق أن تلك الطفلة الصغيرة في الصور ..
و التي نراها بشعرها المنفوش ..
و دموعها المنسابة بسبب و دونما سبب..
قد أصبحت عروساً.. و عريسها ماثل أمامنا..
يشاركنا ضحكنا.. و تعليقاتنا على الصور القديمة ..
" يا سبحان الله .. لكم هي الأيام تمر بسرعة .. أو لا تشعرون معي بمثل هذا الشعور ؟! "
اختار خطيبي واحدة من أحلى صوري .. و أصر على الاحتفاظ بها في محفظته .. مع أني حاولت إقناعه بأني سأصور لأجله صورة أخرى في (الاستيديو)..
تكون رائعة بالفعل ..
لكنه و كما كان يقول أنه يرى في هذه الصورة ..
أن من فيها ملاك رائع..
" خلاص هذا أهم شي .. أن أكون في نظر خطيبي ملاك رائع ! "
و أنا أيضا أريد له صورة !! واحدة بواحدة ! و لم أكن لأنفك أطلبها منه و لو بطريقة غير مباشرة ..
حتى وعدني بإحضار صورة شخصية له غداً ..
" أيوه كذا .. علشان أشعر بأني مخطوبة .. و أفوشر بصورة بعلي على ربعي ! و أقول إليهم .. شوفوا اشكثر عصامي وسيم و يجنن ! "
ثم أني سرعان ما انتهزت لحظة تعذرت أمي فيها بالذهاب إلى المطبخ .. لشرب الماء ..
و إن كنت أعلم أن غسل عبراتها و تجفيف دموعها..
هو السبب الحقيقي في انصرافها عنا ..
انتهزت الفرصة لأحادث خطيبي المبجل و بشيء من الدلال..
في رغبتي باستعارة سيارته..
للقيام بمشاويري اللازمة لحفلة الخطوبة المرتقبة !
و كانت عبارتي تلك ..
هي الشرارة لأن أبدأ حرباً معه ..
استمرت لأكثر من ربع ساعة ،
و هو يحاول فيها عبثاً إقناعي بأنه سيقوم بإيصالي إلى المكان الذي أريد ..
فهو و كما يقول
.. أبداً لا يحبذ سياقة المرأة .. إلا فقط للضرورة القصوى !
" بس انتوا طبعا تدرون شنو ردة فعلي و رايي في هالموضوع !
و الله هذا اللي ناقص ! ياخذني و يحبسني و يمنعني من السياقة بعد ! "
و عندما لم يجدي المنطق في إقناع عصام بوجهة نظري .. لجأت كما عادة المرأة ..
إلى سلاح العاطفة ..
ليرضخ عصام و قد استعملت معه كل ما لدي من طاقة و قدرة في تمثيل دور ( الزعلانين ) و أنا أهمهم له ..
" إن كنت خائف على سيارتك لهذه الدرجة .. فأنا خلاص لم أعد أرغب في أخذها ! "
فما كان أمام عصام سوى أن يطرق رأسه قليلاً..
و قد شرد بنظراته لبضع ثوانٍ..
قبل أن يجيئني صوته راضخاً ..
" حسناً .. حسناً عزيزتي .. و لكن انتبهي لنفسك جيداً ! "
ثم مد يديه إلى جيبه ليناولني مفاتيح السيارة ..
اعتلت وجهي ابتسامة واسعة و أنا أمد يدي لأختطفها من بين يده ..
إلا أن أصابع عصام كانت لا تزال عالقة ..
تأبى أن تترك لي المفاتيح ..
" ها ؟!! هل غيرت رأيك ؟ ألن تناولني إياها ؟! "
"ليس قبل أن تعيديني أنك ستنتبهين لنفسك جيداً ..
و أنك لن تكوني لوحدك ..
اصطحبي معك صفاء.. أو محمد .. أو حتى أسماء ! "
" حاضر .. عزيزي حاضر ! "
و لم أكن لأنتبه ما تفوهت به من شدة الفرحة التي كانت تغمرني.. في تلك اللحظة ..
و لكن ردة فعل خطيبي و ابتسامته الواسعة ..
جعلتني أدرك ما قلته له للتو ..
و قد كانت هذه هي المرة الأولى التي أناديه فيها بعزيزي .. مع أنها جاءت عفوية بالفعل..
دون أن أخطط لها مسبقاً !
" أعيدي ما قلتيه لي للتو .. "
تجمدت في مكاني ..
و قد أصبح وجهي بلون التوت الأحمر ..
إلا أني سرعان ما تداركت الموقف بأن قلت ..
" لم أقل شيئا سوى حاضر عصام حاضر ! "
" لا.. كانت هناك كلمة أخرى .. أعيديها أرجوك !"
و لأنه كان قابضاً بقوة على معصمي ..
و في عينيه رسالة ترجي صادقة ..
" لاحقاً .. لاحقاً.. لا تكن طماعاً .. ع ز ي ز ي ! "
و انفرجت أساريره.. و اعتلت وجهه ابتسامة طفل وديع.. قبل أن يسمح لي بالانصراف إلى خارج البيت..
حيث أستطيع المرور على صفاء لاصطحابها معي إلى السوق كما خططت ..
" لكم هي مشاعرهم مرهفة و حساسة ! هؤلاء الرجال في بعض الأحيان .. كما الأطفال تماماً !! "
في داخل السيارة .. و قبل أن نتحرك ....
طالعتني صفاء و هي تتساءل ..
" ما هي خطتنا في المشاوير مرام ! "
" سنمر أولاً على الفستان .. ثم الباقة .. و من ثم الصالة لحجزها ! "
" ما شاء الله .. الله يعينا على كل هالمشاوير ! "
" ها .. إذ ما إليج خلق .. قولي من الحين قبل ما نتحرك ! "
" لا.. ليش كم مرام أنا عندي .. أنا ما قلت شي .. بس انتبهي للطريق قبل ما تودينا في داهية .. "
" أشووه .. حسبت بعد ! "
بعدها بقليل .. ارتفع صوتي مخاطباً ابنة خالتي ..
" ناوليني الهاتف .. سأتصل بعصام ! "
" و لماذا يا ست الحسن و الجمال ! "
" ليصف لي أين يقع محل الأزهار ؟!! "
"و لكني أعرف جيداً أين ذا يقع !! "
" أعلم بذلك .. و لكني أرغب في أن يصف لي هو ..
لا أنت !! "
بعدها بقليل..
أعدت الكرة أيضاً .. و لكن لأننا كنا بالفعل ضائعتين !
و من شدة ارتباكي ..
لم أنتبه إلا و صوت صفاء يصرخ مدوياً ..
" مراااااام.. انتبهي .. انتبهي !!!"
و تداركت الأمر ..
بأن حرفت السيارة قليلاً.. لأتجاوز حادثاً كان على وشك أن يقع !!
" مرام حاسبي أرجوك .. كدت تصطدمين بالسيارة التي أمامنا ! "
" هي من توقفت فجأة .. ليس ذنبي أن غيري لا يعرف كيف يقود السيارة ! "
و لأن الارتباك كان قد أخذ مني مأخذه ..
لذا سرعان ما أوقفت السيارة جانباً ..
و شرعت في البكاء ..
و ما زاد الطين بلة ..
هو أن الموقف الذي أوقفت فيه السيارة ..
كان من الممنوع الوقوف فيه ..
و قد لمحنا رجل مرور في تلك اللحظة ..
و بالطبع فإن رجال المرور متفانين في الخدمة ..
و بالقيام بواجبهم على أتم وجه ..
لذا فإنه فقط أعطانا مخالفة بالوقوف في ما هو ممنوع الوقوف فيه ..
و أخرى لعدم ارتدائي الحزام !
و لم يقتصر يومي على هذه المفاجآت فقط..
بل أعدت السيارة لعصام في نهاية النهار..
بخدش صغير..صغير جداً !
حدث حينما حاولت إيقاف السيارة في زقاق ضيق بالقرب من الخياط !
و في واقع الأمر أنه لم يكن صغيراً جداً ..
و لكن هذه هي الطريقة المتبعة في تهوين الأمور الجسام !
و مع هذا ...
فقد كانت ردة فعل عصام هي فقط أن رفع يده واضعاً إياها على رأسه ..
فاغرا فاه ..
لبرهة من الزمن و هو يتأمل الخدش و الذي امتد على جانب السيارة ..
من بدايتها .. إلى نهايتها !
و لأني كنت بالفعل أشعر بشيء من تأنيب الضمير .. أسرعت أهمهم له بشيء من كلمات الاعتذار الصادقة ..
و أنا أناوله مفاتيح السيارة ..
و قد ترقرق الدمع في عيني يرجو سماحه..
" آسفة عصام .. أنا حقا آسفة .. لم يكن قصدي .. "
عملية استيعاب الموقف .. أخذت من عصام بضع ثوان قبل أن يجيئني صوته هادئاً ..
" خيراً إن شاء الله .. أهم شيء أنك لم تصابي بسوء .. إنها فقط قطعة من الحديد.. لا تهتمي بذلك ! "
ابتسمت و أنا أكرر أسفي له .. و قد تذكرت لحظتها ما قالته لي صفاء حينما خدشت السيارة ..
" في الحديد .. و لا فيني ! أليس كذلك ؟!! أهم شي سلامتي !! "
و أما عن موضوع المخالفات..
سأخبره بها لاحقا..
فأنا أخاف على زوجي .. من كثرة الصدمات !!
.. للحديث بقيه ..
رد: ..*.*.. مـذكـرات مخطـوبة..*.*..
قصه جميله
سلمت يداك
في إنتظار البقية
كل الود
رد: ..*.*.. مـذكـرات مخطـوبة..*.*..
بجد رووووووووووووووعه
يلا بسرعه اني في انتظرك
موفقه لكل خير
رد: ..*.*.. مـذكـرات مخطـوبة..*.*..
متابعهـ بصمت
بنتظار التكملهـ يالغلا
تشكراتي على المذكرات الحلوهـ
وكل ودي
رد: ..*.*.. مـذكـرات مخطـوبة..*.*..
سماءك حلمي
دمعة طفلة يتيمة
وردة محمدية
جل شكري أقدمه لكم للمتابعة
وعذراً لتأخري فقد تعطل الجهاز وبعد اصلاحه ضاع الموضوع
ولم أود أخباركم
والآن وجدته فقد كنت احتفظ بنسخه من المذكرات بجوالي
وحمداً لله لم يتم حذفها
لذا
أعود مجدداً لاستكمالها
واقدم وافر عذري لتأخري مرة أخرى ولثرثرتي الزائدة
رد: ..*.*.. مـذكـرات مخطـوبة..*.*..
يؤؤؤؤؤؤؤؤؤؤ
الحمدلله عندك في الجوال
موفقه غناتي لكل خيــــــــــــــــــــر
رد: ..*.*.. مـذكـرات مخطـوبة..*.*..
الج ـزء (24)
مر الأسبوع بسرعة ..
في خضم المشاوير الكثيرة التي كان يتحتم عليَّ القيام بها ..
لم أكن لأشعر بالوقت ..
و أحمد ربي كثيراً أنه قد أنعم علي بإبنة خالة رائعة ..
وقفت معي .. و إلى جانبي ..
في أصعب لحظات عمري ..
وإلى أن حان موعد الحفلة المرتقبة أخيراً..
بعد أسبوع كامل من المعاناة ..
ذكرتني مشاعري فيه بمشاعري أيام النظرة الشرعية ..
حين التقيت بعصام لأول مرة ..
و قد اعتلاني لحظتها مزيج من الخوف ..
و القلق و الإنبهار ..
و بالطبع شيء من السعادة ..
في يوم النظرة الشرعية..
قبل شهرين تقريباً..
كنت لا أستطيع حتى رفع نظري إليه ..
و كنت كلما سألني سؤالاً .. أطرقت رأسي ..
أبحث له عن إجابة قصيرة ..
لاتكلفني الكثير من الجهد..
و حينما جاء دوري في الأسئلة ..
بحثت له عن أسئلة عويصة .. تكلفه الكثير من الجهد للإجابة عليها..
فأنا كنت فقط أريده أن يتحدث و يتحدث ..
لأرقب طريقته في الحديث..
أسلوبه في الطرح و النقاش ..
تسلسل أفكاره ..
فهذا هو ما كان بالفعل يهمني في زوج المستقبل ..
و الحمد لله..
فقد ارتحت له كثيراً ..
ليجيء بعد تلك المقابلة ..
دور السهر و التفكير ..
إذ لم أكن أريد أن أتسرع في الارتباط بعصام ..
خوفاً من الندم فيما بعد ..
و كنت أعتبر قرار موافقتي بالارتباط به ..
قراراً مصيرياً ..
أو فلنقل ..
مسألة حياة أو موت ..
ما أسرع ما تتجدد الحوادث .. فها أنا في ذات الارتباك .. و ذات المشاعر..
حاولت إقناع عصام بإقامة بروفة للحفلة..
و لكنه تعذر قائلاً ..
" بأنه لا داعي لمثل هذه البروفات .. فهي مجرد حفلة.. و ليست فيلم أو مسرحية ! و لا داعي لتهويل الأمور ! "
و لم يكن ليعلم أن حلم أي فتاة ..
أن تكون حفلتها رائعتها ..
تظل محور حديث الناس لبرهة من الزمن ..
و أخيراً..
حانت اللحظة المرتقبة ..
فها أنا ذا ..عروس بكامل زينتها و أناقتها .. و ثوبها البنفسجي الفاتح.. المزدان بالتطريز و الشك !
أدخل قاعة الحفلة .. يدي تتأبط ساعده ..
بنشوة و فرح و سعادة لا نظير لهم ..
أمشي معه جنباً إلى جنب .. و خطوة خطوة ..
" أي اشوه خطيبي صار يفهم أخيراً .. و يحليله خطوة خطوة ! "
في حين أن جميع الأنظار كانت قد تركزت علينا..
رقاب الجميع بلا استثناء مشرئبة ناحيتنا ..
كذلك كانت هناك بعض الإضاءات الملونة و المتتابعة التي كانت للزوم التصوير ..
قد تركزت علينا أيضاً..
إحداهن..
أطلقت عصفورين للحب صغيرين أمامنا ..
ليحلقا قبل دخولنا مباشرة ..
و قد ارتفعت أنغام موسيقى شاعرية رائعة ..
تسبق زفتنا ..
قد اختارتها لي صفاء بعناية ..
و في الواقع لأول مرة أشعر أن ذوق صفاء رفيعاً..
بل رائعاً !
و سرعان ما ارتفع صوت "الملاية" و هي تدندن:
الله يا زين اللي احضرت غطت على كل الحضور..
هلت علينا وأقبلت وماعقب هذا النور نور..
علمنا قول وش فيها زود ..
ياناس ماهي من الوجود..
شبها يالله باختصار..
ورده ولا كل الورود..
معذوره لو اتكبرت مغروره يابخت الغرور..
كل ما كان في الحفلة رائعاً ..
بل لكم هو شعور رائع بأن تشعر بأنك ملك الحفلة بلا أي منازع ..
و أن هذه الحفلة الضخمة ..
و أن حضور هؤلاء المعازيم ..
ما هو إلا على شرفك ..
كادت بالفعل أن تكون حفلة أسطورية ..
لم يعكر صفوها أي شيء ..
سوى و كما عادة الرجال..
أن عصام لم يحسن إلباسي العقد ..
أو بالأحرى ( الحلق-التركية ) !!
" آآآي .. أذوني .. أذوني يا عصام !! "
" قلت إليك يا عصام خلينا انسوي بروفة .. بس انت اللي ما طعتني !"
و تداركت سلمى الموقف ..
و قد هبت لنجدتي ..
و إنقاذ أذني من أصابع عصام..
"أووه .. لا بأس لا بأس .. لا داعي لأن تنحرج خطيبي العزيز .. فهذا ما يحدث لجميع الرجال .. يعجزون عن إدخال "تركية" في أذن امرأة ! "
ثم جاء الموقف الآخر ..
و هو قطع الكيك..
و قد كان يتحتم على عصام إطعامي قطعة من الكيك ..
فما كان منه إلا أن قطع قطعة ضخمة جداً ..
يريد مني تناولها .. كلها مرة واحدة !!
" هيي عصام .. أصغر .. ! و إلا ناوي علي أغص و أموت في ليلة خطوبتي"
قطعها عصام إلى النصف..
و لكنها كانت لا تزال كبيرة .. !
فعاود قطعها ..
إلى أن أصبح من الممكن تناولها .. و مع ذلك ..
كادت أن تكون الحفلة رائعة ..
كنت أعيش فيها أحلى لحظات عمري ..
سعادة خيالية ..
بل حلم وردي رائع ..
إلا أن وصل إلى سمعي ..
صوت إحداهن و هي تصرخ مولولة !!
و بأعلى صوتها !!
و قد لبست السواد و نشرت شعرها ..
و عصبت جبينها !!
ثم أخذت تولول صارخة باكية !
وقفت ببطء و أنا أرقب تلك المرأة السوداء ..
و التي لم تكن بالطبع سوى ابنة العمة المحترمة !
ثم شرعت في البكاء ..
و أنا أهذي .. على المسرح..
و قد أثارت حركتها تلك مشاعري .. و سخطي ..
"ماذا تفعل هذه هنا ..؟!!
ماذا تريد مني ؟!!
لما تصر على تعكير صفو حياتي .. و أحلى أيام عمري .. ! "
احتواني عصام بين ذراعيه ..
و قد ضمني بقوة إلى صدره ..
يهوّن الأمر عليّ ..
و قد وقف جميع من كان في الصالة ..
يرقب تصرفات تلك المجنونة و التي كانت لا تزال تصرخ و بشدة .. !!
و الحمد لله أن تلك الكارثة انتهت سريعاً ..
و قد أخرجت أمي بمساعدة بعض النساء تلك المعتوهة إلى خارج القاعة ..
ليستلمها مسئولي الأمن..
و يطردوها نهائياً من النادي .. !!
" يا الله .. لكم أنا أشفق عليها ..
مع أني لا أنكر أني أبغضها ..
و أكرهها لما فعلته بي كثيرا ..!!
لكنها تثير شفقتي ..
فمسكينة هي.. كانت ضحية لأم مستبدة ..! "
ما أعادني إلى الواقع..
إلا أصابع عصام ..
و التي كانت في تلك اللحظة تمر على وجنتي ببطء شديد..
تمسح عنهما الدموع !!
أووه.. يا خسارة المكياج !!
راح تعب الكوافيرة و اتشوه منظري !!
" أوه عصام .. مو قدام الناس.. أستحي أني ! "
قلتها له..
و أنا أنتبه للتو أني كنت بين ذراعيه ..
طيلة تلك المدة المنصرمة !!
.. البقيه تأتي ..
رد: ..*.*.. مـذكـرات مخطـوبة..*.*..
الج ـزء (25)
استيقظت مرهقة تعبة بصداع عنيف ..
في ظهر اليوم التالي،
و قد كان صخب الحفلة وصداها لا يزال يثمل رأسي ،
بل كنت لا أزال أشعر بصوت ( الملايّـة ) و كذا الطبول و الدفوف ..
و لكأنها لا تزال تعزف و تغني ..
" لكل شيء ثمن في هذه الدنيا .. حتى الفرحة لا تأتي بسهولة ! "
هاتفتني سلمى في العصر،
مباركة ً مهنئةً ..
و لتخبرني بأنها و جميع أفراد عائلتها فرحون جداً لانضمامي إليهم،
كما أنها تعتذر عما بدر من ابنة عمتها البارحة ..
ثم أنها أخبرتني كيف أن ابنة عمتها بعد أن طـُردت من الصالة ..
هامت على وجهها في الشوارع ..
إلى أن أ ُصيبت بانهيار عصبي ..
لينقلها فاعل خير إلى المستشفى ..
و ها هي الآن ترقد في الجناح النفسي !
" يا إلهي !! صحيح أني لا أنكر أني كنت ساخطة أشد السخط على ابنة العمة .. إلا أني أبداً لم أكن لأتمنى لها يوماً هذه النهاية المؤلمة .. ! "
في اللحظة التي أقفلت فيها الخط مع سلمى ..
كان جرس الباب ينبئني بقدوم صفاء و عائلة خالتي..
ريما و نور كانت أيضاً هنا..
هل تذكرون نور ؟!!
نعم هذه هي .. حبيبة قلبي المفضلة ..
أسرعت أختطفها من بين ذراعي والدتها ،
و أنهال عليها لثماً و تقبيلاً ..
لكن ساءني عدم تفاعلها معي.. فهل بتُّ غريبة عنها .. لانشغالي بعض الشيء بعيداً عنها في الفترة الأخيرة !
لكن خالتي أخبرتني حالاً أن نور تعاني من الحمى ..
و أنها مريضة !
" عسى المرض فيني و لا فيج يا أحلى نور ! "
لكم يؤلمني منظر الأطفال المرضى ..
أشعر بنياط قلبي تتقطع ..
و أنا أرى نور بين ذراعي خالتي .. تأبى أن تتحرك ..
و قد اختفت الضحكة البريئة من على وجهها ..
سحبت صفاء بعد قليل إلى حيث يمكنني محادثتها بعيداً عن الضوضاء التي أثارتها ريما المشاغبة ..
و التي كانت تصرخ و هي تطالب محمد بإحدى الألعاب الموجودة في غرفته ..
أخبرت صفاء كيف أن ابنة عمة عصام قد أ ُصيبت بانهيار عصبي حاد ..
و أنها ترقد حالياً في المستشفى النفسي !
" تستاهل ! "
" لا يا صفاء .. أرجوك لا تقولي هكذا .. إنها كانت ضحية لأم مستبدة.. تستحق الشفقة لا اللوم أو العتاب ! "
" أنت دوماً هكذا .. طيبة القلب ..!
ها ألن تخبريني أنك ستزورينها في المستشفى أيضاً .. لفتح صفحة جديدة ؟! "
" و لكأنك تقرأين أفكاري يا صفاء ..
كيف عرفتي بهذا ؟! "
أطرقت صفاء رأسها .. و قد مطت شفتاها ..
و وضعت يدها على وجهها قائلة..
" لأنك هكذا تفكرين دوماً ! و ستصحبيني معك بالطبع .. أليس كذلك ؟! "
" طبعاً ! "
قلتها و أنا شبه واثقة بأن صفاء ستذعن لطلبي بالتأكيد ..
و أننا سنكون بعد نصف ساعة على الأكثر في المستشفى .. نزور ابنة العمة المعتوهة ! عذراً أقصد المريضة نفسياً !
" و لما لا تذهبين مع عصام ؟! "
" عصام لن يأتي اليوم .. فهو مدعو في بيت صديقه.. ثم أنه لن يرضى.. فهو لا يرغب أن يحدث أي احتكاك بيني و بين عمته أو ابنتها ! خوفاً من حدوث المزيد من المشاكل ! "
" إذن ستعصين أمر زوجك أيتها العاقلة ؟! "
" إنها مهمة انسانية يا صفاء.. ثم أن عصام
لن يعلم بالأمر ! "
" أها .. أنا سأخبره إذاً يا صاحبة الإنسانية ! "
" لا لن تفعلي.. فأنت تعلمين جيداً أنك لا تستطيعي عمل ذلك لي .. لأني ابنة خالتك المقربة .. و التي تحبينها كثيراً كثيراً ! "
" حقاً أيتها الماكرة ! هكذا أنت دائماً تستغلين حبي لك ! حسناً.. سأذهب معك و أمري لله .. و لنرى إلى أين سنصل معك يا صاحبة الإنسانية ! "
أسرعت إليها أضمها و بقوة إلى صدري قائلة لها بشيء من الخبث و الدلال ..
" الله يخليج إلي يا أحلى بت خالة في الدنيا كلها.. و لا يحرمني منج ! "
بعدها بقليل .. كنا في المستشفى ..
نذرع دهاليزه المتعرجة ..
إلى أن وقفنا أمام الغرفة المفترض أنها ستكون فيها ..
وقفت على باب غرفتها لثوانٍ معدودة ..
مترددة في الدخول ..
أحمل في يدي باقة ورد بيضاء مفعمة بالأمل و السلام .. اشتريتها لها للتو ..
و كلي أمل بتماثلها للشفاء ..
و تقبلها وجودي .. لنفتح معاً صفحة جديدة ..
" هل يا تراها ستتقبل وجودي؟!
هل رؤيتها لي ستساهم في التخفيف من حالتها النفسية ؟! أم أنها ستزيدها سوءاً؟! "
و لم يطل ترددي كثيراً ..
فقد أسرعت صفاء بطرق الباب و دفعي إلى الداخل أمامها ! لتنتشلني من حالة التردد انتشالاً !
الغرفة كانت باردة..
استقبلني أثيرٌ بارد لفح وجهي..
سرعان ما وطأت قدمي أرضية الغرفة !
الجدران كذلك كانت بيضاء ملساء..
مما زاد شعوري بالبرد..
أجلت ناظري في الغرفة ليستقر أخيراً على من كانت شبه نائمة على سرير بفراش أخضر يتوسط الغرفة ..
بدت شاحبة جداً ..
و قد نشرت شعرها الفاحم ، ليسترسل على كتفيها ..
في حين أن نظرات عينيها بدت جامدة ..
خالية من وميض الحياة !
ارتعدت ابنة العمة حال ما رأتني ..
لتنتصب جالسة على السرير.. مسندة رأسها على الجدار ..
و قد تكومت على نفسها بأن ضمت رجليها إلى صدرها!
تقدمت شاردة من نظراتها المتفرسة لأضع باقة الورد على طاولة صغيرة كانت هناك..
ثم اتجهت ناحيتها ..
أريد تحيتها ، أو ربما مصافحتها .. أو حتى الحديث معها..
في حين أن صفاء كانت لا تزال واقفة ترقب المشهد من بعد و أكاد أجزم أنها في أعماقها كانت ترميني بالجنون ..
فما من أمريء عاقل .. يذهب برجليه إلى عدوه..
و الذي يحمل له في أعماقه الحقد و الكراهية !
" كيف حالك عزيزتي ؟! "
هكذا بادرتها بالسؤال..
راغبة في تمزيق الصمت المسيطر على الغرفة ،
آملة أن يبعث صوتي شيئاً من الدفء و الحياة على الموقف !
لكنها لم تجبني..
فقط تكومت على نفسها أكثر و أكثر ..
و تراجعت زحفاً باتجاه الجدار ..
و قد زادت من حدة نظراتها المتركزة علي ..
و التي جعلتني أشعر بأنني أمام أسد.. يتحين الفرصة المناسبة للانقضاض علي !
" جئت مسالمة صدقيني .. فقط لكي أتمنى لك الشفاء العاجل .. و آمل أن نفتح صفحة جديدة.. نكون فيها بمثال الصديقتين ! "
و لكن ما من مجيب أيضاً ..
فقد بدت أنها قد فقدت قدرتها كلياً على الكلام أيضاً .. في هذه اللحظة بالذات ..
و قبل أن أسهب أكثر في التودد إليها ..
ارتفع من الخلف صوتاً مرعباً مزمجراً..
أدرت رأسي باتجاه الصوت .. و أنا في أعماقي أتمتم ..
" لا.. !! ليس باستطاعتي مواجهة الوحوش يا رب ! "
.. البقيه تأتي ..
رد: ..*.*.. مـذكـرات مخطـوبة..*.*..
الج ـزء(26)
" هييي.. أنت يا خاطفة الرجال ! .. ماذا تفعلين هنا لابنتي ! "
أو لا يكفيك أنك باختطافك عصام منها .. قد دمرتيها!! "
" أنا التي دمرتها أم أنت ! "
هكذا وددت لو أصرخ في وجهها ..
إلا أني لم أكن بالطبع لأمتلك الجرأة و خصوصاً أن صوتها المرعب ..
و صراخها المزمجر .. كانا قد أرعباني كثيراً ..
لدرجة أني فقط تمنيت لو تنشق الأرض و تبتلعني !
و عندما يعجز اللسان على الرد على أمثالها ..
فإن الدموع بلا شك أقوى من أي كلمات..
لتعبر عما في داخلي من خوف، من سخط ، و من ارتباك !
صفاء كانت قد اقتربت مني لتقف إلى جانبي..
مساندة إياي في موقف حرب كهذا ..
مع أني لم أكن لأعرف حتى كيف أحارب ..
أو أني خططت مسبقاً للدخول في العراك معها !
فقد جئت مسالمة ..
أحسب ببراءة أنهما سيرحبون بي و بقدومي..
بل و ربما ظننت أنهما ستهرعان إلى معانقتي لنفتح صفحة جديدة !
لكن ما يحدث الآن هو على النقيض تماماً ..
فها هي العمة منتصبة ..
و قد أطلقت العنان للسانها لينهال عليّ بالشتائم المتواصلة !
و ها هي الابنة ..
لا تكاد تتحرك في شبه غيبوبة..
من شدة الانهيار النفسي التي كانت و بلا أي شك تعاني منه.. يكفي أنها تملك أماً كهذه !
نقلت بصري اتجاه الابنة المسكينة ..
لأتأكد من شبه غيبوبتها ..
و قد عزمت أن ألقي عليها نظرة الوداع ..
قبل أن أحمل نفسي و صفاء خارجاً ..
و كلي أسفٌ عليها تلك المسكينة ..
و احتقار إلى الأم المستبدة .. و شخصيتها المسيطرة !
ثم أني أدرت ظهري..
و اتجهت ناحية الباب .. ساحبة معي صفاء ..
فلا بقاء لنا هنا .. في مكان تـُراق فيه كرامتنا.. !
و أنا لا أريد أن أنزل من نفسي فأرد على أمثالها و أعطيهم و لو شيئا من قيمة تـُذكر !
إلا أني و قبل أن أخطو خطوة واحدة إلى الخارج ..
ضغطت صفاء على أصابع يدي بقوة ..
و لكأنها تريد مني البقاء قليلاً !
أدرت رأسي مرة أخرى إلى داخل الغرفة ..
لألمح ابنة العمة و هي تتمالك نفسها لتنهض من على السرير ببطءٍ شديد ..
ثم لتتجه كما الأشباح إلى حيث كانت أمها لا تزال ترغي و تزيد بسيل شتائمها المتواصل ..
ثم و في لحظة خاطفة ..
رفعت الابنة يدها عالياً..
لتستقر و بقوة غير متوقعة على خد الأم ..
و التي وقفت مذهولة لبرهة من الزمن .. غير مصدقة !
رفعت الأم يدها ببطءٍ شديد..
و هي تتلمس أثر الصفعة على وجنتيها و التي احمرت احمراراً شديداً .. ملفتاً للنظر .. و مثيراً للأسى ..
" أو تصفعيني ؟! .. تصفعين أمك !! "
رفعت الابنة كلتا يدها مرة أخرى .. لتدفع بهما جسد الأم.. باتجاه الباب .. و هي تصرخ فيها ..
" برررررررررررره !!!!! "
" و تطرديني أيضاً ؟! "
كانت الابنة و حتى هذه اللحظة تبدو كما الأشباح..
أو الموتى ..
أو ربما (الربوتات) الآلية ..
إلا أني قد بدأت بعدها ألمح على وجهها شيئاً من نبض الحياة ..
قد عاد إليها على حين غرة !
لم يطل الموقف كثيراً.. حتى بدأت الابنة بالبكاء و العويل ..
و من خلف عبراتها.. خرج صوتها مرتجفاً ..
و هو يخاطب الأم المتجبرة ..
" لا أريدك في حياتي .. اخرجي أرجوك ..كنتِ و لا تزالين أم مسيطرة مستبدة .. منعتني من حريتي و أبسط حقوقي منذ صغري..تحكمتي فيّ .. و سيطرتي حتى على مشاعري .. فعلقتيني وهماً بعصام .. و أخذتي تمنيني أنه سيكون لي و بلا شك !!
دعيني و لو لمرة أعبر عن مشاعري و سخطي و غضبي .. دعيني أعيش حياتي كما أريدها أنا .. لا كما تريدينها أنت .. دعي عصام و عروسه يعيشان حياتهما .. بل و لتدعي أن يبارك لهما الرب في حياتهما .. و يغلف عليهما بالمحبة و السعادة الأبدية .. اخرجي أرجوك .. برررررررررررررره ! "
لم يكن أمام الأم بالطبع سوى الانسحاب من الموقف .. لتلملم شيئاً من كرامتها و التي أهانتها ابنتها الوحيدة أمامنا..
و مع أني بالطبع لا أؤيد موقف الابنة بالتهجم على أمها ..
و لكني ألمس لها كل العذر فيما فعلته ..
فلتعبر هذه المسكينة عما يدور في خلدها ..
و لتكن لها رغباتها و مشاعرها الخاصة بها ..
بعيداً كل البعد عن سيطرة والدتها و جبروتها
.. اتجهت ابنة العمة اتجاهي ..
ثم و من دون سابق إنذار فتحت لي ذراعيها لتحتضنني قائلة ..
" اعتني بعصام جيداً .. فأنا لا أرغب إلا
بالسعادة له .. "
لم أعرف بماذا أرد عليها ..
و ردة فعلها قد أربكتني ..
إلا أني همست لها قائلة و أنا أغالب دموعي ..
" لا تخافي .. عصام في عيوني .. و لكن أنت اعتني في نفسك جيداً .. فأنا أنتظرك لتصبحي صديقتي .. "
.. للحديث بقيه ..