بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله وماشاء الله
والله يا اخت نور انها مسيرة يجب علينا ان نجهز لها الزاد من الان لان الانسان لا يعرف موعد ساعته
شكرا اختي
والحمد لله رب العالمين
عرض للطباعة
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله وماشاء الله
والله يا اخت نور انها مسيرة يجب علينا ان نجهز لها الزاد من الان لان الانسان لا يعرف موعد ساعته
شكرا اختي
والحمد لله رب العالمين
والله يا اخوي سعد سعد او محمود سعد ما تابعت الموضوع الا انت بس وعلشانك اني مستمرة بوضع الاجزاء المتبقيه واعتقد انك لاحظت هذا من الجزء الثاني ،،
على العموم بتابع معاك الى آخر جزء والله يقدرني ،،
اختك ،،، نور علي
بسم الله الرحمن الرحيم
الاخت العزيزة نور علي الموقرة حفظك الله
نعم اني ملاحظ ان المواضيع التي نتعمق فيها كثييرا من الاخوة والاخوات يمرون ولا يعقبون
لماذا لا اعرف الا اني وجدت ان الاخوة ومن خلال المسابقات التي كتبتها وخاصة في المواضيع
الاسلامية انهم يبحثون عن المواضيع السهلة ونحن يجب علينا ان نتجاوب معهم ونكتب لهم
بأسلوب السهل الممتنع
اني شاكر لكي انك قد خصصتيني بردك وجزاك الله الف الف خير ياسيدتي
اخوكي محمود سعد
والحمد لله رب العالمين
الاخت الفاضله نووووووووووور
نحن بانتضار الجزء الثاني.......وفقكي الله
الجزء السابع
ربوع وادي السلام
التفت إليَّ الهادي وقال: « هنا أرض وادي السلام، حيث يستتبّ في ربوعها الأمن والسلام، فعلِّق عصاك وترسك على الفرس، واتركه يرعى هنا حتّى موعد التحرّك ».
بعد ذلك انتهينا إلى باب قصر رأينا عنده حوض ماء من قطعة واحدة من البلّور، ولقد كان الماء زلالاً، والبلور رائقاً، بحيث تخاله ماءً قائماً بغير إناء، أو إناءً قائماً بغير ماء:
رقّ الزجاج ورقّت الخمرُ فتشابها فتشاكـل الأمـرُفكأنّما خمـر ولا قـدحٌ وكأنّما قـدح ولا خمـرُوقد تناثرت حول الحوض مقاعد مريحة ومناشف من حرير، فخلعنا ملابسنا واغتسلنا في ذلك الماء، وطهّرنا ظاهرنا وباطننا من الكدر والغل والغش، فزال عنّا كلّ شعر ظاهر على البشرة حتّى اللحية والشوارب، وجميع العيوب والنواقص الأُخرى، ولم يبق سوى شعر الرأس والرموش والحاجبين، وهي التي تضفي على الإنسان جمالاً، كما أنّ جميع الرذائل الباطنية قد زالت: « وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إخْوَانَاً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ .
سألت الهادي عن اسم هذه العين، فقال: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ .
وبعد أن تطهّرت أبداننا، ارتدينا الملابس الفاخرة التي كانت هناك. كانت ملابسي من الحرير الأخضر، وملابس الهادي من الحرير الأبيض، نظرت إلى المرآة فوجدت أنّي على درجة من البهاء والجلال والكمال، بحيث إنّي عشقت نفسي، ومع ذلك فإنّي عندما نظرت إلى الهادي تحيّرت في حسنه وجماله وبهائه غبطتُه على ذلك.
ثمّ قمنا، وتقدّم الهادي فطرق الباب، ففتح البابَ لنا شاب جميل الصورة، وطلب منا بطاقات الدخول، فأعطيته البطاقة، فقبّل التوقيع، وقال مبتسماً: وَنُودُوا أنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُوْرِثْتُموهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ .
فدخلنا ونحن نقول: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاَ أنْ هَدَانَا اللهُ لَقَدَ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالحَقِّ .دار السرور
وتقدّمني الهادي إلى غرفة مصنوعة من قطعة واحدة من البلّور، فيها سرر من الذهب، عليها فرش من المخمل الأحمر رُتّبت عليها وسائد لطيفة، وكان السقف والجدران تعكس صورنا، فكنّا نشعر باللذة لمطالعتنا ذلك الحسن والجمال في أنفسنا. كانت مائدة الطعام قد مُدّت في وسط الغرفة وصُفّ فوقها أنواع الأطعمة والأشربة، واصطفّ فتيان وفتيات للخدمة، فجلسنا فوق تلك السرر: عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ مُتَّكِئينَ عَلَيْها مُتَقَابِلِينَ * يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأكْوابٍ وَأبارِيقَ وَكَأسٍ مِنْ مَعِين * لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا ولا يُنْزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كأمْثالِ اللُؤْلُؤِ المَكْنُونِ * جَزاءُ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ * لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تأثِيماً * إلاّ قِيلاً سَلاَمَاً سَلاَمَاً .
وبعد أن تناولنا الأطعمة والأشربة الطاهرة والفواكه، اضطجعنا على السُّرُر نستريح.
لم تمض ساعة حتّى ارتفعت أنغام الآلات الموسيقية مصحوبة بالأصوات الرخيمة والألحان والأطوار الغنائية التي تسلب اللبّ، وتسحر القلب. وفجأة ارتفع صوت عذب يتلو بمقام حجازيّ سورة الإنسان، وكان الصوت يأخذ بمجامع القلوب. سكنت كلّ الأصوات الأُخرى احتراماً، وبقيت أنا كما كنت مضطجعاً مغمض العينين، لكي يظنّني الهادي نائماً فلا يُحدِث صوتاً، وكذلك كي لا أرى المرئيات فتصرفني عن الإنصات. لقد كانت لي أُذنان، واستعرت أربعاً أُخرى، رحتُ أنصت بها إلى تلك التلاوة المباركة حتّى انتهت السورة وسكت الصوت، فانتصبت جالساً، وجلس الهادي أيضاً، فسألته عن اسم المدينة.
فقال: « إنّها من قرى دار السرور ».
قلت: « ما أعظم بلداً تكون هذه إحدى قُراه! كيف إذن تكون عاصمته ؟! ».
وسألته عن صاحب الصوت الذي تلا تلك السورة، فقد أخذ قلبي معه، لأنّي كنت في دار الدنيا أحبّ هذه السورة كثيراً، فعاد هذا اللحن الرائع في هذا العالم الروحاني يصبّ حياة جديدة في نفسي، وثورة في رأسي، فكان لابدّ لي أن أعرف صاحب ذلك الصوت.
ولكنَّ الهادي قال: « لا أعلم من هو صاحب الصوت، إلاّ أنّ كبير هذا البلد يزور المسافرين أحياناً، وأنا لابدّ أن أراه لآخذ توقيعه على بطاقة المرور، فلعلّ صاحب الصوت يرافقه فنراه ».
قلت: « ماذا سيكون مصيرنا لو أنّه امتنع عن التوقيع ؟».
قال: « هذا ممكن عقلياً، وبديهي أن تسوء الأُمور جدّاً إذا لم يوقّع على الجواز، ولكن ذلك مستبعد. إسأل نفسك وباطنك: بَلِ الإنسَانُ عَلى نَفْسِهِ بَصيرَةٌ .
ارتجفتُ خوفاً من كلام الهادي، ووجدت نفسي متردّدة بين الخوف والرجاء، فأخذت أُردِّد: « لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ».
قلت للهادي: « تقول إنّ هذه دار السرور، ولكنّك جعلتها دار الأحزان. هيّا بنا نذهب إليه، فقلقي يتزايد لحظة بعد أُخرى، وإذا هِبْتَ أمراً فقَعْ فيه.
إنّا هَدَيناهُ السَّبيلَ إمّا شاكراً وإمّا كَفوراً .تسلّل أحد علماء السوء
وخرجنا حتّى وصلنا إلى ميدان قريب من موقع قصر السلطنة، فرأينا على جانبَي الطريق فتياناً حسان الوجوه، وفي سنّ واحدة، في صَفّين متقابلين، وسيوفهم مُصلّتة على أكتافهم، وقفوا صامتين بغير حراك.
استأذن الهادي من كبيرهم، ومررنا بينهم، ونحن في قلق وشكّ من احتمال قيام السلطان بتوقيع الجواز عابسي الوجوه، وسمعنا من داخل القصر أصواتاً تنادي: العجل العجل! وانطلق الفرسان مندفعين وأبدانهم ترتعد خوفاً من تلك الأصوات.
سألنا أحد الخارجين من القصر عن الخبر، فقال: إنّ أبا الفضل العباس عليه السّلام غاضب على أحد علماء السوء الذين كان ينبغي أن يظلّ محبوساً في أرض الشهوات، ولكنّه دخل إلى وادي السلام خطأً، فأرسل الفرسان لكي يعيدوه.
ودخلنا القصر خائفين نترقّب، وإذا بأبي الفضل العبّاس محمرّ الوجه منتفخ الأوداج، غاضب النظرات، وهو يقول على الرغم من أن هؤلاء يجب أن ينالوا عذاباً مضاعفاً، فقد استطاعوا بكلّ حرية أن يدخلوا هذه الأرض الطيّبة الطاهرة دون أن يمنعهم أحد. ما الفرق بين هؤلاء وشريح قاضي الكوفة الذي أفتى بقتل أخي ؟!
وانعقدت الأنفاس في الصدور هيبة ورهبة، وجمد الجميع واقفين كالخُشُب المسنّدة، ووقفنا نحن أيضاً في زاوية نرتعد.. إلى أن عاد الفرسان وقالوا إنّهم حبسوا ذلك العالِم في بئر الويل وعاقبوا الحرّاس.
... ثمّ تقدّم الهادي وأنا أتبعه، فوجدنا أبا الفضل العبّاس عليه السّلام فسلّمنا عليه تعظيماً، وقدّم الهادي الجواز ونال الإمضاء عليه.
قال عليه السّلام: « كيف جرت الحال عليكم ؟».
قلت: « الحمد لله على كلّ حال، لقد كنتم أنتم رجاءنا وأملنا في كلّ العوالم وما زلتم، فأنتم السبيل الأعظم، والصراط الأقوم، والوسيلة الكبرى ». وألقيت بنفسي مرّة أُخرى عليه وقبّلته ونهضت واقفاً.
قال: على الرغم من أنّه لم تصدر أوامر بالتشفّع لك في كلّ عوالم البرزخ، بل عليك أن تجتاز هذه المراحل بما لديك من الزاد، إلاّ أنّ إمدادنا الباطني كان معك دائماً، وإنّ فتوّتي تقتضي أن أمدّ يد المعونة والحماية إلى أمثالكم أنتم المساكين الذين طالما مشيتم عطاشى لزيارة أخي وأقمتم له العزاء ».
خلعة من عليّ بن الحسين
كنت أرى فتىً صغير السن يجلس إلى جانب أبي الفضل، يسطع نوراً كالشمس، بحيث لم نكن نتحمّل نورانيّته، وكانت العظمة والجلالة تقطر منه، وكان أبو الفضل يتحدّث إليه أحياناً بتواضع، فكان واضحاً أنّه يجلّه ويحترمه.
سألت الهادي عنه فقال: « لا أعلم، ولكن يُحتمل أن يكون هو صاحب الصوت الذي كان يتلو القرآن ».
سألت شخصاً كان يتقدّمنا، فقال: « لعله عليّ الأصغر، الحجّة الحسينيّة الكبرى. والدليل على ذلك هو هذا الخط الأحمر الذي يمرّ على رقبته النيّرة فيزيدها جمالاً ».
قلت: « ما أجدرنا أن نعود من أجل أخذ الثأر، ليتهم يرجعوننا!».
هنا توجّه أبو الفضل العبّاس عليه السّلام إلى حديثنا، وقال « سيحدث هذا قريباً إن شاء الله: وَأُخْرى تُحبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ (76).
إلاّ أنّني أيقنت أنّ ذلك الشابّ هو عليّ بن الحسين، وقد بقيت مبهوتاً بجماله وجلاله، بحيث إنّي لم أستطع أن أرفع عينيّ عنه، على الرغم من أنّ هذا يعتبر بعيداً عن التأدّب. كان جلاله يُبعد، وجماله يجذب، فكنت واقعاً بين هذين المحظورين المتضادين، وجسمي يرتجف.
ويبدو أنّه تنبّه إلى حالي فأرسل إليّ خِلعة خلعوها علَيّ، فعلمت من هذه الالتفاتة الكريمة أنّه أدرك ما بي من شغف وتعلّق به، فسجدتُ شكراً لله، وهدأ اضطراب قلبي بعد معرفتي بالمحبّة المتبادلة بيننا.
طلب الهادي أن نرجع إلى البيت لأخذ قسطٍ من الراحة، أو أن نتمشّى للسياحة في هذه البساتين النضرة، خاصّة بعد أن نِلْنا التوقيع وفُزنا بالخلعة.
فقلت في نفسي: إنّ هذا المسكين لا يعرف شيئاً عن الأسباب والدوافع التي تكون خارج نطاق العقل والمنطق، لذلك فهو لا يدري بمدى تعلّقي بهذا المجلس وبأهله، وبأنّي لا طاقة لي على مفارقته.
قلت للهادي: « إنّني في هذا المجلس لا يساعدني لساني على النطق، فاسأله لماذا خلع عليّ هذه الخلعة، مع أنّي لا أراني جديراً بنظرة منه، بَلهَ خلعة عظيمة كهذه ». فتقدم الهادي بالسؤال نيابة عنّي.
فقال عليّ بن الحسين عليه السّلام: « عندما قرأ على المنبر آية: يَا أيُّهَا الْمُدَّثِّر * قُمْ فَأنْذر (77) وذكر شأن نزولها، وطبّقها عليّ في الوقت الذي كان أبي ينادي: « هل من ناصر ينصرني ؟! » وبكيت أنا في الخيمة، سررت بذلك التطبيق، بل إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قد سُرّ أيضاً، ولهذا وهبته الخلعة وإن لم تكن تليق بشأنه، إلاّ أنّها تناسب هذا العالم، فما في هذا العالم ليس سوى ظلّ للأصل، ولكنّه عندما يصل إلى الموطن الأصلي سوف يصل إلى الحقائق الصرفة حيث: ما لا عين رأت، ولا أُذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ».
وفجأة قاموا وركبوا خيولهم فطارت خارجة من المدينة إلى حيث مقامهم الشامخ. فأمسكت بيد الهادي وعدنا إلى البيت وأنا حزين على فراقهم.
في البيت لم يكن للأشياء مظهرها السابق، فقد تقطّعت خيوط تعلّق القلب بها.
قلت: « فلنرحل غداً ».
فقال: « لنا أن نستريح هنا مدّة عشرة أيّام ».
قلت: « تصعب عليّ حتّى عشر دقائق. فلن يقرّ لي قرار حتّى ألحق به، وأكون إلى جواره ».
قال: « ما أشدّ طمعك! لا يمكن تجاوز الحدود في هذا العالم. إنّنا هنا لسنا في دنيا الجهل حتّى ينتابنا الأسف أو الرغبة، أو يمكن تخطّي العدالة قيد شعرة. اللهمّ إلاّ شاؤوا هم التعطّف على بعض الأحبّة، أما جريان الأهواء والرغبات فلا. إنّهم في أوج العزّة وأنت في حضيض تراب المذلّة، فما للتراب وربّ الأرباب، حتّى لو لم تهدأ لوعتك ».
ما كان في اليد حيلة سوى الصمت والسكوت، إذ إنّ حالي كان من المتعذّر شرحه بالمقاييس المنطقيّة، ولم يكن الهادي يعرف منطقاً سواه، لذلك أطبقتُ فمي وفوّضت أمري إلى الله.
قال الهادي: « تعالَ نتفرّج فيما بين هذه البساتين والحدائق الغنّاء ».
فذهبنا، ولكن لم يكن شيء ليزيل غمّي، فكلام الحبيب أطيب الكلام.موعدكم مع الجزء الثامناختكم ،،، نور علي
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
الاخت العزيزة السيدة نور علي (ام علي)
اختي اشكرك على متابعة المسيرة وانشاء الله يجعلكي من الوافدين الى دار السرور ومن الزائرين لمرقد امامنا (الحسين) علية السلام
اختي بارك الله فيكي ويعطيك الف الف الف عافية
اني انتظر الجزء الثامن
الجزء الثامن
في رحاب سورة الإنسان
قلت: « لماذا اختارَ سورة الإنسان ليتلوها ؟ ».
قال الهادي: « لسناندري الحكمة في ذلك، ولا حاجة لنا بأن ندري. كلّ الذي يلزم أن ندريه هو أنّ كلّ مايفعلونه ويقولونه قائم على الحكمة والصواب والصلاح. أمّا القول بأن حكمة ذلك هو هذاوليس ذاك، فإنّه فضلاً عن كونه نوعاً من الفضول، فهو ينطوي على الخطر أيضاً، لأنّهقد يحتمل الكذب والتكذيب. وكلّ الذي نستطيع أن نقوله هو ما يتوصّل إليه إدراكنا،فهذه السورة تدور حول فضائل الإمام عليّ عليه السّلام وأهل بيته، وهؤلاء يحبّونعليّاً سلام الله عليه، ولذلك فإنّهم يحبّون هذه السورة أيضاً، لما فيها من ذكرفضائل أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام. وكنتَ أنت نفسك قد قلت: أنّك تحبّها أيضاً: « ويُطْعِمُونَ الطَّعَام عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأسِيراً .
ففيذلك إشارة إلى مصيبته ومصيبة أبيه عندما طلب الماء فلم يسقوه، مع أن الماء بلا ثمن،وهذا اليتيم والمسكين والأسير أفضل بكثير من أيّ يتيم ومسكين وأسير. مع ذلك، فمنالحكمة أن لا نتحدّث عن الحكمة في أعمالهم ».
قلت: « إذا كان غرضه هو هذا الذيقلته أخيراً، فإنّه يدلّ على أنّ دماءهم ما زالت فائرة ».
قال: « هي كذلكبالطبع، وما ذاك الأثر الأحمر تحت رقبته إلاّ توكيد لما أقول، بل هو أقوى دليل،وإنّهم لأشدّ منّا انتظاراً للفرج حتّى ينتقموا، وإلاّ فإنّ دماءهم لن تهدأ عنالفوران، مثلما أنّ فوران دم يحيى النبيّ عليه السّلام لم يسكن إلاّ بعد أن قُتل منبني إسرائيل سبعون الفاً أو سبعمائة ألف »(.
قلت: « لقد قال: إنّ هذه الخلعةتناسب هذا العالم، وكلّ حسنات هذا العالم ظلّ لذاك العالم ».
قال: « هو كذلك،مثلما إنّ الدنيا ظلّ لهذا العالم، فكلّ ما هو فوق تجد صورة له تحت. إنّ كلّالمحاسن والكمالات تعود للوجود، ويمكن أن تنزل إلى أيّة درجة من درجات الوجودوتضعف، فيضعف أيضاً وجود الكمالات وآثارها »وإذ رأى الهادي أنّني لا أكفّ عن ذكرهوالتفكّر فيه، وأنّ تلك الجولة في الحدائق لا فائدة فيها، عُدنا إلى البيت، وهناكقال: « إنّ لنا أن نبقى هنا عشرة أيّام لإعداد أنفسنا وتهيئتها، واستعادة قوانا قدرما نستطيع، لأنّ الطريق يكثر فيه قُطّاع الطرق الأشدّاء، وأنت ضعيف في قواك، لذلكعليك أن تزور دارك الدنيوية ليلة الجمعة، فلعلّهم يذكرونك بمقتضى: اذكروا أمواتكمبالخير، فيكون ذلك سبباً في اشتداد قوّتك ».
قطاع طرق في دار السلام
قلت: « ألم تَقُل: إنّنا في أرض واديالسلام، حيث نكون في مأمن من كلّخطر ؟! فكيف يكون في وادي السلام قطاع طرق ؟! أنا لا أُصدِّق ذلك، وإنّما هدفكتأخيرنا عن السفر. فيا رفيقي الوفيّ، هل ضعف وفاؤك ؟ لقد أصبح وادي السلام بدايةلتعاستي! ». وخنقتني العبرة.
قال: « يا عزيزي، إنّ وفائي لك يدعوني للتفكير فيمستقبلك، فأنت لا تعرف الطريق، إنّه طريق ضيّق يمرّ بمحاذاة أراضي بَرَهُوتالمملوءة بالنار والعذاب، وخلال هذه المراحل من الطريق سوف يحاول أغبرك أن يُزلّكعن الطريق، فبانزلاقك أدنى انزلاق سيكون مصيرك أن تهوي إلى أرض بَرَهُوت، حيث لايمكنني الدخول، وأخشى أنك ـ بعدم قبولك البقاء هنا عشرة أيّام ـ سوف تجد نفسكمحبوساً في تلك الأرض المليئة بالعذاب عشرة أشهر ».
قلت: « أتريد أن تقول: إنّأمامنا صراطَ يوم القيامة لنجتازه ؟ هذا غير ممكن! ».
قال: « نعم، وهذا ما سبقلي أن قلته، ولكنّك مضطرب الحواسّ.
إنّ الطريق خلال هذه المنازل ضيّق، وهو ظلّ لذاك الصراط، ولا مندوحة لنا عن الذي قلته. علينا أن نعالج الواقعة قبل الوقوع ».
فلم أجد بدّاً من أن أتوجّه ليلة الجمعة إلى أهل بيتي في الدنيا فرأيت أنّ التي كانت زوجتي قد تزوّجت
، وهي منهمكة بالعناية بزوجها، وأبنائي قد تفرّقوا هنا وهناك.
جلستُ برهة على غصن شجرة، ثمّ يئست فقمت، وجلست على جدار الزقاق أنظر إلى أحوال المارّة. كانوا يتبادلون الأحاديث عن شؤونهم ومعاملاتهم، فتألّمت وقلت: ما أجدر بالإنسان أن يستغلّ حياته للتفكير في عاقبته والإعداد لمثل هذا اليوم، فلايصرف وقته في اتّباع أهوائه وإشباع شهواته ورغبات زوجته وأطفاله. فما أعجب الدنيامن دار الغفلة والجهل! وما أكبره من عار أن يكون الرجل بحاجة إلى زوجته وأطفاله الذين انصرفوا عنه! وما أبعده عن الوفاء أن لا يتذكّرني أحد منهم في مثل هذا اليوم الذي قصرت فيه يدي! لقد صدق رسول الله صلّى الله عليه وآله الذي أيقظ الناس حين قال: « هلاك الرجل في آخر الزمان بيد زوجته، وإن لم تكن له زوجة فبيد أقربائه وأولاده ».
ولكن، واأسفاه! لم نستيقظ ولم نفكر في خواتيم أعمالنا.
موعدكم مع الجزء التاسع
اختكم ،،،، نور علي
بسم الله الرحمن الرحيم
يسلموووووووووووووا
يا اخت نور علي
الجزء التاسع
* *
رحمة من عالم الدنيا
ولفت نظري فجأة الشبّاك المقابل حيث رأيت فيه زوجَين حديثَي الزواج، من أحفادي، يتناولان الفاكهة ويتحادثان ويقولان: إنّ هذه الفواكه قد زرعها الحاجّ بنفسه، وهو الآن تحت التراب ونحن نأكل فاكهته.
وقالت المرأة: « إنّه الآن في الجنّة يتناول من فاكهتها وأعنابها. فيرحمه الله. لكَم كان يحبّ أن يمازحنا ونحن صغار! لقد كان يحبّنا حقّاً، فكان يمنحنا النقود ليدخل السرور إلى قلوبنا. أسأل الله أن يدخل السرور إلى قلبه ».
وقال الرجل: « هو الذي جعلني من رجال الدين، فقد كان هو نفسه كذلك، لقد كان يحبّ هذا المسلك. الليلة ليلة الجمعة، وجدير بنا أن يتلو كلّ منا سورة من القرآن ويهدي إليه ثوابها. سأتلو أنا سورة الإنسان، واقرئي أنت سورة الدخان ».
فمكثتُ هناك حتّى انتهيا من تلاوة السورتين، فسُررتُ جدّاً ودعوت لهما بالخير، وعُدت طائراً إلى الهادي، فرأيته قد جلب الفرس وشدّ عليه خرجاً، وهو متهيّئ للرحيل.
فقلت: « مِن أين لك هذا الخرج ؟ ».
قال: « جاء به ملَك وقال: إنّ في أحد جيبيه هدية من فاطمة الزهراء عليها السّلام أرسلتْها بمناسبة تلاوة سورة الدخان التي تخصّها، وفي الجيب الآخر هدية من الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام بمناسبة تلاوة سورة الإنسان التي تخصّه، وقد أوصاني أن نتحرّك على مبعدة من بَرَهوت لكي لا تصيبنا سمومه ».
فقلت: « ألا نفتح الخرج لنرى ما فيه ؟ ».
قال: «لا شكّ أنّه يحتوي على ما نحتاجه في هذه الرحلة، وسوف نفتحه عند الحاجة. أتحبّ أن نتحرّك ؟».
فقلت: « ما أسعدني بذلك ! ». وقفزت إلى ظهر الجواد وتحرّكنا.
أهوال أرض الحرص
وصلنا إلى أرض الحرص، فرأيت قوماً على صورة كلاب عفنة قبيحة، بعضها هزيل وبعضها سمين. وكانت الصحراء مليئة بالجثث المتناثرة النتنة، وعلى كلّ جثّة عدد من الكلاب تتصارع فيما بينها على التهامها وينهش بعضها بعضاً، بحيث لم يتمكن أيّ منها من الأكل، كانت تسقط منهوكة القوى تعَباً، وتظلّ الجيفة كما كانت، فتأتي كلاب أقوى تطرد الأضعف، وتتقدّم تنهش الجثّة.. وإذا بعدد آخر من الكلاب يهجم عليها للاستحواذ على تلك الجثّة، فكان أحدها يفترس الآخر، لأنّ كلاًّ منها لم يتجاوز التفكير في نفسه، ولم يكن بينها اثنان متّفقان فيما بينهما. كانت الصحراء مليئة بالكلاب وبالصراع المتكالب.
« إنّما الدنيا جيفة يطلبها الكلاب ».
كان بعض الذين أكلوا من تلك الجيف يخرج الدخان من خياشيمهم والنار من أدبارهم، وكانت الكلاب الأُخرى لا تقترب منهم لأنّهم كانوا في حالة غريبة.
قال الهادي: « هؤلاء كانوا يأكلون أموال اليتامى وكانوا يرتشون ».
إنّ الذين يأكلون أموال اليتامى إنّما يأكلون في بطونهم ناراً .
قلت: « كنا قد أُوصينا أن نبتعد عن صحراء بَرَهوت، ويبدو أنّنا قد أخطأنا الطريق ».
قال: « كلاّ، لم نخطئ. إنّ ما تراه هو الماء الذي يجري تحت بَرَهوت، فلا تصل إلينا سمومه. إنّنا قد مررنا بجوار أرض الحرص، ووصلنا إلى جوار أرض الحسد
».مكائن أرض الحسد
لاحظنا في تلك الأرض معامل كثيرة بعيدة عن الطريق، وكانت كلّها تعمل؛ لأنّ دخانها كان قد ملأ الفضاء وأظلمه، وكانت حركة آلاتها الضخمة ودورانها السريع يهزّ أرض الصحراء هزّاً عنيفاً، وضجيجها المرتفع يصمّ الآذان. كان العمال كلّهم من غبُر الوجوه، وكانت تلك المكائن المصنوعة من الحديد الثقيل ذات المحركات القويّة تتحرّك في هذه الصحراء الواسعة، وكانت واحدة منها قد اقتربت كثيراً من الطريق. نظرت وإذا بجهل قد ظهر مثل دخان أسود. التفتُّ إلى الوراء فرأيت الهادي متخلّفاً كثيراً، فاستولى عليّ الخوف من تخلّف الهادي واقتراب الأغبر.
قال لي الأغبر: « انظر إلى هذه الماكنة القريبة، فليس في الدنيا مثلها ». وعلى الرغم من أنّي وددت كثيراً أن أقف لأتفرّج، ولكن بالنظر لأنّي لم أتلقّ من هذا الأغبر غير الشرّ والأذى، فلم أُعِر كلامه اهتماماً، ووكزت الفرس مبتعداً وأنا أقرأ: قُلْ أعُوذُ بِربِّ الْفَلَقِ* مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ .
فقال الأغبر: « أيّها المسكين، إنّك في الدنيا كنت تريد أن تقرأ قُلْ أعوذُ وتعمل بها، ولكنك لم تفعل، فما فائدة ذلك الآن ؟! ».
فازداد خوفي. وتقدّم الأغبر واختفى خلف رابية، فحسبت أنّي قد كُفيت شرّه، وفيما كنت أفكر في الهادي ولماذا لم يصل إليّ، برز الأغبر مرّة أُخرى بهيئة حيوان مخيف جَفَل منه الجواد وخرج عن الطريق، ووقع على الأرض بالقرب من تلك الماكنة، فوقعت عن ظهره بقوّة فتألمت أعضائي بحيث لم أستطع التحرّك. وأخذت المكائن الأُخرى تقترب منّي وكأنّها أفاعٍ تريد ابتلاعي، وقد اندفع من فتحاتها ألسنة اللهب نحوي مثل قاذفات اللهب المعروفة في الحروب، بينما كان الأغبر الخبيث يضحك ويستهزئ بي قائلاً: وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إذَا حَسَدَ .
ويخاطبني بقوله: « أيّها التعس الحاسد! مَن مِنَ العلماء نجا من الحسد ؟! إنّك قد أدميت قلبي خلال المنازل السابقة التي نجوتَ فيها منّي. أتظنّ أنّ جعبتي قد خَلَت من السهام ؟! فذُق الآن. ولن تجد مني ـ إن شاء الله ـ مَخلصاً ».
على الرغم من الضعف الشديد الذي كنت أحسه في بدني، فإنّ سخريته تلك أثارت الدماء وجعلتها تغلي في عروقي، فرفعت صوتي وناديت: يا عليّ. وإذا بالمكائن قاذفات اللهب ـ التي كانت قد أحاطت بي وكادت تلتهمني بنيرانها ـ قد لاذت بالفرار في تسابق شديد أدّى إلى أن يصطدم بعضها ببعض فيتهاوى حطاماً، واندفع الأغبر يطلب الفرار، فصار تحت عجلات إحدى المكائن فتحطّمت عظامه واختلطت بلحمه ودمه: وَلاَ يَحيقُ المَكْرُ السَّيّئ إلاَّ بِأهْلِهِ .
فقلت: ما أعجب هذا! ولقد كان يسخر منّي.
فإنّا نسخرُ منكم كما تسخرون .
وشعرت بعطش شديد من أثر حرارة الجوّ، وتعفّن الهواء، ورائحة الكبريت المنتشرة. عندئذ رأيت الهادي يركض نحوي، وما أن وصل حتّى فتح الخرج الذي كان هدية من الإمام عليّ عليه السّلام وأخرج كوزاً من البلّور أشرق الفضاء من التماعه، وسقاني منه ماءً عذباً بارداً، فزال عطشي وما كنت أحسّ به من أوجاع في أعضاء بدني، وعاد الدم إلى وجهي وصفا باطني: إنّ الأبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأسٍ كَانَ مِزاجُهَا كَافُورَاً .
وأتينا فرأينا الجواد المسكين قد نَفَق، فحملتُ كيسي على ظهري، وحمل الهادي متاعنا، ومشينا في تلك الصحراء الواسعة الملتهبة. لقد كان الجوّ خانقاً من كثرة دخان المكائن والتعفّن، ورأيت فتحات تلك المكائن يخرج منها بشَرٌ من نار بهيئة مخيفة.
قال الهادي: « إنّ الحسّاد الذين أظهروا حسدهم للمؤمنين باليد واللسان يلقون في هذه المكائن حيث يُضغطون ضغطاً شديداً، بحيث كانت نيرانهم الباطنية تطغى على بشرتهم وكلّ أجسامهم، لأنّ الحسد كالنار المحرقة: « الحسد يأكل الإيمان، كما تأكل النار الحطب ».
وبالنظر لظلام الطريق، تقدّمني الهادي ومشيت وراءه.
قلت: « ربما نكون قد أخطأنا الطريق، إذ إنّنا باتّباعنا تلك الوصايا ما كان ينبغي أن يصيبنا مكروه ».
قال: « لم نخطئ الطريق، ولكنْ قليل من الناس لم يحسّ بالحسد قليلاً أو كثيراً في داخله، ولولا ما تفضّل به عليك أولياء الأُمور وسرور فاطمة الزهراء عليهم السّلام منك، فربّما لم يكن ما يصيبك من مكروه بأقلّ ممّا تراه يصيب هؤلاء أمامك. فكثير من هؤلاء المُبتلَون سوف ينجى عاجلاً أو آجلاً، ويكون من أهل الرحمة ».
ولمّا كان الجوّ حارّاً ونتناً، والكيس الذي حملته على ظهري ثقيلاً عليّ، ونظراً لسرعة سيرنا بهدف سرعة الخلاص من هذه الأرض الكثيرة البلاء، وهلعي من احتمال عدم موت الأغبر ولحاقه بي، فقد أخذ العرق مني كلّ مأخذ، وبدأت رائحته المنفّرة تنبعث من ملابسي، وعضلات ساقي كانت تؤلمني من شدّة التعب، ولكنّنا أخيراً اجتزنا تلك الأرض بكلّ عناء.
بدأ النسيم البارد يهبّ علينا، ولطف الجوّ، وظهرت الأراضي الخضراء وعيون المياه الجارية والأشجار السامقة في الوديان وعلى قمم الجبال، فاتخذنا مجلساً على حافة عين ماء لنستريح بعض الوقت.
قلت للهادي: « أحسبُ أنّ الأغبر قد هلك تحت عجلات المكائن ».
قال: « إنّه لا يموت، ولكنّه لن يصل إليك في هذه الأرض، لأننّا قد ابتعدنا كثيراً عن وادي برَهوت ، ولمّا لم يكن فيك شيء من التكبر والترفع، فإنّك لن ترى تلك الصحراء وتلك الابتلاءات. ولم يبق من الطريق إلاَّ القليل لنصل إلى عاصمة وادي السلام ».
على مشارف عاصمة وادي السلام
وكلّما أوغلنا في السير كانت تكثر المزارع والزهور والرياحين والأشجار المثمرة، إلى أن كثرت الجبال المخضرّة والبساتين اليانعة والشلالات الصافية الرائقة، ورأيت على قمم تلك الجبال وسفوحها خياماً كثيرة من الحرير الأبيض.
قال الهادي: ها قد وصلنا إلى ضواحي المدينة. والناس يسكنون في هذه الخيام ».
كانت أعمدة الخيام ومساميرها من الذهب والحبال من الفضّة، وبعد أن اجتزنا الخيام قليلاً، قال الهادي: «انتظر حتّى أذهب لأرى خيمتك».
فقلت: « ما اسم هذه الأرض الطيّبة ذات المناخ الجميل ؟! فبودّي أن أمكث هنا بضعة أيّام ».
فقال: « هذه أرض يُمن مقدّسة. ولا بدّ لك أن تبقى هنا بضعة أيّام ».
ثمّ أخرج ظرفاً من الكيس الذي أهدته فاطمة الزهراء عليها السّلام واتّجه نحو خيمة كانت على قمّة جبل، وكنت أُتابعه بنظري. وعندما وصل إلى الخيمة، وقرئ الكتاب، خرج من الفِتيان والفَتيات من الخيمة يركضون نحوي وتبعهم الهادي، وعند وصوله أخرج ظرفاً آخر من الخرج. وقال: « إذهب أنت مع هؤلاء إلى خيمتك لتستريح ريثما أذهب أنا إلى العاصمة لأُهيئ لك منزلاً وأعود ».
قلت: « كيف تتركني غريباً هنا ولا مؤنس لي ؟ ».
فقال: « إنّني أُتابع أُمورك. إنّك هنا في وطنك، ولسوف يكون لك في تلك الخيمة من يؤنسك: « حُورٌ مَقْصُوراتٌ في الخِيامِ * لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إنْسٌ قَبْلَهُمْ ولاَ جانٌ .
قال الهادي ذلك، وذهب.. فسرتُ مع أُولئك الخدم والحشم إلى الخيمة، فرأيت حورية جالسة على السرير، فنهضتْ تستقبلني. ودخل غلام مثل الشمس سطوعاً يحمل إبريقاً وطَسْتاً من الفضّة، وغسل رأسي ووجهي بماء كان فيه المسك وماء الورد. بعد ذلك نظرت إلى وجهي في المرآة، وإذا بي أفوق في الجمال والجلال تلك الحورية المعقودة لي في السجلّ الإلهي.
موعدكم مع الجزء العاشر
اختكم ... نور علي
بسم الله الرحمن الرحيم
*الله ***الله ***الله *
سلمت اناملك ويمناكي
مسيرة حلوة ومرة
جعلنا الله من السائرين في الطريق المستقيم
شكرا اختي (نور علي)
الجزء العاشر،،
* *
الأعمدة الخمسة وعمود الولاية
جلسنا على السرير في تلك الخيمة ذات الأعمدة الخمسة، وكان العمود الأوسط من الذهب الخالص مرصّعاً بالأحجار الكريمة وأطول من الأعمدة الأُخرى. ولكي اختبر ذكاء الحوريّة سألتها: « لِمَ كان لهذه الخيمة خمسة أعمدة ؟ ».
فقالت: « جميع الخيم هنا فيها خمسة أعمدة، فقد بني الأسلام على خمس: ( الصلاة، والصوم، والزكاة، والحجّ، والولاية، ولم ينادَ بشيءٍ كما نودي بالولاية ).
وهذا العمود الأوسط هو عمود الولاية، فهو الأكبر، وعليه يعتمد ثقل الخيمة.
قلت: « ظننت أنّ كلاًّ منها باسم واحد من آل الرسول صلّى الله عليه وآله ».
قالت: « أُولئك هم الأُصول، وما يوجد هنا هو الظلّ لتلك الأنوار. إنّ كلّ عوالم الوجود وكلّ ما فيها، متشابه وعلى هيئة واحدة، وإنّما الاختلاف يكون من حيث الشدّة والضعف، الأصل والفرع، والنور والشعاع. وإنّ للإنسان طريقه إلى كلّ العوالم، وهو قادر على أن يصل إلى جميع المراتب، وأن يكون الرأس في سلسلة العوالم كلّها، وأن يصبح مظهر اسم الله وجامع وجوده وخليفته. ولكن الإنسان الذي وُجدت فيه كلّ هذه القوّة والقدرة بالفطرة لم يستطع أن يعرف نفسه إنّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ .
قلت: « أين تعلّمتِ كلّ هذه المعارف التي تتحدّثين بها ؟ ».
قالت: « لقد تعلّمت في مدينة العلم، وهذه الجبال الخضر ذوات الرَّوح والريحان هي من أدنى مصاديقها. قال رسول الله صلّى الله عليه وآله أبو فاطمة: أنا مدينة العلم وعليّ بابها. لقد تربيّت على يد فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله، فهي كأبيها مدينة الحكمة والعصمة، وعليّ بابها، وهي الليلة المباركة، وهي ليلة القدر، وهي خير من ألف شهر، وهي التي نزلت عليها علوم القرآن، وهي التي « فِيهَا يُفرَقُ كُلُّ أمْرٍ حَكيم » وهي الشجرة الزيتونة ... لاَ شَرْقِيَّةٍ ولاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلى نُور... .
وهي التي: تَنَزّل الملائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإذْنِ رَبِّهِم مِنْ كُلِّ أمْرٍ.
وهذه رسالة فاطمة الزهراء عليها السّلام التي أوصلها إليّ الهادي، وقد جاء فيها: انّ أحد أولادي سيرد عليك، فأكرميه فهو صاحبك. فالظاهر أنّي مزرعتك. وأنت كنت قد اُنضجت إلى حدِّ الكمال.
أفرأيْتُمْ ما تَحْرثُونَ * أأنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أْم نَحْنُ الزّارِعُونَ ؟! .
وإنّي لأحمد الله الذي لا حمد لسواه، ولا يرجع إلاّ إليه. وآخر دعواهم أن الحمد لله ربِّ العالمين ».
ثمّ حضر الطعام والشراب أنواعاً، فأكلنا، وشربنا، واتكأنا على الوسائد، وقلت: «يبدو أنّك لست ساكنة هنا».
قالت: « نعم، لقد جئت لاستقبالك لتستريح هنا قليلاً، وهذه الخيمة والأثاث الذي تراه أتيت به أنا، كما أنّ جميع هذه الخيام هي للمستقبلين الذين جاؤوا لاستقبال الوافدين عليهم، وكلّ هذا المكان بما فيه من بساتين ورياحين وأشجار وأثمار هي وقف على الوافدين. وعند رحيلك أعود أنا إلى موطني ».
قلت: « أحبّ أن أتمشّى في هذه البساتين وبين الخيام، لأتمتّع بهذه المناظر الخلاّبة ولأعرف شيئاً عن هذا المكان، ولعلّي ألتقي أحد المعارف ».
قالت: « إنّك حرّ هنا، وكلّ ما تريده حاضر. ولكن لابدّ عند دخول خيمة من الاستئذان والسلام. وأنا عند مجيئي إلى هنا رأيت خيمة ابنتك الكبرى، وبالنظر لمعرفتي السابقة بك دخلت عليها واتّخذتها صديقة لي. فإذا شئت أن تذهب إلى هناك فسوف أُرافقك ».
قلت: « طبعاً ».. وقمنا معا.لقاء مع ابنتي في العالم الآخر
عند باب الخيمة سلّمت، فعرفتْ ابنتي صوتي، فخرجتْ مع خدمها هارعة. وبعد تبادل الأسئلة وتقديم الحمد لله تعالى على نعمه، دخلنا الخيمة وجلسنا على سُرُر مرصّعة بالمجوهرات، هي وخدمها في صفّ، وأنا ومن معي في صفّ.
مُتَّكِئينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ .
فالتقابل خير من التجانب.
سألتها: « كيف جَرَت عليكِ الأُمور في هذه الرحلة ؟ ».
فقالت: « لقد رأيتُ بعض المصاعب في المنزل الأوّل، وفي أرض الحسد عانيت من بعض الضغوط. ولعلّ معظم المسافرين يعانون من ذلك، بل أشدّ منه. وفي بعض المنازل فهمتُ أنّ نجاتي كانت بسببك، فدعوت لك واستنزلت عليك الرحمة من الله، حتّى أنّه عندما حان وقت سفر أُختي إلى هذا العالم، كما قرب موعد سفرك، دعوت الله أن يشفيك من مرضك لكي لا تُحرَم والدتي وأخواتي الأُخريات من الاستظلال بظلّك، ولئلاّ ينالهم شيء من الذلّ ».
سألتها: « ما أخباركِ عن أُختك التي رحلت إلى هذا العالم ؟ ».
قالت: « رأيت أُختي هنا، وكانت أرفع منّي درجة في الجلال والعظمة، وعندما سألتها عن المشاقّ قالت بأنّها لم تر شيئاً من ذلك، وأنّها لم تأت راجلة، ولكنّها شاهدت أرض المسامحة أو بعضاً منها، وطوت الباقي بطيّ الأرض ».
قلت: « سبب ذلك هو أنّها رحلت إلى هذا العالم وعمرها ثماني عشرة سنة، فلم تجد متّسعاً من الوقت لتثقل نفسها بالأحمال والصعاب ».
واستغرقت في التفكير، تُرى ما النواقص التي كانت في وجودي وفي أحوالي وأعمالي بحيث إنّي تعرضت لتلك المصاعب التي نجوت منها الآن، مع أنّ أبنائي المسافرين في هذه المرحلة مرفّهون وفي خير حال!
بعد التمعّن والتفحّص الكامل في زوايا قلبي عثرت على بذرة هذه النبتة، وعرفت من أين تنبع، وإلى أين تصل.
كانت ابنتي صفيّة تتلوّى ألماً لكونها لا تعرف كيف تحلّ عقدة قلبي، وكانت تعجب كيف يكون في دار السرور موضع للحزن والتألّم.
سرّ العشق
قلت لها: « هوّني عليكِ، فحلّ هذه العقدة ليس في يدك ».
ولم أكشف لها عن سرّ قلبي الخفي، لأنّها ما كانت لتفهمني، ولا كان في ذلك أيّ نفع، فأهل العالم الأعلى يدركون كلّ شيء. أمّا الحبّ الذي تختفي بذرته في التراب، فلا يطلبه سوى ذلك الإنسان الترابي الذي يعشق ويطلب العشق.
قلت لصفيّة: «أُريدُ أن أتمشّى بمفردي بين تلك البساتين البعيدة، لأختلي بنفسي، فلعلّ في ذلك حلاًّ لعقدتي».
قالت: « حيثما ذهبت فلن تكون وحدك. هناك الجبل والوادي، والسهل والبستان والمرج، وكلّ ذرّة فيها ذرّة من شاعر حسّاس ».
قلت: « إنّها ليست في أُفقي ».
قالت: « إذا لم نكن من المحارم فالخير أن تأذن لنا بالذهاب ».
قلت: « لولا هديّة الزهراء عليها السّلام لأذنت لك ».
وقمت أمشي. وكلّما وصلت إلى غصن شجرة انحنى نحوي قائلاً: أيّها المؤمن، كُلْ من ثماري. وعلى الرغم من جمال تلك الأصوات، إلاّ أنّها كانت في أُذني كنعيب الغربان.
ورفعتْ شجرة أطراف أغصانها وقالت في نفسها: «إذا لم تكن تحبّ هذا فلِمَ أتيت ؟».
وقالت أُخرى: « لعلّه ملَك لا يأكل! ».
وقالت ثالثة: « بل لعلّه حيوان لا يطعم النبات! ».
وقالت رابعة: « لعلّه مجنون، ولكن ليس هنا مكان للمجانين! أو لعلّه يتدلّل ».
وقالت أُخرى: « اسكتوا، لقد جاء من أرض القحط إلى أرض الوفرة، فانبهر وسُدّت شهيّته ».
وتوالت الأقوال من كلّ شجرة، والملاحظات من كلّ غصن.. فقلت: العَود إلى الخيمة أفضل وأحمد. ورجعت، فرأيت الهادي واقفاً بباب الخيمة ينتظرني. وإذ أبصرني تقدّم نحوي، فقلت: لعلّ كاتم أسراري هذا يستطيع أن يحلّ عقدتي.
وتلاقينا، وبعد السلام قال: « أين أنت ؟ تهيّأْ للرحيل إلى المدينة، فالعلماء والمؤمنون بانتظارك ».
قلت: « لماذا نذهب إلى المدينة ؟ ».
فقال: « يا إلهي! إذن لماذا قطعت كلّ هذا الطريق ؟! ».
قلت: « لا أدري لماذا جيء بي إلى هنا ».
قال: « لا تكفر بنعمة الإتيان بك من تلك الظلمة إلى هذا العالم النيّر؛ لكي تتمتّع بنعم الله وتكون في سرور دائم ».
قلت: « أيّة نعمة هذه ؟ وأين أجد لذّتها ؟ وأين سرور القلب مع تذكّر مصائب فراق الأحبّة ؟! ألم تر أبا الفضل وعليَّاً الأكبر يرتديان لأْمة الحرب في تلك الليلة، أم إنّك لم تفهم معنى ذلك ؟ ألم تر الخطّ الأحمر تحت رقبة عليّ الأصغر، أم إنّك لم تفهم معنى ذلك ؟
إنّ من يعرف هؤلاء ويحبّهم حقيق به أن يموت من ألم الفراق وينصرف عن الأكل والشرب والمسرّة والانشغال بالحور العين وبالقصور! إنّني لست مبطاناً ولا أنانياً بالقدْر الذي تظنّ ».
فقال: « أتحسب أنّ كلّ أُولئك العلماء والمؤمنين المسرورين الموجودين هناك مع الحور والقصور ليسوا من محبّي أهل البيت، أو أنّ دماءهم لا تفور من أجل الانتقام ؟ ثمّ إنّ الظالمين مبتلون بالانتقام الإلهيّ الآن ».
قلت: « المرء أبصر بحاله. إنّني ما لم أنتقم فدار السرور عندي بيت الأحزان، والنعم عليّ نقم. أمّا لماذا يحسّ الآخرون بالفرح والسرور وغير ذلك، فالسؤال يجب أن يوجّه إليهم هم لا إليّ أنا. وأمّا ابتلاء الظالمين بالانتقام الإلهي الذي هو أشدّ من انتقامنا، فلست أشكّ فيه، ولكنّك لابدّ أن تعترف بأنّ المظلوم إذا لم ينزل القصاص بيده ولم ينتقم بنفسه فلن يبرد قلبه، ولهذا ثبت للورثة حقّ القصاص، وإن قام شخص آخر بإنزال عقاب أشدّ بالظالم.
لقد قال تعالى: وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنْ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ .
إنَّ الانتقام حبيبنا، وما لم نصل إلى هذا الحبيب، فلن يكون لنا دار سرور، لا أنّها موجودة وأنا لا أُريدها.
والخلاصة أنّ الجنّة ودار السرور وغير ذلك من الأسماء إنّما تعني انبساط النفس وبلوغ المراد، وكلّ ما عدا ذلك فضول ».
أطرق الهادي برأسه برهة من الزمن صامتاً، ثم رفع رأسه وسأل: « أتبقى هنا ؟ ».
قلت: « كلاّ ».
قال: « أين تذهب إذن ؟ ».
قلت: « لا أدري، فلا أعرف لي مستقرّاً. كلّ الذي أدريه هو أنّني حيثما أكون فإنّي في عذاب. سوف أهيم في الصحراء وأفترش التراب ».
لم يجد الهادي بُدّاً من الرضوخ، فعاد إلى المدينة، وقلت لابنتي صفيّة: « إذا شئت فارجعي إلى موطنك، فلا شأن لي بك. وإذا وصلت إلى الصدّيقة الزهراء عليها السّلام فأبلغيها سلامي وأعلميها بأحوالي ».
فذهبتْ بمن كان معها، وانتحيتُ أنا ناحية خالية ورحت أبكي وأنوح وأدعو.
موعدكم مع الجزء الحادي عشر
اختكم ،، نور علي