هلا وغلا بكـ خيتو :
أحـــلى زهـــر
لاخلا ولا عدم من نور تواجدكـ الذي تتحفيني به
دمت عزيزتي بجمال روحكـ
عرض للطباعة
( 6 )
" لمن النصر ؟!"
بين كلمات تصغي لسماعها الآذان ..
وتدمع لوقعها العيون ..
وتخشع لصداها القلوب ..
كلمات ليست كالكلمات العادية .. لأنها تواصل مع الله تعالى ..
كلمات تبقى تدق أبواب السماء بإلحاح مستميت ..
" إلهي يامن يعطي الكثير بالقليل .. إرحم من رأس ماله الدعاء وسلاحه البكاء " ..
أطلق عمار هذه الكلمات للسماء ..
وهو رافعاً رأسه من سجود ..
فسرت دموعه متسابقة أيها يبلل شيبة لحيته أولاً ..
دموع اليمين أم اليسار ..
رفع عمار يديه إلى السماء ..
عمار: إلهي ..
أنت أرحم من الأم على طفلها ..
ونحن رعاياك وفي أمانتك ..
فاحفظ رعاياك ياالله .. ولاسيما مهدي بحقك ياالله وبحق محمد وآل محمد ..
نهض من على سجادته كالمغصوب ..
الذي أرغم على مفارقة حبيبه ..
وكله شوق للعودة إلى أحضانه ..
ارتدى غترته ..
وكعادته نظر من نافذة غرفته للسماء للحظة وابتسم ..
توجه نحو عطر العود على المنضدة بجانب فراشه ..
وتعطر به ..
ثم أخذ عكازه ..
وخرج ليأذن لصلاة الفجر ..
أقفل عمار باب بيته ..
وسار بتمهل إلى المسجد ..
وتسابيحه تسبقه إلى المسجد ..
متسللة لتعلن بقوة كلمة حق ..
تبقى للأبد .. " الله أكبر " ..
بينما كان عمار يسير في الطرقات الخالية ..
لم يكن يسمع سوى صوت وقع نعله ..
وهمس خافت ..
هو صوت تسبيحه واستغفاره ..
هنا كانت أعين متربصة تنظر لعمار ..
تنظر والحقد يتطاير منها .. حتى أنه لو كان ناراً لأحرق الأرض بما فيها ..
لقد كانت عين المرجوم .. عين الكفر والتكبر ..
عين إبليس ..
أخذ إبليس يرصد خطى عمار بحذر ..
مراعياً ألا يحسه ولو لوهلة ..
وعندما عاين طريق المسجد .. سبق عمار في السير ..
فمسح بردائه الأسود على الطريق ..
فامتلأ حفراً من الطين .. وتنحى جانباً وأخذ يراقب ..
واصل عمار مسيره ..
حتى وصل بقرب حفرة من الطين ..
فداست رجله فيها مما أدى إلى اتساخ ثوبه ..
فقرر مباشرة أن يعود ليغير لباسه ..
ابتسم إبليس ظناً منه أنه انتصر ..
لكنه مالبث أن سمع صوتاً ذب الرعب في كل خلية من خلايا جسده ..
حاول الهرب لكنه لم يقدر ..
وكأنما ثبت في مكانه ..
الصوت : أتعتقد أنك انتصرت .. أنتظر وسترى لمن النصر ..
وإذا به يرى عمار قد غيّرَ ملابسه وعاد ..
استشاط غضب اللعين .. وأصر إلا أن يثني عمار عن الذهاب للمسجد ..
الصوت : لقد غفر الله لعمار ماسبق وتقدم من ذنوبه ..
جزاءاً لعمله والله يجزي المحسنين ..
عندها فار غضب اللعين ..
وزاد حفر الطين في طريق عمار ..
فداس عمار في حفره .. واتسخت ملابسه .. فعاد أخرى ليغيّرها ..
فظن إبليس أنه استسلم ..
فأخذ يصرخ وهو ينظر للسماء ..
إبليس : لمن النصر الآن هاه .. لمن ؟
وليست إلا وهلة .. حتى عاد عمار ..
الصوت : إن الله متم نوره ولو كرهت .. لقد غفر الله لعمار وجيران عمار ..
وصل الغضب بإبليس درجاته ..
حتى وكأن عيناه جحظتا من مكانهما ..
بينما عمار واصل سيره ..
فرأى رجلاً واقفاً في أحد الزوايا أمامه ..
ويحمل مصباحاً ..
وهو ينظر لعمار بغضب ..
عمار : من أنت ياهذا .. وماذا تفعل في هذا الوقت ؟
تقدم الرجل منه .. وهو صامت ..
وهو ينظر إليه بنظرات مباشرة .. من العين للعين ..
الرجل : خذ .. خذ هذا المصباح ..
ومدَّ المصباح نحو عمار فأخذه ..
عمار باستغراب : ولماذا المصباح ؟
الرجل : حتى ترى حفر الطين في طريقك فلا تقع فيها ..
عمار: وما أدراك ؟
الرجل : حين وقعت أول مره ..
وعدت وغيّرت ملابسك .. ثم رجعت للمسجد غفر الله لك كل ذنوبك ..
وفي الثانية غفر الله لك ولجيرانك ..
وخشيت أن تقع وتعود ثالثة ..
فيغفر الله لآهل قريتك جميعاً ..
فيذهب عملي هباءاً ..
عمار : وكيف عرفت كل هذا ..؟؟
الرجل : ليس صعباً على من أخرج أباك آدم من الجنة أن يعرف هذا ..
عمار : أتقصد أنك إبليس ..
الرجل : أجل أنا هو ..
وسنرى يا عمار من سينتصر ..
فما هذه إلا البداية ..
وإن لم أتغلب عليك فالتغلب على من حولك أسهل ..
وسنلتقي قريباً ..
قريباً جداً .. أعدك ..
وابتسم إبتسامة خبث ..
واختفى وكأنه لم يكن ..
وواصل عمار طريقه إلى المسجد ..
وحرر الأذان في كفوف الريح .. لتنقله إلى الآذان الموالية ..
ليبقى أذاننا حبل صلة بيننا وبين الله .. وبين أهل البيت ..
قصة إبليس والعبد الصالح مقتبسة من قصة واقعية على لسان السيد الفالي حفظه الله
... يتبع ...
( 7 )
" فبعزتك لأغوينهم أجمعين "
لو كان في تلك اللحظات ينبوع للغضب ..
لكان هو ..
كاد أن يسمع صرير أسنانه في بعضها ..
لشدة غيظه ..
كما كان يضرب أخماساً في أسداس ..
وهو يتمتم بصوت منخفض ..
إلى أن قاطعه الوسواس الخناس..
الوسواس الخناس : إذن .. إلى أين كانت زيارتك؟
إبليس : اللعين .. اللعين ..
لم يُجدي معه أعلى درجات مكري ..
لقد وصل إلى درجات المؤمنين .. الذين يحفظهم الله ويعصمهم منا معشر الأباليس ..
الوسواس الخناس : حقاً ! .. وماذا حدث ؟
روى إبليس ماحصل .. بينه وبين عمار ..
إلى الوسواس الخناس ..
وكأنه بئر مملوء بالغضب ..
وكأنما كان يعيش الوضع من جديد ..
الوسواس الخناس : من حسن حظك أنك وليت الأدبار ..
وإلا أبلاك بفيض من الملائكة .. ورماح وأسهم النور ..
إبليس بغضب وهو يلطم يداه ببعض :
من حسن حظي ..
أجل ..
من حسن حظي ..
لكن إعلم أيها الوسواس الخناس ..
أن هذه ليست نهاية المعركة ..
والحرب كـرٌّ وفر ..
وإن لم أقوى على عمار ..
فمن حول عمار ..
كالعجين بالنسبة لي أشكلهم كيفما أريد ..
الوسواس الخناس بغبطة : هذه أخبار جديدة لم نعلمها .. لكن لا تستخف بأتباعه يامولاي ..
إبليس : لاتقلق .. سأعدّ لهم العدّةَ من كل صوب حتى أفتك بهذا العمار ..
الوسواس الخناس : وما دوري يا سيدي
إبليس : في الوقت الحاضر ومن لحظتك ..
جلَّ ما أريد منك ..
أن تجمع أكبر وأخبث الشياطين ..
وتعدّ لي جيشاً لا كان ولا سيكون له في المثل ..
أريد أن تسكن المعصية أرجاء المعمورة ..
أريد من الفسق أن يمشي منتشياً بين مايبني البشر ..
وكأني أرى الفتنة ترقص بين البشر وهم في غيهم يعمهون ..
وأنت خير من يعلم بقسمي ..
الوسواس الخناس : فبعزتك لأغوينهم أجمعين ..
إبليس : من الجنة والناس ..
والآن إذهب .. وحالما تجمعهم ..
أعلمني فقط ..
الوسواس الخناس : في الحال
وماهي إلا لحظات ..
حتى تجمهر في قاعة محراب إبليس .. آلاف من الشياطين والمردة ..
فأخذ إبليس ينقل نظره بينهم وكأنه يحصيهم ..
وقف منتصباً من على عرشه .. ومشى خطوات قليلة ..
وهو حانياً رأسه يفكر ..
الوسواس الخناس : مارأيك
إبليس : جيد .. جيد
استقبل إبليس الجيش الذي أمامه .. وخطب فيهم
إبليس: تعلمون يا أبنائي ويا أتباعي ..
أني نذرت على نفسي قسماً قديم .. قديم جداً ..
ومنذ ذاك اليوم وأنا أعيش لأجله .. لأجله فقط ..
وهو الغواية ..
قد أقسمت بعزة الله أن أغوي الجميع من الجنة والناس ..
.. وفعلاً ..
حققت ذلك .. ليس لوحدي ..
لكن بمساعدتكم ..
وملأنا الأرض ظلماً وجوراً ..
كما ملأت قسطاً وعدلاً بدين محمد ..
فأحسنتم صنيعاً وعملاً ..
لكن هناك من قوي إيمانه .. واشتد ساعده ..
وهو كالمنارة يهدي من حوله من الناس ..
بل معظمهم وأوشك أن يذيع صيته ..
ويدمر ما أنجزناه ..
.. اسمه عمار ..
حتى أن أهل قريته .. يلقبونه عمار الخير ..
حتى إني ذهبت وكدت له بنفسي ..
فلم أفلح ..
بل حول كيدي إلى صالحه ..
فما أريده منكم .. أن تدمروا ما أنجز هو ..
وتكيدوا للناس حوله..
وأهل قريته فرداً فرداً .. كبيرهم وصغيرهم .. رجالهم ونساؤهم ..
انصبوا لهم حتى حين يشربوا الماء ..
والآن انصرفوا مباشرة .. إلى هناك وساحة معركة البداية هي الأسواق ..
والراية بيد قائدكم الوسواس الخناس ..
انحنى جميع الشياطين لإبليس ..
وذهبوا في الحال ..
كان صوت تقليب صفحات الكتاب بين يدي عمار ..
كهمس جميل في أذني مهدي ..
كان واقفاً بباب المكتبة لايعمل شيئاً ..
فقط يتأمل عمار .. مع ابتسامة خفيفة تعلو ثغره ..
فحانت إلتفاتة من عمار فرآه ..
عمار : منذ متى وأنت هنا يا صغيري ؟
مهدي : ليس طويلاً ..
عمار : ولماذا لم تدخل ؟
مهدي : أردت أن أفاجئك فقط .. كما أني لم أرد أن أقاطعك حين رأيتك منهمكاً في الكتاب ..
عمار : إن رؤيتي لك كل يوم ياصغيري هي أجمل مفاجأة ..
مهدي : وما تقرأ .. ياجدي عمار ؟
عمار : هذا الكتاب ياصغيري يتحدث عن أسباب الغيبة الصغرى والكبرى
للإمام الحجة (عجل الله فرجه ) ..
مهدي : ولماذا هو غائب ؟
عمار : هذه حكمة يريدها الله ..
لكن حين يحين الوقت سيظهر ..
وسيملأ كل هذه الأرض التي تراها والتي لاتراها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ..
فادعوا الله أن يرزقك حضور ذاك اليوم ..
وأن تكون من أنصاره ..
مهدي : حقاً .. أتمنى لو يحصل ذلك ..
في هذه الأثناء ..
وصل صوت مشاجرة إلى مسامع عمار ومهدي ..
فخرجا على عجل من المكتبة ..
... يتبع ...
اللهم صلي على محمد وآل محمد
مـــــــــــــ شاءالله ــــــــــــــا
قصه اكثر من روووووووووووووووووعه
غييير عن الباقي
بجد عجبتني واااااااااااااااايد
في ميزان حسناتك غاليتي
وحوائج مقضيه بحق الحبيب محمد وآل محمد
ربي يعطيك الف عافيه
دمتي بود
موفقه
( 8 )
" زمن المال والجشع "
كان شخصاً ممتلىء الجسم ..
في الأربعينات ..
يرتدي ثوباً يزهو بياضاً ..
ونعلاه يرى فيهما لمعاناً .. لشدة نظافتهما ..
وكان يمسك في يده اليسرى ملفاً ..
بينما كان يرتدي في يده اليمنى .. خاتماً فضياً مزين بفص ياقوت ..
كما كان وجهه قد تحول أحمراً لاشتداد الغضب فيه ..
وكأنما كل دم جسمه قد تجمع في وجهه ..
بينما كان يقابله شاب نحيف .. في الثامنة عشرة ..
كان يرتدي مايلبس تحت الثوب ..
كما أن ملابسه كانت متجعدة ..
وكان يجلو على وجهه ملامح البؤس والعناء ..
وكأنها قد حولته من شاب في مقتبل العمر ..
إلى عجوز على شفير القبر..
اسم الرجل .. أبو عيسى ..
والشاب هو أحمد..
وكانا هما من ارتفع صوت شجارهما..
أبو عيسى : إستمع إليَّ جيداً يا بني ..
لقد مضى الآن شهران على موعد الدفع ..
وأنت لازلت تماطلني ..
أحمد : أقسم لك بانني لا أماطل ..
وقد أخبرتك مسبقاً .. ما إن أملك المال وإن شاء الله قريباً جداً سأسدد لك ..
وأنت خير من يعلم بالحال ..
أبو عيسى : وتقول لا تماطل ..
إذن ماتسمي هذا .. هل أنا طفل أم أحمق بنظرك !
أحمد : ومن قال ذلك يا سيدي ..
فقط أعطني شهراً ..
شهراً .. واحد ..
واستر عورة أهلي بهذا البيت ..
أبو عيسى: إسمع جيداً ..
لقد صبرت عليكم كثيراً ..
وقد بلغني أن أساسات البيت قد اهترأت ..
نتيجة لإهمالكم وقلة اهتمامكم بالمنزل ..
أحمد : صدقني أننا نهتم في المنزل ..
فهو المكان الذي نعيش فيه .. فكيف لا نهتم به ..
لكنها الجرذان قد ملأت المنزل ..
ولانعرف سبيل ولا نملك المال للقضاء عليها ..
كما أنها مسؤليتك ..
فأنت لم تخبرنا حين وقعنا العقد ..
أننا سنشارك العيش في المنزل مع جرذان ..
أصغر واحد منها بحجم القط الصغير ..
أبو عيسى : وأنت لم تخبرني حين وقعت العقد .. أنك ستماطل في الدفع ..
هنا أقبل عمار ..
وشق تجمهر الناس حول المشاحنة ..
وأخذ يدعوهم إلى التفرق حتى انفضوا ..
مشى عمار صوبهما ..
بينما كان مهدي ممسكاً بتلابيب ثوبه ..
وهو ينظر بارتياب..
عمار: صلوا على محمد وآل محمد ..
الجميع : اللهم صلِ على محمد وآل محمد
عمار: ماالقضية ؟
أبو عيسى : هذا الشاب .. أجرته وأسرته هذا المنزل ..
والآن مضى أكثر من شهران على موعد الدفع ..
وهم لايزالون يماطلون
أحمد : والله ياعمار أني لا أماطل ..
وهو يعلم بحالتي المادية جيداً ..
حتى أنها المرة الأولى التي أتأخر فيها عن الدفع منذ ثلاث سنين ..
لكن لا أعلم ..
يبدو أن أبا عيسى مصممٌ أن يزُجَّ بي وأسرتي إلى الشارع ..
أبو عيسى : ناهيك عن التخريبات ياشيخ عمار التي أحدثوها بأساسات المنزل ..
أحمد : وكيف نحدث ضرراً بأساسات المنزل .. أنت تعلم جيداً أنها الفئران ..
عمار : حسناً .. حسناً ..
مارأيك يا أبا عيسى أن تعطيه شهراً واحداً كما طلب ..
وأنا أكفله لك ..
أبو عيسى : شهر واحد .. ومن أين آكل أنا وعيالي ..
عمار: أعذرنا يا أحمد ..
لكن أريد أن أكلم أبا عيسى على انفراد ..
فادخل إلى بيتك .. واطمئن ..
خير إن شاء الله ..
أمسك عمار بيد أبو عيسى برفق ..
ومشى معه إلى المكتبة ..
وبرفقتهما مهدي ..
ودخل الجميع إلى الداخل ..
عمار: اسمع يا أبا عيسى .. لأكون صريحاً معك ..
أبو عيسى : قل يا شيخ
عمار : الجميع ..
وأقصد جميعنا ..
يعلم أن لك من العقارات ما يقارب الثلاثون منزلاً ..
وكلها وبحمد الله مؤجرة ..
ناهيك عن دكانك ..
والذي هو أيضاً الزبائن تقبل عليه يومياً ..
أبو عيسى باستنفار : وماذا تريد أن تقول
ياشيخ ؟
عمار : وما تنفقوا من شيء تجدوه عند الله أعظم ..
أبو عيسى : وضّح أكثر ياشيخ ..
عمار: تبرع بالبيت لعائلة أحمد ..
فأنت تعرف أنه شاب يتيم ..
وقد قام بأمه .. وأخوته منذ نعومة أظفاره ..
فهل تريد أن يكون هذا جزاؤه من المجتمع ..
في أجزاء أقل من الثانية ..
كان هناك شيطاناً يقف خلف أبو عيسى ..
لكن أين للعين البشرية أن ترى ..؟
الشيطان : تتبرع له ..
ثم يطمع باقي المؤجرون .. ويأتون عماراً ..
ليكلمك أن تتبرع ببعض المنازل الأخرى ..
وما يدريك ..
لعلهم حتى يجبروك أن تعطي لهم الطعام مجاناً من دكانك وذلك بحجة الفقر ..
وثم ينفذ مالك وتصبح فقيراً مثلهم ..
وما إن أنهى الشيطان كلامه ..
حتى لكز أبو عيسى بإصبعه في ظهره ..
فوقف أبو عيسى غاضباً ..
أبو عيسى : ماذا تقول .. ومن قال لك يا شيخ أني متُّ وصارت أملاكي تورث ..
ولمن للغريب ؟؟
عمار : يا أبا عيسى إهدأ إنه ليس الا اقتراح .. أولسنا نسير على منهاج أهل البيت ..
أبو عيسى : بلى
عمار : أوليس أهل البيت يطعمون الطعام ..
على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً ..
حتى وهم لا يملكون ما يسد رمق جوعهم ..
وأحمد وأسرته يتامى ..
فاافعل بهم خيراً .. يجزيك الله به أضعافاً ..
الشيطان : هذا الكلام سابقاً ..
لا يخدعك هذا العجوز الخرف ..
فنحن في زمن المال والجشع ..
وما إن تهبهم المنزل .. حتى يطمعون في البقية ..
وهنا دفع الشيطان أبو عيسى بيده ..
فسار أبو عيسى متجهاً خارج المكتبة ..
ثم توقف عند الباب
أبو عيسى : إسمع جيداً ياشيخ عمار..
إما يأتيني غداً بايجار المنزل ..
وإلا فليخرج و وأهله .. و لا يهمني إلى أين ..
ثم سار منطلقاً ..
يتخبطه الشيطان إلى دكانه ..
بعد أن خرج أبو عيسى ..
أطلَّ مهدي على وجه عمار بتساؤل لوهله ..
ثم قال :
مهدي : جدي عمار .. تبدو قلقاً
عمار : فعلاً .. ياصغيري ..
لكن لا تشغل بالك
مهدي : أليس هذا الرجل ظالماً ..
عمار : لاتصدر أحكاماً سريعة على الأشخاص ..
فربما كان غاضباً فقط .. وعندما يهدأ سيعود لرشده ..
أتعلم يا صغيري ..
أن أبا عيسى .. لم يكن كما رأيته الآن في الماضي ..
مهدي : حقاً
عمار : حقاً .. لقد كان شاباً مقتدراً ..
ليس غنياً ولا فقيراً ..
وأسس نفسه يوماً بعد يوم ..
حتى صارت عنده هذه الأملاك .. لكن أتعلم ماذا غيره ..
مهدي : ماذا ياجدي عمار؟
عمار : المال .. المال يا صغيري .. إما أن يسعد صاحبه وإما أن يتعسه ..
مهدي : وماذا صنع بأبي عيسى ..
عمار: أتمنى ألا يتعسه ماله ..
ثم استطرد عمار
عمار : مهدي صغيري .. أتعلم لماذا أبقيتك معنا أثناء النقاش ..
مهدي : لأنك تحبني
عمار : فعلاً .. لكن هناك سبباً آخر أيضاً ..
مهدي : وما هو؟
عمار : أردتك أن تشهد ماحصل كي تتعلم ..
أريدك أن تنشأ رجلاً في جسد رجل ..
مهدي : كيف ذلك ؟
عمار : إن شاء الله ستكبر لتصبح رجلاً ..
والرجل ليس بالمظهر فقط ..
لكن الرجل من كانت أعماله .. أعمال الرجال
مهدي : سأكون كذلك ياجدي عمار ..
ربت عمار بيده على رأس مهدي ..
ونظر إليه بعطف وابتسم ..
ثم خرج من المكتبة .. وتوجه إلى بيت أحمد
مهدي : إلى أين ياجدي عمار؟
عمار: راقب وسترى
... يتبع ...
( 9 )
" الضمائر النائمة "
سار عمار ..
وهو ممسكاً بيد مهدي إلى بيت أحمد ..
الشمس أوشكت على المغيب..
وكانت هناك هبات من الهواء الحار تارة ..
والبارد تارة ..
مما يجعل قطرات من العرق تنزل من على الجبين وتتبخر سريعاً ..
حتى وصل إلى باب بيت أحمد ..
أو بالأحرى بيت أبو عيسى المؤجر..
ودق جرس البيت ..
فتح الباب بصعوبة .. مصدراً صوتاً خشناً ..
يدل على أن الباب قديم كقدم البيت ..
وأطل من خلفه أحمد ..
عمار: السلام عليكم
أحمد : وعليكم السلام .. مرحباً بعمار الخير ..
عمار : كيف أمسيت يابني ؟
أحمد : بخير .. نحمد الله
عمار : إسمع .. لقد كلمت أبا عيسى .. وقد كان جافياً .. لكن هناك حلاً أخيراً ..
أحمد بحماس : وماهو ؟ أنا مستعد لصنع أي شيء ..
لا أهتم لنفسي ..
لكن لأمي وإخوتي أين يذهبون لو خرجنا..
عمار : لقد أعطاكم أبو عيسى مهلة .. حتى الغد ..
أحمد مقاطعاً : ماذا ؟؟
حتى الغد فقط ..
عمار : كن صبوراً يا بني ..
وأنا سوف أعطيك ما معي من مال ..
آمل أن يغطي ايجار البيت ..
بالمناسبة بكم ايجاره؟
أحمد : ياليت لو أن ايجار البيت يستحق وضع البيت ..
إنه أربعة عشر ألف في السنة ..
عمار : ما معي لا يغطي حتى نصف المبلغ ..
لكن لا تقلق ..
بعد صلاة المغرب ..
سأدعو أصحاب القلوب الرحيمة .. ليمدوا لك العون ..
أحمد : لكنك تعرف أني لا آخذ الصدقات ..
وليست إلا فترة ضيق أمر بها ..
شدة وستزول ..
لكن هذا الجشع يأبى أن يعطيني فقط شهراً واحداً ..
إنه شهراً واحداً يا عمار ..
عمار: ليست صدقات .. إنها مساعدة منَّا من أهل حارتك ..
وأهلك ..
وليس إلا وقت ضنك تمر فيه ..
يمكن أن يحدث لأي أحد منا ..
وضع أحمد يده على فمه ..
وأطرق رأسه إلى الأرض ..
لوهلة يفكر .. واختنقت العبرات في عينيه ..
أحمد : أتعلم لو كان أبي على قيد الحياة ..
عمار: أعلم ..
أعلم لكانت الحال مختلفة ..
لكنها الدنيا يا بني ..
وإن توفي أباك .. فأنا أباك ..
وكل رجل صالح هو أب لك ..
لا تحزن يا بني هذه سنة الحياة ..
رخاء وشدة ثم رخاء ..
ستفرج .. صدقني
أحمد : أترى ذلك ياعمار ؟
عمار : نعم .. ونحن جميعاً أهلك ..
ومادمنا نستطيع المساعدة سنساعد..
والآن يجب أن أذهب إلى المسجد ..
أستأذنك يا بني ..
وتوكل على الله ..
أحمد : لاحول ولا قوة إلا بالله ..
بعد صلاة المغرب ..
أستعطف عمار أصحاب القلوب الرحيمة ..
بدعوتهم إلى التقرب إلى الله .. بمساعدة أحد البيوت ..
فلم يبخل أهل الحارة ..
وجمع مبلغ من المال .. وبعد أن تفرق الناس ..
بقي عمار وأحمد في المسجد ..
وأخذا يعدان المال ..
أحمد : أرأيت ياعمار .. قلت لك أنها قد تعسرت ..
عمار : لاتقلق .. فكم بحوزتك ؟
أحمد : ألفان وخمس مئة .. وأنت ؟؟
عمار: ألف .. إضافة إلى ذلك .. رأس مالي .. وهو حول الأربعة آلاف ..
أحمد : إذن المجموع هو حول الستة آلاف وخمس مئة ..
هذا بالكاد يغطي نصف المبلغ ياعمار ..
عمار: سأكون غداً صباحاً معك ..
وآمل أن يكون الرجل قد عاد إلى رشده ..
وإن شاء الله ..
سأحاول إقناعه بأن يقبل بنصف المبلغ إلى نهاية الشهر الذي تريده ..
وسأكفلك عنده أيضاً .. فما رأيك ؟
أحمد : وهل بقي لي خيار ..
كما ترى ياعمار ..
لن أنسى لك ذلك ماحييت
عمار : لاتقل ذلك يا بني فهذا واجبنا نحوك ..
والآن إذهب إلى بيتك وطمئن أهلك واسترح ..
فأمامك يوماً طويل بالغد ..
أحمد : نعم إنه كذلك ..
إنه وقت نشاط عملكم ..
الآن هو الليل ..
لاأريدكم أن تبحثوا عن العيون النائمة ..
لكن ابحثوا في الضمائر النائمة .. بعثروا كل قلب ونفس ..
ادخلوا في خلجات كل واحد ..
وأشعلوا الرغبات الدفينة ..
فهذا هو وقتنا .. معركتنا ..
هيا .. انطلقوا ..
هكذا أثار خطاب الوسواس الخناس حماس الشياطين ..
فانطلقوا بلا هوادة كالمجانين ..
كما النار التي تركت لتنتشر في الهشيم ..
هكذا كانوا ..
فاختار كل واحد منهم .. ضحية من أصحاب الأنفس الضعيفة ..
وابتدأت الحرب ..
فالذي كان من أبي عيسى ليس إلا البداية ..
في فجر اليوم الثاني ..
لم يستيقظ أهل الحارة على صوت أذان عمار الرخيم كما اعتادوا ..
لكن استيقظوا على صوت قرع قوي مدوّي .. على أحد أبواب البيوت ..
مع صوت صراخ رجل ينادي بأعلى صوته ..
وكأنه يريد أن يسمع القاصي والداني بما يقول ..
لقد كان أبو عيسى يطرق على باب أحمد ..
وهو يصرخ
أبو عيسى : أخرج أيها اللص !!
فتح أحمد الباب ..
وبدت ملامحه مخلوطة بملامح النوم والذعر ..
وإذا به يفاجأ بحجر متوسط الحجم ..
يصطدم بجبينه ويشجه ..
وأخذ دمه ينهمر .. متحرراً من جبينه بلا توقف ..
.... يتبع ....
ماشاء الله تبارك الرحمن
قصه رووعه
خيتي ارسم العشق
شاكرة لك حضورك الطيب
دمتِ بجمال روحك
المضاءة بحب آل البيت
( 10 )
" لا يزال يقاوم "
مع وصول أول شخص من أهل القرية إلى مصدر الصوت ..
كان أبو عيسى ..
آخذاً بعنق أحمد يخنقه .. وهو مستلقٍ على الأرض ..
بينما أهل أحمد .. يصرخون طالبين للغوث ..
فاندفع الرجل حول أبو عيسى .. ودفعه من فوق أحمد ..
فشهق شهقة كادت أن تخرج روحه معه ..
وأجلسه يساعده على التنفس ..
لقد كان الرجل أبو مهدي ..
أبو مهدي : هل فقدت عقلك ..
أتحاول أن تقتل شاباً ضعيفاً في عمر أولادك ..
ماذا حصل لك ؟
أكلُ هذا بسبب المال ؟
أبو عيسى : ليس المال فقط ..
هذا اللص يستحق الموت ..
فلم يكتفي فقط بعدم دفع الايجار ..
بل وسرق دكاني ..
تستطيع أن تذهب وترى بنفسك
في هذه الأثناء ..
بدأ أهل الحي بالتجمع .. ومن بينهم عمار ..
الذي أقبل نحو أحمد مسرعاً ..
عمار: أنت تنزف ؟؟ ماذا حدث ؟!
لم يكن أحمد في حالٍ تمكنه من الكلام ..
فرد أبو مهدي
أبو مهدي: لولا أني تدخلت لكان أحمد مقتولاً الآن ..
على يد أبو عيسى
هنا علا تهامس الناس .. واستنكارهم للأمر !!
عمار: ماذا تقول .. يقتله !!
أبو مهدي: أجل ..
لقد كان آخذاً بعنق الفتى المسكين يخنقه ..
لولا رحمة الله لَأجهزَ عليه ..
ولم يرحم لا توسل أمه ولا صياح اخوته ..
أبو عيسى : يستحق الموت هذا اللص الوقح ..
عمار: وافترض أنه لص .. اللص لايقتل ..
أبو عيسى : لكن هذا يقتل لأنه وقح ..
لم يكتفي بعدم دفع الايجار ..
بل وسرق دكاني ..
والآن أريده أن يدفع مبلغ الايجار ..
ويعيد المال المسروق ..
وأن يخرج من بيتي من ساعته ..
اضافة اني سأتقدم ببلاغ إلى الشرطة ..
أبو مهدي : اتقي الله يارجل .. ليسوا إلا أيتام ..
أبو عيسى : ليسوا إلا لصوص ..
عمار: وما أدراك أنه هو من سرق ؟
هل رأيته ؟!
أبو عيسى : لم أره ..
لكن من البديهي أن يعمل ذلك ..
كي ينتقم مني هذا التعس اللعين ..
عمار: أرجو أن تبقى محترماً يا أبا عيسى ..
فلا يكفيك أنك تهجمت على الرجل .. وحاولت قتله ..
واتهمته ..
وأخرتنا عن وقت صلاة الفجر ..
الآن ترميه بالألقاب ..
كن حليماً ..
أبو عيسى : لا تقلق ياشيخ ..
سترى كم أنا حليماً في مركز الشرطة ..
وأريده خارج منزلي حين أعود ..
وإلا سيخرج هو وأهله بالقوة ..
وسَأزُجّ بأغراضه إلى الشارع ..
وله وقت حتى الثالثة عصراً ..
انصرف أبو عيسى وهو يلهث ..
كأنه يبحث عن أي ذرة أكسجين ليتنفسها ..
وكأنما الشيطان الذي سخر له ..
كان يتنفس كل الهواء الذي يتنفسه هو ..
تعاون رجل مع أبو مهدي في حمل أحمد إلى سيارة .. وأخذوه إلى المستشفى ..
بينما عاد عمار إلى منزله ..
وجهز نفسه للصلاة ..
وذهب إلى المسجد وأذّن ..
كان ذلك ..
هو أول يوم يؤذّن فيه أذان الصبح متأخراً ..
حمل إبليس أحد قوارير المعاصي ..
أتى له بها الوسواس الخناس ..
وأخذ يتأملها .. وهو مبتسم ..
بينما كان مستلقياً على جنبه ..
وإحدى قدميه موضوعة على ذراع عرشه ..
بينما الأخرى متدلية تلامس الأرض ..
وأخذ يضحك ضحكاً متقطعاً..
إبليس : ههه .. هه .. أقلت لي أن هذه من أبي عيسى ؟
الوسواس الخناس : أجل .. لقد كان سهلاً جداً ..
حتى أن من اهتم به أضعف شيطان في جيشنا ..
وما هذه إلا بداية الغيث ..
إبليس : حقاً .. هذه بداية الغيث ..
لكن حين يأتي الغيث ..
أنا من سأقصم ظهر عمار ..
وأخذ يواصل الضحك..
وهو ينظر إلى القارورة بسرور ..
مع ظهور أول شعاع شمس ..
كان عمار بجانب سرير أحمد في المستشفى ..
الذي كان رأسه ملفوفاً بلفاف أبيض ..
ويظهر على سطحه بقعة دم حمراء ..
عمار : كيف تشعر الآن ؟ كيف جرحك ؟
أحمد : جرح رأسي لا يألمني يا عمار ..
الذي يألمني جرحٌ هنا ..
وأشار نحو قلبه .. وأشاح بوجهه عن عمار..
وانحدرت على خده دمعة حارة ..
لو وقعت في بحر لبخرته .. لحرقة قلب أحمد ..
مسح دمعته ..
ثم أعاد النظر إلى عمار ..
أحمد : لقد أهانني ..
وضربني أمام الملأ .. وأمام أهلي ..
أنا لست لصاً يا عمار ..
لست لصاً
عمار : أصدقك يا بني ..
وأنا متيقن كل اليقين أنه لا يدٌ لك في ما حدث ..
أحمد : مؤكد أنه الآن في مركز الشرطة ..
وسيخرج أهلي من البيت ..
سيحدث ما خشيت حدوثه ياعمار ..
سيضيعني ويضيع أهلي ..
عمار: ماذا تقول يا أحمد ..
لن يضيع أحد منكم وأنا موجود ..
ستسكنون في بيتي
أحمد : وأنت أين ستذهب ..
عمار : لا تقلق علي ..
فأنا أستطيع أن أتكفل بنفسي ..
سأعيش في مخزن مكتبتي حالياً ..
وسأذهب من ساعتي إلى بيتك ..
وأخبر أهلك بأن يجهزوا أغراضهم لينتقلوا إلى بيتي ..
وسأساعدهم أيضاً
أحمد : لا أعلم كيف سأردُّ لك هذا الجميل ياعمار ..
عمار: لا تقل جميلاً.. إنه واجب علي
هنا أدار الوسواس الخناس وجهه لحائط الغرفة ..
واختفى وهو يقول ..
الوسواس الخناس : اللعين ..لا يزال يقاوم
... يتبع ...
( 11 )
" حصيلة اليوم "
إحساس بشع ..
تملَّـك أعماق نفسه ..
غمرات وخلجات .. من الشعور بالذنب ..
اعترت روحه ..
لأنه لم يقدر أن يعيل أهله ..
والدموع كانت تخنق عيناه ..
فلا تدع إلا انعكاسات مشوشة للعالم أمامه من خلال جفون بللها ألم عبراته ..
هذه كانت حال أحمد .. حين تركه عمار ..
على غير عادة ..
في الساعة العاشرة والنصف ..
كانت مكتبة عمار موصدة ..
كان عمار واقفاً عند باب بيت أحمد ..
بينما كان أخ أحمد الصغير ..
.. جعفر ..
يخرج أمتعة وأغراض أهله ..
فأقبل حاملاً حقيبة سوداء ..
ذات حجم كبير .. لها قفلان أحدهما مكسور ..
جعفر : انتهينا هذا آخر شيء ..
عمار : جيّد ..
الآن سنأخذ كل هذه الأغراض إلى منزلي ..
لقد استأجرت سيارة نقل ..
سننقل الأغراض أولاً .. ثم سنعود لنقلك وأهلك ..
مهدي: هل يمكنني أن أساعد ياجدي عمار ..
أرجوك .. أرجوك
عمار: بالطبع تستطيع ..
لكن هذه الأغراض ثقيلة كما ترى ..
ولن تقدر على تحريكها ..
استدار عمار بناحية السيارة ..
وأشار إلى العمال أن يحملوا الأمتعة .. ثم صعد معهم ..
تقدم جعفر نحو الشاحنة بسرعة ..
وأطرق وجهه إلى الأرض بخجل ..
جعفر: عمار..
عمار: نعم .. هل تريد شيئاً آخر يا بني ..
جعفر : لا .. لكن ..
لكن لا أدري كيف أشكر لك هذا الصنيع ..
عمار: لا داعي لأن تشكرني فنحن أهل ..
وإذا ساعدتكم اليوم ساعدتموني غداً ..
ولا تقلق أبداً ..
هل تريد شيئاً آخر الآن ؟
جعفر: لا .. شكراً لك ..
عمار: سأعود خلال نصف ساعة مع العمال ..
مهدي إبقى هنا مع جعفر ..
فكما ترى لا يوجد متسع في السيارة ..
مهدي: حسناً
عند االظهر ..
كان عمار قد أنهى الترتيبات كاملة ..
فانتقلت عائلة أحمد إلى بيت عمار ..
وعمار انتقل إلى مخزن مكتبته ..
استلقى عمار على الفراش ..
الذي نقله إلى مخزن مكتبته ..
فقد كان صباحاً متعباً لرجل في عمره ..
وأخذ يحدق متأملاً في سقف مكتبته ..
الذي كان قد اهترأ وتقشر وظهر لون مواد البناء الأصلية ..
" مالذي يحدث .. ماذا أصاب الناس؟
.. لم يكن الحال هكذا منذ شهر!!
وكأن شيئاً طرأ عليهم فأخرج معدنهم وجوهرهم ..
كما اهترأ سقف مخزني وظهر لونه الأصلي ..
ليتني أعرف مايحدث!! " ..
سمع عمار طرقاً على باب مكتبته ..
ثم سمع أحدهم يناديه ..
نهض بتثاقل .. وسار نحو الباب وفتحه ..
عمار : أبا مهدي !!
أبو مهدي : السلام عليكم ..
عمار: وعليكم السلام ..
أبو مهدي: ماهذا الذي سمعته من مهدي ؟
عمار: وما سمعت ؟
أبومهدي: تنتقل للسكن في المكتبة ..
وبيتي مفتوح لك .. لا بل هو بيتك ..
عمار: أعلم أنك كلك خير ..
لكن صدقني ..
أني أجد راحتي هنا بين كتبي ..
أبو مهدي : عدني ..
عمار : بماذا؟
أبو مهدي : أنك إذا احتجت أي شيء ..
في أي وقت فلن تتردد ..
عمار : أنت أخ عزيز يا أبا مهدي ..
أعدك ..
دفع الوسواس الخناس ..
بصندوق مملوء بقوارير المعاصي ..
تحت عرش إبليس ..
ثم ذهب وعاد محملاً بآخر ..
الوسواس الخناس : خذ هذا حصيلة اليوم من مدينة عمار ..
إبليس : وكيف صديقنا عمار ؟
الوسواس الخناس : لايزال يقاوم اللعين ..
ضد أبو عيسى ..
إبليس ضحك بخبث : إذا فالخطة تسير حسبما أريد ..
الوسواس الخناس : ماذا تعني .. إنه لايزال يقاوم ..
إبليس : ألا تنظر للبعيد ..
هذا ما أردته منذ البداية ..
هل ترى الصناديق أمامك ؟
الوسواس الخناس : بالتأكيد أراها !!
إبليس : مابها؟
الوسواس الخناس : هل تستغفلني ..
بالطبع قوارير المعاصي
إبليس : من أين جاءت ؟
الوسواس الخناس : من أهل مدينة عمار ..
إبليس : أها .. لقد قلتها ..
من أهل مدينة عمار ..
ولو لم يكن عمار مشغولاً مع عائلة أحمد ضد صديقنا العزيز أبو عيسى ..
لما تمكنا من حصد هذا الكم الهائل من القوارير..
ولما كان بمقدورنا غواية حتى أكثر من نصف مدينة عمار ..
لكن الآن أنظر ..
بعد انشغاله عن الناس .. قد أثرنا في معظمهم ..
بعد مضي شهر ..
تمكن أحمد من استدراك مبلغ من المال ..
واستئجار بيت جديد بعيد عن لعنة أبو عيسى ..
وعاد عمار إلى منزله ..
لكن خلال هذه الفترة ..
سعى إبليس في الناس فصار الوضع مشتداً على عمار ..
... يتبع ...
رااااااااااااااااااااااااااااااااائعه مثل روحك الطاهره
ماشــــــــــــــاءالله قصه بجد معبره
غاليتي ورد الياسمين في ميزان حسناتك غناتي
ربي يعطيك الف عافيه
وحوائج مقضية بحق محمد وآل محمد
موفقه لكل خيروصلاح
دمتي بود
( 12 )
" لابد أن تعرف الحقيقة"
كالمجنون ..
أو كالمتوتر الذي أضاع شيئاً ثميناً ..
دخل أبو عيسى إلى منزله ..
وأخذ يصيح
أبو عيسى : عيسى .. عيسى .. أين أنت ؟
عيسى يصيح من غرفته : ماذا تريد ؟
أبو عيسى : تعال هنا أيها العاق ..
عيسى : ماذا تريد يا موسى ..
كان ينادي والده بإسمه
أبو عيسى : قلت لك مليون مرة ألا تناديني بإسمي ..
فلست أحد أصدقاءك الحمقى ..
عيسى : وماذا تريد الآن؟
أبو عيسى : ستأتي معي إلى المسجد في صلاة المغرب ..
ثم إلى الدكان فهمت ؟
عيسى : لكنك تعرف جيداً أنني لم أذهب إلى المسجد منذ سنتين ..
وتعرف جيداً أني لا أحب الذهاب إلى هناك ..
أبو عيسى بغضب ..
وقد تقدم خطوة نحو الأمام : قلت لك فهمت ..
عيسى : حسناً .. حسناً
أبو عيسى : والآن اغرب عن وجهي ..
وارتدي شيئاً مناسباً .. ثم عُد لنذهب ..
صعد عيسى غرفته ..
وارتدى ثوباً .. وأغلق باب غرفته بقوة تذمراً منه ..
ثم عاد ..
وذهب الإثنان إلى المسجد ..
حين دخل عيسى إلى المسجد ..
كان بعض المتواجدين يحدقون فيه تعجباً ..
فقد كانت مدينتهم صغيرة والجميع يعرف بعضهم ..
والجميع يعرف أن عيسى لم يضع قدماً في مسجد أو مناسبة دينية منذ فترة طويلة ..
وكان عمار ينظر إليه مبتسماً ..
" أرجو أن يكن الله قد هدى هذا الشاب
وأباه "
ونظر عيسى إلى عمار باحتقار ..
" إلى ماذا ينظر هذا العجوز الخرف الصدئ "
بعد الصلاة ..
سار أبو عيسى وإبنه مباشرة إلى الدكان ..
وتوقفا عند بوابته المغلقة ..
رمى أبو عيسى بمفاتيح الدكان بيد عيسى ..
أبو عيسى : خذ إفتح الباب
عيسى : لماذا ؟ أين العمال ..
أتريدني أن أعمل في الدكان يا موسى ..
أبو عيسى : لقد صرفت العمال الليلة ..
فليس هناك إلا أنا وأنت ..
وهيا إفتح الباب .. فأمامنا الليل بطوله لنقف ..
أما الدكان نثرثر يا أحمق ..
فتح عيسى الدكان وأضاء الأنوار ..
أخذ والده المفاتيح من يده نهباً ..
وجلس خلف مكتبه .. وأشار إلى عيسى أن يجلس ..
وفتح خزنةً في الدكان .. كانت من النوع الرمادي الغالي الذي يقفل بمفتاح وبرقم سري ..
ثم أخرج منها صندوقاً معدنياً أحمر كان مقفلاً الآخر ..
وفتحه بمفتاح صغير في نفس ميدالية مفتاح الدكان ..
وأخرج منه ورقة بدت عتيقة وقديمة ..
حتى بانت بها آثار الإصفرار .. والتفتت بها ..
في نفس الوقت .. في بيت أبي مهدي ..
أتت أم مهدي لأبنها بمبلغٍ قليل ..
وطلبت منه أن يذهب لدكان أبي عيسى .. ويجلب خبزاً للعشاء ..
مهدي : أمي لكني لا أحب الذهاب إلى هناك فهذا الرجل ..
هذا الرجل مجنون ..
أم مهدي : لا يصح أن تقول عن الناس هذا ..
والآن إذهب ياصغيري ..
فأباك يعمل حتى الآن ..
وعندما يعود سيكون متعباً ..
لذلك من الجيد أن يكون العشاء معداً حين يعود ..
مهدي : حسناً
خرج مهدي يسير إلى الدكان من غير رغبة ..
كان يسير كالمدفوع .. وكأن كل رجل تجبر الأخرى على السير ..
وكان يحرك بقدمه .. ما يصادف من احجار صغيره ..
لكنه في الواقع لم يكن يسير بمفرده ..
بل كان هناك إثنان ينظران ويرصدان ..
إبليس والوسواس الخناس ..
إبليس : أترى إن الأمور تجري كما خططت لها ..
الوسواس الخناس : لست أرى إلا طفلاً ذاهباً يشتري خبزاً ..
مهلاً ..
إنه الطفل الذي برفقة عمار !!
إبليس : بالضبط .. ومن هنا سأسدد لعمار ضربتي الأخيرة ..
الوسواس الخناس : سنرى
كان سير مهدي هادئاً ..
لذلك لم يكن أبو عيسى وإبنه ليشعران به حين وصل بقرب باب الدكان ..
فتوقف مهدي فجأة بجانب الدكان ..
بعد أن سمع أبو عيسى يتحدث مع إبنه ..
مرر أبو عيسى الورقة القديمة إلى إبنه ..
إبو عيسى : ماذا ترى ؟
عيسى: وماذا أرى ورقة قديمة مهترئة ..
نهض أبو عيسى ثائراً من خلف مكتبه ..
وأمسك بذقن عيسى بغضب ..
وأنزل وجهه نحو الورقة القديمة الموضوعة على المكتب ..
بينما كان مهدي يراقب ..
أبو عيسى : لقد أصبحت رجلاً كبيراً ومسؤولاً ..
وأنت من سيدير أملاكي من بعدي ..
فلا بد أن تعرف الحقيقة حتى تحذر ..
والآن أخبرني ماترى في الورقة إقرأ..
عيسى : مكتوب " أقر أنا موسى العامر أن يوسف الخليل قد شاركني بماله في نصف ماأملك ..
وقد غطيت بأمواله معظم مستحقات ديوني ..
وبهذا أصبح شريكاً رسمياً وشرعياً في نصف
أملاكي "
أبو عيسى : هل عرفت الآن إن يوسف الخليل هو أبو أحمد وقد توفي منذ خمسة عشر سنة ..
وحسب ما أعرف ..
أنه لم يترك مايثبت ما قرأت للتو سوى هذه الورقة المبصومة والموقعة من كلانا فقط ..
فكما تعلم كنا صديقين ونثق ببعض ..
لكن بعد موته ..
وأقولها لك وبصراحة ..
استوليت على كل شيء فالحلال حلالي منذ البداية ..
عيسى : إذاً لِـمَ لا تتلف الورقة ؟
أبو عيسى : أحمق ..
وماذا لو كان بحوزة أبو أحمد ما يثبت أنه يملك النصف ..
وماذا لو ادعى أحد أبناءه حتى أن الحلال كله من حقهم ..
فهذه الورقة تثبت على الأقل أن النصف من حقنا ..
فهمت..؟
بدت علامات الشرود والتفكير على وجه عيسى : أجل فهمت ..
تراجع مهدي إلى الخلف ..
واصطدم بباب الدكان فأصدر صوتاً ..
وولى عائداً إلى البيت سريعاً ..
عيسى : هل سمعت ياموسى ؟
أبو عيسى : أجل وماذا تنتظر .. لقد سمعنا أحدهم إلحق به ..
... يتبع ...
( 13 )
" سأخبرك في الغد "
قفز عيسى سريعاً من على كرسيه ..
ولحق بمصدر الصوت ..
وأخذ يركض خلف صوت الجري ..
بكل سرعه ..
وقف إبليس متكتفاً .. وعلى وجهه إبتسامة رضى وانتصار ..
إبليس : أرأيت
الوسواس الخناس : أجل تأزمت الأمور ..
إنك داهية ..
وماذا سيحدث عندما يمسك بالصغير
اللعين ؟؟..
إبليس : لنذهب ونرى ..
دفع الخوف بمهدي أن يجري بسرعة ..
ويعود إلى البيت ..
دون أن يدركه عيسى أو حتى يراه ..
فلم يعرف عيسى من كان ينصت لهم ..
فعاد إلى أبيه بخيبته ..
أبو عيسى : من كان هناك؟
عيسى : لا أعلم لقد جريت بكل سرعتي لكني لم أرى أحداً ..
وكأن الأرض انشقت وابتلعته ..
أبو عيسى : لا تقلق ..
الآن ما أريده منك ألا تخبر أحداً بما علمت الليلة وكأنك لم تعرف ..
واترك الباقي علي ..
والآن تستطيع أن تذهب إلى البيت ..
عيسى : وماذا عمن سمعنا؟
أبو عيسى : لانستطيع أن نجزم أنه سمعنا ..
واطمئن لن ينالوا شيء ..
عاد مهدي إلى البيت ..
وأنفاسه تتقطع ..
لايلبث أن يأخذ نفساً .. حتى يتبعه سريعاً بآخر ..
حتى رأته أمه ..
أم مهدي : ما بك لماذا تلهث يا صغيري ؟
مهدي : لاشيء .. فقط عدت إلى البيت جرياً
أم مهدي : سأجلب لك ماء لتشرب ..
هل حقاً ليس هناك شيء ؟
تبدو مرعوباً !!
مهدي : حقاً يا أمي لاشيء ..
ذهبت أم مهدي .. وعادت بكأس ماء إلى مهدي الذي شربه بنهم ..
أم مهدي : وأين الخبز
مهدي : ماذا الخبز !! ..
لم يكن هناك خبزاً ..
أجل لم يكن ..
أم مهدي : غريب ..
لا بأس .. إذا سأخبر أباك أن يجلب معه في طريق عودته ..
في صباح اليوم الثاني ..
كان أبو مهدي في دكان أبو عيسى ..
يشتري حاجات لبيته ..
ومن باب الحديث فقط سأل أبو عيسى ..
أبو مهدي : لقد أتى مهدي أمس إلى الدكان .. ولم يكن هناك خبزاً ..
حدق أبو عيسى إلى أبو مهدي بتعجب وشك
ثم بادر :
أجل لم يكن هناك خبز .. فلم تأتي سيارة المخبز ..
أبو مهدي : إذاً كم الحساب ؟
دفع أبو مهدي حسابه وخرج ..
بينما رفع أبو عيسى هاتفه ..
وطلب من عيسى أن يأتي من فوره إليه ..
أبو عيسى : أظن أني عرفت من كان يتنصت علينا في البارحة ..
عيسى : من ؟
أبو عيسى : إنه مهدي ذلك الصغير اللعين ..
عيسى : وكيف عرفت ؟
أبو عيسى : أتى أباه اليوم صباحاً ..
وقال أن ابنه أتى البارحة لشراء الخبز ..
لكنه لم يجد خبزاً .. وتوقع ماذا
عيسى : ماذا ؟
أبو عيسى : مهدي لم يأتِ بالأمس لشراء الخبز ..
اضافة إلى أنه كان لدينا خبزاً بالدكان البارحة ...
عيسى : إذاً كان هو قادماً ليشتري خبزاً ..
وسمح حديثنا مصادفة..
فولى هارباً ..
أردف أبو عيسى : ولى هارباً .. ليخبر الخرف عمار ..
عيسى : ما العمل ..
أبو عيسى : سأضع خطة الليلة للتخلص من الصغير اللعين ..
في العصر ..
كان عمار قد استلم حمولة جديدة من الكتب ..
وصلت حديثاً ..
وكان مشغولاً في ترتيبها وخزنها ..
وفجأة ..
دخل مهدي من باب المكتبة ..
فتوجه إليه عمار : مرحباً ياصغيري كيف حالك اليوم ؟
مهدي بقلق : بخير ..
عمار : ماالمشكلة ياصغيري تبدو قلقاً ..
مهدي : عندي ما أخبرك به ..
في هذه الأثناء دخل أحد الزبائن إلى المحل ..
ليستلم مجموعة من الكتب التي وصلت ..
كان قد طلبها مسبقاً ..
عمار: مارأيك يا صغيري أن تخبرني لاحقاً ..
مهدي : لكنه ضروري جداً ..
عمار : كما ترى ياصغيري .. أنا مشغول جداً اليوم بالكتب الجديدة ..
كما أنه يوجد زبوناً ينتظر ..
وافترض مهدي أنه لا بأس بأن يخبر عمار في الغد ..
إذ أنه لا أحد يعلم بأنه يعلم بقضية
أبو عيسى :
حسناً سأخبرك في الغد يا جدي ..
... يتبع ...