الثالث : الطين
وتوجد طائفة من الآيات التي تقول أن المادة الأولى لخلق الإنسان هي الطين كقوله تعالى ((هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ)) وكذلك قوله تعالى (( إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ))
الرابع : الصلصال
لقد اعتبر ظهور الإنسان من صلصال في أربع آيات كقوله تعالى ((وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ)) وكما ذكرنا أن الصلصال هو الطين الجاف
الخامس : الحمأ المسنون
لقد ذكرت سورة الحجر لفظة الحمأ المسنون علاوة على الصلصال ولعل أقرب المعاني له هو الطين الذي صقل فذهبت خشونته
السادس : النطفة
هناك فئة من الآيات تعد أن منشأ خلق الإنسان هو النطفة كقوله تعالى ((خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ )) وقد قال في آية أخرى ((أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى)) وقد ورد ذكر التراب والنطفة معا في بعض الآيات كقوله تعالى ((هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ)) ويحتمل في هذه الآيات وجهان :
الأول :
لما كان آدم عليه السلام من تراب وكل إنسان ينتهي في خلقه إليه فإذن سيكون مبدأ خلق آدم مبدءا لخلق الآخرين أيضا
الثاني :
أن تكون هذه الآيات ناظرة إلى مراحل خلق كل فرد فالتراب يتحول إلى مواد غذائية وهي تتحول إلى نطفة فيكون التراب مبدأها والنطفة مبدأ الإنسان وبعبارة أخرى يعتبر التراب المبدأ البعيد والنطفة المبدأ القريب له وكل من الوجهين يستقرب بلحاظ سياق الآيات نعم بعض الآيات تختص بآدم وعيسى لكونهما مخلوقين من غير نطفة كما أن المخلوق من صلصال كالفخار الظاهر أنه بخصوص آدم لأننا مخلوقين من التراب من مواد غذائية ترابية تحولت إلى غذاء وتحول هو إلى نطفة وهذا ليس صلصال لأنه لو كان الطين جافا لم ينموا النبات فيه فيختص ذلك بآدم ويكون نسبة ذلك للآخرين لكونهم أبنائه ويشهد على ذلك قوله تعالى (( وَبَدَأَ خَلْقَ الْأِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ)) حيث نجد أنه فصل بين الإنسان الأول فقال أنه مخلوق من طين وبين نسله فذكر أنهم مخلوقون من ماء مهين وهناك آيات في القرآن الكريم تبين مبدأ خلق الإنسان تارة ببيان كيفية خلق كل فرد بدءا من النطفة ومرورا بتلك المراحل المعينة حتى تصل إلى مستوى الجنين الكامل وتارة أخرى ببيان صورة خلق الإنسان الأول وتارة بالجمع بين الصورتين فقوله تعالى (( وَبَدَأَ خَلْقَ الْأِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ)) يشير إلى الجمع بين الصورتين وأما الآيات التي تتحدث عن خلق الإنسان من صلصال كالفخار فهي تشير إلى خلق الإنسان الأول كما ذكرنا سابقا ويشير إلى مراحل حياة الإنسان من بعد آدم قوله تعالى ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ))
بعدما تعرفنا على أصل وجود الإنسان من خلال القرآن الكريم نتعرض هنا لما يدور في أوساط علماء الطبيعة بشأن خلق الكائنات الحية بما فيها الحيوانات والنباتات وعلى هذا توجد فرضيتان تطرحان في الوسط العلمي لعلماء الطبيعة بشان ذلك :
الصورة الأولى :
فرضية التكامل النوعي أو تطور الأنواع ومفادها أن الكائنات الحية لم تكن في البداية كما هي عليه الآن وإنما كانت على هيئة موجودات ذات خلية واحده تعيش في مياه المحيطات وظهرت بطفرة خاصة من تعرقات طين أعماق البحار وبتعبير آخر كانت هذه المخلوقات عديمة الروح ثم تولدت منها خلية حية نتيجة لظروف خاصة وقد كانت هذه الكائنات الحية متناهية في الصغر لا ترى بالعين المجردة ثم تطورت فمرت بمراحل التكامل التدريجي وتحولت من نوع إلى آخر وتم انتقالها من البحار إلى الصحاري ثم إلى الهواء وبذلك تكونت النباتات والحيوانات المائية والبرية والطيور وأكمل مرحلة وأتم خلقة لهذا التكامل والتطور هو الإنسان الذي نراه اليوم حيث تحول من موجودات تشبه القرود إلى القرود التي تشبه الإنسان ثم وصل إلى صورته الحالية .
أدلة الصورة الأولى :
الأول :
أدلة مستمدة من علم الأجنة المقارن
ذكر أصحاب فرضية التطور والتكامل مجموعة من الأدلة في مقام إثبات دعواهم أن هناك كثيرا من مظاهر النمو الجيني تكون عامة بين أفراد أي مجموعة من الحيوانات وإن الأجنة المبكرة للجميع تتشابه لحد كبير وفيما بعد تتميز أجنة كل صنف وفي الأخير تتضح صفات العائلة حتى النوع والحق أن هذا الدليل بعيد عما يرمون إليه من استدلال لأن تشابه الأجنة إن دل على شيء فإنما يدل على وحدانية الخالق سبحانه وتعالى لأن الأسس والأصول التي قامت عليها حياة الكائنات الحية جميعا تخضع لفكرة واحدة وإن اختلفت في التفاصيل وبعبارة أخرى إن الكائنات الحية كلها تتشابه وتتقارب في نشأتها والأولى ثم تترجم الخلية ما تضمنته إلى خطة عمل إلى كائن حي حتى يمر بمراحل محدده لا تختلف كثيرا بين نوع وأخر ولا يكون تمييز الأجنة إلا في مراحل متأخرة .
الثاني :
أدلة مستمدة من التراكيب الأثرية
حيث توجد بعض الأعضاء التي كانت موجودة في السابق غير موجودة اليوم أو أنها مختزلة لعدم وجود وضيفة لها اليوم ومثال ذلك الزائدة الدودية في الإنسان الحديث إذ يبدو أنها كانت نامية في الإنسان القديم الذي كان يقتات بالنبات ثم بدأت تضمر لما تحول الإنسان إلى آكل اللحم وكذلك عضلات الأذن في الإنسان إذ بعدما أمن الإنسان الحديث فلم يعد يجابه المخاوف والأخطار كما في الإنسان السابق الذي كان يعيش في الغابات فلا حاجة إلى آذان كبيره لالتقاط الأصوات من اتجاهات مختلفة ولا يخفى أن هذا الدليل يخالف المدعى حيث أن مفاد الدليل أن التطور الحاصل في المخلوق نجم عن تأثير الظروف الخارجية من المناخ والغذاء والحياة العامة فإذا كان غذاؤه نباتا محضا كان للزائدة الدودية دور كبير وهكذا في بقية الأمثلة وأين هذا من تطور الإنسان عن القرد وهو عن حيوان آخر وهكذا حتى يصل الأمر إلى الشكل الحالي.
وسوف أكمل معكم إن شاء الله