رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*
" مرحبا ، سامر ... "
بصعوبة استطعت رد التحية و دعوتهما للدخول ...
وليد كان يرى الدهشة الجلية على وجهي مجردة من أي مداراة مفتعلة !
قال ، و هو يشير إلى الفتاة الواقفة إلى جانبه تبتسم بهدوء :
" أروى نديم ، تعرفها "
قلت :
" أأ .. أجل ... "
قال :
" خطيبتي "
و من القطب الجنوبي ، إلى أفريقيا الاستوائية !
اعتقد أنكم تستطيعون تصوّر الموقف خيرا من أي وصف أنقله لكم !
" خـ ... طيبتك !! "
" نعم ، ارتبطنا البارحة "
نظرت إلى الفتاة غير مصدّق ، أطلب منها تأكيدا على الكلام ، ابتسمت هي و نظرت نحو وليد ..
وليد قال :
" أ لن تبارك لنا ؟؟ "
" أأ ... نعم ...طبعا ... لكنني تفاجأت ، تفضلا على العموم ، مبروك لكما .. "
و قدتهما أولا إلى المجلس ، حيث النسوة...
طرقت الباب و أنا أنادي أختي دانة... ، فتحت هذه الأخيرة لي الباب و خرجت من فتحته الضيقة ، و حالما أغلقته انتبهت لوليد ...
" وليد ! "
أشرق وجهها و تفجرت الأسارير عليه .. ثم فتحت ذراعيها و أطبقت عليه معانقة إياه عناقا حميما...
" نعم .. كنت أعلم بأنك ستأتي و لن تخذلني ، فأنت لم تخذلني ليلة خطوبتي.. أنا سعيدة جدا.. "
وليد قال :
" مبروك عزيزتي... أتم الله سعادتك و بارك لك زواجك .. "
بعد ذلك ، رفعت رأسها لتنظر إليه ، ثم دفنته في صدره و هي تقول :
" سامحني... لم أكن أعلم .. سامحني يا أخي الحبيب .. أنا فخورة بك.. و أتباهى أمام جميع المخلوقات .. بأن لي أخا مثلك.. سامحني .. "
وليد ربت على ظهر دانة بحنان ، و إن كانت الدهشة و الحيرة تعلوان وجهه ، و قال مواسيا :
" لا بأس عزيزتي .. لا تبكي و إلا أفسدت ِ زينتك ، و غير المغرور رأيه بك ! "
رفعت دانة رأسها و انفجرت ضحكا ، و وكزته بمرفقها و هي تقول :
" لم تتغير ! سوف أطلب من نوّار أن يضربك قبل خروجنا ! "
قلت أنا :
" احذري ! و إلا خرج عريسك بعاهة مستديمة ! "
و ضحكنا بانفعال نحن الثلاثة...
التفت وليد للوراء حتى ظهرت خطيبته الجديدة ، و التي كانت تقف على بعد خطوات ...
قال :
" اقتربي أروى "
اقتربت الفتاة و هي تنظر نحو العروس ، و تحييها ..
" مبروك دانة ! كم أنت جميلة ! "
دانة حملقت في الفتاة قليلا ثم قالت محدثة وليد :
" هل حضرت عائلة المزارع ؟؟ "
وليد قال :
" أروى فقط.. "
فتعجبت دانة ، فوضّح :
" خطيبتي "
طغى الذهول على وجهها ربما أكثر مني ، قالت باستغراب شديد :
" خطيبتك !! "
قال وليد :
" نعم ، عقدنا قراننا البارحة... باركي لنا "
رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*
الاضطراب تملّك دانة ، و حارت في أمرها و لزمت الصمت لوهلة ، ألا أنها أخيرا تحدّثت :
" فاجأتماني ...بشدّة ! ... مبروك على كل حال "
و كان واضحا لنا، أو على الأقل واضحا لي استياؤها من المفاجأة...
قلت :
" فلتتفضل الآنسة ... "
دانة التفتت إلى أروى و قالت :
" تفضلي "
و فتحت الباب لتسمح لها بالدخول ... و قالت مخاطبة إيّاي :
" رغد في غرفتها .. ذهبت لاستبدال فيلم الكاميرا ... "
و كان القلق جليا على ملامحها ...
قال وليد :
" جيد ! أ أستطيع رؤيتها ؟؟ "
تبادلنا أنا و دانة النظرات ذات المعنى .. و قالت هي :
" نعم ، سأدخل لأقدّم أروى للجميع "
و دخلت الغرفة و أغلقت الباب تاركة إياي في المأزق بمفردي !
وليد التفت إلي و قال :
" أريد إلقاء التحية عليها.. إن أمكن "
أنا يا من كنت أدرك أنها تنتظره بلهفة منذ ساعات... و أنها ستطير فرحا متى ما رأته .. لم أملك من الأمر شيئا
قلت باستسلام :
" أجل ، تفضل ... "
و قدت ُ بنفسي ، حبيب خطيبتي إلى غرفتها لكي تقابله ...
طرقت الباب و قلت :
" رغد .. وليد معي "
قاصدا أن أنبهها لحضوره ، لكي ترتدي حجابها..
ألا أنني ما كدت أتم الجملة ، حتى انفتح الباب باندفاع سريع ، و ظهرت من خلفه رغد على حالها .. و هتفت بقوة :
" وليد ! "
أي رجل في هذا العالم ، يحمل ذرة حب واحدة لخطيبته ، أو حتى ذرة شعور بالملكية و الغيرة
فإنه في لحظة كهذه سيرفع كفيه و يصفع وجهي الشخصين الماثلين أمامه في مشهد حميم كهذا ...
ألا أنني أنا ... سامر العاشق المسلوب الحبيبة .. المغطّي لمشاعره بطبقة من الجليد ..
وقفت ساكنا بلا حراك و بلا أي ردّة فعل .. أراقب خطيبتي و هي ترتمي في حضن أخي بقوة ..
و تهتف بانفعال :
" وليد .. لماذا لم تخبرني .. لماذا .. لماذا .. "
~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~
و إن كنت أتظاهر بالبرود و الصمود ، ألا أن ما بداخلي كان يشتعل كالحمم...
و إن كنت أتظاهر بأنني فقط أود إلقاء التحية
فإن حقيقة ما بداخلي هي أنني متلهف لرؤية صغيرتي الحبيبة و الإحساس بوجودها قريبة مني ...
لقد كنت أسير خطوة خطوة..
و مع كل خطوة أفقد مقدارا من قوتي كما يفقد قلبي السيطرة على خفقاته
فتأتي هذه الأخيرة عشوائية غير منظمة ..
تسبق الواحدة منها الأخرى...
و حين فتح الباب.. كنت قد أحرقت آخر عصب من جسدي من شدة التوتر..
لدرجة أنني لم أعد أحس بشيء..
أي شيء ..
لم أع ِ إلا و قذيفة ملتهبة قوية تضرب صدري .. تكاد تكسر ضلوعي و تخترق قلبي...
بل إنها اخترقته ..
فرغد لم تكن تقف أمامي بل .. كانت تجلس في قلبي متربعة على عرش الحكم..
تزيد و تنقص ضرباته قدر ما تشاء .. تعبث بأعصابه كيفما تشاء..
تسيّر أحاسيسه حسبما تريد...
و لأنني كنت مذهولا و فاقدا للسيطرة على حركاتي تماما
فقد بقيت ساكنا.. دون أي ردّة فعل ...
كان صدري مثل البحر .. غاصت صغيرتي في أعماقه و قطعته طولا و عرضا ..
و خرجت منه مبللة بالدموع و هي تنظر إلي و تهتف :
" لماذا لم تخبرني ؟؟ لماذا يا وليد ؟ لم أخفيت عنّي كل هذه السنين ؟؟ "
شيء ما بدأ يتحرّك في دماغي المغلق ..
و يفتح أبواب الوعي و الإدراك لما يدور من حولي ...
رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*
بدأت أنتبه لما تقوله صغيرتي ..
و بدأت أحس بأظافرها المغروسة في لوحي كتفي ّ كالمسامير ...
و بدأت أرى اللآليء المتناثرة من محجريها ... أغلى ما في كوني ...
لا شعوريا رفعت يدي إلى وجهها أردم سيل العبر ...
" لا تبكي صغيرتي أرجوك .. "
فأنا أتحمّل أي شيء في هذه الدنيا ، إلا أن أرى دموع غاليتي تتبعثر سدى...
إنني أشعر بحرارة شديدة أجهل مصدرها الحقيقي ...
أهو داخلي ؟ أم حضن صغيرتي ؟ أم الشرر المتطاير من عيني ّ أخي
اللتين تحملقان بنا بحدّة..
رغد أزاحت يديها عني ، و ابتعدت خطوة.. و ذلك أثار توترا في المسافة التي بيننا..
تماما كالتوتر الذي يولّده ابتعاد قطعة حديد صغيرة عن مغناطيس !
قالت :
" لقد اكتشفت ذلك الآن فقط .. لماذا لم تخبرني بأنك .. بأنك .. كنت في السجن ؟؟ "
و إن كانت مشاعري قبل قليل مخدّرة من تأثير قرب رغد ، فإنها استيقظت كلها دفعة واحدة فجأة..
و تهيّجت .. فصرت أشعر بكل شيء ، حتى بحرارة البراكين الخامدة في اليابان !
نقلت نظري من رغد ، إلى سامر ، إلى رغد ، إلى سامر ...
و حين استقرّت عيناي عليه، رأيت قنبلة متوهجة ، على وشك الانفجار...
لطفك يا رب ...
قلت أخيرا :
" أنت من أخبرها ؟؟ "
سامر لم يجب بكلمة ، بل بإيماءة و تنهيدة قوية نفثها صدره ..
و شعرت أيضا بحرارتها...
أعدت النظر إلى رغد.. فاسترسلت في سؤال :
" لماذا لم تخبرني؟؟ "
أخبرك ؟؟ بأي شيء يا رغد ؟؟ أ لم تري الطريقة التي عاملتني بها دانة ، بل و الناس أجمعون؟
أتراك تنظرين إلي ّ الآن مثلهم ؟؟
لا يا رغد .. أرجوك لا ..
قلت بلا حول و لا قوة :
" ما حصل..، لكن... أرجو ألا يغيّر ذلك أي شيء ؟؟ "
و انتظرت إجابتها بقلق...
قالت :
" بل يغيّر كل شيء ... "
و أذهلتني هذه الإجابة بوضوحها و غموضها المقترنين في آن واحد...
قالت:
" وليد ... وليد أنا ... "
و لم تتم ، إذ أن دانة ظهرت في الصورة الآن مقبلة نحو غرفة رغد.. و تكسوها علامات القلق...
جالت بمقلتيها بيننا نحن الثلاثة و استقرت على سامر...
شعرت أنا بأن هناك شيء يدور في الخفاء أجهله ...
سألت :
" ما الأمر ؟؟ "
لم يجب أي منهم بادىء ذي بدء ألا أن دانة قالت أخيرا، مديرة دفة الحديث لمنعطف آخر:
" رغد ! الكاميرا ! سنستدعي نوّار الآن ! "
ثم التفتت نحو سامر :
" إنه منتصف الليل ! هيا استدعه ! "
و يبدو أن ترتيباتهم كانت على هذا النحو
أن يدخل العريس إلى تلك الغرفة لالتقاط بعض الصور مع العروس و مع قريباته قبل المغادرة "
سامر نطق أخيرا :
" سأستدعيه... أخبريهن "
و رغد تحرّكت الآن من أمامي متجهة نحو المنضدة و من فوقها تناولت الكاميرا
و أقبلت نحو دانة و مدّت الكاميرا إليها ، فقالت دانة:
" أعطها لسامر الآن .. "
التفتت رغد نحو سامر .. و قدّمتها إليه...
سامر نظر إلى رغد نظرة عميقة.. جعلتها تطأطىء رأسها أرضا ...
رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*
أخذ سامر الكاميرا منها.. و قال ..
" سنلتقط له معنا بعض الصور ثم نعيدها إليكن .. "
قال ذلك و وجه خطاه نحو الصالة...
هممت ُ أنا باللحاق به... ألا أنني توقفت ، و التفت إلى رغد ... و قلت :
" كيف قدمك الآن ؟ "
رغد و التي كانت لا تزال مطأطئة برأسها رفعته أخيرا و نظرت إلي مبتسمة و قالت :
" طاب الجرح... "
قلت :
" الحمد لله "
ثم أوليتها ظهري منصرفا إلى حيث انصرف أخي ...
~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~
كنت مجنونة، لكنني لم أتمالك نفسي بعدما رأيت وليد يقف أمامي...
بطوله و عرضه و شحمه.. جسده و أطرافه... و عينيه و أنفه المعقوف أيضا ...
كأن سنينا قد انقضت مذ رأيته آخر مرة ، ينصرف من هذه الشقة جريحا مكسور الخاطر ...
اندفعت إليه بجنون... و أي جنون !
ظللت أراقبه و هو يوّلي .. حتى اختفى عن ناظري..
و بقيت محدّقة في الموضع الذي كان كتفاه العريضان يظهران عنده قبل اختفائه
و كأنني لازلت أبصر الكتفين لأمامي !
" رغد ! "
نادتني دانة ، فحررت أنظاري من ذلك الموضع و التفت إليها...
و رأيتها تحدّق بي و علامات غريبة على وجهها...
أنا ابتسمت .. لقد قرّت عيني برؤية وليد قلبي.. و لأنه هنا ...، فقط لأنه هنا
فإن هذا يعطيني أكبر سبب في الحياة لابتسم !
لا أعرف لم كانت نظرة دانة غريبة.. ممزوجة بالأسى و القلق.. قلت :
" ما بك ؟ "
" لا ... لا شيء "
" سأغسل وجهي و أوافيكن... "
و أسرعت قاصدة الحمّام ... طائرة كالحمامة !
بعد ذلك ، ذهبت إلى غرفة المجلس...مرتدية حجابي ،
إذ أنني سأبقى لأتفرج على العريسين و لمياء تلتقط الصور لهما..
جميعهن كن يجلسن في أماكنهن كما تركتهن قبل قليل، نظرن إلي ّ جميعا حالما دخلت..
فابتسمت في وجوههن...
فجأة لمحت وجها غريبا في غير موقعه !
وجه أروى الحسناء !
دُهشت و علاني التعجب ! وقفت هي مبتسمة و قائلة :
" مرحبا رغد ! كيف حالك ؟ و كيف صحتك ؟؟ "
" أروى ! "
" مفاجأة أليس كذلك ؟؟ "
اقتربت منها و صافحتها و الدهشة تتملكني...
و نظرت في أوجه الأخريات بحثا عن وجه أم أروى ...
أو حتى وجه العجوز !
قلت :
" أهلا بك ! أحضرت ِ بمفردك ؟؟ "
ابتسمت و قالت :
" مع وليد "
مع من ؟؟ مع وليد ؟؟ ماذا تقصد هذه الفتاة ؟؟
" مع وليد ؟؟ "
ازدادت ابتسامتها اتساعا و حمرة وجنتيها حمرة و بريق عينيها بريقا ...
و التفتت نحو دانة ثم نحوي و قالت
" ألم تخبرك دانة ؟؟ "
التفت نحو دانة و أنا في غاية الدهشة و القلق.. و رميتها بنظرات متسائلة حائرة..
دانة أيضا نظرت إلي بنفس القلق.. ثم قالت :
رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*
" إنها ... إنها و وليد... "
و لم تتم...
نظرت إلى أروى ، فسمعتها تقول متمة جملة دانة
تلك الجملة التي قضت علي و أرسلتني للهلاك فورا :
" ارتبطنا .. البارحة "
عفوا ؟؟ عفوا ؟؟ فأنا ما عدت أسمع جيدا من هول ما سمعت أذناي مؤخرا !
ماذا تقول هذه الفتاة ؟؟
" ماذا ؟؟ "
و رأيتها تبتسم و تقول :
" مفاجأة ! أ ليس كذلك ؟؟ "
نظرت إلى دانة لتسعفني ...
دانة أنقذيني مما تهذي به هذه ... ما الذي تقوله فلغتها غريبة.. و شكلها غريب..
و وجودها في هذا المكان غريب أيضا...
دانة نظرت إلي بحزن ، لا ... بل بشفقة ، ثم أرسلت أنظارها إلى الأرض...
غير صحيح !
غير ممكن .. مستحيل ... لا لن أصدّق ...
" أنت و .. وليد ماذا ؟؟ ار... تبطـ.. ـتما ؟؟ "
" نعم ، البارحة ..و جئت معه كي أبارك للعريسين زواجهما.."
خطوة إلى الوراء، ثم خطوة أخرى.. يقترب الباب مني، ثم ينفتح..
ثم أرى نفسي أخرج عبره.. ثم أرى الجدران تتمايل.. و السقف يهوي..
و الأرض تقترب مني.. و الدنيا تظلم.. تظلم.. تظلم..و يختفي كل شيء...
" سامر .. تعال بسرعة"
هتاف شخص ٌ ما.. يدوي في رأسي.. أيدي أشخاص ما تمسك بي..
أذرع أشخاص ما تحملني.. و تضعني فوق شيء ما.. مريح و واسع..
أكفف تضرب وجهي.. أصوات تناديني.. صياح.. دموع.. لا ليست دموع..
إنها قطرات من الماء ترش على وجهي.. أفتح عيني.. فأرى الصورة غير واضحة..
كل شيء مما حولي يتمايل و يتداخل ببعضه البعض.. الوجوه، الأيدي.. السقف..
الجدران.. أغمض عيني بشدة.. أحرّك يدي و أضعها فوق عيني ّ ..
لا أتحمل النور المتسلل عبر جفنيّ .. أشعر بدوار.. سأتقيأ.. ابتعدوا.. ابتعدوا...
~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~
عندما استردّت رغد وعيها كاملا، كان ذلك بعد بضع دقائق من حضورنا إلى الممر
و رؤيتنا لها مرمية على الأرض...
كنا قد سمعنا صوت ارتطام ، شيء ما بالأرض أو الجدران ، ثم سمعنا صوت دانة تهتف :
" سامر ..تعال بسرعة"
قفزنا نحن الاثنان، أنا و سامر هو يهرول و أنا أهرول خلفه تلقائيا حتى وصلنا إلى هناك..
دانة كانت ترفع رأس رغد على رجلها و تضرب وجهها محاولة إيقاظها..
و رغد كانت مغشي عليها...
أسرعنا إليها ، و مددت أنا يدي و انتشلتها عن الأرض بسرعة
و نقلتها إلى سريرها و جميعنا نهتف
" رغد.. أفيقي... "
صرخت :
" ماذا حدث لها ؟؟ "
دانة أسرعت نحو دورة المياه، و عادت بمنديل مبلل عصرته فوق وجه رغد
و التي كانت تفتح عينيها و تغمضهما مرارا...
استردت رغد وعيها و أخذت تجول ببصرها فيما حولها..
و تنظر إلينا واحدا عقب الآخر...
قال سامر :
" سلامتك حبيبتي... هل تأذيت ؟؟ "
قالت دانة :
" أأنت على ما يرام رغد ؟؟ "
قلت أنا :
" ما ذا حدث صغيرتي ؟؟ "
نظرت رغد إلي نظرة غريبة.. ثم جلست و صاحت :
" سأتقيأ "
بعدما هدأت من نوبة التقيؤ ، وضعت رأسها على صدر سامر
و طوقته بذراعيها و أخذت تبكي ...
سامر أخذ يمسح على رأسها المغطى بالحجاب... و يتمتم :
" يكفي حبيبتي، اهدئي أرجوك.. فداك أي شيء..."
رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*
قلت :
" صغيرتي ؟؟ "
رغد غمرت وجهها في صدر سامر... مبلله ملابسه بالدموع..
" صغيرتي ..؟؟ "
" دعوني وحدي.. دعوني وحدي .. "
و أجهشت بكاء شديدا...
لم أعزم الحراك و لم استطعه، ألا أن دانة قالت لي :
" لنخرج وليد "
قلت بقلق :
" ماذا حدث يا دانة ؟؟ "
قالت :
" قلت لك... إنها مريضة! هذه المرة الثالثة التي يغشى عليها فيها منذ الأمس... "
صعقني هذا النبأ..
قلت مخاطبا رغد:
" رغد هل أنت بخير..؟؟ "
لم تلتف إلي ، بل غاصت برأسها أكثر و أكثر في صدر سامر و قالت :
" دعوني وحدي... دعوني وحدي.."
يد دانة الآن أمسكت بيدي ، و حثّتني على السير إلى الخارج، ثم أغلقت الباب...
حاولت التحدث معها ألا أنها اعترضت حديثي قائلة :
" سوف أعود لأطمئن ضيفاتي.. وليد استدع نوّار ... "
و انصرفت...
بقيت واقفا عند باب غرفة رغد غير قادر على التزحزح خطوة واحدة.. ماذا حل ّ بصغيرتي ؟؟
و لماذا تتشبث بسامر بهذا الشكل ؟؟ هل صحتها في خطر؟ هل عدلت عن فك ارتباطها به ؟
ماذا يحدث من حولي..؟؟
لحظات و إذا بي أرى دانة تظهر من جديد
" وليد أ لم تتحرك بعد ! هيا استدعه "
" حسنا.. "
و عدت إلى صالة الرجال، و رأيتهم أيضا متوترين يتساءلون عما حدث
طمأنتهم و استدعيت العريس و قدته إلى مجلس النساء..
حيث قامت والدته أو إحدى شقيقاته بالتقاط الصور التذكارية لهن مع العريسين...
أروى كانت بالداخل أيضا..
عدت إلى بقية الضيوف و أنا مشغول البال ..
بالكاد ابتسم ابتسامة مفتعلة في وجه من ينظر إلي...
فيما بعد، جاء نوّار و قال :
" سننطلق إلى الفندق الآن.."
و كان من المفروض أن يسير موكب العريسين إلى أحد الفنادق الراقية
حيث سيقضي العريسان ليلتهما قبل السفر يوم الغد مع بقية أفراد عائلة العريس إلى البلدة المجاورة
و من ثم يستقلون طائرة راحلين إلى الخارج...
سامر كان من المفترض أن يقود هذا الموكب..
ذهبت إلى غرفة رغد.. و طرقت الباب..
" سامر.. العريسان يودان الذهاب الآن.."
فتح الباب، و خرج سامر.. ينظر إلي بنظرة ريب ..
قلت:
" كيف رغد؟؟ "
قال بجمود :
" أفضل قليلا"
أردت أن أدخل للاطمئنان عليها، لكن سامر كان يقف سادا الباب..
حائلا دون تقدّمي و تحرجت من استئذانه بالدخول..
قلت :
" إنهما يودان الانصراف الآن... "
سامر نظر إلي ّ بحيرة .. ثم قال :
" أتستطيع مرافقتهما ؟؟ "
" أنا ؟؟ "
" نعم يا وليد، فرغد لن تتمكن من الذهاب معنا و علي البقاء معها "
رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*
فزعت، و قلت:
" أهي بحالة سيئة؟ "
" لا، لكنها لن ترافقنا ، بالتالي سأبقى هنا "
" إنني أجهل الطريق.. "
" اطلب من أحد أخوته مرافقتكم..."
لم تبد لي فكرة حسنة، قلت معترضا:
" اذهب أنت يا سامر، و أنا باق هنا مع رغد و أروى..."
أقبلت دانة الآن، و سألت عن حال رغد، ثم دخلت إلى غرفتها...
~ ~ ~ ~ ~ ~ ~
" أنا تعيسة جدا "
كان هذا جوابي على سؤال دانة التي أتتني بقلق لتطمئن علي..
دانة جلست إلى جواري على السرير و أخذت تواسيني..
ألا أن شيئا لا يمكنه مواساتي في الصاعقة التي أحلّت بي...
" أرجوك يا رغد.. كفى عزيزتي.. ألن تودّعينني ؟ إنني راحلة عنك للأبد ! "
و جاءت جملتها قاصمة لظهري...
" لا ! لا تذهبي و تتركيني ! سأكون وحيدة ! أريد أمي .. أريد أمي..."
و بكيت بتهيج..
" يكفي يا رغد ستجعلينني أبكي و أنا عروس في ليلة زفافي التعسة ! "
انتبهت لنفسي أخيرا.. كيف سمحت لنفسي بإتعاس أختي العروس في أهم ليالي عمرها؟
ألا يكفي أنها حرمت من حفل الزفاف الضخم الذي كانت تعد له منذ شهور...
و خسرت كل ملابسها و حليها و أغراض زفافها..
و احترق فستان العرس تحت أنقاب المدينة المدمّرة !؟
طردت بسرعة الدموع المتطفلة على وجهي
و أظهرت ابتسامة مفتعلة لا أساس لها من الصحة و قلت :
" عزيزتي سأفتقدك ! ألف مبروك دانة "
تعانقنا عناقا طويلا.. عناق الفراق..
فبعد أكثر من 15 عاما من الملازمة المستمرة 30 يوما في الشهر، نفترق..
و دموعنا مختلطة مع القبل...
قدم سامر.. و قال :
" هيا دانة .. "
صافحتها و قبلتها للمرة الأخيرة... ثم جاء دور سامر،
و من ثمّ الرجل الضخم الذي كان يقف في الخارج عند الباب مباشرة...
لم استطع أن ألقي عليه و لا نظرة واحدة.. لم أشأ أن أنهار من جديد..
اضطجعت على سريري، و سحبت الغطاء حتى أخفيت وجهي أسفل منه...
سمعت سامر يقول :
" سآخذهما للفندق و أعود مباشرة.. وليد و خطيبته سيبقيان معك "
و لم تهز في ّ هذه الجملة شعرة واحدة ، بل أغمضت عيني و أنا أقول :
" سأنام.."
أحسست بالجميع يغادرون الغرفة و يغلقون الباب، ثم اختفت الأصوات و الحركات..
لقد غادر جميع الضيوف.. و في الشقة لم يبق إلا أنا.. و وليد.. و الأجنبية الدخيلة...
دخلت في نوم عميق أشبه بالغيبوبة.. ألا أنني في لحظة ما..
أحسست بدخول شخص ما إلى الغرفة.. و اقترابه مني..
ثم شعرت بيد تمتد إلى لحافي فتضبطه فوقي
ثم تمسح على رأسي من فوق حجابي الذي لم أنزعه، ثم توهمت سماع همس في أذني ...
" أحلام سعيدة يا حبيبتي"
و ابتعد المجهول.. و سمعت صوت انغلاق الباب..
فتحت عيني الآن فوجدت الغرفة غارقة في السكون و الظلام..
هل كان ذلك وهما؟؟ هل كان تهيؤا ؟؟ حلما؟؟
لست أكيدة..
و إن كان حقيقة ، فالشيء الذي سأكون أكيدة منه ، هو أن الشخص كان سامر...
~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~
استخدمت غرفتي السابقة بينما جعلت أروى تستعمل غرفة العروس، للمبيت تلك الليلة...
لقد كنت شديد القلق على صغيرتي .. و لم أنم كما يجب..
كنا قد قررنا البقاء ليومين قبل معاودة الرحيل، و كان هذان اليومان من أسوأ أيام حياتي !
رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*
رغد كانت مريضة جدا و ملازمة للفراش
و سامر كان يمنعني من الدخول إلى غرفتها أغلب المرات
و في المرات القليلة التي سمح لي بإلقاء نظرة، كنت أرى رغد شاحبة جدا و مكتئبة للغاية
ترفض الحديث معي و تطلب منا تركها بمفردها
ضاق صدري للحالة التي كانت عليها و سألت سامر:
" ماذا حدث لها ؟ هل حدث شيء تخفونه عني؟
لم هي كئيبة هكذا؟؟ هل آذاها أحد بشيء ؟؟ "
قال سامر :
" إنها كئيبة لفراق دانة ، فكما تعرف كانت تلازمها كالظل... "
" لكن ليس لهذا الحد.. أنا أشعر بأن في الأمر سر ما.. "
نظر إلي شقيقي نظرة ارتياب و قال :
" أي سر؟؟ "
قلت :
" ليتني أعرف... "
كنا خلال هذين اليومين نتناول وجباتنا أنا و أروى في المطاعم
و في الليلة الأخيرة، عندما عدنا من المطعم
وجدنا رغد و سامر في غرفة المائدة يتناولان العشاء...
فرحت كثيرا، فهي علامة جيدة مشيرة إلى تحسّن الصغيرة..
قلت :
" صغيرتي.. حمدا لله على سلامتك، أتشعرين بتحسّن ؟؟ "
رغد نظرت نحوي بجمود ، ثم نحو أروى ، ثم وقفت
و غادرت الغرفة ذاهبة إلى غرفة نومها...
وقف سامر الآن و نظر إلي بعصبية :
" أ هذا جيّد؟ ما كدت أصدق أنها قبلت أخيرا تناول وجبة.. "
قلت بانزعاج :
" هذه حال لا يصبر عليها، لسوف آخذها إلى الطبيب.. "
و سرت مسرعا نحو غرفتها ، فأقبل شقيقي من بعدي مسرعا :
" هيه أنت.. إلي أين ؟؟ "
التفت إليه و قلت :
"سآخذ الفتاة للمستشفى "
قال بغيظ :
" من تظن نفسك؟ ألا تراني أمامك؟؟ خطيبتك هي تلك و ليست هذه "
قلت مزمجرا :
" قبل أن تكون خطيبتك هي ابنة عمّي ، و إن كنت نسيت فأذكرك بأنها ستنفصل عنك
و لتعلم إن كنت جاهلا بأن أمورها كلها تهمني و أنا مسؤول عنها كليا ، مثل والدي تماما "
و هممت بمد يدي لطرق الباب و من ثم فتحه ، ألا أن سامر ثار...
و أمسك بيدي و أبعدها بقوة..
تحررت من مسكته و هممت بفتح الباب ألا أنه صرخ :
" ابتعد "
و قرن الصرخة بانقضاض على ذراعي، و سحب لي بقوة...
دفعت به بعيدا عني فارتطم بالجدار، ثم ارتد إلي و لكمني بقبضته في بطني لكمة عنيفة...
اشتعلت المعركة فيما بيننا و دخلنا في دوامة جنونية من الضرب و الركل و اللطم و الرفس..
أروى واقفة تنظر إلينا بذهول.. و باب غرفة رغد انفتح ..
و ظهرت منه رغد مفزوعة تنظر إلينا باستنكار و توتّر
" سامر... وليد... يكفي ... "
ألا أن أحدنا لم يتوقّف...
في العراك السابق كان سامر يستسلم لضرباتي ..
أما الآن ، فأجده شانا الهجوم علي و يضربني بغيظ و بغض.. كأن بداخله ثأرا يود اقتصاصه مني...
بعد لحظات من العراك، و يد الغلبة لي، و أنا ممسك بذراع أخي ألويها للوراء و أؤلمه
جاءت رغد تركض نحوي صارخة :
" أترك خطيبي أيها المتوحّش "
و رأيت يديها تمتدان إلي ، تحاولان تخليص سامر من بين يدي...
أمسكت بذراعي و شدّتني بقوة، فحررت أخي من قبضتي و استدرت لأواجهها...
صرخت بوجهي :
" وحش.. مجرم.. قاتل.. أكرهك.. أكرهك.. أكرهك "
و بقبضتيها كلتيهما راحت تضربني على صدري بانفعال ضربة بعد ضربة بعد ضربة...
و أنا وقف كالجبل بلا حراك.. أشاهد.. و اسمع.. و أحس.. و أتألم.. و أحترق...و أموت....
---------------------------
نهايه الحلقه الـ29
ترقبوا الحلقه الـ30
رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*
الله يعطيك العافيه اخوي
جزاك الله خيرا
ننتظر باقي الاجزاء
تحياتي لك
رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*
لا اطولي علينا الله يخليج
رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*
مشكورين على المتابعه نواصل
الحلقةالثلاثون
~ أنا اليتيمة ~
بعد سيل الضربات القوية التي وجهتها إلى صدر وليد ، بانفعال و ثورة.. بغضب و غيظ و قهر..
شعرت بألم في يدي ّ كان هو ما جعلني أوقف ذلك السيل...
رفعت رأسي إليه، فرأيته ينظر إلي بجمود .. لم تهزه ضرباتي و لم توجعه!
من أي نوع من الحجر أنت مخلوق؟؟ من أي نوع من المعادن صدرك مصنوع؟؟ ألا تحس بي؟؟
عيناي كانتا مغرورقتين بالعبرات الحارقة.. تمنيت لو يمسحها.. تمنيت لو يضمني إلى صدره..
تمنيت.. لو أصحو من النوم ، فأكتشف أن أروى هي مجرد حلم.. وهم ..
لا وجود له..و كم كانت أمان ٍ مستحيلة التحقق...
كان وليد ينظر إلي بعمق، كانت نظراته تنم عن الحزن.. و الاستسلام... فهو لم يقاومني و لا يبعدني..
بل تركني في ثورة غضبي أفرغ على صدره دون إدراك..
كل ما كتمته من غيظ مذ علمت بنبأ ارتباطه...
ابتعدت عنه، التفت إلى سامر، ثم إلى أروى، ثم إلى وليد مجددا...
ثم ركضت داخلة غرفتي و صافعة الباب بقوة...
لم أسمح لسامر بالدخول عندما أراد ذلك بعد قليل، و بقيت أبكي لساعات...
في اليوم التالي، عندما خرجت من غرفتي قاصدة المطبخ، لمحت غرفة دانة سابقا
الدخيلة حاليا مفتوحة الباب...
اقتربت منها بحذر .. و ألقيت نظرة شاملة عليها كانت خالية من أي أحد ..
أسرعت نحو غرفة وليد.. فوجدتها الأخرى مفتوحة
و لا وجود لأي شيء يشير إلى أن وليد لم يرحل...
ركضت بسرعة نحو الصالة، رأيت سامر يجلس هناك شاردا ..
حين رآني ، ابتسم و وقف و ألقى علي تحية الصباح ..
قلت بسرعة :
" أين وليد ؟؟ "
ألقى علي سامر نظرة متألمة ثم قال :
" رحل "
صعقت ... هتفت :
" رحل ؟؟ متى ؟؟ "
قال :
" قبل قليل.. "
مستحيل ! لا ... غير ممكن ...
صرخت :
" لماذا تركته يرحل ؟؟ "
نظر إلي سامر بحيرة ..صرخت مجددا :
" لماذا تركته يرحل ؟؟ "
قال سامر مستاء ً :
" و هل كنت تتوقعين مني أن أربطه إلى المقعد حتى لا يذهب ؟ أخذ خطيبته
و أغراضهما و ولا خارجين دون سلام "
صرخت :
" كان يجب أن تمنعه ! الحق به.. دعه يعود .. أعده إلي حالا "
سامر هتف بعصبية :
" لا تثيري جنوني يا رغد.. ماذا تريدين به ؟ لقد تزوّج من أخرى و قضي الأمر "
صرخت بقوة :
" لا "
" رغد ! "
" لن أصدّق.. إنكم تكذبون ... كلكم تكذبون.. وليد لم يرتبط بأحد.. وليد لم يدخل السجن..
رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*
وليد لم يقتل أحدا.. وليد لن يتخلّى عني...لن يبتعد عني.. أعده إلي.. أعده إلي..أعده إلي.. "
و انهرت باكية..حسرة على وليد قلبي
و على هذه الحال بقيت أياما... اشتد علي المرض و السقم.. و تدهورت حالتي النفسية كثيرا..
كما ساءت حالة سامر و أصبح عصبيا جدا..و صرنا نتشاجر كل يوم..و الحال بيننا لا تطاق..
ما زاد الأمر سوءا هو أننا كلما اتصلنا بوالدي ّ وجدنا الهاتف مغلقا،
و عندما اتصلنا بالفندق الذي كانا ينزلان به أُبلغنا بأنهما قد غادراه...
انقطعت أخبارهما عنا عدة أيام و حلّ التوتر الفظيع علينا و امتزجت المشاكل و المخاوف
و المشاجرات مع بعضها البعض، و تحوّلت حياتنا أنا و سامر إلى جحيم...
و جحيمنا صار يتفاقم و يتضاعف يوما بعد يوم
إلى أن طغى الطوفان المدمّر و حلّت الصاعقة الكبرى...أخيرا...
~ ~ ~ ~ ~
التحقت بمعهد إداري في مبنى قريب من المزرعة، و بتوفيق من الله أولا ، ثم بمساعدة من العم إلياس
و السيدة ليندا، أصبحت طالبا رسميا في المعهد.
الحياة بدت مختلفة، و كل شيء سار على خير ما يرام، حظيت أخيرا بشيء من الراحة و السعادة..
خطيبتي..كانت إنسان رائع جدا.. في الأخلاق و الطيبة و المشاعر و الجمال و كل شيء...
نعمة من رب السماء ..
حاولت جاهدا أن أصرف مشاعري نحوها... و أودع فيها ما يكنه قلبي من الحب و الحنان ، ألا أن رغد..
لم تسمح لي بذلك...
فقد كانت محتلة القلب من أول وريد إلى آخر شريان...و بُعدها و صحتها المتدهورة ما زاداني إلا تعلقا بها
و لهفة إليها... و كلما تسللت يداي إلى الهاتف، و أدارتا رقم الشقة، ذكرني عقلي بكلماتها الأخيرة القاتلة...
فوضعت السماعة و ابتعدت ...
لم أتصل للسؤال عن أي فرد من أسرتي، و أقنعت نفسي بأنني لم أعد أنتمي إليهم..
و أن عائلتي الحقيقية هي عائلة نديم رحمه الله...
لذلك ، حين وردتني مكالمة من سامر بعد أيام حاولت تصريفها، ألا أن أروى ألحّت علي بالإجابة ..
و هي تقول :
" لو كان لدي أخ أو أخت لكنت فعلت أي شيء من أجلهما مهما تعاركا معي أو حتى قتلاني ! "
تناولت السماعة من يدها و أنا أشعر بالخجل من هروبي هذا...
قربتها من أذني و فمي و تحدّثت :
" نعم يا سامر؟؟ "
" كيف حالك؟ "
" بخير.."
و ساد صمت استمر عدة ثواني ...
قلت :
" أهناك شيء ؟؟ "
فأنا لا أتوقع أن يتصل ليسأل عني فقط ، خصوصا بعد شجارنا الأخير...
قال سامر :
" يجب أن تحضر إلى هنا يا وليد "
ذهلت من عبارته، قلت متوترا و قد انتابني القلق المفاجئ :
" خير؟ هل حصل شيء ؟؟ "
" نعم، و لابد من حضورك "
هوى قلبي على الأرض..من القلق ، قلت و أنا بالكاد أحرك شفتي ّ :
" رغد بخير ؟؟ أ أصابها مكروه ؟؟ "
سامر صمت ، ما جعلني أوشك على الموت... قلت :
" ما بها رغد أخبرني ؟؟ "
قال :
"على ما هي عليه، أريدك حضورك فورا "
رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*
التقطت بعض أنفاسي و قلت :
" لم سامر؟ أخبرني ماذا حصل ؟؟ "
" لن أخبرك على الهاتف ، تعال بأسرع وقت يا وليد.. الأمر غاية في الأهمية "
لم استطع بعد تلك المكالمة السكون برهة واحدة ، تحركت بعصبية كالمجنون ..
و من فوري ذهبت لأبحث عن سيارة أجرة، إذ أنني لم أكن أملك واحدة كما تعلمون...
أرادت أروى مرافقتي ألا أنني عارضت ذلك، و خلال ساعة، كنت أشق طريقي نحو شقة سامر..
و قلبي شديد الانقباض.. لابد أن مكروها قد حل ّ بصغيرتي و إن كان كذلك
فلن أسامح نفسي على البقاء بعيدا بينما هي مريضة...
قطعت المسافة في زمن قياسي، و حين وصلت أخيرا إلى الشقة
قرعت الباب بشكل متواصل إلى أن فتحه أخي أخيرا...
من النظرة الأولى إلى وجهه أدركت أن الموضوع أخطر مما تصوّرت.. كانت عيناه حمراوان و جفونه وارمة
و وجهه شديد الكآبة... و السواد أيضا...
منظره أوقع قلبي تحت قدمي ّ في الحال...
و قبل أي كلمة أخرى هتفت مفزوعا :
" أين رغد ؟؟ "
و ركضت إلى الداخل مسرعا و أنا أنادي :
" رغد ... رغد ... "
و حين بلغت غرفتها طرقت الباب بقوة... و أنا أهتف بفزع...
" رغد... أأنت هنا ؟ "
فتح الباب و ظهرت رغد .. و ما أن وقعت أعيننا على بعضها البعض حتى كدت أخر صريعا..
" رغد ! "
" وليد ... "
" أنت ِ بخير صغيرتي ؟؟ أنت بخير ؟؟ "
انفجرت رغد باكية بقوة ، التفت إلى الوراء فإذا بسامر يقف خلفي ، هتفت :
" ماذا حصل ؟ "
رغد ازداد بكاؤها ..
قلت منفعلا :
" أخبراني ماذا حدث ؟؟ "
و نظرت إلى سامر في انتظار ما سيقول ...
سامر حرّك شفتاه و قال أخيرا :
" أصيب والدانا في الغارة على الحدود"
صعقت ، شهقت :
" ماذا ؟؟ "
طأطأ سامر رأسه للأسفل ، فقلت بسرعة :
" سامر ؟؟ "
لم يرفع عينيه في البداية، ألا أنه حين رفعهما كانتا غارقتين في الدموع، و قال أخيرا :
" قتلوهما.."
شهر كامل قد مضى، و أنا مقيم مع أخي و رغد في هذه الشقة... نسبح في بحر الدموع و الألم...
لا يقوى أحدنا حتى على النهوض من المقعد الذي يجلس عليه... أسوأ اللحظات..
كانت تلك اللحظات التي رأيت فيه رغد تلطم وجهها و تصرخ و تنوح و تصيح...
" لماذا كتب علي أن أيتّم مرتين؟؟ من بقي لي بعدهما؟؟ أريد أن ألحق بهما.. أمي .. أبي .. أنا مدللتكما العزيزة..
كيف تفعلان هذا بي ؟؟ كيف تتركاني يتيمة من جديد؟ و أنا في أمس الحاجة إليكما.. ليتني متّ منذ صغري..
ليتني احترقت مع المنزل و لم أعش هذا اليوم... وا حسرتاه"
كانت تجول في الشقة و تصرخ و تنادي كالمجنونة.. و تصفع رأسها بأي شيء تصادفه في طريقها..
و كنت أمشي خلفها، محاولا تهدئتها و مواساتها ، بينما أنا الأكثر حاجة للمواساة..
أبعد حرماني منهما لثمان سنين.. ثمان سنين كان من الممكن أن أقضيها تحت رعايتهما و حبهما..
رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*
اللذين مهما كبرت سأبقى بحاجة إليهما، أفقدهما بهذا الشكل؟؟
حينما أتذكر يوم وداعهما...
آه يا أمي.. و يا أبي..
لو كنت أعرف أنه اللقاء الأخير.. ما كنت تركتكما تخرجان...
أتذكر وصايا أمي... (اعتني بشقيقتيك جيدا لحين عودتنا).. أماه.. هاأنا قد اعتنيت بهما و إن قصّرت..
فأين عودتك ؟؟
لو كنت أعلم أنه آخر العهد لي بكما... ما فارقتكما لحظة واحدة حتى أموت دونكما أو معكما..
لكنه قضاء الله..و مشيئة الله..
يا رب.. فكما جاءاك ملبيين طائفين حول بيتك المشرّف
يا رب فأكرمهما بنعيم الجنة التي وعدت بها عبادك المؤمنين...
و لا حول و لا قوّة إلا بالله...
شهر كامل قد انقضى و لم تتحسن أحوالنا النفسية شيئا يذكر..
و هل يمكن أن يندمل جرح كهذا؟؟
لقد كانا في حافلة مع مجموعة من الحجيج عائدين إلى البلد، بعدما نفذ صبر الجميع
و دفعهم الحنين لأهلهم للإقدام على السفر برا...و كانت مجازفة أودت بحياتهم جميعا ...
نحن.. و يا من كنا غارقين في بحر الحزن و المآسي.. و يا من تشردنا..و تشتتنا..
و تفرّقنا و انتكست أحوالنا و تنافرت قلوبنا..و كنا ننتظر عودة والدينا لعل ّ الله يصلح الحال..
يأتينا نبأ مصرعهما المفاجئ المفجع.. و ينسف ما بقي لنا من قوة أيما نسف...
السلطات اتصلت بأخي سامر و أبلغته الخبر المفجع، ليذهب لاستلام الجثتين من إحدى المستشفيات
التي نقل إليها جميع راكبي الحافلة، و الذين قتلوا جميعا دون استثناء..
كنت أريد الذهب..فقط لألقي نظرة..فقط لأقبّل أي شيء منهما..رأسيهما..جبنيهما.. أيديهما..إقدامهما
أو حتى ملابسهما..أي شيء منهما و لهما..لكني بقيت رغما عني ملازما رغد في المستشفى..
متوقعا أن أفقدها هي الأخرى..بين لحظة و أخرى..
كانت أفظع أيام حياتي..
كانت نائمة معظم الوقت، و كلنا أفاقت سألتني :
" أين أبي؟؟ أين أمي ؟؟ ألا أزال حية ؟؟ متى سأموت؟؟"
و لا أجد شيئا أواسيها به غير آهات تنطلق من صدري ، و شلالات تتدفق من عيني..
ونيران تحرق جسدي و ترديني فتاتا.. رمادا..غبارا..
عندما عاد أخي..كنت أنظر إلى عينيه بتمعن..أحدق بهما بجنون..علّ صورة والدي قد انطبعتا عليهما..
علّني أرى طيف ما رأتاه..
أخذت أضمه، و أشمه و أقبّله.. فقد كان معهما..و ربما علق به شيء منهما..أي شيء...
أي شيء...
و حين سألن عن رغد.. قلت باكيا :
" ستموت! إنني أراها تموت بين يدي.. ماذا أستطيع أن أفعل؟ ليتني متّ قبل هذا "
و حين تحدث معها ، سألته بلهفة :
" أين هما؟؟ هل عادا معك؟؟ هل عادا للمنزل؟ أعدني إليهما..فأنا أريد أن يشهدا عرسي..ليس مثل دانة !"
أي عرس يا رغد.. أي فرح.. أي لقاء تتحدثين عنه ؟؟
لقد انتهى كل شيء.. و الحبيبان اللذان كانا يدللانك و يحيطاننا جميعا بالحب و الرعاية..
ذهبا في رعاية من لا يحمد على مكروه قضى به سواه...
اللهم لا اعتراض على قضائك...
و إنا لله .. و إنا إليه راجعون....
اليوم، و كما قررت أخيرا، سأذهب إلى المزرعة.. فلا بد لي من مواصلة العمل، و الدراسة في ذلك المعهد..
و العودة إلى أهلي بعدما حصل.. أصبحت ضربا من المحال..
فمن يريد العودة إلى جحيم الذكريات... ؟؟
سامر..كان قد أهداني سيارة قبل أيام، جاءت منقذة لي في وقت الحاجة الحقيقية.. شكرته كثيرا..
و أذكر أنه يومها ابتسم ابتسامة واهية و قال
رد: *¤•° أنــت لــــــــــي.. قصه رائعه جداً مستمرة °•¤*
" و لم كل هذا الشكر ! إنها مجرّد سيارة.. بلا روح و لا مشاعر !"
استغربت من ردّه، ألا أنه غير الحديث مباشرة...
زرت المزرعة مرتين اثنتين فقط مذ قدمت إلى هنا.. فقد كان بقائي قرب رغد
هو مركز اهتمامي و بؤرته...
أما أحوال العائلة هناك كانت مستقرة..
أجمع أشيائي في حقيبة أضعها على السرير، باب الغرفة مفتوح، يطل منه أخي سامر...
و يتحدّث ...
" أحقا سترحل وليد؟؟ "
استدير إليه و أقول :
" كما ترى "
مشيرا إلى الحقيبة.. و أضيف :
" سأعود إلى عملي، و دراستي"
يظل واقفا عند الباب ، ثم يخطو خطوتين إلى الداخل و يقول بصوت خافت :
" أنا أيضا سأعود إلى عملي... انتهت إجازتي الممددّة "
التفت إليه و أنا أدرك ما يعني، بل هو أكثر ما يشغل تفكيري على الإطلاق، لكنني أقول :
" و إذا ؟؟ "
يقول :
" رغد... "
نعم ، لا زلنا و منذ زمن..نقف عند هذه النقطة.. رغد...
قال :
" لا يمكن تركها وحيدة..، خذها معك "
و فاجأني هذا الطلب، فهو آخر ما كنت أتوقع أن يطلبه أخي مني...
لقد كنت أنا من سيطرح الفكرة، و خشيت أن أعقد الأمور أكثر في وقت نحن فيه في غنى تام عن أي تشويش يزيدنا ألما فوق ألم...
قلت :
" معي أنا ؟؟ "
" نعم يا وليد.. فهناك حيث تقيم، لديك عائلة يمكن لرغد أن تظل تحت رعايتهم أثناء غيابك.. لكن هنا في هذه الشقة..."
لم يتم كلامه..
لقد كان هذا الموضوع هو شغلي الشاغل منذ قررت العودة للمزرعة، ألا أنني لم
أكن أعرف الطريق لفتحه أمام سامر، خطيب رغد...
قلت :
" ما كنتَ فاعلا لو أنكما تزوجتما إذن؟ "
قال :
" ربما ..أتركها في بيتنا مع والدي ّ "
و الكلمة قرصت قلبينا... و عصرت شعورنا...
تابع :
" ألا أنه .. لا والدين لنا.. و لا بيت.."
" يكفي أرجوك.."
قلت ذلك محاولا إبعاد غيمة الهم عني، فقد اكتفيت من كل ذلك..
اكتفيت من الهموم التي حملتها على صدري مذ ارتكبت جريمتي و حتى هذا اليوم...
بددت أشباح الذكرى المؤلمة بعيدا عن رأسي.. و قلت :
" أتظنها ترحب بذلك ؟؟ "
ابتسم ابتسامة مائلة للسخرية و قال :
" جرّب سؤالها بنفسك..."
و رمقني بنظرة حادة، ثم غادر الغرفة...
بعدما انتهيت من جمع أشيائي، ذهب إلى غرفة رغد...