لما كان شيوع الفساد على وجه الأرض شرطاً لظهور الامام المهدي (عج)

لما كان شيوع الفساد على وجه الأرض شرطاً لظهور الامام المهدي (عج)

فلماذا نقارع الفساد



بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وآله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال :

تقول الروايات الاسلامية المتواترة ([1]) : بعدما تمتلأ الأرض ظلماً وجوراً ويعم الفساد المجتمعات البشرية يظهر الامام المهدي (عجل الله فرجه ) آخر حجج الله على أرضه ليملأها قسطاً وعدلاً , بناءاً على هذا سيكون ظهور الامام متوقفاً على اتساع رقعة الفساد في الأرض , حينئذ لا يجب علينا عدم مقارعة الفساد والظلم في الأرض فحسب , بل ينبغي أن نسعى لنشره لتهيئة الأرضية لهذه الثورة الالهية وتوفير مقدمات ظهور الامام (عجل الله فرجه) , وإلا سنعمل على تأخير ظهور هذا المصلح الغيبي بأيدينا .
الجواب :


أولاً : يجب الالتفات الى عدم اقتصار ظهور الامام الحجة (عجل الله فرجه) على شيوع الفساد في المجتمعات الانسانية , بل متى ما وصل البشر الى حدّ معين من النضوج الفكري والكمال الروحي بحيث يمكنهم إدراك وجوده الشريف والتأهل لقيادته سيمزق الامام دياجير الظلام ويكشف النقاب عن وجهه المقدس ليسطع نوره على أرجاء المعمورة بدون أي قيد أو شرط .

لقد بحث موضوع غيبة الامام باسهاب في كتب العقائد والمذاهب , وقيل هناك إنّ العائق الرئيسي للغيبة هو أخلاق البشر وحالتهم النفسية وعدم استعداد المجتمعات البشرية لظهور الامام ومن ثم حكومته , فان ارتفع هذا العائق انتهت مرحلة الغيبة معه .

أورد العلامة الكبير والفيلسوف الشهير المرحوم خواجة نصير الدين الطوسي في كتابه » تجريد العقائد « ثلاث جمل مقتضبة وذات مغزى رفيع ننقلها هنا باختصار :

1- وجوده لطف : إنّ وجود الامام المعصوم – سواء ظهر أم اختفى – نعمة معنوية للمجتمع الانساني ووسيلة للقرب من إطاعة أوامر الله تعالى ؛ لأن الهداية الالهية تعقد بين الله والناس بواسطة الامام المعصوم , ويحصل الناس على الكثير من النعم المعنوية والمادية بفضله , حتى أنّ هدايته المعنوية للمؤهلين لها دائمية برغم عدم رؤيتهم له ومعرفتهم إياه .

2- وتصرفه لطف آخر : تبرز النعمة الأخرى حينما يظهر الامام من غيبته ويباشر الارشاد والتوجيه بنفسه ويتسلم مقاليد الأمور , فلا تنتفع بوجوده حينئذ طائفة بعينها , بل ستعم الفائدة كافة المجتمعات البشرية ؛ لأنه مظهر العدل والقسط ومطبق الأوامر السماوية والأحكام الالهية .

3- وعدمه منّا : إن أبى الامام تسيير أمور الناس وبقي خلف حجب الغيبة ولم يحقق أعظم آمال البشرية فلدواع وضعها الناس في طريق ظهوره , فالسبب الرئيسي لسلب هذه النعمة هم الناس أنفسهم , واذا ما أظهر الناس استعدادهم لوجود حكومة عالمية موحدة قائمة على أساس الفضيلة والأخلاق النبيلة والعدل ورعاية الأحكام الاسلامية فمن المسلم به أن ينير الامام الوجود بظهوره , فليس هناك تقصير من الله جل جلاله - والعياذ بالله – في إبراز اللطف , بل هؤلاء الناس هم الذين يؤخرون ظهور حكومة إلهية محقة ([2]) .

بناءاً على هذا لا يقتصر ظهور الامام على انتشار الفساد كي نتوقف عنده ونعجل في تحقيقه , بل ثمة طريق أكثر اختصاراً , ألا وهو إيجاد الأهلية واللياقة لدى الناس أنفسهم .

وبعبارة أخرى هناك شرطان للقيادة هما :

1- وجود القائد .

2- استعداد الناس لقبوله .

ومن المتيقن لو تحقق الشرط الثاني من قبل الناس سيحقق الله تعالى الشرط الأول بدون أدنى مكث .
ثانياً : ليس انتشار الفساد في المجتمعات البشرية هدفاً أساسياً , بل يمهد الأرضية لظهور الامام المهدي (عجل الله فرجه) وإصلاح المجتمع الانساني ؛ لأنه حينما يعم الظلم والجور كافة زوايا وأركان البسيطة وتبتلى البشرية بالتمييز المقيت والسلبيات المتنوعة وتثقل المعضلات المنهكة كاهل البشر , ومن جهة أخرى أثبتت التجارب المختلفة أنّ الانسان بمفرده وبالاعتماد على طاقاته والقوانين الموضوعة من قبله غير قادر على استئصال المشاكل العويصة التي تواجهه وعاجز عن نشر وتوطيد أركان العدالة الاجتماعية في شتى أرجاء الكرة الأرضية , وقتئذ يمتلك استعداداً فكرياً كاملاً لقبول برنامج قائد الهي يعالج أمراض عليل منهك بوصفة سماوية , ويدرك أنه بحاجة الى لوحة أخرى وثورة عظيمة تنهي كافة الاضطرابات والفوضى السائدة .ومن ناحية مبدئية لا تتحقق أية نهضة إصلاحية بدون وجود أرضية فكرية مسبقة , ويعتبر مبدأ » العرض والطلب « الذي هو مبدأ اقتصادي مبدأ اجتماعياً في نفس الوقت , فطالما لم يقدم طلب من الناس سوف يكون عرض أي نوع من البضائع المعنوية والمادية مفتقراً الى القيمة والجدوى .
لكن هل يكفي تحقق الأرضية الفكرية والاستعداد النفسي لثورة اصلاحية وعالمية تفضي الى اقامة حكومة عالمية موحدة قائمة على أساس العدل والقيم الأخلاقية ورعاية قوانين الاسلام ؟ أم أنّ هذه الأرضية الفكرية تتطلب رصيداً وسنداً آخر يظهر هذا التحول الفكري بصورة ثورة خارجية ويزيل كافة العراقيل من درب هذه النهضة ويكرس استثمار الأرضية الى أبعد الحدود ؟
لا يثبت هذا الموضوع عن طريق التجارب الكثيرة والاختبارات المتتالية فحسب , بل يتبين من خلال الروايات والأحاديث العديدة أنّ ثورة آخر حجج الله تعالى تحدث بعد توفر أرضية فكرية , وهي بحاجة الى قدرة عظيمة تتمكن في ضوئها من استثمار التمهيدات المتوفرة حينئذ واجتياز كافة الموانع التي تعترضها , وقد صرحت الروايات بضرورة وجود أنصار وأتباع لهذه الثورة وكون ثورة الامام المهدي (عجل الله فرجه) مصحوبة بالقوة والقدرة .
ومن هذا المنطلق ينبغي علينا السعي الدؤوب لتربية الأشخاص الصالحين ليكونوا أعواناً وأنصاراً وجنوداً مضحين في سبيل الأهداف الالهية , ويجب – قدر الامكان – إعداد أفراد بوسعهم تحقيق ونشر الأهداف العالمية للامام في شتى أرجاء المعمورة , وسوف يتحقق هذا الهدف المقدس اذا لم يألُ المصلحون الاجتماعيون جهداً في تربية أفراد مؤمنين ولم يقفوا مكتوفي الأيدي إزاء هذا الهدف النبيل
]ثالثاً : بغض النظر عن كل ذلك يجب علينا أن نحدد موقفنا من ثورة الامام المهدي (عجل الله فرجه) فمن البديهي لو أعنّا على نشر الفساد فستكون ثورته وبالاً علينا , وان انبرينا لإصلاح المجتمع نكون من ضمن جيش الامام ؛ بناءاً على هذا لو عجلنا في ظهور الامام (عجل الله فرجه) عبر الاعانة على نشر الفساد جدلاً فحينئذ نكون قد وضعنا أنفسنا في موقف لا نحسد عليه , إذ لم يقم الامام (عجل الله فرجه) إلا لقطع أيدي الفاسدين والقضاء على الظلم والفساد في العالم , فكيف يكون بمقدورنا الاستفادة من ثورته مع دعوتنا لنشر الفساد ؟
بناءاً على ذلك كله ليس من الصواب السكوت إزاء الفساد أو الاعانة على نشره من أجل ظهور الامام المهدي (عجل الله فرجه) سواء على الصعيد العام أم على الصعيد الشخصي .
ويبدو أنّ هذا الاشكال والمغالطة من صنع أولئك الذين يرومون التنصل عن مسؤولياتهم أو يبغون الخوض في كافة ألوان الفساد .

([1]) ورد عن النبي الكريم والأئمة العظام ما يربو على ثلاث آلاف رواية حول المصلح الغيبي للعالم الامام المهدي (عجل الله فرجه) , ولم يتعرض علماء الشيعة فقط الى هذا الموضوع , بل تطرق له عدد كبير من كبار علماء السنة ممن توفوا قبل ولادة الامام أو بعدها بقليل نظير البخاري ومسلم وأبي داوود والترمذي , فكتب بعضهم كتباً مستقلة حول الامام , وقلما نجد موضوعاً ورد بشأنه هذا العدد الكبير من الروايات .

([2]) كشف المراد , طبعة صيدا , ص226 .


منقول من موقع أمير المؤمنين
الموقع الرئيسي لسماحة آية الله الشيخ
مكارم الشيرازي

اختكم ,,, نور علي

اللهم صلي على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
وعجل فرجهم واهلك اعدائهم يالله
مشكور اختي نور علي على الطرح النوراني القيم
جعله الله في ميزان اعمالك انشالله
وجعلنا الله جميعا من انصار واحباب القائم عليه السلام
تحياتي لك

بسم الله الرحمن الرحيم


نقل رائع ومفيد ويحتاج الى تكرار قرأته

للدروس القيمة التي يحويها المقال

الف الف الف شكر لكي ياسيدتي
ام علي

الاخت هديل ،،، الوالد العزيز محمود سعد ،،

الف الف شكر لكم على التعقيب للموضوع وبالتوفيق انشاء الله

اختك ،، وابنتك ،،،، نور علي

شكرا على الموضوع والله يعطيك العافية والله لايحرمنا من مواضيعك وبانتظار جديدك