عِصْمةالملائكة
و الأمر الخامس الجدير بمعرفته عن الملائكة هو أنّهالا ترتكب ذنبًا أو معصية وعلى العكس من الإنسان فإن ّفيه مادة تجعله قابلًا لارتكابالخطيئة. فقد يرفض كلام الأنبياء بل قد يُنكر وجود الله تعالى و قد يتمادى فيالمعصية حتّى أنّه قد يُسيئ بالقول إلى ذات الله تبارك و تعالى. أمّا الملائكةفليست فيهم تلك المادة و لم يُخلقوا قادرين على فعل شيء من هذا, و إذا وازنّا بينهمو بين الناس فإنّ دائرة عملهم محدودة, و أمّا الإنسان فإنّه يخرج أحيانًا عن نطاقهذه الدائرة. و قد وُصِفت هذ الناحية من خَلْقِهم في قوله تبارك و تعالى
لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (7)
(التحريم : 7)
طاعة الملائكة وقدرتها
ليس من طبيعة الملائكة ألّا تعصى الله تعالى فحَسْب, بل إنها تواظب على الطاعة و تدأب على العمل. فعدم عصيان أوامر الله تعالى شيء و عدمتنفيذ أوامره جلّ و علا و عدم القيام بها شيءٌ آخر. و بيان ذلك أنّك قد تأمر شخصًابأن يحمل شيئًا ما إلّا أنّه لضعفه لا يقوى على أن يفعل ذلك. ففي هذه الحال لايُسمّى ذلك عصيانًا إنّما هو عجز أو عدم مقدرة. أمّا إذا كان الشخص يقدر على حِمْلذلك الشيء و لم يفعل ففي هذه الحال يُسمّى ذلك عصيانًا. فقوله تبارك و تعالى كماجاء بالآية ( ...لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَ يَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ ) يُشير إلى أنّ في الملائكة استعدادًا أو قابلية لأن يقدروا على فِعل كلّ ما يؤمرونبه, فهم ليسوا كالنّاس منهم من يميل إلى الطاعة و منهم من يميل إلى العصيان. ثمّإنّ الإنسان قد يرغب في فعل شيءٍ ما و لكنّه قد يعجز أحيانًا عن النهوض به كما لوأراد أن يُصلّي واقفًا و لكنّ المرض أو كِبَر السِّن قد يضطره إلى أداء الصلاة و هوجالس.
صفة الملائكة من حيث التأثّر والتأثير
و الأمر السابع هو أنّ الملائكة لا تتأثّر بمن حولهامن مؤثّراتٍ و لا تستجيب لمؤثّرٍ من الخارج أو الغير, أمّا باقي المخلوقات فمهماكانت قوّتها فإنّها عُرضة للوقوع تحت تأثير الغير. إلّا أنّه بالنسبة للإنسان فهناكحالات, ذلك أنّ بعض الناس يتأثّرون بالغير و البعض الآخر يُقاوم. فلأنبياء يتأثّرونمثلًا بالحسنات و الطيّبات, ففي الحرب مثلًا قد يشتر ك النبيّ في المعركة و يتأثّربها كبشَر و لكنّه محفوظٌ من مالمؤثّرات السيئة الشريرة. أمّا الملائكة فهم محفوظوندائمًا من المؤثّرات. و قد أُشير إلى ذلك في سورة التحريم
( ...عَلَيْهاملائِكةٌ غِلاظٌ شِدادٌ.. )[الآية 7] فهذه من صفة الملائكة: غِلاظٌ شِداد أي لايؤثّر فيهم شيءٌ مطلقًا.
نعم, إذا أُمِروا أن يُؤثِّروا في الغير فعلوا ذلك, و هذا ليس بمقدور الإنسان. فقد يُمكنه أن يؤثّر على الغير تارةً, و قد يعجز عن ذلكتارةً أُخرى. فالإنسان من حيث الصفات يمكنه أن يفعل أو يقتبس شيئًا و لكن ليس منجميع الوجوه. و قد جاء في القرآن المجيد
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ... (30 )
(الفتح : 30)
و يتبيّن من ذلكأن ّالمؤمنين أشدّاء أيضًا كالملائكة و لكن على الكُفّار فقط أمّا فيما بينهم فهمرُحماء يتأثّر بعضهم ببعض. و جاء في القرآن المجيد
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ... (73)
(التوبة : 73)
أي حاربهم وجاهدهم و لا تتأثّر بهم. و حاصل القول أنّ المؤمن على وجه العموم, يُؤثّر في الغيرو لكن لا يناله تأثير الغير و لا يتمكّن منه إلّا في بعض الأُمور, أمّا الملائكةفلا يتأثّرون من أي وجهٍ من الوجوه.
عدد الملائكة
أمّا عدد الملائكة فإنّه غير محدّد و لا معلومبالنسبة للنّاس, و في ذلك يقول القرآن الكريم:
وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ ( 32 )
(المُدّثِّر: 32)
يتبع >>>