•°• الحياة و الحديقة الخضراء •°•
في ما مضى .. كانت عند حدود الحب
تتجمد كل محاولات المراوغة .. وتنهار كل العواطف المفتعلة
وتتحطم المشاعر المزيفة .. وتنكشف النوايا .. وتتعرى الاوهام
لتظهر الحقيقة بكل وضوح ونقاء ..
اما في هذه الايام .. تصبح الحقيقة مجرد اوهام
ويصبح الاحساس اضغاث احلام.. وتصبح العواطف كقطع شطرنجية
نلهو بتحريكها كيف ما نشاء .. ونستخدم الدهاء ..
لنخوض معركة وهمية .. للفوز بلقب بطولي
ومتعة النصر .. وشعور العظماء ..
في هذه الايام اصبح الحب .. اسم نهبت معانيه ..
وعاطفة سلبت منها برائتها .. لتغدوا عاطفة مشبوهه
نحاول ان نتجنبها .. لقد اصبح للحب الف نوع ونوع ..
ترضي جميع الاذواق .. المهم في الامر ..
سعر مخفض لعاطفة جيده .. تستحق كل فلس من قيمتها ..
لقد اصبح الحب والعواطف .. هواية ممارسة ..
نرضي بها .. طيشنا الجنوني .. ونشواتنا اللحظية في اوقات الفراغ
لقد اصبح الحب .. مسرحية هزلية .. وحكاية الاطماع والاهواء
ابطالها .. فارس مغوار .. واميرة جنية ..
لقد اصبح الحب .. خوف ومجازفة .. حذر ومغامرة .. دمعة خاسرة .. ودمعة رابحة
بالمختصر المفيد .. اصبح الحب .. حبر على ورق ..
لقصص خرافية .. نقرأها في كتب التاريخ .. ونظل نحلم ..
لو انه حقيقة نعيشها .. في احد الايام ... مجرد حلم ..
نتناسى الحب و لم ننساه و نمضي ..
نوغل في دروب العمر..تشغلنا مطالب الحياة..تنسرب السنوات منا
في انتظار مايجئ وما لا يجئ..نتساءل:
هل مضى الزمان الجميل ؟
أين الآمال الكبيرة التي اشعلت الوجدان توقداً وحماساً؟
أين أجنحة العنفوان التي حملتنا إلى أقصى الآمال وفتحت لنا
أبواب السماوات ؟
أين المستقبل المشرق الذي تمنيناه لأنفسنا وذاتنا ؟
أكل ذلك مضى ؟
أصبح سراباً وقبض ريح ؟
نطوي انفسنا وذاتنا على مايكاد يصبح حقيقة ونسلم حياتنا للرماد..
نتابع مسيرتنا بحكم العادة..نستيقظ في الصباح دون رغبة..نذهب إلى
عملنا مكرهين..نشرب القهوة..الشاي..نعمل..نثرثر..نعود إلى بيوتنا..
نتناول غداءنا..نستلقي..تنسحب النهارات منا..ياتي الليل..تتوالد
الأيام دون جديد ولامتعة ولافرح..نتساءل:
إلى متى ندور في طاحونة الحياة المفرغة ؟
إلى متى حياة الروتين اليومي الممل ؟
ونحن ندور وسط هذه الحلقة المفرغة يعصف بك الحنين ربما إلى ماضً
ربما إلى جديد..ممتع..أصيل..تتناول مما لديك قلماً..ولكن السؤال
المر يطاردك:
أي كلام سوف تكتب ؟
أي مشاعر سوف تعبر عنها؟
اي هموم سوف تشكوها ؟
أي فرح سوف تعلنه ؟
تحاول أن تعود لحياة الروتين لكن القلم والورقة تشدك للكتابة
لتعبر عن مشاعر ونبض في قلبك..تتوقف مندهشاً مزحاً:
أما زال هناك أناس يرفضون الرماد والانكسار ؟
تفتح مسام الروح تعب..قوة..أصالة..دفء..تنبعث من حروفك وكلماتك
أشعة توقظ ماكان خافياًفي أعماقك..تدب إلى شفتيك ابتسامة..مازال
بالإمكان للإنسان أن يغير..أن يطالب بحقه في الخضرة والأمل والجمال..
تفتح نافذتك..تنسرب إليك نسمة عذبة..تنفذ إلى قلبك..تنثر عبيرها
في دمك وخلاياك..تحس رياً..انتعاشاً..ترفع عينيك للشمس تطبع قبلتها
على جبينك ثم تغادر مسرعة لتندس وسط غيوم بيضاء شفافة..تتأمل
الأشجار تظلل جانبي طريق هادئ تهتز اوراقها للمسة حانية من الريح..
تنجذب عيناك إلى البحر يمتد أمامك رائع الزرقة خيالي الأمواج..
يخطف نظرك جناح أبيض لنورس يداعب الماء..
تأسرك رفرفة ضحكة لطفل صغير..تتشرب كلماته الأولى وهو ينطقها
متعثرة..يلوح أمام عينيك وجه صديق..موقف نبيل..يد تمتد إليك
في حزنك..يمحي الرماد..تتألق الألوان..تحس بطعم الشمس والبحر
والزهر والإنسان..يتفتح في أعماقك أمل..وعد..رؤيا..فتقول:
مازالت الحياة..(حديقة خضراء)..ومازال في العمر متسع لكثير
من المسرات والأفراح ..
إذا كان صحيحاً ما يتحدث به الناس من سعادة الحياة وطيبها..
وغبطتها ونعيمها..فسعادتي فيها أن أعثر في طريقي..في يوم من
أيام حياتي..بصديق يصدقني الود وأصدقه..فيقنعه مني ودي وأخلاصي
دون أن يتجاوز ذلك إلى ماوراءه من مآرب وأغراض..وأن يكون شريف
النفس فلا يطمع في غير مطمع..شريف القلب فلا يحمل حقداً ولايحفظ
وتراً ولايحدث نفسه في خلوته بغير مايحدث به الناس في محضره..
شريف اللسان فلا يكذب ولاينم ولايلم بعرض ولاينطق بهجر ولايطعن بظهر..
شريف الحب..يحب الفضيلة ويبغض الرذيلة..
هذه هي السعادة التي أتمناها ولكني لا أرها هنا
في هذا الواقع .. أو ربما ثمت شيء يحجبني عنها ..
و لكني على أمل أن تزاح الغمام و أرى بوضوح ..
تلك الحديقة الخضراء
