ل بالفعل الحسد يقع تأثيره بنفسه بمجرد المعاينة؟
عندما نتصفح القرآن الكريم نجد أن القرآن جاء فيه لفظ الحسد عدة موارد
لا نجد موردا واحدا يذكر بأن تأثير الحسد يقع بمجرد المعاينة والنظرة والأمنية0
فقابيلُ حين حسد أخاه هابيلَ حين قُبل قربان أُضحيته, لم يقع أثرُ الحسد بدوًا,إنما تبعها الفعلُ والسعيُ والتنفيذ0{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (27) سورة المائدة
ولم يتحقق حسد أهل الكتاب حينما (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم)ولم يستطيعوا رد المسلمين عن دينهم0
ولم يتحقق حسد الكفار حينما أرادوا إفشال دعوته {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} (51) سورة القلم
ولم تتحقق أمنية الكفار والمنافقين عندما اختار نبيه(ص) رسولا للعالمين
عندما قالوا{ لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} (31) سورة الزخرف
وقال الله فيهم {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا} (54) سورة النساء
وقال فيهم {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} (32) سورة الزخرف
ولم يتحقق حسد المنافقين على المؤمنين في كثرة مالهم من الجهاد حينما تقاعسوا {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا} (15) سورة الفتح
ولم يتحقق حسد أخوة يوسف عليه {إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} (8) سورة يوسف
إلا بعد الكيد والفعل والترصد والتنفيذ المباشر فأرادوا أن يقتلوه فرموه في البئر
فحين قص يوسفُ رؤيته لأبيه يعقوب {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} (4) سورة يوسف
حذره أبوه من حسد أخوته{قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} (5) سورة يوسف
وفي قوله تعالى {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} (67) سورة يوسف
ليس في ذلك دليل على تأثير الحسد بمجرد التعاين ,إنما الحسد الذي يعقبه مكايد 0
وفي قوله تعالى (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِن شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)) نزلت بسبب حسد اليهود للنبي كما ذكر طائفة من المفسرين
هي لا تفيد بوقوعية الحسد فهو كما تعوذ من شر ما خلق أي من يحمل شرا من شياطين الإنس و الجن تعوذ من شرور الحساد لأن الحاسد عادة يخطط ويكيد وينصب حبائله فالحاسد تبقى جراحه مفتوحة لا تندمل إلا بانتقامه وكما يقول فرنسيس بايكون (إن الطبائع اللئيمة الماكرة ترسل انتقامها كالسهم الذي ينطلق في الظلام)0
وفي آية الحسد ثلاثُ لطائف:
اللطيفة الأولى: إن القرآن طلب منا التعوذ من شر الحاسد وليس من شر الحسد ,وهذا له دلالته0
اللطيفة الثانية : إن الله طلب منا التعوذ من الحاسد بعد الحسد وليس قبله
وكيف لنا أن نعرف ذلك؟لا بد من المقدمات والإشارات0وليس التعوذ من الناس وكأنهم شياطين لمجرد الانطباع أو الشهرة عنهم بالحسد 0
اللطيفة الثالثة:إنه عطف شر الحاسد على شر الليل لأن الليل الظرف الزماني المناسب لتنفيذ الشرور حيث الخلوة والخفاء0
يقول الطباطبائي في ميزانه :
(قوله تعالى: «و من شر حاسد إذا حسد» أي إذا تلبس بالحسد و عمل بما في نفسه من الحسد بترتيب الأثر عليه.)
يقول سيد محمد فضل الله :
({وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} وذلك من خلال الحالة العدوانية التي تعيش في داخل شخصية الحاسد فتحوّله إلى إنسان عدوانيّ يعمل على إيقاع الشرّ بالمحسود، والبغي عليه، كما ورد في الحديث النبوي الشريف: «إذا حسدت فلا تبغ»
عموما حسد العدو لا ينقطع أبدا ,وليس هناك طائفة إلا ولها عدو وعدو
{وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ } (14) سورة الشورى
{إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (120) سورة آل عمران
{وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ } (89) سورة النساء
إذن الحسد أما لا يتحقق ,أو يتحقق حينما يتحول إلى الفعل ,لا بمجرد الأمنية والرغبة من الحاسد0
يوجد آية تجعلنا أن ننتبه لها جيدا {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} (106) سورة يوسف
فربما نحن نشرك مع الله أحدًا في قدراته ونحن لا نعلم ,وخصوصا إن الشرك خفي أخفى من دبيب النمل على صفاء سوداء، في ظلمة الليل0
