والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وعلى آله الطيبين الطاهرين .
عن الصادق عليه السلام قال ما من مظلمة اشد من مظلمة لا يجد صاحبها عليها عونا إلا الله عز وجل .
وفي وصية مولاي الإمام زين العابدين قال لباقر العلوم عليهما السلام : يا بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصرا إلا الله
قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ) , وقال تعالى ( وأخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين ) .
روي عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام قال : أمر الله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالتواضع , والتواضع مزرعة الخشوع والخشية والحياء , ولا يسلم الشرف التام الحقيقي إلا بالتواضع في ذات الله .
وروي عن مولانا الإمام الباقر عليه السلام قال : لما اسري بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : يا رب ما حال المؤمن عندك ؟ قال : يا محمد من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي .
وهناك أسس لا بد منها في حقوق الأخوة والصحبة وهي في المال واللسان والنفس والعفو والقلب بالعفو والإخلاص والوفاء والدعاء وترك التكلف والتكليف وتجمعها عدة أمور منها :
المال وله مراتب ثلاث :
وأدناها أن تنزل الإخوة منزلة عبدك وخادمك في القيام بحوائجه وأموره من دون أن تحوجه إلى سؤال و لا أن تضع العراقيل أمامه من كل حدب وصوب .
أما أوسطها فهو أن تنزله منزلة نفسك وترضى بمشاركته إياك من مالك , لا أن تشركه في ماله فما عنده لك وله وما عندك لك .
أما أعلاها أن تؤثره على نفسك وتقدم حاجته على حاجتك , وليس أن تستغله لمصلحتك الشخصية ولو على حساب مصلحته .
قال تعالى : ويؤثرون على أنفسهم ولو كان به خصاصة , لا أن أنفسنا على الآخرين من أجل دنيا زائلة لا تساوي نعلي قنبر .
روي عن مولاي الإمام السجاد عليه السلام قال لرجل أيدخل أحدكم يده في كم أخيه وكيسه فيأخذ منه ما يريد من غير إذن , قال عليه السلام لا , قال فلستم بإخوان , لكنهم يا مولاي أبشرك بأنهم موجودون في هذه الأيام يمدون أيديهم ليس بلا إذن فحسب بل بلا علم .
وفي الإعانة بالنفس في قضاء حاجاته والقيام بها قبل السؤال وهذه أيضا لها درجات ومراتب أدناها القيام بالحاجة عند السؤال والقدر مع البشاشة .
روي عن مولاي الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : إني إلى قضاء حوائج أعدائي مخافة أن أردهم فيستغنوا عني , هذا في الأعداء فكيف في الأصدقاء ؟ !
وأن يحفظ على اللسان بالسكوت عن ذكر عيوبه في حضرته وغيبته , والمماراة والمنافسة معه , إلا في الله , وعن أسراره التي تنهى إليه , فإن ذلك من لؤم الطبع , وان يسكت من القدح في أحبائه وأهله وولده .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المؤمن مرآة المؤمن أن رأى منه ما لا يرى من نفسه كما يستفيد بالمرآة الوقوف على عيوب صورته الظاهرة .
والعفو عن زلاته وهفواته إن كانت في الدين نصحته وأرشدته , وان كانت لتقصير في الأخوة عفوت عنه ولا تعاقبه , وإذا اعتذر إليك فاقبل عذره .
قال رسول الله – ص - : من اعتذر إليه أخوه فلم يقبل فعليه مثل إثم صاحب المكسب .
والدعاء له في حياته ومماته بكل ما يحبه لنفسه وأهله ولا تفرق بين نفسك وبينه , فان دعاءك له دعاء لنفسك , قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا دعى رجل لأخيه فيه في ظهر الغيب قال الملك : ولك مثل ذلك .
وروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال مثل الميت في قبره مثل الغريق يتعلق بكل شيء ينتظر دعوة من ولد أو والد أو أخ أو قريب , وانه ليدخل على قبور الأموات من دعاء الأحياء من الأنوار مثل الجبال .
وعن مولاي الباقر عليه السلام في قوله تعالى : ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله , قال : هو المؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب فتقول له الملائكة آمين ويقول الله العزيز الجبار : ولك مثل ما سألت ولقد أعطيت ما سألت بحبك إياه .
أما الوفاء والإخلاص , فالوفاء هو إثبات على الحب وإدامته إلى الموت معه , وبعد الموت مع أولاده وأصدقائه , وروى انه صلى الله عليه وآله وسلم أكرم عجوزا دخلت عليه فقيل له في ذلك فقال : إنها كانت تأتينا أيام خديجة , ومن الوفاء مراعاة أقاربه وأصدقائه وان لا يتغير حاله في التواضع مع أخيه وان ارتفع شانه .
والتخفيف وترك التكلف قال سيد البلغاء والأوصياء الأمير عليه السلام : شر الأصدقاء من تكلف لك ومن أحوجك إلى مداراة وألجأك إلى اعتذار .
ومن صفات المؤمن أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ويكره لأخيه ما يكره لنفسه ويعتبر أن المؤمنين جميعا أخوته بنو أب وأم , إذا ضرب على رجل منهم عرق سهر له الآخرون , والمؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد إن أشتكى شيئا منه وجد الم ذلك في سائر جسده وأرواحهما من روح واحدة .
وعن الإمام الصادق عليه السلام اتقوا الله وكونوا أخوة بررة متحابين في الله متواصلين متراحمين تزاوروا وتلاقوا وتذاكروا امرنا , يعني أحاديثهم عليهم السلام وحالتهم العامة .
إن المؤمن لا يؤذي أحدا من المسلمين بقول أو فعل , فكيف به سيكون مؤمنا عندما يؤذي المؤمنين ؟ !
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده , وقال عليه السلام أتدرون من المسلم ؟ قالوا الله ورسوله اعلم ! قال : المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده , قالوا فما المؤمن قال : من أمَّـنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم , قالوا فمن المهاجر قال من هجر الشر واجتنبه , إن المهاجر من هجر السيئآت وترك ما حرم الله والمؤمن حرام على المؤمن ان يظلمه او يخذله او يغتابه او يدفعه دفعة , وعن سيد البلغاء عليه السلام لا يخونك الأمين إنما استأمنت الخائن .
وان يتواضع لكل مسلم ولا يكذب عليه فان الله لا يحب كل مختال فخور , وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر احد على احد ثم إن تفاخر عليه غيره فليحتمل , فقد قال الله تعالى لنبيه : خذ العفو وآمر بالعرف واعرض عن الجاهلين .
عن صادق أهل البيت عليهم اللام أن في السماء ملكين موكلين بالعباد فمن تواضع لله رفعاه ومن تكبر وضعاه .
قال تعالى : لا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور , وقال تعالى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور .
قال رسول الله- ص – حبذا نوم الأكياس ولمثقال ذرة من صاحب التقوى واليقين أفضل من ملأ الأرض من المغترين .
وعن الصادق عليه السلام المغرور في الدنيا مسكين , وفي الآخرة مغبون لأنه باع الأفضل بالأدنى .
قال تعالى : وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون , وما ربك بغافل عما تعملون .
عن الباقر عليه السلام قال الظلم ثلاثة :
ظلم يغفره الله , وظلم لا يغفره الله , وظلم لا يدعه الله .
فأما الظلم الذي لا يغفره فالشرك , وأما الظلم الذي يغفره فظلم الرجل نفسه فيما بينه وبين الله , وأما الظلم الذي لا يدعه فالمداينة بين العباد .
وعن الصادق عليه السلام في قوله تعالى ( إن ربك لبالمرصاد ) قال قنظرة على الصراط لا يجوزها عبد بمظلمة .
وجاء ابن أبي عمير إلى مولانا الإمام الصادق عيه السلام فقال له : إني لم أزل واليا منذ زمن الحجاج عليه اللعنة والعذاب إلى يومي هذا فهل لي من توبة , قال فسكت – ع – ثم أعاد عليه فقال – ع – لا حتى تؤدي إلى كل ذي حق حقه .
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : من أصبح لا يهتم بظلم احد غفر الله ما أجرم وقال اتقوا الظلم فانه ظلمات يوم القيامة .
وفي خبر عن الصادق عليه السلام قال مبتدءا من ظلم سلط الله عليه من يظلمه أو على عقب عقبه , قلت هو يظلم فيسلط الله على عقبه أو على عقب عقبه فقال – ع – إن الله عز وجل يقول : وليخشى الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا .
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : العامل بالظلم والمعين له والراض به شركاء ثلاث .
إن معونة الظالمين حرام بالأدلة الأربعة وهي من الكبائر , قال – ع – من مشى إلى ظالم ليعينه وهو يعلم انه ظالم فقد خرج عن الإسلام .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم إذا كان يوم القيامة ينادي أين الظلمة أين أعوان الظلمة أين أشباه الظلمة حتى من برا لهم قلما أو لاق لهم دواة فيجتمعون في تابوت من حديد ثم يرمي بهم في جهنم .
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه نهى عن الخيانة وقال : من خان أمانة في الدنيا ولم يردها إلى أهلها ثم أدركه الموت مات على غير ملتي ويلقى الله وهو عليه غضبان .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم من شهد شهادة زور عل احد من الناس علق بلسانه مع المنافقين في الدرك الأسفل من النار .
ألا ومن اشترى ما اخذ خيانة وهو يعلم فهو كالذي خان , ومن حبس عن أخيه المسلم شيئا من حقه حرم الله عليه بركة الرزق إلا أن يتوب .
ومن وصيته صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام قال : أفضل الجهاد من أصبح لا يهم بظلم أحد .
ومنها أيضا : يا علي من لم تنتفع بدينه ودنياه فلا خير لك في مجالسته , ومن لم يوجب لك فلا توجب له ولا كرامة
وعن مولاي سيد البلغاء والأوصياء الأمير – ع – قال : من خاف القصاص كف عن ظلم الناس .
قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وانتم تعلمون .
وختاما مسك في قوله تعالى ( وابتغ فيما أتـاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين .
