بسم الله الرحمن الرحيم
النمرود
بقلم رشـــــــــــا الجعافرة
لم يكن يوما عاديا يوم رأيته , بل انني اراهن على انه يوم مميز في حياتي , كان واقفا بجانب صفوف الواقفين في موقف الباص يحمل بين يديه كسرة خبز تلتصق بها ذبابتان لا تبرحان مكانهما , نعم كانت في يديه , وعينيه مسلطتين عليها تارة وتارة ينظر بعمق لتلك الجموع التي تنتظر الباص في وهج الشمس الحارق , لم يكن طوله يتجاوز المتر ولم اكن انا الوحيدة التي تنظر اليه , فنحول جسده وعلامات الحزن والاسى اللتان ترتسمان على وجهه الصغيرتان كفيلتان باجبارك على النظر اليه , لكن مع ذلك فحر الشمس لم يسنح للجميع بان يرى ما رأيت انا في عينيه من حزن وتعاسة , وشئ ما كان يقول لي بانه يعيش مأساة لم يعشها أقرانه, قد يكون صغر عمره السبب وراء تلك الاحاسيس التي شعرت بها بالرغم من ان مشاهد المتسولين اصبحت بالنسبة لي شبه عادية , ودعوت الله سرا بان يسوقه الله الي قبل مجيء الباص وما هي الا ثوان حتى رأيته امامي مادا يده ومقلتاه تنظران الي وتستنجدني بعنف , سألته: ما اسمك يا صديقي؟ رفع رأسه الصغير وقال : مسعود !!! ذهلت واصابني الجمود , حدقت مليا بتلك الشفتين الصغيرتين وقلت بابتسامة باهتة : مسعود , تساءلت تلك اللحظة مسعود , غريب فالضحكة التي نجحت في كتمانها لم تكن فرحا بل هي ممزوجة بالاسى والاستغراب والالام , انت مسعود يا صغيري ؟! اذا كنت انت مسعود فمن هو الشقي اذا؟!.
وسرعان ما فارقته وصعدت الى الباص ولكنني لم انسى مسعود ونظراته لم تفارق مخيلتي طيلة الطريق , عيناه ما زالتا معلقتان بذاكرتي , وقلبي ما زال يحس بعنف نظراته, ولم اشعر باني قد وصلت الا على صوت طفل بين ذراعي امه يبكي بشدة, وتمضي الايام وتتكرر المأساة ويظهر لي الامر على حقيقته , فمسعود الشقي لا يعيش وحده تلك المأساة , بل هناك من امثاله يعيشون تحت تأثير الظلم الاجتماعي القاسي , فالفقر وحش انطلق من غير ان يجد من يوقفه او يحاول ان يوقفه , ويبقى الوضع كما هو ونبقى نحن مكتوفي الايدي لا نقوى على التغيير افرادا , وابقى على امل ان نشعر جميعا بعمق المأساة التي يعيشها البعض ونعمل سويا لقتل ذلك النمرود الذي يطيح بجمال الطفولة ونقائها وبراءتها.
فلنكن يدا واحدة لطمس ذلك الظلام.
وشكرا
