تكملة موضوع المرأة والمجتمع
الاختلاط المباح فيما إذا كان هذا الاختلاط خاضعاً لكل الضوابط الشرعيةوالأخلاقية ولا يترتب عليه أيّ مفسدة.
ثانياً :
في ضوء التقسيم السَّابق يتضح أنَّ الاختلاط الخاضع للضوابط الشرعية والأخلاقية لا يمنع منه الإسلام إذا اقتضته ضرورات حياتية واجتماعية وإذا فرضته الحاجة الرسالية في مجالات العمل الإسلامي نعم الإسلام يؤكد في توجيهاته على اجتناب الاختلاط كخط عام لما يترتب على ذلك من آثار سلبية خاصةفي الجلسات التي ينطلق فيها كل من الرجال والنساء في الأحاديث المفتوحة بلا حواجز وأمّا الجلسات الجادة الهادفة التي تنطلق في مجالات العمل الرسالي والاجتماعي والثقافي فلا مانع منها مع توفر الضوابط الشرعية والأخلاقية .
ثالثاً :
لو سلّمنا أن ّالإسلام يتحفظ على حالة الاختلاط بشكل عام تحصيناً للواقع الاجتماعي من الأضرار والمخاطر فإنَّ عمل المرأة الثقافي والاجتماعي لايتوقف على هذا الاختلاط فيمكن للمرأة أن تمارس دورها الكبير في الأوساط النسائية .
ويمكن للمرأة التي تملك إمكانات فكرية وعلميةوأدبية أن تمارس دورها من خلال البحث والدراسة والكتابة .
ويمكن للمرأة أن تمارس دورها الاجتماعي والثقافي من خلال المؤسسات النسائية أو من خلال اللجان النسائية في الجمعيات العامة وهكذا يمكن للمرأة أن تتوفر على مساحات كبيرة للعمل والحركة والنشاط من دون حاجة إلى الاختلاط .
المبرر الثالث :
اتهام الإسلام بتجميد دور المرأة الاجتماعي والثقافي هو (( وجود روايات وأحاديث دينية )) تمنع المرأة من الانطلاق والحركة .
وقد صنفت تلك الروايات والأحاديث إلى عدة مجموعات :
المجموعة الأولى : الروايات الدالة على استحباب حبس المرأة في البيت .
ومن تلك الروايات : ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قال
{إنّ رجلاًمن الأنصار على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله خرج في بعض حوائجه فعهد إلى امرأته عهداً أن لا تخرج من بيتها حتى يقدم قال وإنّ أباها قد مرض فبعثت إلى رسولالله (ص) تستأذنه أن تعوده فقال اجلسي في بيتكِ وأطيعي زوجكِ فثقل (( أي زاد مرضه))فأرسلت إلى الرسول ثانياً فقال صلى الله عليه وآله اجلسي في بيتك وأطيعي زوجكِ فمات أبوها فبعثت إليه صلى الله عليه وأله إنّ أبي قد مات فتأمرني أن أصلي عليه فقال صلى الله عليه وأله لا اجلسي في بيتكِ وأطيعي زوجكِ فدفن الرجل فبعث إليها رسول الله (ص) إنّ الله قد غفر لك ولأبيك بطاعتك لزوجك } كتاب الوسائل الجزء 14 صفحة 125
ووجه الاستدلال بهذه الرواية أنّ منع خروج المرأة من البيت مطلق وليس مقيداً بحالة منافاته لحق الزوج في الاستمتاع أو بأي حالة أخرى والمفروض في الرواية أن َّالزوج مسافر ولا يحتاج إلى زوجته ثم إنَّ الخروج لغرض مشروع وفيه بر بالأب ومع ذلك أكد عليها رسول الله (ص) أن تبقى في بيتها وتطيع زوجها .
ويمكن أن نناقش هذا الاستدلال من خلال النقاط التالية :
الرواية كما هي في الوسائل ضعيفة سنداً لوجود عبدالله بن القاسم الحضرمي وهذا بحث رجالي لا أريد الخوض فيه والرواية ليس فيها دلالة على استحباب حبس المرأة في البيت وإنّما هي ظاهرة في استحباب طاعة الزوج حيث أخذ العهد عليها أن لا تخرج وفي ذلك غفران لها ولأبيها
إنّ القول بجواز حبس المرأة في البيت يتنافى مع العناوين القرآنية الصريحة
{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ }~~~{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ }
{وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا }~~~{ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ}
المجموعة الثانية : الروايات التي تعتبر القيمة الأخلاقية الكبيرة للمرأةأن لا ترى الرجال ولا يراها الرجال .
ونستعين هنا بروايتين :
الأولى: ما روي عن الإمام أمير المؤمنين (ع) في رسالته للإمام للحسن (ع) يذكر فيها النساء {فإن استطعت أن لا يعرفن غيرك من الرجال فافعل }
الوسائل الجزء 14 صفحة 41
وملاحظاتنا على الاستدلال بهذه الرواية :
أنّها ضعيفة السند والدلالة ولا يمكن التمسك بظاهرها فلا نجد فقيها يفتي بلزوم منع الرجل زوجته من التعرف على جميع الناس غاية ما يستفاد من هذه الرواية أن لاتنشأ علاقات بين النساء والرجال الأجانب.
الثانية : ما روي أيضا عن أمير المؤمنين (ع) {قال كنا عند رسول الله (ص) فقال أخبروني أيّ شيء خير للنساء فعينيا بذلك كلنا ((أي عجزنا عن الإجابة )) حتى تفرقنا فرجعت إلى فاطمة فأخبرتها بالذي قال لنا رسول الله (ص) وليس أحد منا علمه ولا عرفه فقال تعليها السلام ولكني أعرفه خير للنساء أن لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال فرجعت إلى النبي (ص) فأخبرته فقال صلى الله عليه وآله من أخبرك بذلك قلت فاطمة فأعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فقال فاطمة بضعة مني}
الوسائل الجزء 7 صفحة 43
ولنا حول الاستدلال بهذه الرواية عدة ملاحظات :
الرواية ضعيفة سنداً ودلالة ومضمون الرواية غير مقبول لأنّه يسيء إلى عصمة الإمام علي(ع) حيث يتهمه بالعجز وعدم القدرة على الجواب وإن كان على حساب إثبات فضيلة إلى الصديقة الزهراء عليها السلام ومما يؤكد هذه الإساءة استغراب الرسول(ص) من معرفة علي (ع) للجواب ولوسلّمنا بصحة الرواية فهي تمثل توجيهاً أخلاقياً لخلق حالة العفاف عند المرأة وابتعادها عن كل الأجواء المختلطة الفاقدة للضوابط الإسلامية ولا تدل على التجميد المطلق لأي لون من ألوان اللقاء بين الرجل والمرأة وإلا لما خرجت هي نفسها السيدة الزهراء تطالب بفدك ولما خطبت السيدة زينب في مجلس يزيد وحتى لو قلنا أنها خطبت تلك الخطبة لحماية الإمام من القتل هنا نقف متسائلين كلنا نعرف أن الإمام الحسين قتل من أجل الدين ويحرم على المرأة أن تسمع صوتها للرجل فكيف تحاول السيدة زينب أن تحمي الإمام زين العابدين بإسماع صوتها للرجال (( لا يطاع الله من حيث يعصى )) وهذه مغالطة واضحة .
المجموعة الثالثة : الروايات الناهية عن خروج النساء إلى الصلاة إلاّ العجائز
{عن يونس بن يعقوب قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن خروج النساء في العيدين والجمعة فقال لا إلا امرأة مسنة} ويردعلى الاستدلال بهذه الروايةأنّها معارضة برواية أخرى أقوى سنداً وهي صحيحة {علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفرعليه السلام قال سألته عن النساء هل عليهن من صلاة العيدين والجمعة ما على الرجال فقال نعم} كتاب قرب الإسناد صفحة 244
والسيرة العامة للمسلمين في زمن (ص) تؤكد أنّ النساء كن يشاركن في حضور المساجد بدليل الآية {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}
إلا أن نقول أنها سألت الرسول هذه المسألة في الشارع وقد خصص الرسول (ص) باباً للنساء للدخول والخروج وجعل النساء في الصفوف الخلفيةلا يمكن أن نتصور أنَّ الإسلام يمنع من أن تتثقف المرأة ويكتفي بتثقيف العجائز فقط .
ودمتم بألف خير