بسم الله الرحمن الرحيم
دنيا بلا هدوء .
باتت دنيانا مملة فلا تطيق الآذان صخبها وضجيجها , أنى اتجهت إلى الهدوء في بلدٍ تجده على المقصلة فاغراً فاه , دنيا بلا هدوء دنيا صاخبة إلى الحد الذي لم يعد للآذان وسع في تحمله , دنيانا باتت تشتكي الصداع في كل ناحية من نواحيها , أفلا مسكن أفلا مهدئ , لا أعتقد أن هناك خير من النوم لهذه المشكلة , نام وتخلص من ضجيج الدنيا نام وارتح من دنيا صاخبة لا تنام .
دنيا الصخب مُرَّة .
أنظر حولك وفي كل جهة , المدينة لا تؤمل في هدوءها , منزلك الذي كان مهد الاسترخاء والهناء والتأمل , لم يعد مأوى لراحتك و استقرارك , فقد اصبح كمرقص أو ملعب كرة قدم , في دنيا الصخب لا تركيز لا صفاء للذهن لا حتى رغبة في التفكير , كم أحسد نيوتن وباسكال وديكارت على عصورهم الجميلة , يعيشون في دعة وهدوء وينامون ملء جفونهم , ويفكرون بكل ما أوتوا من قوة , أما اليوم الصخب في كل مكان , أين المفر , كلا لا وزر , إلا إن شئت أن تعود انسان حجريا و تسكن أحد الأودية المخضرة مع هذا الشتاء القادم , هذا هو الحل الوحيد , خلك بعيد خلك بعيد .
دنيا الفضائيات عذاب نفسي وشقاء .
أكاديميات المتسولين , قناة تتسول لكن باسلوب حديث , قنوات درست الشحاتة بمفهومها الحديث , لم يعد الشحات يتأوه ويشتكي عند أبواب المساجد , ولكن أصبح يحضر عدد من الغربان تنعق صباح مساء , والشئ الذي يؤلم القلب أن لهذه الغربان مستمعين , واخيبتاه أمة بلا ذوق فني , وهكذا غثيان يومي وعلى مدار الساعة من تمويل البجم من أبناء البلد المعطاء , وياربي توب علينا من حمقى بلادنا الممولين وتوب علينا من غربان الفن الحديثة وتوب علينا من هذه القنوات .
هنا محطة غنائية ماذا يوجد , لا أدري كلمات غير مستساغة , آلات تنفر منها الأذن , وثب إلى الأعلى وسقوط إلى الأسفل , صفقات وصفير وهيصة , أضواء مزعجة تؤذي العينين , أصوات نشاز نهيق ونعيق , مواوويل ماهي إلا صياح وصراخ , في النهاية دعارة علنية على الهواء , وكليب من إخراج ....... .
موضة الفن الحزين , فنان شاحب الوجه أشهب العينين , يحمل هم الأمة الإسلامية على كتفه , يمسك العود ويضرب على وتره ضرب المبتدئ الخجول , كلمات مستهلكة من أربع مئة سنة بات أطفالنا يشمئزون منها , وغناء بصوت كخوار البقر , تكاد تنفجر الآذان منه , وفي النهاية ألقاب فنية خيالية و جماهيرية عالية لست أدري مما خلقت آذانهم , لكن رزق الهبل على المجانين .
قنوات شعبية , تنقل التراث المسخ , تراث لم نعرفه قط بهذه الصورة , قلبوا كل شئ وجعلوا التراث كما يشتهون , وطوعوا التراث حسب أهواءهم , أي إحياء للتراث يدعون , ماتلك القنوات إلا إبادة جماعية للتراث الحقيقي المُغيِّب , يُولُون انسان تراث وهو لا يعلم في تاريخ وتراث هذه المنطقة شئ فيظلمها ويهضمها حقها وهذه من نتائج القنوات الشعبية , قنوات تنقل لنا تراث نسخة مقلدة فقط لجلب متابعين أكثر , ومتعصبين أكبر وشات حامي لا يتوقف , لأجل المادة حكتهم تقول : سحقا للتراث ولنأتي به بالطريقة التي تحقق لنا المال فقط , قنوات كلها صخب وضجيج ولا توجد متعة في متابعة التراث كما هو التراث عندما تتباعه عن قرب التراث الحقيقي , ينقلون لنا محاورات تضم أتفه شعراء عرفتهم المحاوره , فيتساببون ويتشاتمون ويتبادلون الوقاحة علناً واستعراض للسفاهة على الملأ , صخب وضجيج من غير متعة حقيقية .
دنيا الدواوين الصوتية , يبادر الشعراء إلى حفظ معلقاتهم صوتيا حفاظا على حقوقهم و حتى لا تُنتحل من غيرهم , فمن الواجب توثيق هذا الغث صوتيا حتى يتمكن الغثيان من المتلقين أيما تمكن وما يبقى على المستمعين إلا أن يتقيؤا في اليوم ثلاث مرات من هذا الغث المنتشر عبر الدواوين الصوتية , تأملوا هذا الشطر " قلبي من البعد محروق " هل جاءت العربية بمثل هذا الشطر , لا ولو اجتمع الشعراء عن بكرة أبيهم , ألفاظ جديدة علينا قالب شعري مختلف ومعنى أكثر من متميز بل بدعة ولم يسبقه أحد فيه ,بهذا الشطر تكون الدعاية , فما بالك ببقية الديوان , بشطر يكتبه مراهق لم يبلغ الثالثة عشرة من عمره تكون دعاية لديوان , فماذا سيكون داخل الديوان إلا الغث , عموماً ترقبوا هذا الديوان الصوتي للشاعر الصاخب .
الشعراء التوائم , هولاء شعراء النظم كأنما خلقوا من بطن واحد , جميعهم أشباه بعض , القصيدة عند هذا هي عند ذاك لا تختلف ابدا , نفس المعاني نفس الالفاظ نفس طريقة الإلقاء , أمسيات أكثر من شعر رأسي , وشعراء أكثر من شعر رؤوس الأعضاء أجمع , ولا تجد لشاعر بصمه خاصة فيه , ولا تجد لشاعر اتجاه يتميز به , فإلى متى هؤلاء التوائم يصخبون و يضجون بدون شعر , والضحية آذاننا فسحقاً لهذه القنوات ولهذه الأمسيات لهؤلاء الشعراء والذين كما قال حمزة شحاته رحمه الله : (( يستوجبون حق التعزير )) .
الإنشاد , صخب غير عادي , إنشاد كله دعوة إلى الاستهلاكية "هيا إلى البران نصيد ونأكل ونسمر وننشد ونأكل تمرة الخلاص مع القهوة وننام فما أحلى النوم بعد هذه الهمة والمجهود المبذول" , هذه هي دعوة الإنشاد الصاخبة , حتى البر وهو مكان في الأصل للهدوء أحالوه إلى صخب وضجة .
قناة أفلام , فيلم من ساعتين ساعة ونصف رقص ومزيكة , في النهاية أريد أن أفهم الغاية من هذا الفيلم , أريد أن أفهم الرسالة التي يريد أن يوصلوها إلينا كلٌ من الممثلين والكاتب والمخرج , ماهي رسالتهم ماهي غايتهم , لاشئ ولكن صخب وضجيج ورقص ومزيكة من غير رسالة , أفلام تسوَّق للمراهقين , مراهقين بلا آذان تتذوق ولكن بأعين تحملق . فرحم الله أحمد زكي تاج السنما الهادفة .
دنيا صاخبة أين المفر كلا لا وزر , أغلق التلفزيون ونام .
مع خالص التحية والتقدير .
منقوووووول
