فَقِيرٌ أنْتَ , تَخطُّ عَلَى كَفَّيْكَ حَاجَتَكَ وَ جَزَعُ نَفْسكَ يَتَأَوَّهُ عَلَى حُزنكْ , تَقِفُ فِيْ مِحْرَابِ صَلَاتِكَ ؛ تَرْجُو حنُّوَ كَفُّ الأَقْدَارِ عَلَيْكَ , وَ عَيْنَاكَ غَيْمَتَانِ نَدِيتَانِ وَ قَلْبَكَ الجَمْرَةُ التِّيْ مَا فَتِئَتْ تَرْجُو تَوبَتَكَ , الثِّقلُ عَلَى كَتِفَيْكَ يَرْبُو, وَ لا حِيلَةَ لِلْعَبْدِ الضَّالِ مِثْلكَ إلاَّ البُكَاءَ عَلى جُرْمِهِ وَ جَرِيرَتِهِ , تُحِيطُكَ مَلامِحُ الثَّاكِلِينَ وَ تَلْبَسُ رُوحَكَ حِدَادَهَا , تُغْلِقُ عَيْنَيْكَ وَ كَأَنَّكَ تَحْتَضِنُ عُمْرَكَ الذَّلِيلُ بِإغْفَاءَةٍ ، تَهْوِيْ رُوحَكَ العَلِيلَةُ فَجْأَة وَ إذَا بِضَّوْءٍ يُغْشِيكَ مِنْ ثُقْبٍ أعْلَىْ السَّقْف , تَلْتَفِتُ يَمِيناً تَجِدُ بَيَاضاً كَأَنَّكَ آلَفْتَهُ قَبْلًا , طَمَأْنِينَةٌ زَرَعَهَا فِيَكَ وَ رغْمَ ذَلِكَ حُنْجرتكَ خَائِرَةٌ لا تَقْوَى عَلَىْ الإِفْصَاحِ , يَضَعُ كَفَّهُ عَلَىْ جَبِينَكَ فَتَتَقَاذَفُ أمَامَكَ آلَافُ الصُّوَرِ , تَتَشَظَّى جِرَاحُكَ لِمَا تَرَى وَ وَحْدَهَا الدِّمَاءُ تُغَطِّيكَ , تَسْمَعُ صَوْتاً كَالسَّيْفِ وَ تَرْتَعِدْ أطْرَافُكَ بِألَمٍ خَاطِفٍ حِينَ يَعْلُو بِقَوْلِهِ
- أَلَسْتُ ابْنَ بِنْتِ نَبِّيكُمْ ؟ وَ ابْنَ وَصِيِّهِ ؟ وَ ابْنَ عَمِّهِ ؟ وَ أَوَّلَ المُؤْمِنِينَ بِاللّهِ ؟
تَسْتَنْهِضُ صَوْتَكَ, فَتَصْرَخُ " لَبَّيْكَ حُسَيْن " حَتَّى تَهْتِكُ الصَّمْتَ بِنُصْرَتِكَ لِتُسَابِقَ جَوَارِحَكَ وَ المَوْتْ, يُصَلِّيْ قَلْبَكَ مُتَأَهِبًا لِلْفَوْزِ بِالجَنَّةِ , فَيَسْبقَكَ قَوْمٌ اخْتَارَهُم الله لِيَكُونُوا بَيْنَ يَدَيْهِ , فَتُحَلِّقُ رُوحَكَ مَعَهُم وَ كَأَنَّ اشْتِيَاقاً لِلهِ طَرَقَ أَبْوَابَ الإنْسَانَ الذِّيْ يَسْكُنَكَ , تُعْلِنُ تَوْبَتَكَ وَ تَرْجُو لَوْ كُنْتَ حُراً الرِّيَاحِي لِلَحْظَةٍ , ضَعِيفٌ أنْتَ وَ نَشِيجُ الحَسْرَةِ يَنَزُّ مِنْ حُنْجرَتِكَ , قيُودُ المَرَضِ تُكَبِّلُكَ وَ اسْتِغَاثَةُ بَطَلٍ تُسَاءِلُ مَرُوءَتَكَ
– أَمَا مِنْ مُغِيثٍ يُغِيثنَا أمَا مِنْ ذَابٍّ يَذِّبُّ عَنْ حَرَمِ رَسُولِ اللّهِ
تَتَمَنَّى لَوْ تَنْتَصِبُ سَاقَيْكَ وَ تُلَبِّيْ نِدَاءَهُ حَتَّى تَبْلُغَ سَفِينَةَ نُوحٍ النَّبِيْ, تُبَاغِتُكَ عَيْنَاكَ لِلْهَرَبِ حَيْثُ الغُلَامُ الهَاشِمِيُّ المُلْتَحِفُ بِكَفَنِهِ وَ الصَّارِخُ بِاسْمِ الحَقِّ.. تَقِفُ تَنْظرهُ وَ بِيَدكَ شَمْعَةٌ أطْفَأَتْهَا نُصْرَتَهُ لِعَمِّهِ الحُسَيْن , يُرْهِقُكَ عَوِيلُ الثَّاكِلَةُ فَتَسْقُطُ مِنْ عَيْنَيْكَ دَمْعَةٌ تَلْطِمُ مَرَافِئَ الفَقْدِ فِيكْ, لا زِلْتَ هُنَاكَ تَبْكِيْ رُغْماً عَنْكَ وَ الخيُولُ أمَامُكَ تُمَشِّطُ الأَرْضَ المُبْتَلَّةَ بِالحُزْنِ.. المُهْرُ يَرْمقُكَ بَجَزَعٍ, وَ عَلَى ظَهْرِهِ اسْتَقَرَّ شَابٌ يَشْكُو الظُّلْمَ الذِّيْ حَلَّ عَلَيْهِ وَ عَلَىْ أَبِيِهِ, شَابٌ فِيْ قَسَمَاتِ وَجْههِ مَلَامَحُ نَبِّيٍ وَ شَجَاعَةُ ضِرْغَامٍ وَ غَضَبُ سَمَاءٍ.. الأَوْغَادُ لا يَعْرِفُونَ أنَّهُم يَطْعَنُونَ ضَّوْءَ صُبْحٍ بِغَدْرِهمْ بِشِبْلِ الحُسَيْن , وَ بِقِيَامِهمْ بِمَنَاسِكِ الظُّلْمِ الذِّيْ رَتَّلُوهُ حَتَّى يَنَالُوا مُرَادَهَمْ الدَّنِيءْ , نَعَمْ فَالأَكْبَر رَحَلَ بِطَعُونِهِ يَرْتَجِيْ قُدُومَ السِّبْطِ حَتَّى يَمْسَحُ الدَّمْعَ وَ الدَّمَ .. تَتَسَلَّلُ نَظَرَاتُكَ لِلْرُّوحِ الصَّابِرَةِ بِالقُرْبِ مِنَ الخِيَامِ فَعَلَى الرُّغْمِ مِمَّا حَصَلَ لِأَهْلِهَا لا زَالَتْ قَوِيَّةً وَ فِيْ قُوَّتِهَا صَبْرُ أُمَّةِ ,النَّجُومُ بَدَأَ ضَوْءهَا يَخْبُو وَ لَمْ يَبْقَى غَيَرَ قَمَرُ بَنِيْ هَاشِم يَهْدِيْ الأَمْنَ لِلْقَلُوبِ الوَجِلَةِ وَ وَحْدَهُ يَهْفُو لِيَهْدِيْ أُمَّهُ الزَّهْرَاءُ رُوحَهُ فِدَاءً لِحُسَيْنِهِ , لا زِلْتَ تَذْكُرْ وَعْدَ العَبَّاسِ لِتِلْكَ الطِّفْلَةِ بِقدُومِهِ بِالمَاءِ , وَ مِثْلهَا أنْتَ أَرْهَقَتْكَ حَرَارَةُ الشَّمْسِ وَ الأَسَى وَ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ امْتَهَنْتَ الانْتِظَارَ وَ بَقِيتَ بِلا حِرَاكٍ صَابِراً وَ عَيْنَاكَ تَتَجِّهُ شَطْرَ السَّمَاءِ بِدَعَوَاتٍ تَرْجُو سَحْقَ ظَمَأَكَ , السَّاقِيْ لَمْ يَأْتِ وَ الفُرَاتُ احْتَضَنَ ضَفَتَيْهِ يَبْكِيْ وَ أَنْتَ افْتَرَشْتَ الأَرْضَ يَائِسًا , قَلْبكَ يَعْلَمُ بِالفَجِيعَةِ القَادِمَةِ فتَنْتَحِبُ وَ تَنْتَزِعُ مِنْ صَدْرِكَ آهٌ ضَجَّتْ بِالْلَّوْعَةِ حِينَ تَشْعُرْ بِحُزْنِ السَّمَاءِ , الأَرْضُ تَهْتَزُّ غَضَبًا وَ صَوْتٌ عَمِيقٌ يَهْوِيْ فِيكَ
- هَلْ بُلِيتُمْ يَا شِيعَةَ مُحَمَّدٍ بِبَلَاءٍ أَعْظَمَ مِنْ هَذَا !؟
تَنْتَفِضُ هَلَعاً وَ طَرَقاتٌ ثَقِيلَةٌ تُوقِظَكَ, تَفْتَحُ عَيْنَيْكَ تَحْتَضِنُ سَجَّادَةَ صَلاتِكَ المُبْتَلَّةِ بِدمُوعِكَ وَ تُكْمِلْ انْتِحَابَكَ.
*مُشاركة في مُسابقة أدبية ( قرابين عشق ) وحازت على المركز الثاني
زينب عبدالجليل (f)