بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي وسلم وزد وبارك على محمد وال محمد
: {قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الأحقاف : 15
تحديداً الفقرتان: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ}؛ إذ يوحي ذلكللإنسان أنّ صلاح ذرّيّته إنّما يتحرّك في خطّ صلاح النفس؛ وهذا يمثّل السيرورةالطبيعيّة، وأشبه ما يكون بالسنّة الإلهيّة في ما يرثّه كلّ جيل ممّن قبله..فهل يتوقّعنّ من يمارس التدخين بين أولاده أن لا يحفّز ذلك أولاده، أو واحداًمنهم على الأقلّ، أن يُصبح من عداد المدخّنين ولو في السرّ، أو عندما تساعدهالظروف الأخرى على ذلك؟!وهل يتوقّعنّ من يحبّ المال حتّى العظم، ولا يدقّق في حلّه وحرامه، أن لا يؤثّرذلك في أولاده؟! حتى يُصبح أولاده كالزجاج الرقيق، تكسره أدنى صدمةٍ منالصدمات الكثيرة التي يُصدم بها الإنسان في المجتمع.. ولعمري، هذه هي الحقيقةالتي يغفل عنها الآباء والأمهات عندما يُرزقون بأولاد، وكأنهم يريدون من المجتمع أنيكون ريحاً تجري بأمرهم تجاه أولادهم، فتنحرف عنهم حتى لا تخدش شيئاً منزجاجهم الرقيق، ولا تكسر شيئاً من نفسيّاتهم التي كان الآباء سبباً في ضعفمناعتها تجاه صدمات المجتمع..عندما ينعدم الجوّ العاطفي بين الأب والأمّ، فمن السذاجة أن نجد في أولادنا شبعاًعاطفيّاً من جهتهما، بل نتوقّع ـ ببداهة حركة قوانين التعويض الاجتماعيّة ـ أن يجدهفي أحضان الرذيلة أو المخدّرات أو السكر، أو يعبّر عنه عنفاً اجتماعيّاً كما ينفّسالأطفال بأغراض البيت أو غير ذلك عندما يشعرون بحرمان الوالدين في شيء..ولكن المجتمع يتقبل من الصغير ما لا يتقبله من الكبير في ذلك..وعندما لا نحترم الناس أمام أولادنا، أو نتناولهم بالغيبة أو بالبهتان، فهل يتوقّععاقل أن يحترم أولادنا من نتناولهم بالسوء في جلساتنا أو سهراتنا العائليّة؟!في الحديث عن الأولاد: "إذا وعدتموهم شيئاً ففوا لهم؛ فإنهم لا يدرون إلا أنّكمترزقونهم"؛ فإنّ التعليل واضح أنّ الأولاد مشدودون إلى آبائهم كما ينشدّ المربوبإلى ربّه.. ليس في رزق المال فحسب؛ وإنّما في رزق الأخلاق والأدب والسلوك..هذا الأمر يحتّم على الإنسان عندما يرى في أولاده سلوكاً منحرفاً، أو خُلُقاً سيّئاً،أن يفتّش أوّلاً في سلوك نفسه وأخلاقه قبل أن يبحث في من حوله وما حوله؛ولكنّنا كثيراً ما نرى الإنسان يُلقي باللائمة على الآخرين، ويجعل أسباب المشكلةلديه لدى فلان أو فلان من الناس؛ لأنّ الإنسان مفطور على إخفاء عيوبه وعدمالاعتراف بها؛ فيكون كمن أضاع البوصلة في إصلاح ولده، فحاول إصلاح غيرالسبب وهو في الحقيقة يزيد ولده عقداً من حيث يشعر أو لا يشعر..عصمنا الله من الزلل وعليه الاتكال وهو من وراء القصد.