• رعونة السائقين 80 بالمائة من «نزيف المعلمات» على الأسفلت


    أصبح سماع نبأ مصرع معلمة فى حادث مروري على الطريق اثناء ذهابها أو إيابها من المدرسة إلى مسكنها الذي تقطنه امراً مألوفا لدى العامة، بينما تحول الى هاجس مخيف يداهم المعلمات وكل من لديه زوجة أو ابنة أو أخت تعمل معلمة في مدارس تبعد عشرات او مئات الكيلو مترات عن منزلها .. ونظرا لان وقوع حوادث فى الآونة الأخيرة تذهب ضحاياها معلمات فى عمر الزهور اصبح امرا متكررا وتفرقت المسئولية .. فالبعض يحمل وزارتي النقل وبعدها البلديات المسئولية نتيجة تأخرها في إصلاح الطرق، فيما ارجع البعض المسئولية لوزارة التعليم بسبب مماطلتها في نقل المعلمات الى مدارس قريبة من محل سكنهن .. وبعيدا عن دور تلك الجهات فهناك سبب رئيسي لتلك الحوادث القاتلة يتمثل فى تهور سرعة سائقي الباصات وعدم التزامهن بالسرعة القانونية والتي تحول بدورها الكثير من البيوت إلى دور عزاء وتحصد الأرواح الشابة المعطاء العاملة في حقل التربية والتعليم وبناء الأجيال .. «اليوم» رصدت آراء عدد من المعلمين والمعلمات حول حوادث الطرق والحصيلة فى السطور التالية :
    نزيف الاسفلت
    كشف تقرير للإدارة العامة للمرور ان عدد الحوادث المرورية التي وقعت خلال عام 1430هـ الماضي بلغ 484 الفا و805 حوادث وبلغ عدد الوفيات 6142 شخصا بمعدل 13 حالة وفاة لكل 1000 حادث بمعنى أن المملكة تفقد يومياً 17 شخصاً نتيجة الحوادث المرورية، وأرجع التقرير سبب الحوادث إلى خلل في أحد مكونات المعادلة المرورية وهي المركبة والطريق والسائق حيث إن الأخطاء البشرية هي المحور الذي تدور حوله حوادث السير إذ تشكل أخطاء السائقين نسبة 80 بالمائة من العوامل المؤدية للحادث وتصنف أخطاء القيادة تحت أربع فئات عامة هي المخالفات المرورية وسوء استعمال المركبة وكذلك سوء التخطيط أثناء القيادة، اضافة لعدم التقيد بآداب القيادة السليمة حيث تعد المخالفات المرورية هي أسوأ وأخطر أنواع أخطاء القيادة التي يرتكبها السائق غير مبالٍ بأنظمة وتعليمات المرور، بينما تشكل العوامل الأخرى كخلل المركبة أو عوامل الطريق نسبة 20 بالمائة ، واضاف التقرير إن السرعة الزائدة مازالت تشكل السبب الرئيسي للحوادث المرورية ، مشيرا الى ان 45,88 بالمائة منها وقعت بسببها وأن عدد حوادث السرعة وعدم التقيد بإشارات المرور زادت العام الماضي مقارنة بالاعوام الماضية .

    سيارات متهالكة
    فى البداية يقول سلمان حسن : إن كثرة سماع انباء حوادث المعلمات وتعدد أسبابها وخاصة في الحادثين المأساويين الأخيرين اللذين وقعا على طريق الاحساء، وذهب ضحيته فتاة وشاب يعملان بمدارس الإحساء ، ويؤكد ان غياب التنسيق بالنسبة للتعيين سبب من أسباب الحوادث ، حيث يتم تعيين خريجة الدمام فى الجنوب وخريجة الجنوب بالرياض وكذلك عدم الاهتمام نهائياً بحقوق المعلم وخاصة وسائل النقل ، ففي المناطق النائية تجد وسيلة النقل متهالكة وبدائية وما يترتب على ذلك من جشع السائقين .

    سرعة جنونية
    وتعلق "زهراء" معلمة تسكن فى سيهات وتعمل بإحدى مدارس القطيف قائلة : في كل صباح أترك أطفالي مودعة إياهن وأثناء الطريق أستمر في قراءة المعوذات وآيات الحفظ للوصول بالسلامة ، مشيرة الى ان السائق مرتبط بممرضات أخريات وهو ما يدفعه للسير بسرعة جنونية لكي يصل في الوقت المحدد ، وعندما أقول له لا تسرع يقول : هذه هي السرعة المسموح بها مستغلا جهلي بالسرعة القانونية بكل شارع .

    اتفاقات متعددة
    وتضيف المعلمة «مريم» إن سائقي الباصات يطمعون فى المزيد من الاموال فيرتبطون باتفاقات توصيل مع أكثر من معلمة أو ممرضة وحتى لا يهمهم جهة العمل بل المهم الحصول على مبلغ أعلى ومقابل ذلك يفرطون في السرعة حتى يستطيعوا التوصيل في الوقت المتفق عليه.

    طريق سريع
    وتشير المعلمة "سلمى" الى انها تضطر للحضور إلى مدرستها من مقر سكنها يوميا، وتقول : اواجه ومعي مجموعة من زميلاتي خطر الحوادث على الطرق السريعة يوميا .. مؤكدة ان بعض السائقين يقودون سياراتهم بسرعة جنونية، وكل يوم أدعو الله أن يحفظنا ذهابا وإيابا ، ولكن عائشة محمد التي تضطر إلى عبور طريق الخبر يوميا مع سائق خاص ومعها مجموعة من زميلاتها ترجع سبب الحوادث الى عدم التزام السائقين بالتعليمات وتركيزهم فقط على الوصول سريعا وقبض الرواتب آخر الشهر غير مبالين بسلامة من معهم .

    مسافات طويلة
    اما المعلمة إيمان والتي عملت لمدة 5 اعوام في الأحساء، وكانت تعمل خارجها لفترة وبعدها انتقلت الى الخبر لمدة عامين وعام واحد في الخفجي، فتقول : بحكم سكني في الدمام أخرج مع زوجي الذي غير دوام عمله للفترة المسائية ليستطيع توصيلي يوميا الى مقر عملي لخوفه على حياتي من حوادث السيارات، والتي لا يمر عام إلا ونسمع عن وقوع أكثر من حادث تذهب فيه أرواح ضحايا التعليم بجميع مناطق المملكة، والآن أنا محظوظة كثيراً فأنا أعمل في إحدى القرى على بعد 35 كيلومترا من الدمام ، وتضيف قائلة : أعرف الكثيرات من الزميلات المعلمات يحضرن إلى الدمام من الأحساء والقطيف وبالعكس وهناك زميلات يقطعن مسافات طويلة كل يوم في طريق ذهابهن وإيابهن فكان الله في عونهن.
    طريق وعر
    وتشير "منال" معلمة لغة عربية من الإحساء وتعمل خارج المحافظة الى انه ورغم وعورة الطريق إلا أن سائقنا غير محترف في السياقة حيث يتجاوز السيارات كثيرا دون مبالاة حتى أوشك بنا على الموت مرات كثيرة وهذا ما جعلنا نراقب معه الطريق خوفا على أنفسنا، فقد حدث ذات مرة انه كان ينوي التجاوز وكانت أمامنا سيارة تسير ببطء شديد ، فقلنا له لا تتجاوز فنحن لسنا مستعجلين وأهم شيء نصل بالسلامة ، ولكنه لم يكترث بما نقوله ، من باب أنه لا يسمع رأي حريم ، ثم حدد هو الوقت المناسب وانطلق متجاوزا بالسيارة وإذا بنا نفاجأ بشاحنة كبيرة لم يحسب حسابها فاختلت عجلة القيادة في يده وأوشكنا على الهلاك لولا أن الله سلّم وكنا 12 معلمة في سيارة واحدة ، وعرفنا لاحقا أن السائق لا يحمل رخصة قيادة أصلا لأنه ضعيف النظر ولا يرغب فى ارتداء النظارة ولكن جل همه جمع الراتب من 12 معلمة في آخر الشهر غير مبال بما يحدث لنا من نوبات صرع في كل مرة قد نلقى خلالها حتفنا.

    امل النقل
    وتوضح "منيرة" معلمة لغة انجليزية تعمل في منطقة الجبيل منذ 7 اعوام وهي زوجة وأم لأربعة أطفال أكبرهم الآن في الصف الثالث الابتدائي إنها تعاني بشدة مع أولادها ، ففي البداية كانت تصطحب أولادها معها لكن الأمر ازداد صعوبة حين دخلت ابنتها المدرسة وابنها الثاني سيلتحق هذا العام بالمدرسة أيضاً بينما تبقى عندها طفلة صغيرة تأخذها معها إلى الحضانة، تشعر منيرة بأنها تعرض أولادها لمخاطر حوادث الطريق حين انتقالها للعمل، وتضيف أنها تريد تقديم استقالتها حين تزداد الأمور سوءاً ، لكنها اصبحت تشعر بالأسف على كل هذه الاعوام التي قضتها في مشوار الدراسة والتدريس ويبقى لديها أمل في النقل قريبا .

    آلام الغربة
    وتشكو "حنان" معلمة مادة الأحياء من منطقة نجران آلام الغربة التي طالت بها لمدة 8 اعوام وهي تعمل في الخبر وهي أم لطفلة في عامها الخامس ، وتقول : تحملت البعد ومشاكل الغربة الكثيرة واعاني ظروفا صحية صعبة جداً بسبب تكرار السفر الذي تعرضت خلاله لحادثين أسفرا عن إصابتى في ظهرى ونزيف بالرحم ، وقالت بنبرة حزن : رغم أنني فقدت أملي في الإنجاب بسبب تعلقي بوظيفتي إلا انه من الصعب ترك الوظيفة التي لم أحصل عليها بسهولة فالكثيرات غيري يحلمن بها والحياة أصبحت جداً صعبة، ورغم ذلك فكل عام يحدوني الامل فى النقل ولكن بدون فائدة واخيرا اضطرت إلى الحصول على إجازة استثنائية لمدة 6 أشهر لرعاية طفلتها وتستريح بعد كل ما واجهته من مشاكل عديدة تعرضت لها كان مرجعها في الأصل عائداً للغربة .

    حادث مروع
    اما "صبيحة" وهى معلمة في القصيم، منذ 7 اعوام فكانت تأتي إلى المنطقة الشرقية كل أسبوع خلال الاعوام الثلاثة الأولى من عملها، ثم كل 3 أسابيع وتقول : كنت برفقة 8 معلمات بالإضافة إلى محرم وزوجته، نذهب جميعا في سيارة تكون مزدحمة وتستمر الرحلة 10 ساعات، إذا لم يتخللها أعطال، بعد ذلك تم الاتفاق مع شركة وفي عام 1428هـ وقع لنا حادث أليم توفيت فيه إحدى المعلمات، واصيبت الباقيات بإصابات بالغة جدا، وما زالت الآثار موجودة حتى اليوم والذكريات عالقة في ذاكرتي ، ومنذ هذا اليوم قدمت استقالتي لأعيش بعيدا عن المخاطر بعد عدة محاولات للنقل والتي باءت بالفشل واستسلامي للاستقالة .

    اهمال وتسرع
    من جانبه يرجع حبيب علي بعض أسباب الحوادث الى اهمال وتسرع وعدم اتباع التعليمات المرورية من الالتزام بالسرعة القانونية وكذلك مضايقة الباصات وسيارات النقل الصغيرة التي تقوم بنقل المعلمات على الطرق السريعة وهناك الكثير من الشباب الطائشين يريدون الانتحار يقودون سياراتهم دون وازع أو رادع أو ضمير ، وأضاف : إن وزارة التربية والتعليم تتحمل جزءا من مسؤولية ما يحدث للمعلمات لأنها تهتم فقط بالشكل فقط وتتغاضى عن الجوهر .. فمشكلة حوادث المعلمات أزليّة وناقشتها أكثر الصحف لكن دون جدوى.
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول