ahmed
02-03-2004, 11:15 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
_______________________ 5 ______________________
أول الطريق نشأتي الأولى ولدت عام ( 1372 ه / 1952 م ) .
كان أبي ( رحمه الله ) من رجال التعليم ، أما جدي فكان عالما من علماء الأزهر الشريف يقوم بالخطابة في مسجد القرية ، وكان له ( منتدى ) يجتمع فيه المثقفون من أبناء هذه القرية ، يتعلمون على يديه العلوم الدينية والفقهية والأدبية .
تفتحت عيناي على أسماء الكتب والمؤلفات الحديثة لطه حسين والعقاد ، وكم دارت مساجلات في بيتنا حول الشعر والأدب بين أبي ( رحمه الله عليه ) وبين أصدقائه من الشعراء والأدباء الذين حفلت بهم آنئذ مدينة المنصورة ، تلك المدينة الجميلة ( سابقا ) التي تقع على شاطئ النيل .
تعلمت من أبي وجدي ( رحمه الله عليهما ) حب القراءة والاطلاع ، قرأت كل ما وقع تحت يدي من كتب أثناء طفولتي إلا كتاب واحد عجزت عن مواصلة القراءة فيه ، وهو ( أبناء الرسول في
_______________________ 7 ______________________
كربلاء ) للكاتب المصري خالد محمد خالد ، كنت أجهش بالبكاء في اللحظة التي أمسك فيها الكتاب وأعجز عن مواصلة قراءته .
مضت أيام العمر الأولى ، كان أبي هادئا لا يرتبط بأي اتجاه سياسي أو ديني من تلك الاتجاهات التي حفلت بها مصر خلال هذه الحقبة ، أما أنا فكنت مختلفا بعض الشئ عن باقي أفراد الأسرة .
الجمعية الشرعية في العام ( 1388 ه / 1968 م ) افتتح بالقرب من منزلنا مسجد ( الجمعية الشرعية ) ، كانت تلك الجمعية تطرح على الناس حديثا عن الإسلام والمسلمين منددة بالبدع
التي دخلت على الدين ، وكانت ترفع شعارا مضمونه : أن لا خلاص للمسلمين مما هم فيه إلا بتنقية الإسلام مما علق به من البدع والخرافات ، وأهمها بكل تأكيد ما يفعله الناس من قول
سيدنا ( محمد ) ( ص ) بدلا من قولهم ( محمد ) فقط مجردا من جميع الألقاب ، والمصيبة الكبرى عندهم هي الصلاة على النبي وآله عقب الأذان ، أما الشرك الأعظم - كما يرون –
فهو بكل تأكيد زيارة قبور الصالحين من آل البيت أو غيرهم ، هذا هو الإسلام الصحيح من وجهة نظرهم .
اجتذبتنا هذه الدعوة ( التصحيحية ) آونة من الوقت ، وما لبث المسجد أن تحول إلى مجرد مكان للصلاة ، ثم لا شئ .
_______________________ 8 ______________________
في الجامعة حصلت على الثانوية العامة عام ( 1390 ه / 1970 م ) بمجموع مرتفع أهلني لدخول كلية الطب بمدينة المنصورة في جمهورية مصر العربية التي سبقني إليها أخي الأكبر المولع بالنشاط الفني ، وهو ما أهله لدخول اتحاد الطلبة .
وكان هذا حافزا لي على خوض التجربة نفسها ، ولكن في مجال الثقافة .
وكان هذا المجال النافذة التي فتحت لي باب الاطلاع على الصراعات الفكرية والسياسية التي امتلأت بها الساحة المصرية في أوائل السبعينيات ، حيث كان التيار الشيوعي لا يزال نشطا من خلال المواقع التي احتلها في الحقبة الناصرية .
والواقع أن الحجم الإعلامي لهذا التيار تجاوز بكثير حجمه الحقيقي ، وكان التيار الديني يتحرك بصورة خجولة محاولا اكتساب بعض المواقع ، وكان من الطبيعي أن يحدث الصدام بين التيارين المتناقضين ، وخاصة أن التيار اليساري كان يتحرك بصورة مستفزة للجميع .
في العام ( 1395 ه / 1975 م ) ، وبعد سلسلة من الاستفزازات اليسارية ، خضنا الانتخابات الطالبية تحت راية التيار الإسلامي في مواجهة التيار اليساري ، وانتهت المعركة بهزيمة ساحقة لليسار وانتصار باهر للتيار الإسلامي ، وتسلمت رئاسة اتحاد الطلاب بكلية طب المنصورة لعامين متتاليين
_______________________ 9 ______________________
وقامت الثورة الإسلامية الإيرانية بهرني ذلك الرجل ( روح الله الخميني ) ( رضوان الله عليه ) منذ اللحظة الأولى ، وبهرني ذلك الشعب العظيم الذي يتلقى
الرصاص بصدره ، ويستعذب الشهادة ، وضايقني أن يكون ذلك الشعب ( منحرف العقيدة ) كما وصفه بعضهم من غير المنصفين ، أو أن تكون هذه الثورة العظيمة
مجرد مؤامرة أمريكية كما يصورها آخرون من دون وازع من دين أو خوف من الله .
وعندما حاولنا طباعة كتيب لمناصرة الثورة الإسلامية في إيران ، رفض ذلك بعض رفاقنا في العمل الثقافي ، ولم يكن بوسعي يومها إلا السكوت ، فليست هناك مصادر للمعرفة حول هذا الأمر .
ثم قتل السادات كان رأيي في محمد أنور السادات ، ولا يزال ، هو أن هذا الرجل يحاول ممارسة السياسة ولكن على طريقة لاعبي السيرك ، فكان أن وجئت عنقه في إحدى الألعاب الخطرة التي مارسها ، وأنه ارتكب كل موبقات السياسة .
أعطى الصهاينة ما لم يحلموا به طوال عمرهم ، وأعطى الأمريكان عام ( 1400 ه / 1979 م ) القاعدة الجوية في مصر ليهاجموا إيران من أجل إطلاق رجال المخابرات الأمريكية
_______________________ 10 ______________________
المحتجزين في ما كان يطلق عليه السفارة الأمريكية في طهران ، واستقبل شاه إيران محمد رضا بهلوي على أرض مصر مستفزا مشاعر ( شعبين مسلمين ) : الشعب الإيراني والشعب المصري .
ثم لم يمت حتى وقف في صف نظام صدام حسين في عدوانه على الجمهورية الإسلامية ( 1408 ه / 1980 - 1988 م ) قائلا : ( نعم العراق هو المعتدي ولكننا نساعده ) .
هذه هي الأجواء التي سبقت مقتله بيد أحد رجاله في يوم زينته ، وهو المقتل الذي فتح على أبناء الشعب المصري الكثير والكثير من المصاعب إلى يومنا هذا .
لم يكن قد مضى على زواجي سوى ثلاثة أيام حين أصدر السادات آخر قراراته البهلوانية ، وهو قرار التحفظ على ( 1500 ) شخص من معارضيه من كافة التيارات السياسية في مصر ( سبتمبر / أيلول 1981 م ) ، لم يمض شهر حتى قتل السادات يوم السادس من أكتوبر / تشرين أول 1981 م .
ولم يمض شهر آخر حتى جاء زوار الفجر يطرقون الباب ، طلبوا مني الحضور لمدة خمس دقائق ، وهي خمس دقائق طالت مدة سنة كاملة .
في هذا الوقت كنت على وشك الانتهاء من رسالة ( الماجستير ) .
بعد يومين كنت في ( سجن الاستقبال ) الذي كان مقرا للتحقيقات في قضية تنظيم الجهاد ، وفي اللحظة التي دخلت فيها تلقيت الصفعة الأولى التي أطاحت بنظارتي الطبية وكسرتها ،
_______________________ 11 ______________________
حاولت لملمة النظارة فلم أفلح ، إذ انهالت الضربات علي من كل جانب ، ثم أمرنا بالوقوف في مواجهة الحائط والأيدي مرفوعة إلى أعلى ، وانهالت السياط على ظهورنا ، هذه يسمونها ( حفلة الاستقبال ) .
ثم حلقوا لنا رؤوسنا بصورة مشوهة ، ثم قادونا إلى الزنادين بالسياط والركلات ، كان هذا في بداية فصل الشتاء ، وقد ألقي بنا في الزنازين على البلاظ معصوبي الأعين بعدما أخذوا ملابسنا .
وكانت التعليمات تقتضي ببقاء العصابة على العيون حتى في داخل الزنزانة ، والوقوف انتباها لحظة دخول الجنود ، في مواجهة الحائط ، وتلقي السياط أو الركلات وفقا لما تيسر .
كان هذا السجن أحد المواقع الأساسية للتحقيقات مع تنظيم الجهاد ، وكان التحقيق يبدأ يوميا بعد الساعة العاشرة مساء ولا ينتهي إلا مع طلوع الفجر ، حيث كنا في كل ليلة نسمع صراخ المحققين يطلبون من المعتقلين الاعتراف ، وصراخ المعتقلين تحت التعذيب .
أما عن أسلوب التعامل معنا في المعتقل فالعنوان الأبرز هو انعدام الإنسانية . الحيرة . . وهكذا مضى عام كامل علي في ذلك المعتقل غير الإنساني ، الذي كانت فيه أبسط حقوقنا الإنسانية مسلوبة .
بيد أن الله تبارك وتعالى أنزل علينا صبرا ، ووفقني لحفظ القرآن الكريم .
_______________________ 12 ______________________
وبقيت تجربة السجن مع هذه التيارات المختلفة في الرأي ، والمتنازعة في الأهواء ، ماثلة أمامي ، وما لفتني هو اجتماع كل أولئك في ضيافة النظام الحاكم .
لقد كانت هذه التجربة فرصة رائعة للتأمل في الكثير من الأفكار ، وفي فكر المجموعات من حولي ، واستخلاص العبر من معايشتها ومعاينتها ، عسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا .
وفي مثل هذا الجو الذي يخيم عليه الجهل ، لم تكن قضية مذهب آل البيت ( ع ) مطروحة لأسباب عديدة قد يكون من أهمها انعدام أدوات المعرفة .
إنتهت رحلة المعتقل يوم 31 / 10 / 1982 م . ( 1402 ه ) ، حيث عدت إلى مكاني في مستشفى المنصور الجامعي ، وإلى بيتي الصغير ، وإلى أسرتي . وسارت الأمور هادئة . وكان الغيث ينزل من السماء رويدا رويدا .
(24)
_______________________ 5 ______________________
أول الطريق نشأتي الأولى ولدت عام ( 1372 ه / 1952 م ) .
كان أبي ( رحمه الله ) من رجال التعليم ، أما جدي فكان عالما من علماء الأزهر الشريف يقوم بالخطابة في مسجد القرية ، وكان له ( منتدى ) يجتمع فيه المثقفون من أبناء هذه القرية ، يتعلمون على يديه العلوم الدينية والفقهية والأدبية .
تفتحت عيناي على أسماء الكتب والمؤلفات الحديثة لطه حسين والعقاد ، وكم دارت مساجلات في بيتنا حول الشعر والأدب بين أبي ( رحمه الله عليه ) وبين أصدقائه من الشعراء والأدباء الذين حفلت بهم آنئذ مدينة المنصورة ، تلك المدينة الجميلة ( سابقا ) التي تقع على شاطئ النيل .
تعلمت من أبي وجدي ( رحمه الله عليهما ) حب القراءة والاطلاع ، قرأت كل ما وقع تحت يدي من كتب أثناء طفولتي إلا كتاب واحد عجزت عن مواصلة القراءة فيه ، وهو ( أبناء الرسول في
_______________________ 7 ______________________
كربلاء ) للكاتب المصري خالد محمد خالد ، كنت أجهش بالبكاء في اللحظة التي أمسك فيها الكتاب وأعجز عن مواصلة قراءته .
مضت أيام العمر الأولى ، كان أبي هادئا لا يرتبط بأي اتجاه سياسي أو ديني من تلك الاتجاهات التي حفلت بها مصر خلال هذه الحقبة ، أما أنا فكنت مختلفا بعض الشئ عن باقي أفراد الأسرة .
الجمعية الشرعية في العام ( 1388 ه / 1968 م ) افتتح بالقرب من منزلنا مسجد ( الجمعية الشرعية ) ، كانت تلك الجمعية تطرح على الناس حديثا عن الإسلام والمسلمين منددة بالبدع
التي دخلت على الدين ، وكانت ترفع شعارا مضمونه : أن لا خلاص للمسلمين مما هم فيه إلا بتنقية الإسلام مما علق به من البدع والخرافات ، وأهمها بكل تأكيد ما يفعله الناس من قول
سيدنا ( محمد ) ( ص ) بدلا من قولهم ( محمد ) فقط مجردا من جميع الألقاب ، والمصيبة الكبرى عندهم هي الصلاة على النبي وآله عقب الأذان ، أما الشرك الأعظم - كما يرون –
فهو بكل تأكيد زيارة قبور الصالحين من آل البيت أو غيرهم ، هذا هو الإسلام الصحيح من وجهة نظرهم .
اجتذبتنا هذه الدعوة ( التصحيحية ) آونة من الوقت ، وما لبث المسجد أن تحول إلى مجرد مكان للصلاة ، ثم لا شئ .
_______________________ 8 ______________________
في الجامعة حصلت على الثانوية العامة عام ( 1390 ه / 1970 م ) بمجموع مرتفع أهلني لدخول كلية الطب بمدينة المنصورة في جمهورية مصر العربية التي سبقني إليها أخي الأكبر المولع بالنشاط الفني ، وهو ما أهله لدخول اتحاد الطلبة .
وكان هذا حافزا لي على خوض التجربة نفسها ، ولكن في مجال الثقافة .
وكان هذا المجال النافذة التي فتحت لي باب الاطلاع على الصراعات الفكرية والسياسية التي امتلأت بها الساحة المصرية في أوائل السبعينيات ، حيث كان التيار الشيوعي لا يزال نشطا من خلال المواقع التي احتلها في الحقبة الناصرية .
والواقع أن الحجم الإعلامي لهذا التيار تجاوز بكثير حجمه الحقيقي ، وكان التيار الديني يتحرك بصورة خجولة محاولا اكتساب بعض المواقع ، وكان من الطبيعي أن يحدث الصدام بين التيارين المتناقضين ، وخاصة أن التيار اليساري كان يتحرك بصورة مستفزة للجميع .
في العام ( 1395 ه / 1975 م ) ، وبعد سلسلة من الاستفزازات اليسارية ، خضنا الانتخابات الطالبية تحت راية التيار الإسلامي في مواجهة التيار اليساري ، وانتهت المعركة بهزيمة ساحقة لليسار وانتصار باهر للتيار الإسلامي ، وتسلمت رئاسة اتحاد الطلاب بكلية طب المنصورة لعامين متتاليين
_______________________ 9 ______________________
وقامت الثورة الإسلامية الإيرانية بهرني ذلك الرجل ( روح الله الخميني ) ( رضوان الله عليه ) منذ اللحظة الأولى ، وبهرني ذلك الشعب العظيم الذي يتلقى
الرصاص بصدره ، ويستعذب الشهادة ، وضايقني أن يكون ذلك الشعب ( منحرف العقيدة ) كما وصفه بعضهم من غير المنصفين ، أو أن تكون هذه الثورة العظيمة
مجرد مؤامرة أمريكية كما يصورها آخرون من دون وازع من دين أو خوف من الله .
وعندما حاولنا طباعة كتيب لمناصرة الثورة الإسلامية في إيران ، رفض ذلك بعض رفاقنا في العمل الثقافي ، ولم يكن بوسعي يومها إلا السكوت ، فليست هناك مصادر للمعرفة حول هذا الأمر .
ثم قتل السادات كان رأيي في محمد أنور السادات ، ولا يزال ، هو أن هذا الرجل يحاول ممارسة السياسة ولكن على طريقة لاعبي السيرك ، فكان أن وجئت عنقه في إحدى الألعاب الخطرة التي مارسها ، وأنه ارتكب كل موبقات السياسة .
أعطى الصهاينة ما لم يحلموا به طوال عمرهم ، وأعطى الأمريكان عام ( 1400 ه / 1979 م ) القاعدة الجوية في مصر ليهاجموا إيران من أجل إطلاق رجال المخابرات الأمريكية
_______________________ 10 ______________________
المحتجزين في ما كان يطلق عليه السفارة الأمريكية في طهران ، واستقبل شاه إيران محمد رضا بهلوي على أرض مصر مستفزا مشاعر ( شعبين مسلمين ) : الشعب الإيراني والشعب المصري .
ثم لم يمت حتى وقف في صف نظام صدام حسين في عدوانه على الجمهورية الإسلامية ( 1408 ه / 1980 - 1988 م ) قائلا : ( نعم العراق هو المعتدي ولكننا نساعده ) .
هذه هي الأجواء التي سبقت مقتله بيد أحد رجاله في يوم زينته ، وهو المقتل الذي فتح على أبناء الشعب المصري الكثير والكثير من المصاعب إلى يومنا هذا .
لم يكن قد مضى على زواجي سوى ثلاثة أيام حين أصدر السادات آخر قراراته البهلوانية ، وهو قرار التحفظ على ( 1500 ) شخص من معارضيه من كافة التيارات السياسية في مصر ( سبتمبر / أيلول 1981 م ) ، لم يمض شهر حتى قتل السادات يوم السادس من أكتوبر / تشرين أول 1981 م .
ولم يمض شهر آخر حتى جاء زوار الفجر يطرقون الباب ، طلبوا مني الحضور لمدة خمس دقائق ، وهي خمس دقائق طالت مدة سنة كاملة .
في هذا الوقت كنت على وشك الانتهاء من رسالة ( الماجستير ) .
بعد يومين كنت في ( سجن الاستقبال ) الذي كان مقرا للتحقيقات في قضية تنظيم الجهاد ، وفي اللحظة التي دخلت فيها تلقيت الصفعة الأولى التي أطاحت بنظارتي الطبية وكسرتها ،
_______________________ 11 ______________________
حاولت لملمة النظارة فلم أفلح ، إذ انهالت الضربات علي من كل جانب ، ثم أمرنا بالوقوف في مواجهة الحائط والأيدي مرفوعة إلى أعلى ، وانهالت السياط على ظهورنا ، هذه يسمونها ( حفلة الاستقبال ) .
ثم حلقوا لنا رؤوسنا بصورة مشوهة ، ثم قادونا إلى الزنادين بالسياط والركلات ، كان هذا في بداية فصل الشتاء ، وقد ألقي بنا في الزنازين على البلاظ معصوبي الأعين بعدما أخذوا ملابسنا .
وكانت التعليمات تقتضي ببقاء العصابة على العيون حتى في داخل الزنزانة ، والوقوف انتباها لحظة دخول الجنود ، في مواجهة الحائط ، وتلقي السياط أو الركلات وفقا لما تيسر .
كان هذا السجن أحد المواقع الأساسية للتحقيقات مع تنظيم الجهاد ، وكان التحقيق يبدأ يوميا بعد الساعة العاشرة مساء ولا ينتهي إلا مع طلوع الفجر ، حيث كنا في كل ليلة نسمع صراخ المحققين يطلبون من المعتقلين الاعتراف ، وصراخ المعتقلين تحت التعذيب .
أما عن أسلوب التعامل معنا في المعتقل فالعنوان الأبرز هو انعدام الإنسانية . الحيرة . . وهكذا مضى عام كامل علي في ذلك المعتقل غير الإنساني ، الذي كانت فيه أبسط حقوقنا الإنسانية مسلوبة .
بيد أن الله تبارك وتعالى أنزل علينا صبرا ، ووفقني لحفظ القرآن الكريم .
_______________________ 12 ______________________
وبقيت تجربة السجن مع هذه التيارات المختلفة في الرأي ، والمتنازعة في الأهواء ، ماثلة أمامي ، وما لفتني هو اجتماع كل أولئك في ضيافة النظام الحاكم .
لقد كانت هذه التجربة فرصة رائعة للتأمل في الكثير من الأفكار ، وفي فكر المجموعات من حولي ، واستخلاص العبر من معايشتها ومعاينتها ، عسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا .
وفي مثل هذا الجو الذي يخيم عليه الجهل ، لم تكن قضية مذهب آل البيت ( ع ) مطروحة لأسباب عديدة قد يكون من أهمها انعدام أدوات المعرفة .
إنتهت رحلة المعتقل يوم 31 / 10 / 1982 م . ( 1402 ه ) ، حيث عدت إلى مكاني في مستشفى المنصور الجامعي ، وإلى بيتي الصغير ، وإلى أسرتي . وسارت الأمور هادئة . وكان الغيث ينزل من السماء رويدا رويدا .
(24)