المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ليوبولدفايس



شاهزنان
02-03-2004, 06:34 AM
ليوبولدفايس

الكاتب: --
بتاريخ: 12/30/2003

كان الصبي ( ليوبولدفايس ) تحت إصرار والده يواظب على دراسة النصوص الدينية ساعات طويلة كل يوم , وهكذا وجد نفسه وهو في سن الثالثة عشر يقرأ العبرية ويتحدثها بإتقان ، درس التوراة في نصوصها الأصلية وأصبح عالماً بالتلمود وتفسيره ، ثم انغمس في دراسة التفسير المعقد للتوراة المسمى ( ترجوم ) فدرسه وكأنما يهيئ نفسه لمنصب ديني .
كان إنجازه المدهش يعد بتحقيق حلم جده الحاخام الأرثوذكسي النمساوي بأن تتصل بحفيده سلسله من أجداده الحاخامات ، ولكن هذا الحلم لم يتحقق ، فبالرغم من نبوغه في دراسة الدين أو ربما بسببه نمت لديه مشاعر سلبيه تجاه جوانب كثيرة من العقيدة اليهودية ، لقد رفض عقله ما بدا من أن الرب في النصوص التوراتية والتلمودية مشغول فوق العادة بمصير أمة معينة وهم اليهود بالطبع . لقد ابرزت النصوص الرب لا كخالق وحافظ لكل خلقه من البشر بل كرب قبلي يسخر كل المخلوقات لخدمة الشعب المختار .

لم يؤد إحباطه من الديانة اليهودية في ذلك الوقت إلى البحث عن معتقدات روحية أخرى , فتحت تأثير البيئة اللا إرادية التي يعيش فيها وجد نفسه يندفع ككثير من أقرانه إلى رفض الواقع الديني وكل مؤسساته ، وما كان يتطلع إليه لم يختلف كثيراً عما يتطلع إليه باقي أبناء جيله وهو خوض المغامرات المثيرة .

في تلك المرحلة من عمر " ليوبولدفايس " اشتعلت الحرب العالمية الأولى ( 1914_1918 ) . وبعد انتهاء الحرب _ وعلى مدى عامين _ درس بلا نظام تاريخ الفن والفلسفة في ( جامعة فينا ) ولكن , كان مشغوفاً بالتوصل إليه هو جوانب محببة إلى نفسه من الحياة , كان مشغوفاً أن يصل بنفسه إلى مُثّل روحية حقيقية كان يوقن أنها موجودة لكنه لم يصل إليها بعد .

كانت العقود الأولى للقرن العشرين تتسم بالخواء الروحي للأجيال الأوربية , أصبحت كل القيم الأخلاقية متداعية تحت وطأة التداعيات المرعبة للسنوات التي استغرقتها الحرب العالمية الأولى في الوقت الذي لم تبد فيه أي روحية جديدة في أي أفق , كانت مشاعر عدم الإحساس بالأمن متفشية بين الجميع , إحساس داخلي بالكارثة الاجتماعية والفكرية أصاب الجميع بالشك في استمرارية أفكار البشر وفي مساعيهم وأهدافهم , كان القلق الروحي لدى الشباب لا يجد مستقراً لاقدامه الوجلة , ومع غياب أي مقاييس يقينية أخلاقية لم يكن ممكناً لأي فرد إعطاء إجابات مقنعة عن اسئلة كثيرة كانت تؤرق وتحير كل جيل الشباب .

كانت علوم التحليل النفسي ( وهي جانب من دراسات الشاب ليوبولدفايس ) تشكل في ذلك الوقت ثورة فكرية عظمى , وقد أحس فعلاً أن تلك العلوم فتحت مزاليج أبواب معرفة الإنسان بذاته , كان اكتشاف الدوافع الكامنة في اللاوعي قد فتحت أبواباً واسعة تتيح فهماً أوسع للذات , وما اكثر الليالي التي قضاها في مقاهي فينا يستمع إلى مناقشات ساخنة ومثيرة بين رواد التحليل النفسي المبكرين من أمثال " الفريد ادلر " " وهرمان سيتكل " .

إلا أن الحيرة والقلق والتشويش حلت عليه من جديد , بسبب عجرفة العلم الجديد وتعاليه ومحاولته أن يحل الغاز الذات البشرية عن طريق تحويلها إلى سلاسل من ردود الافعال العصبية .

لقد نما قلقه وتزايد وجعل إتمام دراسته الجامعية يبدو مستحيلاً فقرر أن يترك الدراسة ويجرب نفسه في الصحافة.

كان أول طريق النجاح في هذه التجربه تعيينه في وظيفة محرر في وكالة الأنباء ( يونايتد تلجرام ) وبفضل تمكنه من عدة لغات لم يكن صعباً عليه أن يصبح في وقت قصير نائباً لرئيس تحرير قطاع أخبار الصحافة الاسكندنافية بالرغم من أن سنه كانت دون الثانية والعشرون , فانفتح له الطريق في برلين إلى عالم ارحب " مقهى دي فيستن " " ورومانشية " ملتقى الكتاب والمفكرين البارزين ومشاهير الصحفيين والفنانين , فكانوا يمثلون له ( البيت الفكري ) وربطته بهم علاقات صداقة توافرت فيها الندية .

كان في ذلك الوقت سعيداً بما هو أكثر من النجاح في حياته العملية , ولكنه لم يكن يشعر بالرضا والإشباع ولم يكن يدري بالتحديد ما الذي يتوق إلى تحقيقه .

كان مثله مثل كثير من شباب جيله فمع أن أيا منهم لم يكن تعساً إلا قليلاً منهم كان سعيداً بوعي وإدراك .

***

في أحد أيام ربيع سنة 1922م وعمره لم يتجاوز الثانية والعشرين كان على ظهر السفينة متوجهاً إلى ( القدس , فلسطين ) .

ولو قال له أحد في ذلك الوقت أن أول معرفة له مباشرة بالإسلام ستصبح نقطة تحول عظمى في حياته لعد ذلك القول مزحة , ليس بالطبع لأنه محصن ضد إغراءات الشرق التي تربط ذهن الأوربي برومانتيكيه ألف ليلة وليلة , ولكنه أبعد ما يكون ان يتوقع ان تؤدي تلك الرحلة إلى مغامرات روحية .

كل ماكان يدور في ذهنه عن تلك الرحلة كان يتعامل معه برؤية غربية , فقد كان رهانه محصوراً في تحقيق أعمق في المشاعر والإدراك من خلال البيئة الثقافية الوحيدة التي نشأ فيها , وهي البيئة الأوروبية , لم يكن إلا شاباً أوربياً نشأ على الاعتقاد بأن الإسلام وكل رموزه ليسا إلا محاولة التفافيه حول التاريخ الإنساني , محاولة لا تحظى بالاحترام من الناحية الروحية والأخلاقية , ومن ثم لا يستحق الذكر فضلاً عن أن يوازن بالدينين الوحيدين اللذين يرى الغرب أنهما يستحقان الاهتمام والبحث : اليهودية والمسيحية , كان يلف تفكيره الفكر الضبابي القاتم والانحياز الغربي ضد كل ما هو إسلامي أو كما يعبر عن نفسه : ( لو تعاملت بعدل مع ذاتي لأقررت أني أيضاً كنت غارقاً حتى أذني في تلك الرؤية الذاتية الأوربية والعقلية المتعالية التي أتسم بها الغرب على مدى تاريخه : 104).

ولكن بعد أربع سنوات كان ينطق بشهادة أن لا إله إلا الله , محمد رسول الله ويتسـمى باسـم " محمد أسد " .

بالرغم من أن حياته تفيض بالمغامرات والمفاجاءات والمصادفات فلم يكن لإسلامه نتيجة لأي من ذلك بل نتيجة لسنوات عدة من التجول في العالم الإسلامي والاختلاط بشعوبه , والتعمق في ثقافته وإطلاعه الواسع على تراثه بعد إجادته للغة العربية والفارسية .

كان في الأعوام المبكرة من شبابه بعدما اصابه الاحباط وخيبة الأمل في العقيدة اليهودية التي ينتمي إليها قد أتجه تفكيره إلى المسيحية بعد ان وجد أن المفهوم المسيحي للاله يتميز عن المفهوم التوراتي لأنه لم يقصر إهتمام الإله على مجموعة معينة من البشر ترى أنها وحدها شعب الله المختار , وعلى الرغم من ذلك كان هناك جانب من الفكر المسيحي قلل في رأيه إمكانية تعميمه وصلاحيته لكل البشر إلا وهو التمييز بين الروح والبدن. أي بين عالم الروح وعالم الشئون الدنيوية. وبسبب تنائي المسيحية المبكر عن كل المحاولات التي تهدف إلى تأكيد أهمية المقاصد الدنيوية ، كفت من قرون طويلة في أن تكون دافعاً أخلاقياً للحضارة الغربية ، إن رسوخ الموقف التاريخي العتيق للكنيسة في التفريق بين ما للرب وما للقيصر نتج عنه ترك الجانب الاجتماعي والاقتصادي يعاني فراغاً دينياً وترتب على ذلك غياب الأخلاق في الممارسات الغربية السياسية والاقتصادية مع باقي دول العالم. ومثل ذلك إخفاقاً لتحقيق ما هدفت إليه رسالة المسيح أو أي دين آخر.

فالهدف الجوهري لأي دين هو تعليم البشر كيف يدركون ويشعرون ، بل كيف يعيشون معيشة صحيحة وينظمون العلاقات المتبادلة بطريقة سوية عادلة ، وإن أحساس الرجل الغربي أن الدين قد خذله جعله يفقد إيمانه الحقيقي بالمسيحية خلال قرون , وبفقدانه لإيمانه فقد إقتناعه بأن الكون والوجود تعبير عن قوة خلق واحدة وبفقدان تلك القناعة عاش في خواء روحي وأخلاقي.

كان إقتناعه في شبابه المبكر أن الإنسان لا يحيا بالخبز وحده قد تبلور إلى اقتناع فكري بأن عبادة التقدم المادي ليست إلا بديلاً وهمياً للإيمان السابق بالقيم المجردة وأن الإيمان الزائف بالمادة جعل الغربيين يعتقدون بأنهم سيقهرون المصاعب التي تواجههم حالياً ، كانت جميع النظم الإقتصادية التي خرجت من معطف المادة علاجاً مزيفاً وخادعاً ولا تصلح لعلاج البؤس الروحي للغرب. كان التقدم المادي بإمكانه في أفضل الحالات شفاء بعض أعراض المرض إلا أنه من المستحيل أن يعالج سبب المرض.

كانت أول علاقة له بفكرة الإسلام وهو يقضي أيام رحلته الأولى في القدس عندما رأى مجموعة من الناس يصلون صلاة جماعة يقول : (أصابتني الحيرة حين شاهدت صلاة تتضمن حركات آلية ، فسألت الإمام هل تعتقد حقاً أن الله ينتظر منك أن تظهر له إيمانك بتكرار الركوع والسجود؟ ألا يكون من الأفضل أن تنظر إلى داخلك وتصلي إلى ربك بقلبك وأنت ساكن؟ أجاب: بأي وسيلة أخرى تعتقد أننا يمكن أن نعبد الله؟ ألم يخلق الروح والجسد معاً؟ وبما أنه خلقنا جسداً وروحاً ألا يجب أن نصلي بالجسد والروح؟ ثم مضى يشرح المعنى من حركات الصلاة ، أيقنت بعد ذلك بسنوات أن ذلك الشرح البسيط قد فتح لي أول باب للإسلام .: 120)
يتبـــــــــــع في الرابط التالي :

http://www.icsfp.com/AR/Contents.aspx?AID=1997

مضراوي
07-27-2008, 05:04 AM
يسلمووووووووو