المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من دروس شرح دعاء السحر ؟؟



كميل الفضلي
08-29-2009, 11:21 AM
السلام عليكم

قبسات من دروس شرح دعاء السحر التي القاها الشيخ شفيق جرادي في مادة عرفان الامام الخميني قده

الرحمة
الرحمة الإلهية، كلمة لا يمكن أن تستوفي حقها من الشرح والفهم. لأن المخلوق، المحدود الناقص لا يمكن له أن يعقل صفات الخالق المطلق الكامل. إلا أن مالا يدرك كله لا يترك جله.
سوف يتم بعونه تعالى إلقاء الضوء على هذه العبارة من خلال اللغة والفلسفة والعرفان، ومحاولة معرفة علاقتها بالمخلوقات وتأثيرها عبر جمع مقتطفات من دروس ألقاها سماحة الشيخ شفيق جرادي – حفظه المولى – في شرح دعاء السحر للإمام الخميني (قدّس سره الشريف).
ورد في الحديث الشريف: "إن لله تعالى مئة رحمة، أنزل منها واحدة إلى الأرض فقسّمها بين خلقه، فبها يتعاطفون ويتراحمون وأخّر تسعاً وتسعين يرحم بها عباده يوم القيامة".
* في اللغة.
الرحمة لغوياً تعني رقة القلب، والقلب الرقيق هو الرحيم، ومن الرحمة حصل اشتقاق اسمي الرحمن والرحيم.
* في الفلسفة.
الرحمة تعدّ فلسفةً من الكيف النفساني، أي انها عرض من الأعراض. وبما أن الله تعالى ليس جوهراً ولا عرضاً، فلا يصح إطلاق الكيف النفساني عليه. لذا كان الاختلاف في الآراء الفلسفية بالنسبة إلى هذا الموضوع:
رأي اعتبر أن نسبة الرحمة إلى الله تعالى ليست نسبة حقيقية، إنما هي على نحو المجاز. لها دلالة معنى الإنعام والتفضّل والعطاء. ويقابلها الغضب، وهو كيف نفساني دلالته الانتقام.
لكن الأمر المجازي كالكيف النفساني يصح سلبه عن صاحبه، لذا لا يمكن اعتماد صوابية هذا الرأي، لأنه لا يمكن سلب الرحمة عن الساحة الإلهية.
رأي آخر حاول استدراك زلل سابقه، معتبراً نسبة الرحمة إلى الساحة الإلهية هي على نحو الإعارة التمثيلية.
بمعنى أننا نطلق صفة الرحمة على الله سبحانه وتعالى لتفهيم فكرة الإنعام الإلهي.
رأي ثالث – ولعله الأصوب – اعتبر أن نسبة الرحمة إلى الله تعالى هي على نحو الحقيقة، صحيح أن معناها رقة القلب بالنسبة إلى المخلوقات، إلا أنها بالنسبة إليه تعالى عبارة عن عطف والتفات إلى المخلوقات، من بر وإحسان، إنها أمور ثابتة كونها تمثل فعل الله في خلقه.
* في العرفان.
في إطار العرفان تقسّم الرحمة الإلهية في القرآن الكريم إلى:
1- رحمة رحمانية. من اسم الرحمان، وهي وسعت كل شيء، بل بها كان كل شيء. أي أنه بالرحمة الرحمانية انبسط وفاض الوجود من الرب المعبود. فالموجودات في أصل وجودها – مع قابليتها – كانت من فيض وانبساط الرحمة الرحمانية.
2- رحمة رحيمية، من اسم الرحيم، هي عبارة عن بسط كمال الوجود فكل موجود، كما أن له أصل وجود بالرحمة الرحمانية، كذلك له كمالاته الخاصة به. ولا يشترك حين وجوده أن تكون كمالاته هذه على نحو الفعلية، وإنما له قابلية تحصيل فعلية تلك الكمالات، وهذا لا يحصل إلا بالعناية والرحمة الإلهية التي يطلق عليها الرحمة الرحيمية.
معرفة هذا الأمر تقتضي من الإنسان – الموجود الناقص – أن يسعى دائماً لتحصيل الكمال عبر طلب الرحمة الرحيمية. والله تعالى حاضر دوماً لتقديمها، وعدم تحققها فيه إنما يدل على تقصير أو قصور فيه، فالرحمة الرحيمية عطاء بلا توقف. إلا أن القلب يجب أن يطهر لاستقبال هذا الفيض الإلهي، وعندها تنتقل قابلياته من مرحلة ما بالقابلية إلى مرحلة ما بالفعل.
* إيضاح:
إن اعتبار اسم الرحمن خاص بالدنيا واسم الرحيم خاص بالآخرة، هو أمر غير سليم. صحيح أن الآخرة هي رمز الكمالات التامة؛ بمعنى أن مدار الكمال والاكتمال يتم هناك، إلا أن ذلك لا يعني أنه لا يمكن تحصيل بعض الكمالات في دار الدنيا. بل أنّ كل كمال دنيوي هو صبغة ورشحة من حقيقة الكمال الأخروي. ثم إن اسم الرحمن، الذي يعني أصل الوجود، ألن يكون متحقّقاً في الآخرة؟ بالطبع نعم، لأن أصل التحقق في الوجود كما هو في الدنيا، هو أيضاً في الآخرة.
*الرحمة والتكامل.
اعتبر ابن عربي أنّ كل موجود يوجد في أصل جبلّته نحو من العشق لله تعالى الكامل المطلق. فالموجود المتمتع بالحياة والحركة يعمل بشكل تكويني في هذا السبيل. كالبذرة التي تغرس في الأرض مثلاًن إن عشقها يمثل بالنسبة إليها حركة النمو، فتصل إلى كمال معيّن بأن تصبح شجرة. وهكذا سائر الموجودات.
وإذا كان هذا الموجود يتمتع بالإرادة (الإنسان) فهو بحاجة إلى الشوق حتى يتحرك فعلياً نحو ذلك الكمال، وعشق الكمال الإلهي هو الثبات على حبه تعالى بأهم عناوينه، الرحمة – وبمقدار ما يكون هذا العشق فوّاراً، والشوق دافعاً وانبعاث الحركة قوياً، عبر الاستقامة في السير والسلوك، بمقدار ما نتحدث عن كمالات الإنسان الفعلية.
وهذا من العلل الأساسية لاستحقاق الخلافة، فبدون الرحمة لا استخلاف، وبدون استخلاف لا قيمة للإنسان، بل إنه كُرّم بالسجود لذلك.
*النتيجة.
إن الرحمة بشقيها – الرحمانية والرحيمية – هي من الأمور المركزية في ثقافتنا المعنوية، حيث أنه:
أولاً: المصدر الفعلي لها هي الذات الإلهية، سواء بتجلّيها على ذاتها، فيكون اسما الرحمن والرحيم ذاتيين. أو بمظاهرها وآثارها حيث يُعتبر الاسمان فعليين.
ثانياً: إن مبدأ الرحمة مستقىً من أصل التوحيد، لأن التوحيد يقوم على توحيد الذات. هذا المبدأ متلاصق لأهم أصل ضروري في الإسلام. فالرحمة أصل ذاتي. وبالتالي، هي مبدأ شامل لكل تفريعات الإسلام.
من خلال ما مرّ ذكره نستخلص العنوان الآتي: أن الإسلام دين الرحمة:
* في العبادات:
العبادات بكل تفصيلاتها، من وجوب وحرمة وغيرها، وضعت لاستثارة ما فطر عليه الإنسان من عشق وشوق وانبعاث نحو الله تعالى لتحصيل الرحمة. وعندها يُفهم بأن البلاء الحقيقي هو بلاء الفراق عن المحبوب المعشوق.
* في المعاملات:
آداب المعاملات في الشرع الإسلامي ترسم بيئة اجتماعية وثقافية خاصة، قائمة على مقتضيات الالتزام بما يقرّب نحو هذا العشق والشوق والانبعاث، من خلال سسن تؤسّس علاقات تقوم على أساس الرحمة، منها توقير الصغير للكبير، ورحمة الكبير للصغير، التعامل مع الجيران، صلة الأرحام... وغيرها. حيث أن النظرة إلى الوجود بكليتها معتمدة على الرحمة. لهذا يقال بأن أكثر الناس شفافية هم أكثر الناس وصولاً، ولذا كان بكاء الإمام الحسين (ع) على أعدائه.
كل تشريعات النظام الإسلامي قائمة على أساس الرحمة، حتى العقوبات منها التي تستوجب الغضب، قد شرّعت رحمة بالإنسانية، فإذا ظهر الغضب فلأن الرحمة الموجودة في داخله قائمة بقوة وهي صاحبة الموقف. وقد قال تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ . والفلسفة الفعلية لهذا الموضوع هي بناء حياة على ضوء الاستقامة الإلهية.
هذه القناعة تجعلنا نؤكّد أن الوجود والحياة والمخلوقية للإنسان الخليفة قامت في أصلها على أصالة العشق والحب وهذا مستمر من غير انقطاع.
وقد أوضح الملا صدرا، في كتابه المظاهر الإلهية هذا المطلب عند تحليله للحديث القدسي: "كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف، فخلقت الخلق لكي أعرف" فيقول ما معناه: إنّ الله تعالى أراد أن يُعرف بالحب، ما يع ني أنّ سبب وأصل الوجود هو الحب "فأحببت". وقد تم التجلي بالحب لتحصيل المعرفة "أن أعرف". وهذه المعرفة هي وجود لا شائبة عدمية فيه، هي معرفة كاملة لا شائبة جهل فيها، وهي حب لا شائبة نقص فيه..
وعند قول "فخلقت الخلق" وضع حرف الفاء يوحي بنوع من الاسترسال كيف؟
الخلق هم من عالم الأمر، إلا أن هناك شيء ما حصل قد أوقع هذا الموجود بالنقص، ومن النقص جاءت صيغة الخلق. فأرادهم بكل ابتلاءاتهم أن يستكملوا أنفسهم بالمعرفة "لكي أعرف".
إذن، المعرفة الأولى مصدرها الحب "فأحببت أن أعرف". والمعرفة الثانية يوجد في مقدّماتها نقص، إلا أنه يمكن رفع ذلك النقص عبر معرفة الكامل، ولا يتم ذلك إلا عبر بناء علاقة حب معه.
وحين يعرف الناقص أن سبيل وسرّ الكمال هو الحب، ينتهج نهج الحب لله وبالله والتراحم لله وبالله، فيخرج النقص فيه من قابل إلى فعلية كماله بربه.
وبما أن أصل الخليقة لدرأ الشر عنهم، أرادنا الله تعالى من خلال الحياة أن نستعيد كمالاتنا، ولا تستعاد إلا بالإرادة التي وقعت فيها النقيصة، منها بالذات تحصل إرادة الكمال بالحب.
* معالم الرحمة.
لاحظ العرفاء أن هناك علاقة بين الكتاب التكويني، الكون بما فيه، وبين الكتاب التدويني، القرآن الكريم. وبالتالي، يمكن الاستدلال على معالم الرحمة ومواردها فيا لكون من خلال كتاب اله المجيد.
قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ .
لقد تبين فيما سبق، أن اسم الرحمان هو مقام بسط أصل الوجود واسم الرحيم هو مقام بسط كمال الوجود. وعند ربط هذا المفهوم بالآية المباركة نلحظ أن رحمة الله في أصلها وكمالاتها هي الحقيقة المحمدية المتمظهرة في شخص الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
والملاحظ أيضاً أن الآية تجاوزت كل الخصوصيات بقول "للعالمين" إذن، هي رحمة عامة لجميع العوالم، ولكن المخلوقات، تشمل حتى الفاجر ومن هو على غير ديننا. لذا هي وسعت كل شيء، ولا بخل في مبدأ هذا الفيض الإلهي، بل هو عطاء بلا توقف. لكن التفاوت في درجات الاستعداد والقابليات هو سبب الاختلاف في تقبل الفيض الرباني. كيف ذلك؟
الإنسان الذين لم يتقبل الرسالة الإلهية أصلاً، فإن كفرانه وذنبه يوجد فيه حالة من عدم الاستعداد لتقبل هذا الفيض. وهذه فلسفة العذاب "بأنه نقص في القابل والاستعداد استوجب عدم وجود سبب للرحمة الإلهية" .وبمعنى آخر استوجب عدم السماح للحقيقة المحمدية أن تسري في حاق سر النفس، لأنه قد تركها مسرحاً لإبليس معبوده.
ومن شرح صدره بالرسالة المحمدية، تصله رحمة رحمانية خاصة. أما من قبلها بشرطها وشروطها فتصله رحمة أخص وهي الرحيمية. لأن كمال الرحمة يكون فيا لمقام العلوي الذي يرمز غليه شخص أمير المؤمنين علي عليه السلام. وبما أن نور محمد وعلي واحد – بدليل العديد من الروايات – فإن المقام العلوي يؤهلهم لأن يكونوا على أخص درجات الكمال الرحيمي الذي ينالهم أصل الرحمة بحضوره (صلى الله عليه وآله).
إن شمول الرحمة ووسعها يجعلنا ننظر نظرة إيجابية لكل الناس. تنعكس على أسلوب تعاطينا بهم. كما أنها تجعل نظرتنا إلى الحياة مختلفة، وخصوصاً عندما نقرأ قوله تعالى: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ . الذي معناه "استحالة انفكاك فعله عن كونه معنوناً بعنوان الرحمة" . فكل ما يجري في الكون هو رحمة، حتى المصائب والبلايا ﴿بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾ .
* موارد الرحمة
إن المؤمن – رغم كل ما مر ذكره – يظل بين حالة رجاء نيل الرحمة الإلهية وحالة خوف من عدم أهليته لتقبلها. لذا فإن القرآن الكريم أوضح لنا عدة موارد تساعد في هذا المجال.
قال تعالى: ﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ . وأنا إن لم أكن محسناً، فعلى الأقل علي أن أسعى لأن أكون قريباً من المحسنين، لأن الرحمة الإلهية تستوطن بالإحسان.
وقال أيضاً عز وجل: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ . وهذا يدل على أن التزام التقوى سبب لتقبّل ذلك الفيض الإلهي. وفي آية كريمة أخرى يقول: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ﴾ . وعند ربط هذه الآية بالآية التالية ﴿...خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ﴾ . نستنتج أن الرحمة في خزائن ولا بدّ من أسباب تفتح هذه الخزائن. من تلك الأسباب التقوى – على درجاتها – قد يكون الرضا مفتاح، والتسليم، والصبر كذلك... إلخ.
على العموم، فتح تلك الخزائن يتطلب صدقاً في طلب الرحمة الإلهية. وإخلاصاً في العبادة والعمل. وقد قال: ﴿أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً﴾ . هو تعالى يريد رحمتنا، لكن علينا تطهير قلوبنا ونفوسنا من أرجاس المعاصي – على درجاتها – حتى تكون مؤهلة لاستقبال هذا الفيض الذي يمثل مستوطن خلود النفس. هذا الخلود التي تطمح إليه البشرية إنما ينال برحمة الله تعالى وقد قال في هذا السياق: ﴿فَفِي رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ .
ختاماً، هذه القناعة تمكننا من تحقيق الكثير من عناصر القرب والسير في كمالات الله سبحانه وتعالى، عبر حبه، وحب أوليائه الذين يمثلون الرحمة الواسعة، التي بها ولأجلها كان الوجود بما فيه.

تحياتي لكم وشكرا

ام الحلوين
08-29-2009, 11:22 PM
اللهم صلي على محمد وال محمد


سلمت يمناك اخي كميل

وجزاك الله خير الجزاء

ورحم الله والديك

كميل الفضلي
08-30-2009, 12:14 AM
السلام عليكم

حياك الله اختي ام الحلوين

امنياتي ودعائي لكي بكل التوفيق والسداد

تحياتي لكي وشكرا

نسيم الذكريات
08-30-2009, 02:47 PM
طرح مووفق أخي الكريم كميل
جزاك الله خير الجزاء ورحم الله والديك
وأثابك الله على ماقدمته من فااائدة ...
دمت بألف خير

كميل الفضلي
08-30-2009, 03:21 PM
السلام عليكم

نسيم الذكريات

شكرا للمرور والمشرف

امنياتي لكي بكل التوفيق والخير الدائم

تحياتي لكي وشكرا