المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شهيدة الشهد



الفجر 110
06-25-2009, 02:17 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

اليوم اقدم لكم قصة قصيرة من ابداعات الكاتب الكبير " ميخائيل نعيمة "
اعجبتني ولذلك سوف اودعها لكم هنا على حلقات لتستمتعوا بها وعن الاطالة عليكم فأرجوا ان تنال اعجابكم .



الحلقة الاولى
.
.




شهيدة الشهيد




وأخيراً قرّ رأي خيرزان على الفرار فالانتحار , من بعد أن ضاق صدرها بجور أمها . فهي لا تكاد تذكر في ما تذكر من سنواتها الأربع عشرة أن مرّبها يوم لم ينلها فيه بعض الشتم وبعض اللطم من أمهّا . وكذلك أخوها نعمان , وكان أصغر منها بسنتين . فقد كانت الأم امرأة عنيفة المزاج , قاسية القلب , لاذعة اللسان . وكانت لا تطيق لولديها أن يلهوا بأي نوع من اللعب , أو أن يجلسا ولو لبعض دقائق , بدون عمل يعملانه . فلا تنفكّ تحثّهما على الشغل , وتقر عهما على البطالة , وتردّد على مسامعهما مثل هذه الآيات : " اليد العاطلة , ملعقة الشيطان ومقرعة النحس , واليد العاطلة مطرقة الله ومفتاح السعد . قال الله : انهض فأنهض معك . وما قال : اقعد فأقعد معك . وكيف نقعد وأبوكما – عمّق الله قبره – لم يترك لنا من عدّة العيش غير هذا الكوخ وغير بقرة في آخر عمرها ؟ أنبقى كما نحن إلى الأبد ؟ لا بل نجدّ ونجتهد فنصبح أغنياء , ويخدمنا الغير بدلاً من أن نخذم الغير . التعب وسخ يغسله قليل من النوم . ومن تعب في أوّل حياته ارتاح في آخرها . الدقيقة فرصة للكسب ...فإن فاتت بدون كسب كانت خسارة , والقروش جيوش تحمي صاحبها من الخلف ومن الأمام , وعن اليمين وعن اليسار , واليد التى تربح القرش خير من التي تنفقه . وأن يذل الإنسان نفسه في سبيل كسب القرش لأشرف من أن يذلها في سبيل استدانته ..."

نسيم الذكريات
06-26-2009, 03:04 AM
بداية موفقة أخي وأستاذي الفاضل
" صانع الخبز"
سأكون بالقرب من هنا لمتابعة مابدأته من حلقات..
إلى ذلك الحين كن بعناية الباري تحفك أينما حللت ..
أعذب التحااايا لك
ودمت بألف خير..

الفجر 110
06-26-2009, 08:02 AM
نشكر لك أختي العزيزة " نسيم الذكريات "


هذا الحظور المشجع , دائما لحظورك الاثر الكبير علينا في البحث عن المفيد وطرحه


وانشاء الله نسعى لذلك والى ذلك الحين القريب تقبلي دعائي لك ولعائلتك المحترمة


بالموفقية الدائمة


والله يرعالك ويحفظك اينما حللت .


تحياتي

الفجر 110
06-26-2009, 08:06 AM
شهيدة الشهيد




الحلقة الثانية



وانهّ لمن الإنصاف لأم نعمان القول إنها كانت تطبق مبادئها على نفسها بمنتهى الصرامة . فلا تستريح إلاّ عند الأكل والنوم .وسرعان ما تفرغ في الصباح من أعمال بيتها فتمضي تغسل لهذه الجارة أو تخبز لتلك من جاراتها الأوفر حظاً منها بالمال والأقل حظاً منها نشاط والاقتصاد والحكمة في تدبير شؤونهن . أما ولداها فما إن أصبحا قادرين على العمل حتى راحت تدربهما على كسب القرش بشتى الوسائل, وعلى الأخص ّ في أيام الصيف حيث يكثر المصطافون في القرية.



فكانت ترسل خرزان في كلّ صباح لتبيع لبن البقرة لهم ولتقضي بعض حاجاتهم ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً. وأما نعمان فكانت تزوده بأقصى ما يستطيع حمله من البقول والفاكهة والبيض ليبعها هو كذلك , للمصطافين. فتحدّد له السعر للأدنى وتترك له السعر الأعلى لفطنته وذكائه قائلة :" لا ترحم الذين لا يرحمونك .ولو رحم الأغنياء الفقراء لما كان ف الأرض فقير."



وعندما يعود ولداها في المساء كانت أم نعمان تحاسبهما أدق الحساب عن كلّ قرش وكل ّ حركة وكلّ كلمة.وممهما يكن نصيبهما من النجاح وافراً ما كانت تعدم سبباً-ولو تافهاً-لتوبيخهما على أشياء وأشياء. فقد كان في مستطاع خيرزامن - مثلاً- أن تقبض خمسة قروش فوق ما تقبضه لقاء تنظيفها الحمّام في بيت فلانة. وكان بإمكان نعمان أن يبيع دزيينة البيض للسيدة كيت وكيت بزيادة عشرة قروش ...

فهي سيدة اشتهرت بالتبذير, والقرش عندها"لاقام ولا قعد". ثم كان في مستطاع خيرزان ونعمان أن يعودا إلى البيت قبل عودتهما بساعة أو بعض الساعة وأن يجمعا, وهمافي طريقهما إلى البيت ,بعض الحشائش للبقرة, وبعض النفايات للدجاجات إلخ إلخ ...حقّاً إنهما لولدان يغلبهما الطيش ,فلا نفع منهما. ويا ويل أمهما تتعب النهار والليل في سبيلهما فيذهب تعبها جزافاً. ألا ليتها كانت عاقراً... ألا ليتها لم تلد ...

الفجر 110
06-27-2009, 11:10 PM
شهيدة الشهيد




الحلقة الثالثة



كان قد مرّ على أخيها خمسة أيام وهو يعاني آلام الحصبة, عندما عوّلت خيزران على الانتحار .واتفق في صباح ذلك اليوم المشؤوم من أيام الصيف أن ناولتها أمهّا جرّة اللبن لتذهب بها على عادتها وتبيعها للمصطافين . وزوّدتها علاوة على إرشاداتها المعتادة بوصية جديدة :



" اسمعي يا خيزران... أخوك مريض بالحصبة , وخير دواء للحصبة هو العسل , ولا عسل عندنا ولا مال لنشتري به عسل . فاسألي أينما ذهبت اليوم عن قليل من العسل واحرصي على أن لا تدفعي قرشاً واحداً.افهمي جيدّاً ما أقول : عسل وبالمجاّن... أفهمت ؟ إذن فانصرفي."فهزّت خيزران برأسها بضع هزّات لتؤكد لأمها أنها فهمت وصيتّها . ثمّ رفعت جرّة اللبن إلى كتفها وخطت خطوتين برجليها الحافيتين , وعند الثالثة هوت إلى الأرض صارخة صرخة ذعر لا يوصف . لقد تعثرت المسكينة بعود في طريقها . وكان من تعثرها أن أفلتت جرّة الصفيح من يدها فانبعجت واندلق ما كان فيها من لبن على التراب فما لبث التراب أن امتصّه.



ما درت الفتاة المنكودة الحظّ كيف تيسر لها أن تعود فتقف على رجليها ثمّ أن تفلت من يدي أمها التيّ أشبعتها لكماً ولطما وركلاً وشتائم :



" ليتها الواقعة الأخيرة بجاه ربّ العالمين . ليتني ما عشت لألدك يا أنحس البنات .أين عيناك ؟ ليتك بغير عينين . أين رجلاك ؟ ليتك بغير رجلين. تقعين أمام باب بيتك وفي سهلة لا كدرة فيها ولا مدرة؟ لا عشت لتمشي وتقعي . يا لضياع اللبن ! يا لضياع التعب ! ألعلّك تأكلين خبز الوقف؟ أم لعلّ اللّه ابتلاني بك لأكفر به وبنعمته ؟ سبحانك يا ربّي ! ما هي إساءتي إليك لتعاقبني مثل هذه المعاقبة ؟ لا كنتِ ولا كانت الساعة التي ولدتك فيها ..."



لا... ما درت خيزران كيف أفلتت من قبضة أمها , وكيف طفقت تعدو على غير هدى . وإذا بها في واد سحيق تراكمت الصخور في جوفه وعن جانبيه وانساب في قعره جدول ماؤه أنقى من البلور, وشدو أعذب من شدو الكناري. ولا هي درت مدى المسافة التي قطعتها من بيتها إلى جوف ذلك الوادي . ولكنها أحسّت ما يشبه الجمر في أخمصيها فانحدرت إلى ذلك الجدول لتبرد من حرارتهما بمياهه المثلوجة.ولشدّ ما هالها أن ترى الدم يتدفق من جراح كثيرة فيهما . ومن بعد أن غسلت رجليها وبردت جوفها أخذت تتلفّت ذات اليمين و ذات اليسار مخافة أن تكون أمها قد صممت على اللحاق بها . وقد كان صوتها لا يبرح يهدر في أذنيها فيرتجف لهديره قلبها وتنسدل غمامة على عينيها .وإذ أيقنت أن مخاوفها ما كانت إلا من نسج خيالها اطمأنّت بعض الاطمئنان.



وحانت منها التفافة فإذا بالقرب منها صخرة أعجبها شكلها فكأنها الكرسيّ العظيم . لقد نتأ منبسط منها فسيح فوق الوادي فكان من الكرسي بمثابة المقعد. وارتفع القسم الآخر عموديّاً فكان بمثابة الظهر .تسلّقت الفتاة الصخرة من غير عناء يذّكر, وجلست على المنبسط الذي فيها وقد غمرته ظلال ناعمة. فاستأنست بسكينة الوادي , وكادت تنسى ما بها .إلاّ أنها ما لبثت عاودتها ذكرى ما كان من أمرها مع أمهّا . فانتفضت وسألت نفسها بصوت عالٍ :



" والانتحار يا خيزران , متى يكون وكيف يكون ؟ "

آهات حنونه
06-28-2009, 06:53 PM
ماشاء الله رائعه جدا

يعطيك العافيه

الفجر 110
06-28-2009, 11:54 PM
الاخت العزيزة " بحر العجائب "


انشاء الله عجبتك القصة القصيرة


تابعي الاحداث الاخيرة فانها لا شك


ستعجبك أكثر


تحياتي لك.

الفجر 110
06-29-2009, 12:01 AM
شهيدة الشهيد





الحلقة الرابعة





وراحت تفكّر في شتى الأساليب التي يلجأ إليها القانطون من الحياة , والتي سمعت الناس يتحدّثون عنها , فما كانت ترى غير أقربها إليها وهو السقوط من علوّ شاهق . وهاهي الصخرة التي من تحتها . ألعلّها من العلوّ بحيث لا ينجو الساقط عنها من الموت ؟ أجل . أنها لكذلك . وكيف يجمل بها أن تسقط . أترمي بنفسها ورأسها إلى فوق أم إلى أسفل ؟ بل الأفضل أن يكون إلى أسفل ...ذلك أكفل للموت السريع .



وأغمضت الفتاة عينيها فتخيّلت نفسها تهوي من حالق فيكاد قلبها يتوقّف عن النبض . ثمّ أحسّت رأسها يرتطم ارتطامة فظيعة بصخرة في أسفل الوادي . فتتشعّث جمجمتها ويتطاير منها المخّ في كلّ جانب فتأتي الثعالب وبنات آوى تلحسه عن الصخور ثمّ ترتدّ إلى جثّتها فتمزقّها بأنيابها وتقشط لحمها عن عظمها ثمّ تزدرد اللحم وتمضي في سبيلها .



في هذه اللحظات بالذات مرّت من فوق رأس خيزران حمامتان برّيتّان وحطّتا على صخرة في الجانب المقابل من الوادي حيث راحتا تتناغيان وتتبادلان القبل في غنج وجذل , فشغلها منظرهما عن صورة جثتها وقد عبثت بها الثعالب وبنات آوى. ومرّ في خاطرها طيف شابّ لطيف في بيت من البيوت التي كانت تبيعها اللبن . وتذكرّت كيف أن ذلك الشاب أخذها مرة بين ذراعيه , وعنوة استرق قبلة من شفتيها المتفتحتين لحياة الأنوثة . وما كادت هذه الذكرى الحلوة تغمر قلبها حتى فوجئت بلسعة في عنقها . فانتفضت ووثبت واقفة .ثم التفتت إلى الوراء فأذهلها أن ترى جيشاً من النحل في ذهاب وإياب لا ينقطع لهما خيط , وأن ترى ذلك الجيش يندفع من شقّ في الصخرة التي من خلفها ويعود إليه , فأدركت بفطرتها القرويّة أنها أمام خليةّ من النحل البرّي.

الفجر 110
06-29-2009, 08:49 PM
شهيدة الشهيد







الحلقة الاخيرة



وللحال تذكرت وصيّة أمها لها في الصباح . فنعمان في أتون من الحمى وليس يشفيه إلاّ العسل . وها هو العسل في متناول يديها . وهي تحبّ أخاها نعمان محبّة ما فوقها محبّة , فكيف تنتحر وتتركه تشويه الحمّى ؟ ولعلّها تذهب ببصره أو تعطبه في عضو من أعضائه . لا , لا . إذا كان لا بدّ من الموت فلتمت بعد أن تحمل إلى أخيها ولو قليلاً من الشهد الشافي .



وتفحصّت الفتاة الشقّ الذي كان ينطلق منه النحل ويعود إليه فألفته يتسع لأكثر من يد كيدها . وأبصرت عند مدخله قرصا من الشّهد النّاصع البياض . فمدّت يدها وهي تظنُّها قادرة أن تخلعه من مكانه برمتّه . ولكنها ما تمكنت إلاّ من قبضة منه انتزعتها بسرعة وحاولت الفرار في الحال , غير أن النحل , وقد هاجه حتى الجنون اعتداؤها الوقح على مملكته , انقضّ عليها من كلّ صوب . فما بقيت تدري بماذا تتقيه وكيف تتخلّص من وخز إبره التي كانت تنغرس في رأسها ووجهها وفي يديها ورجليها, وكلّ ما انكشف وتستّر من جسمها . فالأثواب التي كانت تستره لم تكن من الكثافة بحيث تصدّ عنه إبرة النحلة.



كان ذلك منذ تسع سنوات . حتى اليوم لا زالت أمّ نعمان , والدمع في عينيها , تروي لجاراتها وجيرانها وللمصطافين في قريتها كيف أن ابنتها خيزران التي ما خلق الله أجمل منها صورة وأرجح عقلاً ضحّت بحياتها في سبيل أخيها . وذلك أنها اقتحمت وحدها خلية نحل برّي لتأتي أخاها المريض بالحصبة ولو بقليل من الشّهد الشافي . وكيف أنها , وقد أوسعها النحل لسعاً , بلغت البيت في حالة التلف , وفي يدها شيء من العسل , فانطرحت أرضاً, ثم مدّت يدها وقالت : "هذا لنعمان . "


وكان ذلك آخر ما نطقت به .
..................................


ارجو انكم قد استمتعتم بهذه القصة واستفتم منها
وتأثرتم بها, كما هو الحال مع الناقل لها
ودمتم لكل خير وفير .

نسيم الذكريات
07-02-2009, 01:31 AM
راائعة رغم نهايتها الحزينة أعجبتني وتأثرت بها
كثيرا...
سلمت يمناك على النقل الرااائع
موفق ومقضية حوائجك بحق محمد وآل محمد
تقبل خااالص تحياتي لك..
ودمت بأمان الله وحفظه

الفجر 110
07-02-2009, 05:49 PM
سلمت أختي العزيزة " نسيم الذكريات "


سيدتي الموقره ان بعض الحزن ينبت أمل


يفضي للحياة , من أجل اسعاد الاخرين.


جعل الله أيامك كلها فرح و سعاده


أنا في غاية الشكر لتواجدك


وتتبع احداث القصة الى النهايه


" يعني تعبتي ما راحت ببلاش "


تقبلي دعائي لجنابكم