المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الصراع بين الحق والباطل



amili
01-20-2004, 06:36 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا و نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .

قال تعالى في محكم كتابه الكريم في سورة ‏البقرة الآية ( 42) : { وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } .

من المعروف أن الله سبحانه وتعالى خاطب بني إسرائيل بهذا النداء القرآني الحق , وأمام ما نرى من تخبط واختلافات في صفوف الأمة أرى أنه لا يجوز لنا أن نعتبر أنفسنا ومن ليسوا من بني إسرائيل غير معنيين في هذا النداء القرآني المبارك أو غيره حيث خاطبهم تبارك وتعالى , لأن الله تعالى عندما خاطبهم بهذا النداء كان لإلقاء الحجة عليهم لأنهم خرجوا عن حدوده التي رسمها المولى تعالى لهم , وبذلك فإن النداء يصبح عاما ولم يعد خاصا ببني إسرائيل عندما نرى أن الأمة تسلك مسلك بني إسرائيل في أي زمان مقارنة مع ذلك الزمان المنصرم حيث النداء الإلهي المبارك , وعلى هذا الأساس على الإنسان الرسالي المحمدي الأصيل أن يحذر كل الحذر من هذا الخطر ويجنب نفسه وأهله كي لا يقعوا في مصيدة الشيطان ووسوسته باعتبارهم النداء خاص ببني إسرائيل فقط , كما وأن الذين آمنوا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم نبيا وبالقرآن كتابا , هؤلاء الذين يخافون الله و يعدون أنفسهم ليوم الحساب جميعهم معنيين بذلك بل وكل مخلوق بشري بلغته الرسالة المباركة , وبذلك فإن المولى تبارك وتعالى يحذرهم من أن يراوغوا ويسايروا ويتلونوا مع مصالحهم على حساب الدين والمعتقد الحق لما يمثله من حق مطلق لأن هذه الأفعال منافية لحقيقة الأيمان ومطابقة لأهواء وتصرفات الشيطان المتمثل في هذا العصر ببني إسرائيل ومن والاهم وسار في نهجهم وسياستهم دون استثناء من اليهود وغيرهم من المستسلمين بل إن المراوغة والمسايرة والتلون وما تبعه من صلب عقيدة بني إسرائيل التوراتية المزعومة ولا يجوز لمسلم المحمدي الأصيل بأن يكون حيث هم لأنهم الشر المطلق بينما يعتبر الشارع المقدس هذا الإنسان حجة الله على الأرض وهو الخير المطلق .

إن المولى تبارك وتعالى يؤكد أن على المؤمنين أن لا يخلطوا الحق بالباطل أكانوا يعلمون أو لا يعلمون , وفرض عليهم قبل أن يصدروا أي قرار او اتهام أن يتبينوا وأكد ذلك في قوله تعالى يا ايها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق ............ 9 } ومن هنا فإنه من الواجب عليهم ان يتثبتوا قبل أن يتخذوا أي قرار محذرا إياهم أن يكتموا الحق وهم يعلمون أن هذا لأمر حقا وذاك باطلاً لأن الله سبحانه وتعالى نهى المؤمنين الملتزمين بنهج رسول الله - ص - وبكل ما أتى به والمنتهون عما نهى عنه أن يقدموا على مثل ذلك وطلب منهم أن يؤدوا الأمانات أكانت هذه الأمانات خاصة أو عامة , مادية أو عقائدية أو خلاف ذلك وبينه تعالى في سورة البقرة الآية ( 283) في قول تعالى { ....... فَلْيُؤَدّ الّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتّقِ اللّهَ رَبّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنّهُ آثِمٌ َلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} , وأشير إلى أنه لا بد للإنسان الرسالي بأن يعرف الحق ليعرف أهله وإلا فإن لم يعرف الحق لن يستطيع أن يتعرف على أهله وبذلك فمهما راوغ وتمايل وتسايس هذا العنصر البشري المدعي بالإيمان لا بد له من ان يقع إما ضحية من ضحايا الشيطان وعليه أن يتوب إلى الله تعالى ويعيد الحق إلى صاحبه فيما لو أراد الصلاح وإما أن يزداد إنغماسا في الشيطنة ويحقق أهدافه الخاصة بالشعارات العامة ولكنه يبقى في ناية المطاف مسكين وجاهل حقيقة وجوده وبذلك فإن فاقد الشيء لا يعطيه وسيطالب وسيحاسب أشد الحساب يوم اللقاء الأكبر حيث لا ينفع مال ولا بنون .

قال تعالى في سورة ‏البقرة الآية ( 119) { إِنّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} أي مبشرا بالحق ومنذرا من الباطل , بشيرا بالثواب والجنة ونذيرا العقاب والنار ولا تسأل عن أصحاب الجحيم أي لا تسأل عن حالهم لأنهم أصروا على المعصية بعد أن جاءتهم رسلهم وأما مفهوم الرسل فلا ينطبق فقط على الأنبياء والمرسلين لأن الله سبحانه وتعالى جعل الإنسان الرسالي المحمدي حجة على العالمين كما وجعله رسولا له لأنه داع إلى الله تعالى من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونشر الدين وما إلى ذلك من تثبيت أصول وفروع الدين المبارك ويشير مولانا صادق أهل البيت عليهم السلام إلى أن على الإنسان المحمدي الأصيل أن يكون داعيا لله مؤكدا أن على هذا الداعية أن يكون قولا وعملا معا فيقول عليه السلام كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم ليروا أعمالكم وهنا نؤكد أن العمل في الدعوى هو الأصح وليس اللسان كما هو شائع في معظم مجتمعات الأمة المسكينة التي جهلت حقيقة دينها المبارك وترمي بنفسها تارة في إمرة أميركا وتارة في إمرة روسيا وأخيرا في إمرة الصهاينة المدعين بأنهم خير أهل الأرض , ولو عرضنا حال الأمة على حقيقة هذا الدين المحمدي الأصيل لوجدناها حقيقة بخلاف ما أمر تبارك وتعالى .

الليل والنهار مخلوقان لا ينصهران مع بعضهما البعض , وكذلك الحق والباطل فلا يمكن ان يلتقيان أو ينصهران أيضا , فالحق المطلق هو الله تعالى وما يمثله جل وعلا وأستودعه أمانة عند الناس وهو الدين المحمدي الأصيل , قال تعالى في سورة ‏المائدة الآية ( 3) { ...... الْيَوْمَ يَئِسَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً } , والشر المطلق هو الشيطان الذى عصى ربه وما يمثله من شيطنة وقد حذرنا المولى تبارك وتعالى من الشيطان وأعوانه والراضين بأفعاله , وأشار إلى ذلك في العديد من الآيات المباركة وأرى أهمية بالغة لمسار الإنسان الرسالي في قوله تعالى في سورة آل عمران الآية ( 73) { وَلاَ تُؤْمِنُوَاْ إِلاّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنّ الْهُدَىَ هُدَى اللّهِ أَن يُؤْتَىَ أَحَدٌ مّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجّوكُمْ عِندَ رَبّكُمْ قُلْ إِنّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } , ومن هنا أرى أنه من الواجب الشرعي المقدس أن يلتفت كل إنسان رسالي إلى مضمون هذه الآية المباركة , وليعلم بأن الدين هو المعتقد المقرون بالعمل وليس الدين هو المعتقد المقرون باللسان وهو ما أشار إليه تبارك وتعالى في سورة ‏الصف الآية ( 3) { كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} ‏ , وعلى هذا الأساس لا بد له من أن يكون هكذا وأن لا يعطي الأمان إلا إلى امثاله هؤلاء النخبة المباركة الذين أشار إليهم المولى ووصفهم بثلة من الأولين وقليل من الآخرين فأعقل أيها الإنسان الرسالي وأبحث عن هذه الثلة وأجعل نفسك جزءا منها وإلا فستبقى غافلا عن حقيقة وجودك وغاية وجودك التي جعلك المولى سبحانه وتعالى من اجلها في هذه الحياة الدنيا , وأعلم بأنه ما أوتي أحد من عز وفخر مثلما أوتيت هذه الثلة وكل ما أوتيت أنت وهم ومن في الأرض جميعا من فضل الله تعالى لأنك حقا الإنسان الرسالي المحمدي الأصيل , وزادك فخرا أن جعلك من هذه الثلة لتؤكد بأن كل ما لديك هو من المولى تبارك وتعالى يخص به من يشاء برحمته وعليك أن تحافظ على ما أنت فيه ولا تتراجع فتزل قدمك لا سمح الله وتعود ثانية إلى حيث الشيطنة والشياطين .


الحق والباطل لا يمكن أن يلتقيان لأن الأهداف مختلفة , فالحق المطلق عند كافة الأديان هو الله تعالى باختلافاتهم وتفسيراتهم وفهمهم لله سبحانه وتعالى , والأنبياء والمرسلين عليهم السلام هم حجة الله على البشر وبعدهم حيث أوصى رسول الله – ص - والتابعين , والأرض لا تخلوا من حجة لأنه تبارك وتعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم ويريد سعادته في الدنيا والآخرة لا شقائه , وفي المقابل فالشر المطلق تمثل في الشيطان إبليس عليه اللعنة وقد أقسم بزته تعالى أن يغويهم إلا عباده المخلصون وبذلك فإنه يريد شقاء الإنسان لا سعادته في الدنيا والآخرة , فالحق تعالى يريد أن يكون الإنسان حرا في هذه الدنيا ملتزما بالحدود التي رسمها له المولى سبحانه { تلك حدود الله فلا تقربوها } ومكن هذا الإنسان الرسالي ان يجعل الدنيا جنة بكل معنى الكلمة ليكون سعيدا عابدا حامدا شاكرا لأنعم الله تبارك وتعالى , لكن الشيطان اللعين يريد من أتباعه ان يسلكوا كل الطرق لا يفرقون بين الحلال والحرام والسبب هو أن جعله يعتقد بأن نفسه أغلى من كل الأنفس وأهمها وأن مصلحته أهم من كل المصالح وما إلى هنالك من معتقدات لا يؤثر الإنسان الآخرين فيها على نفسه فجعل له الغاية الشخصية الدنيوية التي يحملها في نفسه وأفكاره ومعتقده أهم شيىء في حياته , لذلك لا يمكن له أن يتراجع عنها لأنه حقيقة إن الإنسان كل أصنافه ومستوياته لا يظهر في أعماله إلا حقيقة إعتقاده , فعندما يعتقد بأن هذا العمل أو ذاك يرضى عنه الحق تعالى فلا يمكن أن يتراجع عنه لأن معتقده يطلب منه ذلك بل ويؤكد عليه الإصرار في المضي على هذا النهج مهمات بلغت الصعاب واذا رأى بأن هذا الأمر أو ذاك يسيران به خلافا لأوامر الله تعالى فإن عليه أن يتراجع لأنه لا يمكن أن يلتقي مع ذلك كون يمثل شيىء من الحق وما لقاهه يمثل شيىء من الباطل وعلى هذا الأساس فإذا ما عاد وتراجع فإنه قد بدأ العد العكسي عنده وبدأ يحقق أهداف الشيطان ويتخلى عن أهداف الرحمن ورويدا رويدا حتى يخرجه من ربقة الإيمان بالله تعالى على حقيقته قولا وفعلا وعندها فسيصبح حكما مع خط الشيطان المطلق في مواجهة خط الرحمن المطلق سيما بعد أن زين له الشيطان أعماله .

إن الباطل لا يرضى بأن يكون الإنسان سعيدا , بل يريده أن يكون خبيثا شقيا متلونا ما درت مصلحته الشخصية مستعبدا تارة لفلان وتارة لفلان , لا يمكن أن يستقر ويهتدي إلى الصراط المستقيم وهيهات هيهات أن يكون بينهما حل وسطي لأن المولى تبارك وتعالى أنزل عليه أحسن الحديث والسبل والطرق من خلال الأنبياء والمرسلين حيث على المؤمنين أن يلتزموا بها بعد الأوصياء وبذلك فإن اللشارع المقدس يعتبر هؤلاء هم رسل وأوصياء لأنهم يبلغون رسالات الله سبحانه وعليه وبعد ان تم الدين فإن المؤمنين هم الذين يخشون ربهم وتطمئن قلوبهم إلى ذكر الله ووعده الحق ومن كان خلاف ذلك فإنه لا يمكت له ان يهتدي مهما ادعى وأنصهر في صفوف المؤمنين لأن عمله هذا نابع عن وسوسة الشيطان فلن ينال حظه من الهداية وهو قوله تعالى في سورة الزمر الآية ( 23) { اللّهُ نَزّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مّتَشَابِهاً مّثَانِيَ تَقْشَعِرّ مِنْهُ جُلُودُ الّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهُمْ ثُمّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىَ ذِكْرِ اللّهِ ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ وَمَن يُضْلِِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} , إذا لا بد من استمرار الصراع بين أصحاب أتباع الحق وأتباع الباطل ما دام كل واحد منهما موجوداً بصورة وأهداف تختلف وتناقض الطرف الآخر ولا بد من أن يستمر هذا الصراع ليحق الحق ويزهق الباطل إن الباطل ان زهوقا وهو الوعد الإلهي الذي ينتظره بفارغ الصبر المحمدي الأصيل ليشفي به صدور قوم مؤمنين .

إن حياة الإنسان العاقل قائمة على أصول ثابتة وواقعية نابعة من إيمانه ومعتقده المقرونة بلسانه وعمله , , بينما حياة الإنسان الخبيث والشقي والمستعبد قائمة على أساس الفوضى والمصالح الذاتية النابعة من الشيطنة والتي مردها إلى الشيطان عليه اللعنة , إن الأفكار التي تراع الأصول وتضع الحلول على أساسها تعتبر حقا مقدسا للإنسان الرسالي العاقل لأنها مرتبطة ونابعة وخاضعة لأصول مقدسة , بينما الأفكار التي لا تبحث إلا عن الذات حيث يتم تحقيق المآرب الشخصية من خلالها إنما نابعة من الشيطنة وتعتبر هدفا ساميا عن من يحملها يبذل من اجلها كل شيىء هذا الشقي , وكونها لا تراعي الأحكام الإلهية ولا تلتزم فيها فإنها تعتبر باطلا مطلقا , فلو تأملنا وتعقلنا رويدا لوجدنا أن في الأولى الخير كل الخير حيث سعادة الإنسان وكماله والمجتمع العامل والمضحي في سبيل الله مهما بلغت الصعاب
يتبع %

amili
01-20-2004, 06:44 PM
[SIZE=4]الفقرة الثانية

هو حال ثلة قليلة مؤمنة مجاهدة من أبناء الأمة المحمدية , وفي الثانية الأنانية والمصالح الذاتية والعذاب والشقاء والفحشاء والمنكر كونها نابعة من الشيطنة التي هي أساس الباطل وبذلك فإنها الشر كل الشر ومع كل أسف هذا هو حال الكثيرين من أبناء وحكام الأمة المحمدية الذين ينتحلون صفة الإسلام والإلتزام لكن في حقيقة التشريع فقد عبر عنهم المولى في سورة ‏البقرة الآية ( 9) وقال : { يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ } .

للوصول إلى الحق المطلق لا بد من تحقيق واتباع بعض الوسائل أهمها :

الفطرة السليمة : وهذا ما أشار إليه المولى في سورة ‏الروم الآية ( 30) { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللّهِ الّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّهِ ذَلِكَ الدّينُ الْقَيّمُ وَلَـَكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} , أي فسدد وجهك واستمر على الدين الذي شرعه الله لك من الحنيفية ملة إبراهيم الذي هداك الله لها وكملها لك غاية الكمال وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة التي فطر الله الخلق عليها فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده وأنه لا إله غيره وهو قوله تعالى في عدة مواضع في القرآن الكريم منا سورة الإخلاص كاملة والآيتين ( 25) و ( 92) من سورة الأنبياء { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رّسُولٍ إِلاّ نُوحِيَ إِلَيْهِ أَنّهُ لآ إِلَـَهَ إِلاّ أَنَاْ فَاعْبُدُونِ} - {إِنّ هَـَذِهِ أُمّتُكُمْ أُمّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبّكُمْ فَاعْبُدُونِ} 3والآية ( 56) من سورة العنكبوت { يَعِبَادِيَ الّذِينَ آمَنُوَاْ إِنّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيّايَ فَاعْبُدُونِ} ‏‏وهذا ما اعترف فيه الإنسان قبل أن يأتي إلى هذا العالم المجهول وهو قوله تعالى في سورة الأعراف الآية ( 172) { وَإِذْ أَخَذَ رَبّكَ مِن بَنِيَ آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىَ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بَلَىَ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنّا كُنّا عَنْ هَـَذَا غَافِلِينَ} ‏ , وجاء في الحديث الشريف أن الله سبحانه وتعالى خلق عباده حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم .

التمسك بالوحي الإلهي : وهذا الأمر لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال التمسك بما أنزله تعالى على أنبيائه ورسله سيما خاتمهم محمد - ص – وما أوصى به قبل ان ينتقل من هذه الدنيا الفانية حيث أكد – ص - ذلك على الأمة وذكرته عدة مصادر اسلامية منها ما رواه مسلم في صحيحه ج 4ص 873 ، برقم 2408 ، طبعة عبد الباقي ، وطبعة دار احياء التراث العربي ، ودار القلم ، بيروت / لبنان , عن أبي سعيد الخُدْري ، عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، قال : " إنّي أُوشكُ أن أُدعى فأُجيب ، وإني تاركٌ فيكم الثَّقَلَين ، كتابَ اللهِ عز وجل ، وعِتْرَتي ، كتاب الله حَبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أَهْلُ بيتي ، وإن اللطيف الخبير أَخبرني أَنهما لَن يفترقا حتى يَرِدا عليّ الحوض ، فَانْظُرُوني بِمَ تَخلُفُونِي فيهما , ومما لا بد منه أن أشير إلى أن الإلتزام في هذه الوصية يجب أن يكون كلياً وليس جزئيا أي التمسك بأوامر الله تعالى من خلال القرآن الناطق الذين فسر بإجماع العقلاء أنهم الأوصياء بعد رسول الله – ص - من آل بيت النبوة عليهم السلام الذي أوصى بهم – ص - دون سواهم لأنهم وحدهم أهل البيت الراسخون في العلم الذين زقوا العلم زقا وجاء ذلك على لسان العدو والصديق والموال والحبيب , وأشار إليه تعالى في سورة ‏آل عمران الآية ( 7) { هُوَ الّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مّحْكَمَاتٌ هُنّ أُمّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمّا الّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللّهُ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ كُلّ مّنْ عِندِ رَبّنَا وَمَا يَذّكّرُ إِلاّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} , ومن الناحية المنطقية يجب أن يكون هذا التمسك في الإثنين معا لا أن نأخذ بجانب وندع آخر , وقد ورد تأكيد هذا الحديث ليس عند الشيعة فحسب بل فيما لا يقل عن سبعة عشر مصدرا من كتب المخالفين للشيعة وقد سبق وأن أشرت إليها في بحوث عقائدية .

التجربة الصحيحة : وهذا المادة غنية في التاريخ وهناك استدلالات وأمثلة لا تعد ولا تحصى ولو تذاكرنا بعض ما ذكره القرآن الكريم لكان كافيا للعقلاء الذين يبتغون وجه الله تعالى ومنه قوله تعالى في سورة ‏يوسف الآية ( 111) { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لاُوْلِي الألْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىَ وَلَـَكِن تَصْدِيقَ الّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ‏ , وفي سورة فاطر الآية ( 3) { يَأَيّهَا النّاسُ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللّهِ يَرْزُقُكُمْ مّنَ السّمَآءِ وَالأرْضِ لاَ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ فَأَنّىَ تُؤْفَكُونَ}

أما وسائل الباطل فمنها أهواء النفس والشيطان والتبعية للمنحرفين .

قال تعالى في سورة ‏المائدة الآية ( 70) { لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيَ إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلّمَا جَآءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىَ أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ } , مع النظر الى هذه ا لآية نرى انه من أخطر أهواء النفس أن يؤمن الإنسان بما يشاء ساعة يشاء , ويكفر بما يشاء ساعة يشاء , خلافا لأمر الله تعالى , ولو بحثنا عن السبب لثبت إن سبب ذلك هم عدم صحة اليقين في إيمانهم , وانهم بذلك هم بين الكفر والإيمان وهناك في عدة مواضع منالقرآن الكريم يعترفون بجرمهم وقد أشار إليهم المولى في سورة ‏الأنعام الآيتين ( 24) و ( 130) قال : { انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَىَ أَنفُسِهِمْ وَضَلّ عَنْهُمْ مّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} , لكنه تعالى برأفته ورحمته يذكرهم فيقول لهم في الآية ( 130) من نفس السورة { يَا مَعْشَرَ الْجِنّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مّنْكُمْ يَقُصّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـَذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَىَ أَنْفُسِنَا وَغَرّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَىَ أَنْفُِسهِمْ أَنّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ} ورغم كل هذا فإن هذا المخلوق المعاند ينكر حق اعترف فبه مسبقا لأنه ليس جاهلا فحسب بل معانداً لله تعالى معاهدا للشيطان عليه اللعنة بأن يكون على خطه ونهجه ومختصر ذلك ما أشار إليه تعالى في سورة الأعراف الآية ( 172) { وَإِذْ أَخَذَ رَبّكَ مِن بَنِيَ آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىَ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بَلَىَ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنّا كُنّا عَنْ هَـَذَا غَافِلِينَ} وهذا يدل على أن أهواء النفس هي السبب الرئيسي في إنحراف الإنسان وجعله مخلوقا خبيثاً فاسقاً فاجراً لا يلتزم بحدود الله تعالى , وكل ذلك مصدره الرئيسي الشيطنة التي أساسها ترك الأوامر الإلهية واللجوء إلى الوسوسات الشيطانية وقد حذر المولى تبارك وتعالى الإنسان وجعل له الشيطان عدوا مبينا بل وأمره بأن يتخذه عدوا لذلك فإننا نرى أن الإنسان هو السبب الرئيسي في إنحراف نفسه لأنه لم يلتزم بالأمر الإلهي في الإبتعاد عن الشيطان بعد أن أمره المولى ودليل ذلك قوله تعالى في سورة ‏فاطر الآية ( 6) { إِنّ الشّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوّ فَاتّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ السّعِيرِ}‏ .

يتبع %

amili
01-20-2004, 06:49 PM
أما السبب الثالث فهو التبعية المنحرفة التي تتمثل في الشيطان وأتباعه ويمكن أن يكونوا هؤلاء الأتباع من الآباء والأمهات أو الأخوة والأخوات أو الأصدقاء والمجتمعات بشكل عام وخاص جزئي وكلي , وقد حذر المولى تعالى من ذلك في قوله تعالى في سورة ‏ ‏البقرة الآية ( 170) { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتّبِعُوا مَآ أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} , أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فقد أخبر عنهم المولى تعالى في سورة آل عمران الآية ( 174) وقال عنهم جل من قال { فَانْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوَءٌ وَاتّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ }‏ .

وعودة على بدء فإن نتيجة الإختلاف بين هذين العنصرين هي طبيعية كون كل واحد منهما يهدف إلى أفكاره ومعتقداته ولا يمكن أن يلتقيان لأنهما في اختلاف دائم والهدف هو نفسه الإنسان الذي جعله الله في أحسن تقويم وأبى الشيطان أن يسجد لهذا المخلوق العظيم , وسبب ذلك لأنه يريد أن يكون أفضل منه خلافا لأمر الخالق سبحانه وتعالى وسيبقى الصراع قائم بينهما إلى أن يشاء الله حتى يخرج رجل من أهل بيتي النبوة يملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملأت ظلما وجورا .

إن السعادة لا يمكن أن تتحقق باتخاذ شيىء من الحق وشيىء من الباطل , وعلى الإنسان الذي يريد أن يحقق السعادة الأبدية الحقيقية أن يعمل ويتمسك في الحق المطلق لأن بعض الحق لا يحقق السعادة بل ستكون هنا السعادة جزئية ومزيفة ولا قيمة لها في المستقبل حيث السعادة الأبدية , ويشير تعالى إلى هذا الصنف من الناس ويؤكد لهم أنهم الخاسرون وذلك في سورة ‏البقرة الآية ( 9) في قوله تعالى { يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ}‏ , ومن الطبيعي أن من يخدع نفسه لا يمكن أن ينجح في عمله ولو تحقق شيىء من النجاح فسيكون جزئيا ومؤقتا لن يدوم طويلا أما النجاح الكلي فهو الذي يحققه الإنسان لحياته الآخروية لا الدنيوية وهذا ما أرداه منا المولى تبارك وتعالى والأنبياء والمرسلين والأوصياء والصالحين عليهم السلام , على الإنسان العاقل أن يعبد الطريق التي تؤدي به إلى رضوان الله تعالى لتكون صدقة جارية بعد مماته حيث يسلكها العقلاء , لا أن يعبد الطريق أو يمد الكهرباء أو يبني الجدران في الحي ذا أو ذاك على حساب المساكين والفقراء والمستضعفين ولقمة عيشهم , ويقطع الطريق بينهم وبين الله تبارك وتعالى من خلال سطوته وسلطته , على الإنسان الرسالي العاقل أن يقدم للناس العلم النافع ليشربوه مع حب الله سبحانه وتعالى والنبي وأهل بيته عليهم السلام , على الإنسان العاقل أن يشرب الناس ماء زلالاً هنيئا مريئا يروى العطاشى منهم ويشبع الجائع , بذلك يتم تحقيق رضا الله تعالى حيث وصية رسول الله – ص - لا أن يقدم لهؤلاء المستضعفين الماء المسموم بالضرائب , ولا أن تقام الجدار بينهم وبين الله تعالى ولا أن تعبد الطرق الدنيوية وتخرب الطرق الآخروية , على الإنسان العاقل أن يواجه كل هذه المهاترات والتهديدات الغير شرعية مهما بلغ الثمن لأنها روح الإنسان والإنسانية التي بذل من أجلها أهل بيت النبوة والصالحين عليهم السلام أرواحهم الطاهرة الزكية .

إن الباطل هو الشقاء المؤكد الدائم حتى ولو مزج بشيء من الحق , وكثير من أهل الباطل المدعون بالحق يعتقدون أنهم على حق لأن الشيطان زين لهم أعمالهم وهؤلاء المساكين جهلوا بأن الشيطان سيتبرأ منهم بعد حين وفي وقت الشدة والمطالبة وسيتبرأ منهم , وهذا ما أشار إليه تعالى في سورة الأنفال الآية ( 48) { وَإِذْ زَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنّي جَارٌ لّكُمْ فَلَمّا تَرَآءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىَ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنّي بَرِيَءٌ مّنْكُمْ إِنّيَ أَرَىَ مَا لاَ تَرَوْنَ إِنّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} .

إن إصرار هؤلاء المنافقين على أفعالهم وأقوالهم لن يوقف الصراع بينهم وبين أتباع الحق لأن سيادة الحق ضرورة واقعية فلا يلغى السعي إليها حسن نية أهل الباطل من خلال إظهارهم لشيىء من ذلك كي يهادنوا , ولن يسكت عنهم من قبل أصحاب الحق بل سيبقى الصراع قائما