نبراس،،،
01-17-2009, 11:00 AM
الـخـــيــال
"حياة الإنسان ضمن الواقع الحسي لعالمه الخارجي وعالمه الداخلي"
لكل إنسان عالمين اثنين: أحدهما داخلي غير ملموس يعيشه ضمن مخيلته وأفكاره وأحاسيسه، والآخر خارجي
ويشمل كل ما هو موجود حوله من مادة وطاقة وأحياء وما يبديه من أحاسيس ظاهرة وتفاعل مع غيره.
يتم تكوين عالمه الداخلي من مكونين: أحدهما معروف وواضح وهو كل ما يتراكم داخل عقله ونفسه من
أفكار وتصورات دخلت من العالم الخارجي على مر السنين منذ ولادته، بينما المكون الآخر فهو غامض غير معروف
المصدر (ربما يأتي بالوراثة من تراكم المعرفة عبر جينات الآباء والأجداد إلى آدم عليه السلام!).
وتتشكل مكونات العالم الداخلي من المؤثرات والانطباعات المحسوسة أو غير المحسوسة عن نظائرها الموجودة
في العالم الخارجي، وتختلف بنية وتفاصيل مكونات العالم الداخلي من شخص إلى آخر بحسب مدى فهمه لها
وتأثير عناصرها المختلفة عليه من واقع التجربة العملية، ونقصد بالعناصر هنا ما يدخل العالم الداخلي من
إشارات عن طريق الحواس الخمس (قد تكون عناصر المكون: الشكل، الألوان، الصوت، الملمس، الرائحة، أو الطعم)
يضاف إلى ذلك روابط داخلية أخرى بمكونات متعلقة أو مشابهة لذلك المكون وروابط لغوية كتابية أو لفظية.
بالرغم من أن العالم الداخلي يشكل في أغلبه صورة مناظرة للعالم الخارجي من حيث المكونات الرئيسية
على الأقل، إلا أن هنالك اختلافا بين العالمين من حيث التركيب الكلي لتلك المكونات وكذلك من حيث تفاصيلها
ودرجة تأثير عناصرها المختلفة وارتباطاتها مع المكونات الأخرى؛ ويعود ذلك الاختلاف إلى كيفية دخول مؤثرات
المكون إلى العالم الداخلي أولا وإلى الكيفية أو الطريقة التي يقوم العالم الداخلي بمعالجة وبناء نسخته
الخاصة المناظرة لتلك المكونات.
كذلك تحدد القدرة العقلية للإنسان وكيفية بناءه لعالمه الداخلي مدى رغبته في أن يتواجد ضمن هذا
العالم الداخلي أم العالم الخارجي؛ بعض الناس يعيش أغلب وقته داخل عالمه الداخلي؛ فهو يمشي بين الناس
ويتكلم ويتفاعل معهم ولكنه يكون قابعا في الداخل ويتفاعل مع العالم الخارجي من خلال نافذة ضيقة يطل
منها، ويغلب على هذا النوع قلة الكلام وكثرة التأمل وعمق التفكير مع بطء التفاعل والاستجابة
للمؤثرات الخارجية، وقد تظهر على هذا النوع بعض التصرفات أو الحركات الغريبة واللاإرادية.
والبعض يعيش أغلب وقته ضمن عالمه الخارجي؛ فيكون كثير الكلام سريع الاستجابة والتفاعل مع العالم الخارجي
وفي الغالب ما يكون كلامه وتفاعله اعتياديا لا ينم عن عمق في التفكير أو التدقيق في ما يقول أو يفعل؛ ولكن ربما
يكون أكثر حيوية ونجاحا في حياته وتفاعله مع الآخرين، ثم هنالك من يعيش بين العالمين كما هي حال معظم الناس.
تقع حياة الإنسان ضمن واقع حسي في عالميه الداخلي والخارجي الذين يتكونان من شبكة متعددة الأبعاد
ومتشابكة؛ تشبه شبكة الخلايا العصبية. تحتوي هذه الشبكة على كل ما يحيط بالإنسان في هذا الكون من
مادة محسوسة وغير محسوسة ومجالات الطاقة والأفكار والمعتقدات وتأثير الأفراد القريبين والبعيدين...الخ،
بعض هذه المكونات يكون ذو تأثير مباشر عليه والبعض غير مباشر التأثير، وكلما ابتعدت مكونات
العالم الخارجي عن مركز الواقع الحسي للإنسان يقل تأثيرها عليه، ولا يحدد مدى بعد تلك المكونات أو قربها
المسافة المحسوسة بين واقعه الحسي وذلك المكون وإنما مدى انتباه وتركيز عالمه الداخلي على ذلك المكون؛
فقد يكون تأثير نجمة يراها بعيدا في السماء الدنيا أكثر من تأثير جبل يرسو بجانبه! ولكن في الغالب
ما يكون للمكونات القريبة ماديا تأثيرا أكبر عليه وذلك لقوة الانتباه والتركيز الاعتيادي للإنسان
على ما يوجد حوله وقريبا منه.
وهنا يأتي الفرق الرئيسي بين شبكة مكونات العالمين الداخلي والخارجي؛ فمكونات العالم الخارجي محدودة بما يتواجد
في محيط بيئة الإنسان المباشرة وتحكمها الحواجز والمسافات الحقيقية، بينما لا وجود لهذه الحدودبالنسبة
لشبكة مكونات العالم الداخلي؛ فيمكنه الذهاب إلى أبعد النجوم أو الغوص في قاع المحيط عبر مكونات عالمه الداخلي.
من أهم المكونات الرئيسية للعالم الخارجي ذات التأثير المباشر على واقع الإنسان الحسي، حيث يكون تركيز
عالمه الداخلي عليها قويا ودائما:
1- المكان الذي يكون فيه؛ ويشمل هذا المكون على الجاذبية الأرضية
(إلا إذا كان يعرج في الفضاء الخارجي فيختلف التأثير طبعا!) وما يحيط بذلك المكان من أشياء مادية
(جدران أو عمارات أو سهول وجبال أو طبيعةخضراء...الخ) ولكل من هذه البيئات تأثيرها المختلف
علي الواقع الحسي للإنسان،
2- الماء؛ بجميع درجات الوجود الممكنة للماء – من الانغمار التام بالماء (الغوص في البحر) إلى درجات
الرطوبة المختلفة وحتى الجفاف التام،
3- الهواء بدرجات نقاءه أو تلوثه المختلفة،
4- الطاقة بكافة أشكالها؛ الميكانيكية الحركية والموجية (الصوت)والحرارية (النار) بجميع درجاتها من اللهب
المحسوس وأشعة الشمسوالبرودة إلى حقول الأمواج الكهرومغناطيسية المختلفة (تلفزيون، راديو،خلوي...)،
5- الأفراد بمختلف درجات القرب أو البعد ونوع العلاقة التي تربطه بهم.
الغريب في الأمر أن تأثير مكونات العالم الخارجي على واقع الإنسان الحسي تتأتى من خلال درجة انتباه
وتفاعل عالمه الداخلي معها، بما يشابه عملية الحث (التفاعل) المتبادل بين العالمين؛ بمعنى أن تأثير هذه المكونات
على الإنسان تتناسب مع شدة انتباه وتركيز وتفاعل عالمه الداخلي معها؛ فيمكن أن تكون شدة الحرارة مثلا
أقل تأثيرا على إنسان ما من تأثيرها على آخر إذا ما كان تركيز عالمه الداخلي عليها أقل، ويمكن أن يظهر هذا
التأثير الحثي بفعل العالم الداخلي على فسيولوجية جسم الإنسان؛ كأن يشعر الإنسان بالدفء ويتعرق في جو بارد
مثلا، أو أن يشعر براحة واسترخاء تام بمجرد تخيل نفسه موجودا في مكان تلفه الطبيعة الخضراء
والماء رغم وجوده الحقيقي في مكان مناقض لذلك وهكذا.
مما سبق نقول أن الواقع الحسي الحقيقي للإنسان ينتج عن التفاعل المتبادل بين عالميه الداخلي والخارجي وبشكل
خاص درجة استحضار عالمه الداخلي لمكونات العالم الخارجي. بطبيعة الحال يغلب تعامل الإنسان في حياته اليومية
مع المكونات الرئيسية المباشرة؛ المكان والأدوات والناس...الخ، ولا ينتج بالعادة عن هذا التفاعل المباشر مع المكونات
الاعتيادية أي تأثيرات جديدة وإنما تفاعلات نمطية رتيبة اعتاد عليها.
السؤال الآن كيف يحدث التغيير من الحالة النمطية الرتيبة إلى الحالة المثيرة للتفكير وربما للإبداع والتغيير إلى
واقع حسي أكثر إثارة ومتعة؟
الحالة الأولى والمباشرة لحصول ذلك هي في حصول تغيير في مكونات البيئة المحيطة لعالمه الخارجي؛ كأن يذهب في رحلة
إلى مكان جديد مثلا أو أن يمر بتجربة حياتية غريبة أو حادثة أو أن يسمع حديثا جديدا من إنسان آخر
أو مشاهدة فيلم عن مغامرة مثيرة...الخ. أما الحالة الثانية فتكون بقيام العالم الداخلي باستحضار مكونات جديدة
غير تلك الموجودة في محيط عالمه الخارجي؛ مع حصول التركيز والتفاعل العقلي المباشر معها ومع جميع المكونات
المرتبطة بها في العالم الداخلي؛ وهذا كثير ا ما يحصل في الأحلام أثناء النوم بشكل غير إرادي كما يمكن حصوله كذلك
بالاستحضار العقلي كما قلنا أثناء اليقظة.
وقمة الإثارة العقلية والإبداع تكون عندما يتواصل العالمين الداخلي والخارجي معا، لأن التواجد في أحدهما دون الآخر
إما أن يجعل التفاعل داخليا تماما يشابه أحلام اليقظة مع إثارته للمتعة والرضى بالواقع الحسي المعاش في حالة
العالم الداخلي؛ فمثلا يمكن لشخص من هذا النوع أن يكتفي بمشاهدة فيلم عن مغامرة مثيرة ويتفاعل معه
ضمن عالمه الداخلي ليكتفي بذلك وكأنه عاش وقائع وأحداث الفيلم بواقعه الحسي كاملا، أما ذلك الذي يكون
واقعه الحسي مرتبطا بعالمه الخارجي أكثر فلا تكون متعته كبيرة بمعايشة وقائع الفيلم ولكنه قد يدفعه لأن يقوم
بمثل تلك المغامرة بشكل حقيقي لمعايشته واقعا ملموسا والوصول إلى التفاعل والمتعة الحقيقية، وقد تكون
هذه الحالة أكثر فاعلية وتحقيقا لنتائج جديدة. ولكن الحالة الأمثل لتحقيق التغيير والتفاعل الإبداعي المنتج هي
كما قلنا التواصل التام بين العالمين الداخلي والخارجي للواقع الحسي عند الإنسان.
م/ن
"حياة الإنسان ضمن الواقع الحسي لعالمه الخارجي وعالمه الداخلي"
لكل إنسان عالمين اثنين: أحدهما داخلي غير ملموس يعيشه ضمن مخيلته وأفكاره وأحاسيسه، والآخر خارجي
ويشمل كل ما هو موجود حوله من مادة وطاقة وأحياء وما يبديه من أحاسيس ظاهرة وتفاعل مع غيره.
يتم تكوين عالمه الداخلي من مكونين: أحدهما معروف وواضح وهو كل ما يتراكم داخل عقله ونفسه من
أفكار وتصورات دخلت من العالم الخارجي على مر السنين منذ ولادته، بينما المكون الآخر فهو غامض غير معروف
المصدر (ربما يأتي بالوراثة من تراكم المعرفة عبر جينات الآباء والأجداد إلى آدم عليه السلام!).
وتتشكل مكونات العالم الداخلي من المؤثرات والانطباعات المحسوسة أو غير المحسوسة عن نظائرها الموجودة
في العالم الخارجي، وتختلف بنية وتفاصيل مكونات العالم الداخلي من شخص إلى آخر بحسب مدى فهمه لها
وتأثير عناصرها المختلفة عليه من واقع التجربة العملية، ونقصد بالعناصر هنا ما يدخل العالم الداخلي من
إشارات عن طريق الحواس الخمس (قد تكون عناصر المكون: الشكل، الألوان، الصوت، الملمس، الرائحة، أو الطعم)
يضاف إلى ذلك روابط داخلية أخرى بمكونات متعلقة أو مشابهة لذلك المكون وروابط لغوية كتابية أو لفظية.
بالرغم من أن العالم الداخلي يشكل في أغلبه صورة مناظرة للعالم الخارجي من حيث المكونات الرئيسية
على الأقل، إلا أن هنالك اختلافا بين العالمين من حيث التركيب الكلي لتلك المكونات وكذلك من حيث تفاصيلها
ودرجة تأثير عناصرها المختلفة وارتباطاتها مع المكونات الأخرى؛ ويعود ذلك الاختلاف إلى كيفية دخول مؤثرات
المكون إلى العالم الداخلي أولا وإلى الكيفية أو الطريقة التي يقوم العالم الداخلي بمعالجة وبناء نسخته
الخاصة المناظرة لتلك المكونات.
كذلك تحدد القدرة العقلية للإنسان وكيفية بناءه لعالمه الداخلي مدى رغبته في أن يتواجد ضمن هذا
العالم الداخلي أم العالم الخارجي؛ بعض الناس يعيش أغلب وقته داخل عالمه الداخلي؛ فهو يمشي بين الناس
ويتكلم ويتفاعل معهم ولكنه يكون قابعا في الداخل ويتفاعل مع العالم الخارجي من خلال نافذة ضيقة يطل
منها، ويغلب على هذا النوع قلة الكلام وكثرة التأمل وعمق التفكير مع بطء التفاعل والاستجابة
للمؤثرات الخارجية، وقد تظهر على هذا النوع بعض التصرفات أو الحركات الغريبة واللاإرادية.
والبعض يعيش أغلب وقته ضمن عالمه الخارجي؛ فيكون كثير الكلام سريع الاستجابة والتفاعل مع العالم الخارجي
وفي الغالب ما يكون كلامه وتفاعله اعتياديا لا ينم عن عمق في التفكير أو التدقيق في ما يقول أو يفعل؛ ولكن ربما
يكون أكثر حيوية ونجاحا في حياته وتفاعله مع الآخرين، ثم هنالك من يعيش بين العالمين كما هي حال معظم الناس.
تقع حياة الإنسان ضمن واقع حسي في عالميه الداخلي والخارجي الذين يتكونان من شبكة متعددة الأبعاد
ومتشابكة؛ تشبه شبكة الخلايا العصبية. تحتوي هذه الشبكة على كل ما يحيط بالإنسان في هذا الكون من
مادة محسوسة وغير محسوسة ومجالات الطاقة والأفكار والمعتقدات وتأثير الأفراد القريبين والبعيدين...الخ،
بعض هذه المكونات يكون ذو تأثير مباشر عليه والبعض غير مباشر التأثير، وكلما ابتعدت مكونات
العالم الخارجي عن مركز الواقع الحسي للإنسان يقل تأثيرها عليه، ولا يحدد مدى بعد تلك المكونات أو قربها
المسافة المحسوسة بين واقعه الحسي وذلك المكون وإنما مدى انتباه وتركيز عالمه الداخلي على ذلك المكون؛
فقد يكون تأثير نجمة يراها بعيدا في السماء الدنيا أكثر من تأثير جبل يرسو بجانبه! ولكن في الغالب
ما يكون للمكونات القريبة ماديا تأثيرا أكبر عليه وذلك لقوة الانتباه والتركيز الاعتيادي للإنسان
على ما يوجد حوله وقريبا منه.
وهنا يأتي الفرق الرئيسي بين شبكة مكونات العالمين الداخلي والخارجي؛ فمكونات العالم الخارجي محدودة بما يتواجد
في محيط بيئة الإنسان المباشرة وتحكمها الحواجز والمسافات الحقيقية، بينما لا وجود لهذه الحدودبالنسبة
لشبكة مكونات العالم الداخلي؛ فيمكنه الذهاب إلى أبعد النجوم أو الغوص في قاع المحيط عبر مكونات عالمه الداخلي.
من أهم المكونات الرئيسية للعالم الخارجي ذات التأثير المباشر على واقع الإنسان الحسي، حيث يكون تركيز
عالمه الداخلي عليها قويا ودائما:
1- المكان الذي يكون فيه؛ ويشمل هذا المكون على الجاذبية الأرضية
(إلا إذا كان يعرج في الفضاء الخارجي فيختلف التأثير طبعا!) وما يحيط بذلك المكان من أشياء مادية
(جدران أو عمارات أو سهول وجبال أو طبيعةخضراء...الخ) ولكل من هذه البيئات تأثيرها المختلف
علي الواقع الحسي للإنسان،
2- الماء؛ بجميع درجات الوجود الممكنة للماء – من الانغمار التام بالماء (الغوص في البحر) إلى درجات
الرطوبة المختلفة وحتى الجفاف التام،
3- الهواء بدرجات نقاءه أو تلوثه المختلفة،
4- الطاقة بكافة أشكالها؛ الميكانيكية الحركية والموجية (الصوت)والحرارية (النار) بجميع درجاتها من اللهب
المحسوس وأشعة الشمسوالبرودة إلى حقول الأمواج الكهرومغناطيسية المختلفة (تلفزيون، راديو،خلوي...)،
5- الأفراد بمختلف درجات القرب أو البعد ونوع العلاقة التي تربطه بهم.
الغريب في الأمر أن تأثير مكونات العالم الخارجي على واقع الإنسان الحسي تتأتى من خلال درجة انتباه
وتفاعل عالمه الداخلي معها، بما يشابه عملية الحث (التفاعل) المتبادل بين العالمين؛ بمعنى أن تأثير هذه المكونات
على الإنسان تتناسب مع شدة انتباه وتركيز وتفاعل عالمه الداخلي معها؛ فيمكن أن تكون شدة الحرارة مثلا
أقل تأثيرا على إنسان ما من تأثيرها على آخر إذا ما كان تركيز عالمه الداخلي عليها أقل، ويمكن أن يظهر هذا
التأثير الحثي بفعل العالم الداخلي على فسيولوجية جسم الإنسان؛ كأن يشعر الإنسان بالدفء ويتعرق في جو بارد
مثلا، أو أن يشعر براحة واسترخاء تام بمجرد تخيل نفسه موجودا في مكان تلفه الطبيعة الخضراء
والماء رغم وجوده الحقيقي في مكان مناقض لذلك وهكذا.
مما سبق نقول أن الواقع الحسي الحقيقي للإنسان ينتج عن التفاعل المتبادل بين عالميه الداخلي والخارجي وبشكل
خاص درجة استحضار عالمه الداخلي لمكونات العالم الخارجي. بطبيعة الحال يغلب تعامل الإنسان في حياته اليومية
مع المكونات الرئيسية المباشرة؛ المكان والأدوات والناس...الخ، ولا ينتج بالعادة عن هذا التفاعل المباشر مع المكونات
الاعتيادية أي تأثيرات جديدة وإنما تفاعلات نمطية رتيبة اعتاد عليها.
السؤال الآن كيف يحدث التغيير من الحالة النمطية الرتيبة إلى الحالة المثيرة للتفكير وربما للإبداع والتغيير إلى
واقع حسي أكثر إثارة ومتعة؟
الحالة الأولى والمباشرة لحصول ذلك هي في حصول تغيير في مكونات البيئة المحيطة لعالمه الخارجي؛ كأن يذهب في رحلة
إلى مكان جديد مثلا أو أن يمر بتجربة حياتية غريبة أو حادثة أو أن يسمع حديثا جديدا من إنسان آخر
أو مشاهدة فيلم عن مغامرة مثيرة...الخ. أما الحالة الثانية فتكون بقيام العالم الداخلي باستحضار مكونات جديدة
غير تلك الموجودة في محيط عالمه الخارجي؛ مع حصول التركيز والتفاعل العقلي المباشر معها ومع جميع المكونات
المرتبطة بها في العالم الداخلي؛ وهذا كثير ا ما يحصل في الأحلام أثناء النوم بشكل غير إرادي كما يمكن حصوله كذلك
بالاستحضار العقلي كما قلنا أثناء اليقظة.
وقمة الإثارة العقلية والإبداع تكون عندما يتواصل العالمين الداخلي والخارجي معا، لأن التواجد في أحدهما دون الآخر
إما أن يجعل التفاعل داخليا تماما يشابه أحلام اليقظة مع إثارته للمتعة والرضى بالواقع الحسي المعاش في حالة
العالم الداخلي؛ فمثلا يمكن لشخص من هذا النوع أن يكتفي بمشاهدة فيلم عن مغامرة مثيرة ويتفاعل معه
ضمن عالمه الداخلي ليكتفي بذلك وكأنه عاش وقائع وأحداث الفيلم بواقعه الحسي كاملا، أما ذلك الذي يكون
واقعه الحسي مرتبطا بعالمه الخارجي أكثر فلا تكون متعته كبيرة بمعايشة وقائع الفيلم ولكنه قد يدفعه لأن يقوم
بمثل تلك المغامرة بشكل حقيقي لمعايشته واقعا ملموسا والوصول إلى التفاعل والمتعة الحقيقية، وقد تكون
هذه الحالة أكثر فاعلية وتحقيقا لنتائج جديدة. ولكن الحالة الأمثل لتحقيق التغيير والتفاعل الإبداعي المنتج هي
كما قلنا التواصل التام بين العالمين الداخلي والخارجي للواقع الحسي عند الإنسان.
م/ن