المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (( مفهوم التطور ))



المتأمل
11-25-2005, 08:08 PM
((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ))


قال أمير المؤمنين(ع)
(( واعلموا عباد الله إن المؤمن يستحل العام ما استحل عاماً أول ويحرّم العام ما حرّم عاماً أول وإن ما أحدث الناس لا يحل لكم شيئاً مما حرم عليكم ولكن الحلال ما أحل الله والحرام ما حرم الله فقد جربتم الأمور ودرستموها ووعُظتم بمن كان قبلكم وضُربت لكم الأمثال ودعيتم إلى الأمر الواضح))
من الأمور اللازمة التي تستتبع استمرار حركة الزمن حصول مجموعة من المتغيرات الخارجية على الأفراد والمجتمعات سواء في الطابع الحياتي أم في الطابع الفكري والثقافي فتضاف إلى كل مجتمع مجموعة من العادات وتدخل عليه أمور من التقاليد تعرف عند علماء الاجتماع بالعادات والتقاليد المستحدثة
وتمثل هذه المتغيرات أو العادات المستحدثة تطوراً في حياة الشعوب بعيداً عما لهذا التطور من إيجابية أو سلبية ومع وجود موجة من التطور الحياتي في الخارج تطرح عدة أسئلة بعد دورانها في الأذهان فيسأل عن النظرة الدينية لهذه التطورات وهل يمكن أن تكسب الشرعية أم لا؟؟؟
هل أن الدين في قوانينه وتشريعاته يواكب هذا التطور والتقدم الحضاري أم أنه لا زال بعيداً عنه؟؟؟
هل تخضع التشريعات السماوية للتغيـير والتبدل نتيجة الظروف الخارجية أم أنها ثابتة غير قابلة للتغيـير أبداً؟؟؟
هل يوجد للدين الإسلامي في هذه المتغيرات أراء ونظريات مع انقطاع حبل التشريع وحصولها حديثاً أم لا يوجد ذلك؟؟؟
هذه التساؤلات ولا أظن أنها تقف عند هذا المقدار بل لا زال منها الشيء الكثير تذكر متى وقع الحديث عن التطور والتقدم في الحياة الخارجية، أو التعبير بالحياة العصرية أو الحياة المتطورة خصوصاً وقد أصبحنا نعيش اليوم في عصر العولمة.
فلو رجعنا لما قال الإمام علي (ع) في خطبته لقد تضمنت كلمة أمير المؤمنين المتقدمة الإشارة إجمالاً لموضوعنا الذي نحن بصدد الحديث عنه فتعرض(ع) لما ينبغي أن يكون من المؤمنين المتمسكين بدينهم وتعاليم قادتهم الهداة ولكي يتضح هذا المعنى نحتاج بيان المقصود من الكلمات الصادرة عنه(ع)
فنقول: إن المستفاد من كلامه(ع) أنه بصدد التنبيه والإشارة إلى بطلان العمل بكل ما لم يثبت أنه حجة معتبرة من الشارع المقدس فكأنه(ع) بصدد بيان بطلان العمل بالرأي والقياس كما نهى عن متابعة البدع ولذا أشار إلى أن المؤمن لا يسوغ له تغيـير ما كان ثابتاً من الحكم الشرعي المقرر من قبل الشارع المقدس فإذا ثبت عنده حلية أمر من الأمور فليس له الحكم والقول بحرمته كما أنه لو ثبت عنده حرمة أمر من الأمور فإن ذلك يمنعه من القول بحليته لأن المدار في الحكم بالحلية والحرمة يدور مدار ما صدر من الشارع المقدس في عالم التشريع فلا مجال للإنسان المسلم في إعمال رأيه ونظره في تغيـير الأحكام وتبديلها ثم أشار(ع) إلى أن كل ما ابتدعه الناس من الأمور والأشياء لا توجب إثبات حلية لتلك الأمور إذ عرفت أن منشأ الحكم بالحلية والحرمة يدور مدار ما يصدر من الشارع المقدس فما صدر من الشارع الحكم بحليته حكم بكونه حلالاً وما صدر من الشارع الحكم بحرمته يـبقى أنه حرام وإن خالف الناس في كلا الأمرين فابتدعوا في كليهما أمراً آخر خلاف ما هو الصادر من الشارع.
مفهوم التطور:
وقد بينا فما سبق بيانه في كلام أمير المؤمنين(ع) أن التغيـير المتصور عما كان موجوداً في عصر النبي(ص) من الأحكام لا يستوجب إعطاء الصبغة الشرعية للشيء بحيث لا يخرج عن كونه مثلاً محرماً إلى كونه محللاً ضرورة أن حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وأن حرامه حرام إلى يوم القيامة.
نعم ما ينبغي الالتفات إليه أن هناك فرقاً في الجملة بين مفهوم التطور والاستحداث وبين البدعة ذلك أن البدعة تعني كل ما أدخل في الدين مما ليس من الدين مثلا كما فعل عثمان بن عفان من قيامه بتقديم خطبتي صلاة العيدين مع أن الصلاة في زمان رسول الله(ص) كانت مقدمة عليهما .
بينما يمكننا القول بأن التطور معنى أعم لأنه ربما شمل البدعة من خلال إدخال ما ليس من الدين في الدين وشمل غيرها، لأنه يشمل كل مستجد وحديث حتى لو كان هذا المستجد والحديث متوافقاً مع الشريعة الإسلامية بمعنى أنه تشمله الأدلة الصادرة من الشارع المقدس في إثبات الحلية والجواز فيدخل في التطور ما يستجد في المجتمعات الإسلامية من المستحدثات في عالم الموضة والأزياء وغالب الناس يعتقد حصر الموضة والتطور والعولمة فقط في عالم الأزياء إلا أن الحقيقة أوسع من ذلك حيث أنها تشمل الأفكار والآراء وربما حتى في المعتقدات .
شرعية هذه التطورات:
والسؤال الذي يطرح نفسه ما هو الموقف الشرعي من هذه التطورات وهل أنها سائغة يمكن للإنسان أن يقدم عليها؟؟؟
هل يمكن أن تـتغير الأحكام الشرعية وتـتبدل نتيجة التطور الحياتي أم أنها لا قابلية فيها لهذا المعنى؟؟؟
عندما نودّ الإجابة عن ذلك ينبغي ملاحظة نقطة هامة وهي أن الأحكام الشرعية عندنا منقسمة إلى قسمين:
الأول: الحكم الشرعي الثابت.
فالمقصود منه التشريعات السماوية التي صدرت من الشارع المقدس على وفق الفطرة البشرية المتكفلة لتنظيم روابط المجتمع الحياتية من ناحية اجتماعية واقتصادية.
فمثلا العلاقات العائلية سواء كانت بين الأب وأبنائه أم كانت ما بين الأخوة أنفسهم روابط طبيعية لا تتغير وإن تقادم الزمن وتطور ودخل عليه من الحداثة الشيء الكثير وكذا الأبعاد الأخلاقية والقيم كشرب الخمر وفعل الفواحش وما شابه من الأمور التي تـتنفر منها الطباع فإنها مرفوضة سواء بالأمس أم اليوم .
والذي نستطيع تحصيله مما ذكرناه أن مثل هذه التشريعات تكون من التشريعات الثابتة التي لا تقبل التغيـير ولا التطور وهي التي تكون مصداقاً لقوله(ص) ((حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة))
الثاني: الحكم الشرعي المتغير.
فهو الذي يكون صادراً من الشارع المقدس نتيجة وجود مصلحة تستدعي وجوده أو نتيجة وجود مفسدة تستدعي النهي عنه فهو بمثابة القانون المحدد لفترة زمنية محددة ونتيجة مجموعة من الظروف الخاصة فهو تبدل عما كان عليه سابقاً إلى أمر آخر كما أنه ربما يعود لما كان عليه بعد فترة زمنية وجيزة فمثلاً ربما كانت المصلحة تستدعي أن تقدم جميع الدول الإسلامية على مقاطعة كافة البضائع الأمريكية والإسرائيلية لما يمثله التعامل معها من تقوية لهؤلاء الذين يسيئون للإسلام وأهله.
الإسلام والتطور الزمني:
والحق أن القوانين الإسلامية بما تضمنـته من حفظ لحقوق الإنسان ومراعاة لكرامته تـتدخل في كافة الشؤون الحياتية له لأنها لم تقتصر على مراعاة البعد العبادي، أو البعد الاقتصادي في حياته كما عليه الكثير من التقنينات بل إنها تعدت ذلك لتدخل في كافة الأمور والأشياء المرتبطة بحياته والشؤون المتعلقة به فمن البعد العبادي إلى البعد الاقتصادي إلى البعد الاجتماعي والأسري إلى غير ذلك وفي كل هذه الشؤون الحياتية المتعلقة بالظروف الإنسانية نجد أن القوانين الإسلامية تماشت مع ظروف الإنسان وشؤونه الحياتية بحيث أنها لم تجمد على وفق الأسس التي كانت في عصر رسول الله(ص) بل كانت فيها مرونة متوافقة من الشريعة السمحاء وجاءت متوافقة مع التطورات الحياتية التي يعيشها المجتمع وما ذاك إلا بسبب مرونة التقنين الإلهي في أصل جعل الأحكام وتشريعها بحيث كانت تنطوي على قابلية للموافقة لكل عصر وزمان فمثلا الآية الكريمة ((وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا ))نجد تطور الزمن من ركوب الخيل إلى السيارات والقطارات والطائرات وهذا كله لم يخالفه الشارع المقدس بل وافق عليه وبناءاً على هذا يمكننا معالجة كافة التطورات الخارجية والإجابة على جميع الأسئلة التي قد تطرح أن الدين الإسلامي قابل للتطور والتغيـير لكن التغيـيرات التي تقع في الأحكام الشرعية ليست في الأحكام الثابتة المتوافقة مع الفطرة بل هناك أحكام خاصة قد عرفت قبولها للتغيـير وفق مجموعة من الظروف الخاصة حيث أتضح لنا أن الدين الإسلامي ليس ديناً جامداً لا يقبل التوافق الحضاري أو أنه دين موروث يسير على وفق ما كان في عصر التشريع في كل شيء بل إن الإسلام هو الحضارة بعينها وهو يعالج كافة الأمور المرتبطة بالحياة البشرية.
وعلى هذا يمكننا تقسيم التطورات الواقعة في الخارج إلى قسمين:
الأول: التطورات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية والسائرة على وفق القوانين المقننة من قبل الشارع المقدس.
الثاني: التطورات البعيدة كل البعد عن الساحة الإسلامية.

وفي الختام نسأل الله أن يوفقنا إلى كل خير وأن يبعدنا عن كل شر

شمعه تحترق
11-25-2005, 11:19 PM
هل يمكن أن تتغير الاحكام الشرعيه وتتبدل نتيجه
التطور الحياتي أم أنهالاقابلية فيها لهذا المعنى..؟؟
كم راودني هذا السؤال وشغل تفكيري
وتيقنت في نفسي أن الله بحكمته وعلمه ورحمته
لابد انه يسر الأمور لمحبي طاعته والساعين لرضاه.
مولانا كان موضوع أكثر من رائع من حيث اختيار
الماده والاسلوب وحتى في اختيار الامثله للدلاله
وجدتها سلسه وسهلت الاستيعاب أتوقع للجميع
موفقين لكل خير
ودمتم هنا نورا ً يُستضاء به
شمعه

ابو طارق
11-26-2005, 12:55 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مولانا بالفعل ان هذا الموضوع يشغل بال الكثير من الناس ومن لايعرف الاحكام الشرعية يتوقف عند كل جديد ويقول اين الاسلام من التطور والحداثة

وهذه المقالة التي تشرفت بها توضح كثير من الامور العالقة في اذهان البعض ان الدين الاسلامي هو احكام كانت على ايام الرسول( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولايوجد مجال لتغيير ما قد شرع منذ البداية

مولانا الف شكر لك على هذا الموضوع القيم وقد استفدنا منه الكثير

وبوجودك نسعد

شبكة الناصرة
11-26-2005, 07:52 PM
جُزيتم خيراً يامولانا ..

وبورك فيكم وفي قلمكم ..

نسأل الله ان يثبته في ميزان حسناتكم ..

وأن ينفعنا بعلمكم ..

زادكم الله علماً وتفقهاً وثباتاً ..

ويعطيك الله العــافية يارب ..

وبنتظــار جديدك مولانا ..

دمــت بــود

ahmed
11-28-2005, 12:22 PM
الاخ الفاضل العزيز سماحة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فى البدايه حمدا لله على سلامتك وعودتك لنا سالما وكل عام وانتم بخير
لقد تطور العلم فى التكنلوجيه واصبح العالم منخرط مع التكنلوجيه بغير مبالاه ان كان يتوافق مع الشريعه الاسلاميه او لا فلو نظرنا لبعض التكنلوجيه التى اتى بها الغرب لبلدنا لوجدناها سيف يقطع ارقاب المسلمين بدون لا نعرف ينزلق بنا نحوى اللهو والمحرمات لاكن ليس عند كل المسلمين انما تجده عند ضعوف النفوس اشكرك جزيل الشكر على هذا الموضوع اللتى يحمل افاده كبيره لمجتمعنى فى نهج التطور

المتأمل
03-08-2006, 10:21 AM
((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ))



الأخت الفاضلة " شمعة تحترق "


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


أختي الكريمة شكرا على قراءة الموضوع وعذرا على تأخري لفترة طويلة على الرد








سؤالكم هل يمكن أن تتغير الأحكام الشرعية وتتبدل نتيجة التطور الحياتي أم أنها لا قابلية لها ؟


الأحكام الشرعية الواردة في الشرعية المقدسة بين قسمين الأصول والفروع
أما بالنسبة للأصول فلا تتبدل والدليل عليها الرواية الواردة عن الرسول (ص) " حلال محمد حلال إلى يوم القيامة و حرامه حرام إلى يوم القيامة "

وأما الأحكام المتبدلة أو المتغيرة هي الأحكام الفرعية المعبر عنها بالأحكام الاجتهادية وهي التي لم يرد فيها نص بالحرمة أو بالوجوب من الكتاب أو من السنة وهي تكون على وفق القاعدة الفقهية تبدل الحكم بتبدل الزمان أو المكان فيكون فيها سعة أو ضيق






فالشريعة الإسلامية دين جاء به النبي (ص ( ليكون دين العالم كله ودين الأزمنة والأعصار كلها ورفع به جميع ما يحجز الإنسانعن الرقي والتقدم السليم فحرر الإنسان بذلك عن رقيته السيئة المخزية وأخرجه من ذلعبادة الطاغوت وحكومة المستكبرين وأدخله في عز حكومة الله تعالى خالق الكون وربالعالمين كما حرره من أسر الشهوات وذلها بقاء الأحكام الخمسة على مر الأزمنة والأعصار:









هذا ومقتضىخاتمية الدين الإسلامي للأديان السابقة وعالميته بقاء أحكامه الخمسة من الوجوبوالحرمة والاستحباب والكراهة والإباحة وأحكامه سواء كانت أحكام موضوعات بعناوينهاالأولية مثل حرمة أكل الميتة أو بعناوينها الثانوية مثل جواز أكل الميتة في حالالاضطرار وسواء كانت من الأحكام الظاهرية أم كانت من الأحكام الواقعية كما هومبين في كتب الأصول وكذلك لو كانت هذه الأحكام من الأحكام الوضعية فإنها متأصلةبالتشريع والجعل الإلهي أو منـتزعة من الحكم التكليفي على الخلاف الموجود بينالأصوليـين في علم الأصول في حقيقة الحكم الوضعيفهذه الأحكام بجملتها وبكلواحد منها مصونة عن التغيـير والتبديل فلا تنالها يد الإنسان كائناً من كانبتغيـير ولا تبديل وردا لشبهة بعضالعلمانيـين والحداثيـينهذا وتـثار مقابلهذا المعنى الذي ذكرناه من عدم تغير الأحكام الإلهية وأنها لا تنالها يد التغيـيرخصوصاً من يد الإنسان شبهة من قبل بعض العلمانيـين والحداثيـين إذ يقولون:









بأنه قد طرأت على الحياة الاجتماعية للإنسان أبعاد واسعة ومعقدة لايمكن أن تقاس أبداً بأسلوب الحياة قبل أربعة عشر قرناً فعلى سبيل المثال نلاحظالتطور والتقدم الذي أصاب أجهزة المواصلات اليوم وما وضع لها من أنظمة وقوانين يفوقلوحده عدد الأنظمة والقوانين التي كانت تضبط مسار الحياة في عهد النبي محمد(ص) فكيف إذا أضفنا إليها جوانب التقدم والرقي التي أحاطت المجتمع المعاصر في جوانبهالمختلفة وأدت إلى وضع مجموعة من القوانين والأنظمة التي لا مجاللحصرهاوبالجملة فإن جميع هذه المستحدثات كلها لم تكن في العصر الماضي أبّانتشريع وتقنين النظم والقوانين الإسلامية مما يعني أنه لم يكن للإسلام فيها موقفورأي وبالتالي نستكشف عدم الحاجة وجدوى مثل هكذا دين وهو يفتقر للنظم والقوانينالتي تحتاجها الحياة المعاصرة ولعلنا نطرح هذه الشبهة بطريق آخر فنقول لاريب في وجود تطور اجتماعي في سلسلة الحياة البشرية وهذا التطور يستلزم تطوراً فيقوانين الاجتماع خصوصاً إذ عرفنا بأن القانون الموضوع في ظرف خاص ربما يكون مضراًفي ظرف آخر ولا أقل من كونه غير مفيد وذلك يعني أن القوانين ومقتضيات الزمانتختلف باختلاف المجتمعات وألوان الحياة فما كان صحيحاً بالأمس لا يصح اليوم وماصح اليوم لا يصح غداً وهكذامثلاً لو راجعنا وسائل النقل التي كانت موجودةفي الأزمنة السابقة لوجدناها تنحصر في الجمال وغيرها من المواشي وكانت الثرواتالطبيعية لا تكاد تستغل استغلالاً مفيداً إلا القليل منها وقد كانت أدوات الحربفي تلك الفترات لا تعدو السيف والرمح والسهم ولا يخفى أن تلك القوانين المقننة فيتلك الحقبة الزمنية لا تـتماشى مع الواقع الحياتي المعاش اليوم الذي بلغت فيهحضارة الإنسان حداً تمكن فيه من تسخير الأرض والفضاء ووضع أرض القمر تحت رجليهواستخدم الكهرباء وأخذ يقطع المسافات البعيدة بالسيارات والطائرةوالصاروخ وصار يواجه أعدائه في الحروب بالقنبلة الذرية والهيدروجينية وغير ذلكمن أدوات الحرب فكيف يمكن لقانون واحد قنن في ظرف خاص ودور خاص أن يقوم بتأميننظام الحياة لظرف ودور آخر يغايره





الثابت والمتغير في الإسلام:









وفي الحقيقة أن هؤلاء الذي يثيرون مثل هذه الشبهات ويذكرونها يجهلون الإسلام ولا يعرفون أحكامه وكيفية تقنينها إذ أنهم يعتقدون أنالدين الإسلامي يقوم بإدارة الحياة المتحولة والمتغيرة دوماً نحو التكامل بمجموعةمن الأحكام الثابتة فقط وأن الإسلام يريد أن يحدّ بقوة السيف من تدفق حركة الحياةويقاوم التقدم الضروري المطرد للتمدن الإنساني وما هذا إلا وهم وجهل فهؤلاءيفتقدون للوعي الكافي ويملكون ضيق الأفق وعدم الإطلاع على المعرفة القانونيةوالحقوقية وعلى أي حال لكي نوضح أن مثل هذه الشبهة لا ترد على عالمية الإسلام وكونه رسالة خالدة لكل زمان ومكان ولا تنحصر قوانينه ونظمه على عصر دون آخر نشير إلى أن الأحكام الشرعية تنقسم إلى قسمين :






الأحكام الإسلامية الثابتة:







فنعني بها الأحكام التي ترتبط بواقع الإنسان الطبيعي وتأخذ بنظرالاعتبار التكوين الإنساني بصرف النظر عما إذا كان الإنسان بدوياً أو متحضراً أسوداً كان أو أبيضاً قوياً كان أو ضعيفاً ودون أن تعنى بزمان أو مكان معينينلأنها أصلاً تنسق مع البنية الوجودية للإنسان وما جهز به من قوى وأدوات داخليةوخارجية وبعبارة أخرى هي القوانين التي تحافظ على المنافع الحياتية للإنسان منزاوية كونه إنساناً يعيش حياة جماعية بغض النظر عن المكان والزمان والعواملالمتغيرة الأخرى ولكي يتضح ماذكرناه بشكل أفضل نشير لبعض الأمثلة في الحياة العائلية:









إن الإنسان بما هو وجود اجتماعي بالطبع يحتاج في حفظ حياته ونسله إلى العيش الاجتماعي والحياة العائلية وهذانالأمران من أسس الحياة الإنسانية و تقوم عليهما في جملة ما تقوم عليه منذبدء حياته وعلى هذا فإذا كان التشريع الموضوع لتنظيم المجتمع مبنياً علىالعدالة مراعياً لحقوق الأفراد وخالياً عن الظلم والجور بحيث يضمنمصلحة المجتمع ويصونه عن الانهيار والفساد لزم بقاؤه ودوامه ما دام مرتكزاً علىالعدل والإنصاف





التفاوت بين الرجل والمرأة:









من الأمور الطبيعية المحسوسة مسألة التفاوت بين الرجل والمرأة إذ أنهما موجودان مختلفان اختلافاً عضوياًوروحياً وإن كانت هناك دعايات أقل من أن يصغى إليها تسعى إلى إزالة التفاوت الموجود بينهما وبناءاً على وجود هذا التفاوت الطبيعي بينهما اختلفت أحكام كلمنهما عن الآخر اختلافاً يقتضيه طبع كل منهما فإذا كان التشريع مطابقاً لفطرتهماومسايراً لطبعهما ظل ثابتاً لا يتغير بمرور الزمان لثبات الموضوع.









الروابط العائلية:









ونعني بها رابطةالولد مع الوالد والأم والأخ مع أخيه هي روابط طبيعية لوجود الوحدة الروحيةوالوحدة النسبية بينهم فالأحكام المتفرقة المنسقة لهذه الروابط من التوارث ولزومالتكريم ثابتة لا تـتغير بتغير الزمان.





حفظ الأخلاق من الضياع والانحلال:









لا يخفى على أحد مدى حرص الدين الإسلامي على صيانة الأخلاق وحفظها من الضياع والانحلال ومما لا شك فيه أن الخمر والميسر والإباحة الجنسية وأمثال ذلك من الأمور القاضية على الأخلاق لذا سعى الإسلام العظيم إلى علاج هذه الأمور في حياة الفرد البشري من خلال تحريمها وإجراء الحدود على مرتكبيها فالأحكام المتعلقة بها من الأحكام الثابتة التي لا تـتغير على مدى الدهور والأجيال لأن ضررها ثابت لا يتغير بتغيرالزمان فالخمر يزيل العقل والإباحية الجنسيةتفسد النسل والحرث دائماً والنـتيجة التي نصل إليها من خلال ما ذكرناه إلىهنا هي أن ما يعرض الحياة الاجتماعية للإنسان من تطور وتقدم مدني في بعض نواحيهالا يوجب تغيـيراً في النظم المقننة على غرار الفطرة ولا يوجب أيضاً تغيـيراً فيالأحكام الموضوعة على طبق ملاكات واقعية من مصالح ومفاسد كامنة في موضوعاتها منأمثال بعض العقائد التي تعكس عبودية الإنسان لخالقه والقواعد العامة التي ترتبطبحياة الإنسان بدءاً من قضايا الغذاء والسكن والزواج حتى الدفاع عن أصل الحياةالاجتماعية فكل هذه أمور ثابتة يحتاجها الإنسان دائماً ولا يمكن تصور زوالهاوتغيرها





الأحكام الإسلامية المتغيرة:


وأما الأحكام الإسلاميةالمتغيرة فهي تلك القوانين التي تكتسب صفة مؤقتة أو طارئة لارتباطها بظروف خاصةبحيث تـتغير باختلاف طراز الحياة فمثل هذه الأحكام قابلة للتغير والتبدل تبعاًلتغيرات الحالات الاجتماعية والتطور التدريجي للحضارة والمدنية وما يستـتبعه منزوال القديم وظهور الوسائل والمناهج الجديدة ولا ريب في حاجة الإنسان إلى مثلهذه الأحكام المتغيرة كحاجته إلى الأحكام الثابتة حيث لا يتصور بقاء مجتمع منالمجتمعات البشرية واستمراره دون هذه الأحكام المتحركة.

وهذه الأحكام المتغيرة هي التي يعبر عنها فيالفقه الإسلامي بالمقررات كما يعبر عن الأحكام الثابتة بالقوانين ومما ينبغيالتوجه إليه هو أن هذه الأحكام المتغيرة ليست بمعزل عن القوانين الكليةالإسلامية فلا تكون اعتباطاً وفوضى بل تجري في ضوء القوانين الكلية الثابتة بحيثلا تناقضها ولا تعطلها وذلك لوجود خطوط عريضة تمثل القاعدة المركزية فيالتشريع الإسلامي وهذه القاعدة المركزية مصونة عن التبدل والتحول مهما اختلفتالأوضاع وتباينت الملابسات وتـتفرع على هذه الخطوط العريضة أحكام تستخرجمنها بإمعان ودراية يستنبطها الفقيه من بدل جهده على وفق هذه الخطوطالعريضة وهذه الأحكام المستخرجة من هذه الخطوط العريضة قابلة للتبدل والتغيروفق المجريات الحياتية للمجتمع الإنساني وما يحيط به من ملابسات وظروف هذا وسوفأقتصر في الموضوع زيادة لإيضاح ما ذكرت على مثال واحد وهو: أن عملية الدفاع عن الإسلام وحفظ استقلاله منالقوانين الثابتة التي لا تقبل التغيـير والتبديل لأن المقصد الأسمى لمشرع الإسلامهو صيانة سيادته عن خطر الأعداء وأَضرارهم ولهذا أوجب عليهم تحصيل قوة ضاربة ضدالعدو وإعداد جيش جدير بمواجهته كما في القرآن الكريم ((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ )) لكن كيفية الدفاع والطرق التكتيكية ونوع السلاح وما شابه ذلك منالأمور التي لم يـبينها الإسلام وذلك إيكالاً منه إياها إلى مقتضيات الزمان لأنهاتـتغير بتغيره لكن في إطار القوانين العامة وبعد هذا الذي ذكرناه من خلالملاحظة انقسام الأحكام الإسلامية إلى قسمين يتضح أن الشبهة المطروحة في محاولةالنيل من الإسلام العظيم لا تكشف إلا عن جهل مدعيها وضيق أفق مثيرها وفقرهمالمعرفي في الجوانب القانونية والحقوقية.














وفي الختام أعيد لكم اعتذاري عن تأخري

المتأمل
03-08-2006, 11:25 AM
((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ))





والدنا العزيز وسيدنا الكريم " محمود سعد "
كل شكر على اهتمامك بكل ما اكتب وكل مداخلاتك الرائعة وأيضا اكرر لك اعتذاري على تأخر الرد بسبب بعض الظروف التي ألمت بي وشكرا لك



أخي الفاضل " أبو هشام "
تحية طيبة لك سيدي الغالي أكرر لك العذر وأشكرك على كل شيء


أخي الفاضل " شبكة الناصرة "
تحية طيبة لك أخي العزيز وعفوا على انقطاعي لفترة طويلة على كل حال ارتحتوا بعض الوقت