المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عندما يصبح الفساد ثقافة



كاسر
09-27-2008, 04:39 AM
نقطة نظام- عندما يصبح الفساد ثقافة

الفساد ظاهرة عالمية تجتاح الدنيا من أقصاها الى أقصاها، وهو آفة تعاني منها ومن آثارها مختلف النظم السياسية وبدرجات متفاوتة الديمقراطية منها والدكتاتورية على حد سواء. ولكنها تختلف فيما بينها في أسس التصدي لتلك الظاهرة، ومحاولة علاج آثارها المدمرة للاقتصاد والسياسة والمجتمع، فالنظم التي يتوفر فيها اعلام حر قادر على النقد والمساءلة وملاحقة الفساد والفاسدين، واذا ما توفرت مؤسسات وهيئات مجتمع مدني وقامت بدورها كرديف لهذا الاعلام، واذا ما تواجدت سلطات قضائية مستقلة تكون في منأى عن تدخل النخب السياسية، ولا تطالها أيدي من تسول له نفسه العبث في مقدرات الأمة، أصبح بالامكان الحد من خطورته، ومحاصرة تأثيراته السلبية على مجمل البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وهذا ما يجري اليوم في الدول والمجتمعات الأكثر تقدما والتي تتوفر فيها الشروط آنفة الذكر، وتمتاز بالشفافية في كافة مناحي حياتها، وتمتلك أجهزة فعالة للرقابة والمساءلة. أما في الدول والمجتمعات الأقل تطوراً ومنطقتنا العربية منها فالأمر مختلف تماماً، حيث الاعلام موجه بدرجة شبه كاملة، من النظام السياسي في دولنا، والشفافية وتدفق المعلومات المتعلقة بحياة شعوبنا ومجتمعاتنا غير متوفرة أو هي منقوصة في أحسن الظروف، مما ترتب على ذلك انتشار الفساد واستشرائه حتى أصبح مرضاً يهدد المجتمع حاضراً ومستقبلاً.
ويتلخص معنى الفساد بأنه استغلال للمنصب الاداري أو السياسي لتحقيق مآرب شخصية، ونيل مكاسب ذاتية دون وجه حق. ولما كان الفساد مذموماً اجتماعياً بكافة صوره وأشكاله لكونه اعتداء صريح أولاً وقبل كل شيء على منظومة القيم والمبادئ الاجتماعية والأخلاقية. فكان المرتشي أو المختلس، أو سارق المال العام اذا ما انكشف أمره يسير في الشارع أو في الحارة مطأطئ الرأس، خجلاً من نفسه، يخشى مقابلة الناس، ويعيش منبوذاً من الجميع وحتى من أقرب الناس اليه.
هكذا كان وضع الفاسدين أيام زمان، أما اليوم وبعد أن تهشمت منظومتنا القيمية لأسباب يعرفها الكثيرون، ولا يتسع المقام هنا لاستعراضها، ويكفي أن نعترف جميعاً بمعاناتنا من آثارها في حياتنا المعاشة، حيث لم يعد العيب سابقاً عيباً هذه الأيام، فالفاسد في أيامنا الآن يتفاخر بفهلوته ومكتسباته ومعارفه وبماله الحرام، فتبدلت الأدوار فصرنا نحن من يخشى الفاسدين خوفاً من سطوتهم وطول باعهم، لدرجة أننا صرنا نتزلفهم ونطلب ودهم. وحتى في انجاز معاملاتنا الرسمية أصبحنا نفضل الموظف الفاسد على زميله الشريف، فرشوةٍ بمبلغ بسيط ندفها لذلك الموظف تحت اسم اكرامية ننجز معاملاتنا بالسرعة التي نريدها، ونحن في الواقع نكون قد اعتدينا على حقوق غيرنا من المواطنين، والأنكى من ذلك أننا صرنا نرشد أصدقاءنا ومعارفنا للتوجه الى ذلك الموظف أو أمثاله وهم كثر، لانجاز معاملاتهم. فنكون بذلك ودون قصد منا قد ساهمنا في تعميم الفساد وانتشاره. وهذا ما يجري مع موظف الهاتف والبريد والكهرباء وغيرها من الخدمات.
ان الكثيرين من المثقفين والمفكرين والوطنين الغيورين وكل المهتمين بالشأن العام يتحدثون عن الفساد المالي والفساد السياسي والاداري بالنقد والرفض والادانة، ومع قناعة الجميع بخطورة هذه الأنواع من الفساد على المجتمع حاضراً ومستقبلاً. الا أننا لم نتنبه الى أشكال أخرى من الفساد قد تكون أشد خطراً على المجتمع، فهناك الفساد الاجتماعي، والفساد الأخلاقي والسلوكي التي تحارب المجتمع في جوهره وتصيب مكوناته الفكرية والثقافية بمقتل.
فمن غير المعقول أن ننظر بعين فاحصة الى الفساد المالي مثلاً رغم خطورته، ونتجاهل الفساد الفكري والثقافي الذي أصبح يسيطر على مجتمعنا بصور مختلفة وبنسب كبيرة، وبات لا يشكل مأزقاً فقط بل يهدد المجتمع برمته، ويجعل من قيمنا الجميلة موضوعاً للعبث والتخريب بل يهددها بالتبديل والاحلال بأخرى لا علاقة لها بواقعنا ولا بموروثنا الثقافي والفكري. والمتابع لمفردات وتفاصيل حياتنا اليومية ومسلكيات الكثيرين منا يكتشف أننا غارقون في فساد أخلاقي وسلوكي يهدد حياتنا ووجودنا بالضياع والاندثار. فالمعلم الذي يرى أن معظم تلاميذه في الصف لا يعرفون القراءة والكتابة ولا يحرك ساكنا هو عملياً يمارس الفساد، وتلك التي شكت عبر احدى الاذاعات المحلية المراقبين في قاعات الامتحان لأنهم لا يسمحون للطلبة بالغش هي في الواقع تدعو الى الفساد؛ وذلك الذي يقدم في وليمة عرس ولده أكثر من مائة خروف بحثاً عن وجاهة موهومة، وتفاخر زائف، وتميز فارغ هو في حقيقة الأمر يمارس الفساد. والمواطن الذي لا يحترم القوانين ويتطاول عليها يمارس الفساد أيضاً. ان أخطر ما يدور في مجتمعنا اليوم هو تقبلنا لظواهر الفساد وتعايشنا معها، حتى بات من غير المقبول أن لا يحصل المرء على ثمن انجازاته أو سجنه أو أسره ووطنيته وصدقه أيضاً. ان الفساد الأكثر ضرراً والأشد خطورة هو فساد الفكر والثقافة ففسادهما يؤدي الى كارثة يصعب علاجها، فالأخلاق لا يمكن فرضها بالقانون، ولا يمكن تعلمها كما نتعلم جدول الضرب أو الحروف الهجائية.
وأخيراً نرى أن الترويج لثقافة جديدة تحارب ثقافة الفساد، تحتاج لممارسة وتدريب نفسي واجتماعي نوعي يمهد الطريق أمام قيم جديدة ترفض الفساد لتحل محل القيم التي تقبلته وتعايشت معه وعلينا أن نبدأ هذا الطريق من الأسرة مدركين في ذات الوقت صعوبة الطريق، ونجاحنا في ذلك يتوقف على صبرنا واصرارنا على مواصلة المشوار دون كللٍ أو تراجع.

علي pt
09-28-2008, 04:46 AM
صح لسانك ..

مشكورين على الطرح

واحد فاضي
09-28-2008, 06:33 AM
أخي الكريم الكاسر

المقال الذي أدرجته هو لمدير التربية التعليم في جنوب الضفة الغربية
الإستاذ خالد الطميزي

ولم تشر اليه لا من قريب ولا من بعيد أخي الكريم

مع العلم بأن منتدى النقاش لا يقبل المواضيع المنقولة بأي شكل من الأشكال

ننتظر منك أخي مواضيع بقلمكم الخاص


تحياتي

فمان الله