تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الممرضة



أحلى زهر
06-24-2008, 10:23 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لم يغادرها المرض حتى لحظه واحدة..كان الألم يتلوى مثل الأفعى ,ولكنها ظلت ساكتة ..ظلت ساكته تتحمل كلمات زوجها طوال تسعة أشهر ...
لم تكن تفكر إلا في طفلها القادم ..وكان زوجها يعلم كم قدمت من النذور, وكم تضرعت لكي يكون ماتنتظر صبياً..كان مصيرها معلقأ فوق كف عفريت ..فكرت لو أنها أنجبت للمرة الخامسة بنتاً فسوف تطرد من البيت مع ابنتها .
كانت تتلوى ألماً, وكانت الآلام الرهيبة تموج فوق وجهها ,ولم يعد هناك من مكان للتفكير .. وأغمضت عينها مستسلمة للعذاب ..
كانت نرجس التي انطلقت تستدعي القابلة, قد عادت تبشر بقدومها..
وماهي إلا لحظات حتى ملأ بكاء الوليد الجديد فضاء البيت ..كانت الأ م تصغي مجهدة إلى إحدى بناتها وهي تقول :
- ياويلنا إذا عرف ابونا !
كان الأب قد ذهب في مأمورية إلى إحدى المدن القريبة من طهران .. ولن يعود إلا بعد يومين .
وسقطت الأم في دوامة من الوسواس ..إنها تحب انتها الجديدة ولكن سوف تتضاعف معاناتها وستتحمل الشتم وإلاهانات كما حصل مع بنتاتها الأربع..والأسوء من ذلك أن هذه البنت ستعيش محرومة من حنان الآباء .. ومن أجل هذا قررت أن توكل تربيتها إلى امرأة اُخرى .. ولديها يومين فقط لتنفذ فكرتها .
في صباح اليوم التالي أرسلت ابنتها الكبرى وراء القابلة , وعندما جاءت القابلة قالت "عفاف":
- أنت تعرفين أخلاق زوجي ..إذا ماعاد من سفره ووقعت عينه على هذه البنت فسوف يحول حياتنا إلى جحيم ..أنا أعرف أنه لافرق بين الولد
والبنت ..كلاهما لطف من الله .. ولكن أخشى على أطفالي من الضياع ..لهذا قررت أن أهب ابنتي إلى امرأة أو اُسرة محرومة من الأطفال ..أرجوكِ ساعديني ..ماهو رأيك ؟ رفضت القابلة الأمر ,ذلك.. ولكنها لم تصمد أمام بكاء تلك الأم البائسة وتوسلاتها.. وانكسر قلبها ووعدتها بالعثور على اُسرة طيبة .
وفي نفس الليلة جاءت القابلة وفيما كانت البنات نائمات ..عانقت الأم ابنتها الأخيرة وقبلتها للمره الألف وسلمتها إلى القابلة .. اللتي غادرت المنزل على عجل ..بينما كانت الأم تشهق بالبكاء , وفي الصباح استيقظت الفتيات الأربع
وبحثن عن اُختهن .
قالت الأم وكانت عيناها قد احمرتا :
- لقد لزمته الحمى وماتت , وقد أخذتها القابلة للدفن .
كان الوقت غروباً , وكانت السيده عفاف ترتق بعض الثياب , وبناتها حولها عندما دق جرس الباب ,مرت لحظات وظهر الأب داخل فناء كبشاً إلى الحديقة ..سألت باضطراب واضح :
- ماهذا الكبش ياحسين ؟!
أجاب وهو يربط الكبش إلى جذع الشجرة :
- عقيقة لابني
رفع رأسه وحدق في زوجته بقلق :
- صبي أليس كذلك ؟
كانت بنتاً ولكنها ماتت !
قطب الرجل:
-هذا أفضل .
كانت المرأة القابلة تشق طريقها عبر البساتين في مدينة " رشت" , توقفت أمام منزل خشبي وطرقت الباب .. مرت لحظات وظهر رجل في متوسط العمر وإلى جانبه زوجته تصغره قليلاً.. وتطلعا إلى المرأة العجوز بطيبة .. عيونهما تحدق بوليد صغير لم يظهر منه سوى الوجه .
قالت القابلة وهي تبتسم :
- لقد وفيت بوعدي .. خذي ياخلود هذه البنت الجميلة ..لقد وهبتها اُمها لكما ولم تطلب عنواناً ..كل ماترجوه منكما أن تسموها " حنان". وهكذا أضاءت حنان في ظلال تلك الأسرة وبين أبوين طيبين وحملت أسمهما.
وشيئاً فشيئاً تكبر حنان .. لتذهب إلى المدرسة الأبتدائية ثم الأعدادية فيما بعد.
ثم تدرس التمريض لترتدي مريلة بيضاء في المستشفى , وكانت الساعة المعلقة على جدار البهو تشير إلى العاشرة مساءً , وكان المطر يرشق النوافذ بعنف .
وصوت الرياح الشديدة يتناهى مع الأذان , فجأة سمع صوت سيارة إسعاف يشتد لحظة بعد اُخرى لكأنه ينبئ عن وقوع حادثة ما .
نهضت حنان وراحت تتطلع من وراء النافذة إلى سيارة الاسعاف وهي تلج ساحه المستشفى .
هرول أفراد الاسعاف , وما أسرع أن حملوا على المحفة شيخاً قد دهسته سيارة .
الشيخ في غرفة العمليات فاقد الوعي وليست معه أية وثيقة تشير إلى اسمه أو عنوانه.
التقارير تشير إلى حادث دهس وقد فر السائق .
مر أسبوعان إلى أن أفاق الرجل العجوز .. قوة عجيبة كانت تدفع بحنان إلى أن تتفقد ذلك الرجل في اليوم مرات ومرات . وكم قضت وقتاً طويلاً وهي تتأمل وجه العجوز المليء بالتجاعيد .
كانت تتساءل عن سر هذا الأهتمام ولكن دون جدوى .. ليس هناك من يعرف هذا العجوز ..وكان ظن البعض أنه مسافر غريب قد قدم من ديار بعيدة .
وتتحسن حالة العجوز .. ولكنه ظل معتصماً بالصمت .. كان الحزن يموج في عينيه .. وكان من الواضح أنه يخفي في صدره هماً ثقيلاً.
وذات يوم جلست حنان على حافة سرير العجوز وسألته بود :
- هل أنت بخير يا أبي .. أراك تحمل هماً , ولكنك تعتصم بالسكوت , خفف عن قلبك الهموم بالكلام .
تجمعت في عيني العجوز الواهنتين الدموع , وتأوه بحسرة وقال :
- طيب يا ابنتي سأتكلم , إن حنانك يثير كوامن جرح قديم في النفس يعذبني اكثر . أنت تذكريني بإحدى بناتي ولو كانت حية اليوم لكانت في مثل سنك .
كان العجوز يبكي وهو يواصل حديثه ويذكر تفاصيل عن حياته مع زوجته التي طالما آذاها لأنها لا تلد له غير البنات :
- كنت أظن أن الطفلة قد ماتت , ولكن الحقيقة كانت غير ذلك , بعد عامين من تلك الحادثة حملت زوجتي صبياً ولكنه كان مشلولاً.
لقد أيقظتني الحادثة من غفلتي وركعت لله قلت له : يارب غفرانك ياأحكم الحاكمين .. إلهي أنا مذنب عاص , سامحني يارب .. لقد تحطم كل كبريائي أمام زوجتي وبناتي , كنت أبكي .
ولم تكن زوجتي أفضل حالاً مني ..كانت تهذي في نومها..كانت تخفي عني سراً كان سراً مريراً ..
ولكنها لم تتحمل الصبر أكثر من ذلك وأخبرتني بكل شيء , قالت لي : إن ابنتنا الأخيرة لم تمت .. لقد وهبتها إلى اُسرة مجهولة !
ومن ذلك اليوم وأنا أتعذب .. أي إثم ارتكبت , ومن ذلك اليوم وانا مستعد لتلقي العقاب , ذهبت إلى القابلة لأعرف لدى أية اُسرة أودعت ابنتي .. ولكن القدر قطع اخر قيود الأمل , فقد قيل لي ماتت منذ أربع سنوات ..
من أجل هذا لم أعد اُطيق البيت .. قررت أن أبحث عنها في كل مكان فلعلي أعثر على ابنتي الضائعة .
وها أنا أطوي المدن بحثاً عنها وليس عندي منها علامة إلا اسمها .
شعرت الممرضة باللهفة وهي تسأله :
- وماذا كان اسمها يا أبي ؟
قال الشيخ بيأس :
- أخبرتني زوجتي قبل وفاتها أنها طلبت من القابلة أن يكون اسم البنت حنان .. نعم , ليس هناك من علامة إلا هذا الاسم فقط.
سألت حنان :
- وإذن فهي قد ماتت ؟
- نعم , منذ خمسة أعوام .
شعرت حنان بأن كيانها يرتجف بشدة , وان قشعريرة عنيفة تسري في كل ذرة من جسدها .. وتفجرت الدموع من عينيها , وشعر العجوز بالدهشة فسأل :
- لماذا تبكين يا ابنتي ؟ انا الذي علي أن أبكي بدل الدموع دماً .
لم تسمع حنان ماقاله العجوز .. إذ سرعان مانهضت زغادرت الغرفة ..
وجدت نفسها تهرول إلى البيت وقد خنقتها العبرة .. كانت قد سمعت منذ أعوام أنها ليست ابنه لهذه الاُسرة .
وكلما سألت والديها اعتصما بالصمت ..اتهلم يغادرها المرض حتى لحظه واحدة..كان الألم يتلوى مثل الأفعى ,ولكنها ظلت ساكتة ..ظلت ساكته تتحمل كلمات زوجها طوال تسعة أشهر ...
لم تكن تفكر إلا في طفلها القادم ..وكان زوجها يعلم كم قدمت من النذور, وكم تضرعت لكي يكون ماتنتظر صبياً..كان مصيرها معلقأ فوق كف عفريت ..فكرت لو أنها أنجبت للمرة الخامسة بنتاً فسوف تطرد من البيت مع ابنتها .
كانت تتلوى ألماً, وكانت الآلام الرهيبة تموج فوق وجهها ,ولم يعد هناك من مكان للتفكير .. وأغمضت عينها مستسلمة للعذاب ..
كانت نرجس التي انطلقت تستدعي القابلة, قد عادت تبشر بقدومها..
وماهي إلا لحظات حتى ملأ بكاء الوليد الجديد فضاء البيت ..كانت الأ م تصغي مجهدة إلى إحدى بناتها وهي تقول :
- ياويلنا إذا عرف ابونا !
كان الأب قد ذهب في مأمورية إلى إحدى المدن القريبة من طهران .. ولن يعود إلا بعد يومين .
وسقطت الأم في دوامة من الوسواس ..إنها تحب انتها الجديدة ولكن سوف تتضاعف معاناتها وستتحمل الشتم وإلاهانات كما حصل مع بنتاتها الأربع..والأسوء من ذلك أن هذه البنت ستعيش محرومة من حنان الآباء .. ومن أجل هذا قررت أن توكل تربيتها إلى امرأة اُخرى .. ولديها يومين فقط لتنفذ فكرتها .
في صباح اليوم التالي أرسلت ابنتها الكبرى وراء القابلة , وعندما جاءت القابلة قالت "عفاف":
- أنت تعرفين أخلاق زوجي ..إذا ماعاد من سفره ووقعت عينه على هذه البنت فسوف يحول حياتنا إلى جحيم ..أنا أعرف أنه لافرق بين الولد
والبنت ..كلاهما لطف من الله .. ولكن أخشى على أطفالي من الضياع ..لهذا قررت أن أهب ابنتي إلى امرأة أو اُسرة محرومة من الأطفال ..أرجوكِ ساعديني ..ماهو رأيك ؟ رفضت القابلة الأمر ,ذلك.. ولكنها لم تصمد أمام بكاء تلك الأم البائسة وتوسلاتها.. وانكسر قلبها ووعدتها بالعثور على اُسرة طيبة .
وفي نفس الليلة جاءت القابلة وفيما كانت البنات نائمات ..عانقت الأم ابنتها الأخيرة وقبلتها للمره الألف وسلمتها إلى القابلة .. اللتي غادرت المنزل على عجل ..بينما كانت الأم تشهق بالبكاء , وفي الصباح استيقظت الفتيات الأربع
وبحثن عن اُختهن .
قالت الأم وكانت عيناها قد احمرتا :
- لقد لزمته الحمى وماتت , وقد أخذتها القابلة للدفن .
كان الوقت غروباً , وكانت السيده عفاف ترتق بعض الثياب , وبناتها حولها عندما دق جرس الباب ,مرت لحظات وظهر الأب داخل فناء كبشاً إلى الحديقة ..سألت باضطراب واضح :
- ماهذا الكبش ياحسين ؟!
أجاب وهو يربط الكبش إلى جذع الشجرة :
- عقيقة لابني
رفع رأسه وحدق في زوجته بقلق :
- صبي أليس كذلك ؟
كانت بنتاً ولكنها ماتت !
قطب الرجل:
-هذا أفضل .
كانت المرأة القابلة تشق طريقها عبر البساتين في مدينة " رشت" , توقفت أمام منزل خشبي وطرقت الباب .. مرت لحظات وظهر رجل في متوسط العمر وإلى جانبه زوجته تصغره قليلاً.. وتطلعا إلى المرأة العجوز بطيبة .. عيونهما تحدق بوليد صغير لم يظهر منه سوى الوجه .
قالت القابلة وهي تبتسم :
- لقد وفيت بوعدي .. خذي ياخلود هذه البنت الجميلة ..لقد وهبتها اُمها لكما ولم تطلب عنواناً ..كل ماترجوه منكما أن تسموها " حنان". وهكذا أضاءت حنان في ظلال تلك الأسرة وبين أبوين طيبين وحملت أسمهما.
وشيئاً فشيئاً تكبر حنان .. لتذهب إلى المدرسة الأبتدائية ثم الأعدادية فيما بعد.
ثم تدرس التمريض لترتدي مريلة بيضاء في المستشفى , وكانت الساعة المعلقة على جدار البهو تشير إلى العاشرة مساءً , وكان المطر يرشق النوافذ بعنف .
وصوت الرياح الشديدة يتناهى مع الأذان , فجأة سمع صوت سيارة إسعاف يشتد لحظة بعد اُخرى لكأنه ينبئ عن وقوع حادثة ما .
نهضت حنان وراحت تتطلع من وراء النافذة إلى سيارة الاسعاف وهي تلج ساحه المستشفى .
هرول أفراد الاسعاف , وما أسرع أن حملوا على المحفة شيخاً قد دهسته سيارة .
الشيخ في غرفة العمليات فاقد الوعي وليست معه أية وثيقة تشير إلى اسمه أو عنوانه.
التقارير تشير إلى حادث دهس وقد فر السائق .
مر أسبوعان إلى أن أفاق الرجل العجوز .. قوة عجيبة كانت تدفع بحنان إلى أن تتفقد ذلك الرجل في اليوم مرات ومرات . وكم قضت وقتاً طويلاً وهي تتأمل وجه العجوز المليء بالتجاعيد .
كانت تتساءل عن سر هذا الأهتمام ولكن دون جدوى .. ليس هناك من يعرف هذا العجوز ..وكان ظن البعض أنه مسافر غريب قد قدم من ديار بعيدة .
وتتحسن حالة العجوز .. ولكنه ظل معتصماً بالصمت .. كان الحزن يموج في عينيه .. وكان من الواضح أنه يخفي في صدره هماً ثقيلاً.
وذات يوم جلست حنان على حافة سرير العجوز وسألته بود :
- هل أنت بخير يا أبي .. أراك تحمل هماً , ولكنك تعتصم بالسكوت , خفف عن قلبك الهموم بالكلام .
تجمعت في عيني العجوز الواهنتين الدموع , وتأوه بحسرة وقال :
- طيب يا ابنتي سأتكلم , إن حنانك يثير كوامن جرح قديم في النفس يعذبني اكثر . أنت تذكريني بإحدى بناتي ولو كانت حية اليوم لكانت في مثل سنك .
كان العجوز يبكي وهو يواصل حديثه ويذكر تفاصيل عن حياته مع زوجته التي طالما آذاها لأنها لا تلد له غير البنات :
- كنت أظن أن الطفلة قد ماتت , ولكن الحقيقة كانت غير ذلك , بعد عامين من تلك الحادثة حملت زوجتي صبياً ولكنه كان مشلولاً.
لقد أيقظتني الحادثة من غفلتي وركعت لله قلت له : يارب غفرانك ياأحكم الحاكمين .. إلهي أنا مذنب عاص , سامحني يارب .. لقد تحطم كل كبريائي أمام زوجتي وبناتي , كنت أبكي .
ولم تكن زوجتي أفضل حالاً مني ..كانت تهذي في نومها..كانت تخفي عني سراً كان سراً مريراً ..
ولكنها لم تتحمل الصبر أكثر من ذلك وأخبرتني بكل شيء , قالت لي : إن ابنتنا الأخيرة لم تمت .. لقد وهبتها إلى اُسرة مجهولة !
ومن ذلك اليوم وأنا أتعذب .. أي إثم ارتكبت , ومن ذلك اليوم وانا مستعد لتلقي العقاب , ذهبت إلى القابلة لأعرف لدى أية اُسرة أودعت ابنتي .. ولكن القدر قطع اخر قيود الأمل , فقد قيل لي ماتت منذ أربع سنوات ..
من أجل هذا لم أعد اُطيق البيت .. قررت أن أبحث عنها في كل مكان فلعلي أعثر على ابنتي الضائعة .
وها أنا أطوي المدن بحثاً عنها وليس عندي منها علامة إلا اسمها .
شعرت الممرضة باللهفة وهي تسأله :
- وماذا كان اسمها يا أبي ؟
قال الشيخ بيأس :
- أخبرتني زوجتي قبل وفاتها أنها طلبت من القابلة أن يكون اسم البنت حنان .. نعم , ليس هناك من علامة إلا هذا الاسم فقط.
سألت حنان :
- وإذن فهي قد ماتت ؟
- نعم , منذ خمسة أعوام .
شعرت حنان بأن كيانها يرتجف بشدة , وان قشعريرة عنيفة تسري في كل ذرة من جسدها .. وتفجرت الدموع من عينيها , وشعر العجوز بالدهشة فسأل :
- لماذا تبكين يا ابنتي ؟ انا الذي علي أن أبكي بدل الدموع دماً .
لم تسمع حنان ماقاله العجوز .. إذ سرعان مانهضت زغادرت الغرفة ..
وجدت نفسها تهرول إلى البيت وقد خنقتها العبرة .. كانت قد سمعت منذ أعوام أنها ليست ابنه لهذه الاُسرة .لم يغادرها المرض حتى لحظه واحدة..كان الألم يتلوى مثل الأفعى ,ولكنها ظلت ساكتة ..ظلت ساكته تتحمل كلمات زوجها طوال تسعة أشهر ...
لم تكن تفكر إلا في طفلها القادم ..وكان زوجها يعلم كم قدمت من النذور, وكم تضرعت لكي يكون ماتنتظر صبياً..كان مصيرها معلقأ فوق كف عفريت ..فكرت لو أنها أنجبت للمرة الخامسة بنتاً فسوف تطرد من البيت مع ابنتها .
كانت تتلوى ألماً, وكانت الآلام الرهيبة تموج فوق وجهها ,ولم يعد هناك من مكان للتفكير .. وأغمضت عينها مستسلمة للعذاب ..
كانت نرجس التي انطلقت تستدعي القابلة, قد عادت تبشر بقدومها..
وماهي إلا لحظات حتى ملأ بكاء الوليد الجديد فضاء البيت ..كانت الأ م تصغي مجهدة إلى إحدى بناتها وهي تقول :
- ياويلنا إذا عرف ابونا !
كان الأب قد ذهب في مأمورية إلى إحدى المدن القريبة من طهران .. ولن يعود إلا بعد يومين .
وسقطت الأم في دوامة من الوسواس ..إنها تحب انتها الجديدة ولكن سوف تتضاعف معاناتها وستتحمل الشتم وإلاهانات كما حصل مع بنتاتها الأربع..والأسوء من ذلك أن هذه البنت ستعيش محرومة من حنان الآباء .. ومن أجل هذا قررت أن توكل تربيتها إلى امرأة اُخرى .. ولديها يومين فقط لتنفذ فكرتها .
في صباح اليوم التالي أرسلت ابنتها الكبرى وراء القابلة , وعندما جاءت القابلة قالت "عفاف":
- أنت تعرفين أخلاق زوجي ..إذا ماعاد من سفره ووقعت عينه على هذه البنت فسوف يحول حياتنا إلى جحيم ..أنا أعرف أنه لافرق بين الولد
والبنت ..كلاهما لطف من الله .. ولكن أخشى على أطفالي من الضياع ..لهذا قررت أن أهب ابنتي إلى امرأة أو اُسرة محرومة من الأطفال ..أرجوكِ ساعديني ..ماهو رأيك ؟ رفضت القابلة الأمر ,ذلك.. ولكنها لم تصمد أمام بكاء تلك الأم البائسة وتوسلاتها.. وانكسر قلبها ووعدتها بالعثور على اُسرة طيبة .
وفي نفس الليلة جاءت القابلة وفيما كانت البنات نائمات ..عانقت الأم ابنتها الأخيرة وقبلتها للمره الألف وسلمتها إلى القابلة .. اللتي غادرت المنزل على عجل ..بينما كانت الأم تشهق بالبكاء , وفي الصباح استيقظت الفتيات الأربع
وبحثن عن اُختهن .
قالت الأم وكانت عيناها قد احمرتا :
- لقد لزمته الحمى وماتت , وقد أخذتها القابلة للدفن .
كان الوقت غروباً , وكانت السيده عفاف ترتق بعض الثياب , وبناتها حولها عندما دق جرس الباب ,مرت لحظات وظهر الأب داخل فناء كبشاً إلى الحديقة ..سألت باضطراب واضح :
- ماهذا الكبش ياحسين ؟!
أجاب وهو يربط الكبش إلى جذع الشجرة :
- عقيقة لابني
رفع رأسه وحدق في زوجته بقلق :
- صبي أليس كذلك ؟
كانت بنتاً ولكنها ماتت !
قطب الرجل:
-هذا أفضل .
كانت المرأة القابلة تشق طريقها عبر البساتين في مدينة " رشت" , توقفت أمام منزل خشبي وطرقت الباب .. مرت لحظات وظهر رجل في متوسط العمر وإلى جانبه زوجته تصغره قليلاً.. وتطلعا إلى المرأة العجوز بطيبة .. عيونهما تحدق بوليد صغير لم يظهر منه سوى الوجه .
قالت القابلة وهي تبتسم :
- لقد وفيت بوعدي .. خذي ياخلود هذه البنت الجميلة ..لقد وهبتها اُمها لكما ولم تطلب عنواناً ..كل ماترجوه منكما أن تسموها " حنان". وهكذا أضاءت حنان في ظلال تلك الأسرة وبين أبوين طيبين وحملت أسمهما.
وشيئاً فشيئاً تكبر حنان .. لتذهب إلى المدرسة الأبتدائية ثم الأعدادية فيما بعد.
ثم تدرس التمريض لترتدي مريلة بيضاء في المستشفى , وكانت الساعة المعلقة على جدار البهو تشير إلى العاشرة مساءً , وكان المطر يرشق النوافذ بعنف .
وصوت الرياح الشديدة يتناهى مع الأذان , فجأة سمع صوت سيارة إسعاف يشتد لحظة بعد اُخرى لكأنه ينبئ عن وقوع حادثة ما .
نهضت حنان وراحت تتطلع من وراء النافذة إلى سيارة الاسعاف وهي تلج ساحه المستشفى .
هرول أفراد الاسعاف , وما أسرع أن حملوا على المحفة شيخاً قد دهسته سيارة .
الشيخ في غرفة العمليات فاقد الوعي وليست معه أية وثيقة تشير إلى اسمه أو عنوانه.
التقارير تشير إلى حادث دهس وقد فر السائق .
مر أسبوعان إلى أن أفاق الرجل العجوز .. قوة عجيبة كانت تدفع بحنان إلى أن تتفقد ذلك الرجل في اليوم مرات ومرات . وكم قضت وقتاً طويلاً وهي تتأمل وجه العجوز المليء بالتجاعيد .
كانت تتساءل عن سر هذا الأهتمام ولكن دون جدوى .. ليس هناك من يعرف هذا العجوز ..وكان ظن البعض أنه مسافر غريب قد قدم من ديار بعيدة .
وتتحسن حالة العجوز .. ولكنه ظل معتصماً بالصمت .. كان الحزن يموج في عينيه .. وكان من الواضح أنه يخفي في صدره هماً ثقيلاً.
وذات يوم جلست حنان على حافة سرير العجوز وسألته بود :
- هل أنت بخير يا أبي .. أراك تحمل هماً , ولكنك تعتصم بالسكوت , خفف عن قلبك الهموم بالكلام .
تجمعت في عيني العجوز الواهنتين الدموع , وتأوه بحسرة وقال :
- طيب يا ابنتي سأتكلم , إن حنانك يثير كوامن جرح قديم في النفس يعذبني اكثر . أنت تذكريني بإحدى بناتي ولو كانت حية اليوم لكانت في مثل سنك .
كان العجوز يبكي وهو يواصل حديثه ويذكر تفاصيل عن حياته مع زوجته التي طالما آذاها لأنها لا تلد له غير البنات :
- كنت أظن أن الطفلة قد ماتت , ولكن الحقيقة كانت غير ذلك , بعد عامين من تلك الحادثة حملت زوجتي صبياً ولكنه كان مشلولاً.
لقد أيقظتني الحادثة من غفلتي وركعت لله قلت له : يارب غفرانك ياأحكم الحاكمين .. إلهي أنا مذنب عاص , سامحني يارب .. لقد تحطم كل كبريائي أمام زوجتي وبناتي , كنت أبكي .
ولم تكن زوجتي أفضل حالاً مني ..كانت تهذي في نومها..كانت تخفي عني سراً كان سراً مريراً ..
ولكنها لم تتحمل الصبر أكثر من ذلك وأخبرتني بكل شيء , قالت لي : إن ابنتنا الأخيرة لم تمت .. لقد وهبتها إلى اُسرة مجهولة !
ومن ذلك اليوم وأنا أتعذب .. أي إثم ارتكبت , ومن ذلك اليوم وانا مستعد لتلقي العقاب , ذهبت إلى القابلة لأعرف لدى أية اُسرة أودعت ابنتي .. ولكن القدر قطع اخر قيود الأمل , فقد قيل لي ماتت منذ أربع سنوات ..
من أجل هذا لم أعد اُطيق البيت .. قررت أن أبحث عنها في كل مكان فلعلي أعثر على ابنتي الضائعة .
وها أنا أطوي المدن بحثاً عنها وليس عندي منها علامة إلا اسمها .
شعرت الممرضة باللهفة وهي تسأله :
- وماذا كان اسمها يا أبي ؟
قال الشيخ بيأس :
- أخبرتني زوجتي قبل وفاتها أنها طلبت من القابلة أن يكون اسم البنت حنان .. نعم , ليس هناك من علامة إلا هذا الاسم فقط.
سألت حنان :
- وإذن فهي قد ماتت ؟
- نعم , منذ خمسة أعوام .
شعرت حنان بأن كيانها يرتجف بشدة , وان قشعريرة عنيفة تسري في كل ذرة من جسدها .. وتفجرت الدموع من عينيها , وشعر العجوز بالدهشة فسأل :
- لماذا تبكين يا ابنتي ؟ انا الذي علي أن أبكي بدل الدموع دماً .
لم تسمع حنان ماقاله العجوز .. إذ سرعان مانهضت زغادرت الغرفة ..
وجدت نفسها تهرول إلى البيت وقد خنقتها العبرة .. كانت قد سمعت منذ أعوام أنها ليست ابنه لهذه الاُسرة .رأت الاُم حنان مخطوفة اللون , قد تورمت عيناها من البكاء فشعرت بالقلق :
- ماذا حصل يا ابنتي ؟ هل أصابك مكروه؟!
قالت حنان بضراعة :
-أرجوك اجيبي على سؤالي .. من الذي سلمني إليكم يوم كنت طفلة رضيعة ؟
حاولت المرأة تهدئة حنان ..شدت حنان على يديها وكأنها تحثها على الكلام وكان قلبها يموج بإعصار من حزن مرير , وانكشفت كل الحقائق , وعرفت حنان أن ذلك العجوز الراقد في المستشفى لم يكن غير أبيها .
والآن ماذا تفعل , ما؟أصعب الأختيار !
- انهضي يا اُمي ..لنذهب إلى المستشفى .. إن أبي هناك .
وعندما وصلا المستشفى وجدت حنان السرير خالياً, وسألت بذعرفقيل لها: لقد توفي منذ نصف ساعة , وقد سجل الطبيب أن سبب الوفاة هو السكتة القلبية .
وعندما غادرت حنان المستشفى كان المطر ينهمر غزيراً , وامتزجت دموعها مع المطر فألقت نفسها في أحضان المرأة الطيبة وقالت :
- لنعد إلى البيت يا ..اٌمي



منقول

لبنه كيري
06-25-2008, 09:46 AM
مشكوووووووووووووووووووووره على القصه المؤثره

أحلى زهر
06-25-2008, 04:06 PM
العفو
أشكر مرورك العطر
لا عدمتكِ

عنيده
06-26-2008, 03:45 PM
قصه موثره حقا ..



وقد اصابتني الرجفه منها ..


الله يعطيج العافيه .ز


تحياتي

تمساح الظلم
06-26-2008, 06:08 PM
مشكورة على القصة الحلوة