تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : هواجس طفلة من الماضي



احمد السهلاني
04-29-2008, 10:49 PM
(هواجس طفلة من الماضي)
قصة قصيرة

كانت في بطن امها حينما سمعت صراخ النساء وصراخ اخوتها الذين لم ترهم بعد, تسائلت هل حانت ساعة ولادتي لتبكي امي ومن حولها ! اذن لماذا يبكون
بحرقة شديدة !!! ولماذا يلطمون ! هذا هاجسها الذي لم تتذكره بعد ,مر احد عشر يوما بعدها خرجت الى الدنيا لتستفسر عن ابويها , كان من المفروض ان تراهم سوية فرحين بقدومها, بكت كما يبكي الاطفال
عادة لتجد امها المخضبة بالسواد التي لم يسمح لها ضيمها ان تبتسم بوجهها البريئ ,وجهها الذي سترسم عليه تسائلات كثيرة تسئل المجهول عن السبب , لم يفوتها ان تعرف انها يتيمة منذ يوم ولادتها اي قبل اثنى عشر يوما من ولادتها حيث قتل ابوها في الحرب ,نعم
عرفت انها يتيمة لذا لم تتدلع لابيها كما تفعل البنات, حيث كبتت بكائها راضية بأي سرير وغاضة نظرها عن كل ما يتمناه الصغار سامحةَ لامها ان تبكي على زوجها عسى ان تسترد عَبرَتها امل الحياة .
كان رأسها الصغير يعج في الافكار كان لها كبرياء كبير وطهارة في القلب انعكس طهرها على شكلها الجميل وعلى وجهها الوديع, وكأن يد الله كانت اول الماسحين على راسها المتيتم .كانت تقنع نفسها بان اباها موجود ولكن ليس مثل كل الآباء كان متخفيا تراه كلما اقبل عليهم الزائرون لتٌفتًح غرفة الضيوف (الديوانية ) حيث علقت صورة اباها , كانت تنظر بعيون ابيها
تحسبه يبادلها النظرات تتكلم من داخلها معه, تعاتبه بدمعتها الصغيرة عن غيابه وعن فراق حنانه , هي لم تره
رأي العين,
ولكن بقلبها ملتصق, مذعنا كبريائها: ان لها اباً لم يعش, لان سفاحا اراد ان تكون هنالك حرب, ليكون هنالك موت يسحق الاباء ويسحق قلوب ابنائهمُ اليتامى .
كانت تفكر بصوت مكبوت , صوت لم يسمعه احد , وكأنها
ممنوعة عن السؤال , او مبتعدة عن الجواب, ام انها لا تعرف ان هنالك من يجيب او ان فكرة السؤال لم تخطر
على بالها ..
كانت تفكر ليلا كباقي اليتامى ماذا لو كان لي ابا ؟ هل يجلب لي ابي دشداشة العيد الملونة ؟ , كما جلب ابو شيماء لابنته ! ام ان ابي له ذوق اخر ؟ فيجلب لي ..... كانت تقاطع افكارها مرة بعد مرة كي لا تنهي تسائلاتها فليالي الشتاء طويلة لا تريد ان تفسد نشوة التفكير بعالمها الابوي .
كانت ايام الحرب الطويلة تشهد انتظارٌ للآباء ولحظات استقبال للأطفال وشوق وخوف وحنين للزوجات , كانت اياما لا تنسى ثمان سنوات من الموت اعتصرت الارض ضحايا البشر واختنق التراب بموتاه.
كان كلما جاء جندي في اجازة بعد اشهر من غياب يتجمع
الجيران والاقارب ويركض الابناء لابيهم فتكون هناك لحظة عاطفية تنزل فيها دموع الحاضرين فرحا بالقدوم , اما هي فدمعتها لم تكن ذا مذاق فرح او اشتياق , بل ان دمعتها تنزل انزلاقا بحالتها الصلبة , دمعة تتصلب الما قبل نزولها ,كانت تنأى منكسرة على احد الاسيجة القريبة او اي شئ يصلح للاستناد لتتابع المشهد , خالقةً لنفسها ذات الكبرياء خصوصية لمساحتها المرئية لتنعزل للحظة عن ما يحيطها لتريح نفسها بدمعة صغيرة وتنهيدة .
كانت هذه البنت في قرية ريفية صغيرة تتناثر بيوتها على
جنبات الطريق الترابي كانت تجمعهم افراحهم واحزانهم وكانت هنالك فسحة يلعب بها الصغار تشرف على الطريق , كان الاطفال الحفاة يرون القادم من بعيد فأذا قدم احد فانك سترى احد الاطفال يركض مسرعا الى بيته لينتعل خفيه كي لا يراه اباه.
كانت تراقب حركات الاطفال وخاصة ما يتعلق بآبائهم ، كانت تنتعل خفيها كل الوقت كي لا تخطف ببصرها عن ابيها اذا ظهر, ليشاهد ابنته التي لا تريد ان يراها وهي حافية القدمين , كانت تراقب قدميها بين لحظة ولحظة كي تتأكد من قيافتها لترجع اخر النهار بقدمين صغيرين متعرقتين يحملان جسدا صغير مثقلا بما فقد !! .
كانت لهذه المواقف خصوصية في تفكيرها الليلي , وهي ملتصقة بأمها , كانت عيناها الصغيرتين اللامعتين في الظلام ترمشان, بينما هي تستذكر احداث اليوم , هي تعرف بفطرتها انها لم تكن اليتيمة الوحيدة , متيقنة ان اليتم خنجرها الذي يرقد بين احشائها لتشعر بالالم في كل حركة من حياتها .
السنين تمضي لتكبر مع عالمها الذي ارهقته معاناتها لتنمو مع الزمن افكارها وقناعاتها لتصل الى عمر تستطيع ان تتخلى عن حاجتها لما تسميه بالابوة , وايقنت بعدها ان شعور اليتم ترك في داخلها فجوة لم تمتلئ بعد حتى وان اصبحت ام لاولادها , فهي لازالت تنظرالى الطريق عسى ان ترى ما لم تره في طفولتها .


بقلم:احمد عبد الكريم السهلاني

الأمل البعيد
05-02-2008, 11:39 AM
قصه رائعه جدا تحكي عن معاناة الحرب
الآباء .. النساء .. الأطفال اليتامى ..
كلاً يشتكي ويمسح دمعته من خذه
كما قلت هذا هو سفاحا يريد الحرب أن تعم في هذه الأرض
لكي ييتم أطفالاً ويقتل رجالا ونساءً
قصه ذات معني جميل جدا
ابدعت في بثْ الفكره للعقول
لاعدمنااا الإبداع
تحياتي
الأمل البعيد

احمد السهلاني
05-02-2008, 09:23 PM
شكرا الك ايتها المشرفة الرائعة على المتابعة
وشكرا على اهتمامك

LUCKY
05-05-2008, 12:30 PM
كلمات رااااائعه و فكره اروع

كلما كتبته اخي معبر

حقاً انها معانات الحروب التي في اعتقادي باتت وشيكه

فنسال الله لنا ولكم السلامه في الدين و الدنيا

تحياتي

احمد السهلاني
05-10-2008, 02:03 PM
شكرا اخي العزيز

Hussain.T
05-10-2008, 09:33 PM
قصة جميلة ومؤثرة

يسلمووو اخي.

تحياتي

عنيده
05-14-2008, 06:50 PM
قصه جميله جدااا


ومعبره وموثره جداا


يسلمووو

احمد السهلاني
05-17-2008, 09:25 AM
الشكر لكم يا احلى وارق اصدقاء شكرا لمروركم الجميل